تسجيل الدخول

View Full Version : ( ال سعود ) > كيف يفكرون وماذا يفعلون بشعبهم وماذا عنهم


درب العرب
08-01-2001, 06:26 PM
مقدمة
المرجو بعد تحميل هذا الموضوع الأسراع بقطع الأتصال ثم البت في الأطلاع على الموضوع كاملا

أشكر لكل من تفضل بزيارة هذا الموضوع كما أوجه شكري لكل من شارك في هذا الموضوع وأأسف على الأطالة فيه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن المتأمل في تصرفات معظم أبناء الأسرة الحاكمة الشخصية أو السياسية والمطلع على حقيقة عقلية الأسرة وواقع سلوك أفرادها و أقوالهم وأسلوب تفكيرهم سيتضح له نسق عام يفسر كثيرا من تصرفات وأقوال وسلوك وأساليب تفكير غالب أبناء الأسرة الحاكمة سواء من كان في موقع المسؤولية أو خارجها. إن ذلك التصرف والسلوك يعبر بدقة عن العقلية التي يتخذ على أساسها آل سعود قراراتهم. ولا يحتاج الأمر إلى دراسات نفسية متعمقة أو إلى خبراء نفسيين حتى يلم المتأمل في سلوك الأسرة بمجموعة من الإسقاطات النفسية التي تمثل بمجموعها نظرية متكاملة يمكن من خلالها تفسير تصرفاتهم وأساليب التفكير لديهم وآلية اتخاذ القرار عند رؤوسهم.
الدراسة التي بين أيدينا محاولة لاستقصاء أهم هذه الإسقاطات وعرض الأدلة الواقعية عليها من واقع ممارسات الأسرة وتصرفات أفرادها.
لقد اقتصرت هذه الدراسة على عدد من الإسقاطات، ولم يقصد بها الإحاطة، فبإمكان الباحث أن يجمع غيرها من الإسقاطات التي تفسر تصرفاتهم وقراراتهم.
وتأتي أهمية هذه الدراسة في أنها تعين الباحث المنصف على فهم النظام الجاثم على بلاد الحرمين، وتفسير بعض الأحداث الغامضة المريبة للنظام، وتعين كذلك في استشراف المستقبل السياسي للبلاد ورسم الصورة المقبلة لها، ومحاولة الإعداد للواجب والمسؤولية التي ينبغي للحركة الإسلامية القيام بها.
ولا يقصد بهذه الدراسة التعرض لأشخاص آل سعود من حيث هم، ولا تتبع عوراتهم فهذا ليس من شأننا، ولولا وقوفهم في وجه الدعوة وتصديهم لكل محاولة إصلاح وعداوتهم وحربهم على الدعاة الأخيار، وأهم من ذلك إعراضهم عن تحكيم شرع الله وموالاتهم أعداء الله، لولا هذا لما اكتسبت هذه الدراسة أهمية.
ويستفاد من هذه الدراسة في الرد على الذين يمجدون آل سعود، و الرد على دعاوى الشرعية المزعومة لنظامهم، وقد سبق القرآن الكريم في هذا الشأن، فقد كشف أعداء الدعوة والإصلاح، فقال في أحدهم: " ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم" ، فوصفه بأحقر الصفات البغيضة، وقال في وصف قوم من المنافقين " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا" ، حتى لا يتسرب الإعجاب إلى المؤمنين أو يظنون أن هذه الأموال وهؤلاء الأولاد سيمنعونهم من بأس الله إن جاءهم، وقال عنهم كذلك " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة" ، ثم فسر القرآن جزءا من تصرفاتهم بقوله " يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم" .
وحيث أن دعوتنا إصلاح وإنصاف فإن هذه الدراسة لا تشمل بداهة ذلك النفر المعدود من آل سعود والذين لا تزال فيهم بقية خير، بل هي فيمن تجسدت فيه تلك الإسقاطات والصفات، وهي على كل حال دراسة علمية تحليلية، ولذلك فإن هذه الدراسة مهمة لآل سعود أنفسهم ولمن يريد منهم أن ينتزع نفسه من هذه الطبائع والإسقاطات القميئة.
نسأل الله أن يطرح في هذا العمل النفع والبركة ويجعله من أسباب تمكين أهل الحق في بلاد الحرمين.


توطئة تاريخية
كيف تكونت الإسقاطات

يمكن علميا تحديد مرحلتين أو طورين تشكلت فيهما عدد من الإسقاطات النفسية في أبناء الأسرة السعودية.
المرحلة الأولى صاحبت تأسيس الدولة حيث نجح الملك عبدالعزيز في خطف المشروع و تحويله من مشروع ديني إلى مشروع عائلي، ثم نجح بعد ذلك في تهميش كل القوى التي ساعدته في إنشاء الدولة، وتفرد تفردا مطلقا بالسلطة وحول أسرته منذئذ إلى عرق متميز عن الآخرين، كما نجح عبد العزيز في إقناع أبناءه وأسرته أن والدهم " هو" إنما أسس الدولة بيمينه وجهده، ولذلك فهو يمتلك الدولة امتلاكا لأنه حازها بجهده حيازة، ومن ثم فإن عائلتة ترث هذا الامتلاك منه، ومن هنا ظهر الشعور بالامتلاك، والشعور بالتميز، وتفرع عن هذين الإسقاطين شعور أ عضاء الأسرة بالصلاحية المطلقة، وغلبة الجانب الشخصي على القرارات والتصرفات.
أما المرحلة الثانية فلربما يمكن تحديدها بوفاة الملك فيصل وسيطرة فهد والسديريين على الحكم والدولة وعلى شؤون الأسرة الحاكمة. ولقد صاحب سيطرة فهد المعروف بضعف الشخصية وعقدة النقص والتردد، تدفق المال إثر الطفرة النفطية في السبعينات والثمانينات الميلادية، وتعاظم الدور الأمريكي في العالم، ولقد أدت هذه العوامل إلى ظهور نوع جديد من الإسقاطات، حيث أدى ضعف شخصية فهد أمام العوامل الأخرى إلى الانبهار بالغرب، والشعور بالقزمية تجاه أمريكا، وإلى اعتبار المال صانعا للمعجزات، كما أدت شخصية فهد الضعيفة إلى تنامي الخلاف في العائلة وإلى اعتماد فهد على الرياء والكذب في تحسين صورة المملكة مما أوجد هوة شاسعة بين التطبيق والشعار المرفوع وأدى إلى أن يتحول ذلك إلى إسقاط نفسي.
لقد أدت هذه العوامل جميعا إلى أن يجتمع لدينا مجموعة من تلك الإسقاطات التي اســتـحقت هذه الدراســة، ولا شك أن من يزيد التأمـلـ يكتشـف مزيدا من الإسـقاطات في هذه العائلة المثيرة.


الإسقاط الأول

الاعتقاد بأنهم يملكون الأرض
(حدود المملكة) ما عليها ومن عليها

يعتقد عامة أبناء الأسرة الحاكمة أن ملكهم " للمملكة" ليس حكما سياسيا في حدود القرار السياسي وإدارة البلاد ، بل هو ملك شخصي بكل ما تعنيه الكلمة من امتلاك للأرض، وما تحتويه من كنوز وثروات، بل وامتلاك للشعب ذاته. ولقد نشأ هذا الاعتقاد في وقت مبكر مع بداية تأسيس الدولة، وذلك من خلال تسمية البلاد باسم الأسرة الحاكمة، أي " المملكة العربية السعودية" ، والاسم لا يحمل أي دلالة وطنية أو قومية، فضلا عن أن يكون له أي بعد إسلامي.
ولو أن المسألة اقتصرت على هذا الأمر لهانت القضية، فمثلا لا يعرف الكثير من الناس ـ خاصة من هم خارج المملكة ـ مصطلح " التابعية" الذي يستخدم بدلا عن مصطلح " الجنسية" أو " الهوية الشخصية" ، فالتابعية يقصد بها تبعية حامل الوثيقة لآل سعود، فالناس تبع لهم تابعية شخصية كل بمفرده، وليس علاقة مواطنة تربط الفرد بالدولة دينا ولغة ونظاما وقانونا وتاريخا، وهو أمر متفرع عن الأول أي ملكية ما يقع في حدود ما يسمى الآن بالمملكة العربية السعودية لآل سعود.
ولا يخالج آل سعود أدنى شك في أن البلاد بما تحتويه في باطن أرضها، وما يدب فوق تلك الأرض ملك شخصي لهم ليس بحاجة إلى تبرير، لذلك فإنهم مرارا ما يرددون في مجالسهم ودون مواربة " أخذناها بالسيف الأملح" ، أي أنهم حازوا المملكة بقوة السيف، فهي إذن حق مطلق لا ينازعهم عليه أحد.
ملكية الأرض:
هذا الشعور الذي تحول إلى عقيدة يفسر لماذا لا يمكن لأي " حامل للتابعية" ، بل ولا حتى إدارة حكومية الحصول على أرض إلا بعد أن " تمنح" لأحد الأمراء الذي يقوم هو بدوره ببيعها على ذلك الشخص أو تلك الجهة، وهي بهذا الإجراء تكتسب " شرعية" انتقالها إلى مالكها مواطنا كان أو جهة حكومية، وهذه الترتيبات لا تختص بالأراضي داخل المدن أو
على الشواطئ، بل حتى في مجاهل الصحراء، ولا تكاد توجد بقعة أرض في طول البلاد وعرضها إلا وهي مملوكة لأمير أو سيملكها أمير! .
هذا التفكير يفسر كذلك لماذا لأفراد الأسرة الحاكمة الحق في امتلاك ناقلات نفط بأكملها وبما تحمله؟، ولماذا لهم 40% (أو ربما 60%) من الناتج الإجمالي القومي؟. إن مثالا بسيطا يمكن أن يفسر إلى أي حد تجذر هذا الاعتقاد لدى آل سعود، جاءت إحدى الأميرات ومعها بعض خدمها إلى المطار لتطير من مكان إلى آخر من دون حجز سابق، فقيل لها أنه لا يوجد مقعد واحد شاغر فاستشاطت غضبا، وقالت للموظفين: " تمنعوننا عن طائراتنا يا أبناء الـ..." .
الكثير من القصص الغريبة لا يمكن فهمها إلا من خلال استيعاب هذا النمط من التفكير لدى آل سعود ، يتحدث الناس مثلا عن قصص أبطالها أبناء الملك عبد العزيز مثل الأمير مشعل الذي هدم مسجدا وأقام مكانه أسواقا تجارية، أو شقيق الملك عبدالعزيز الأمير عبدالله بن عبدالرحمن الذي بسط يده على مساحات شاسعة من الأراضي، وضرب فلاحا بسيطا حتى أغمي عليه لأنه تجرأ وسار في تلك الأرض. أما الأمير متعب بن عبد العزيز فإن نصف الرياض " ملك" له، واضطر الناس إلى البناء مسافة 40 كم عن وسط المدينة، لأن الأمير متعب لا يريد حتى بيعها، لأنها كما يقول " عزيزة عليه ولا يستطيع أن يفرط فيها" . أما الأمير سلطان الذي يسميه الناس " اللص" ، فإنه قد" باع" للدولة أرضا بقيمة أحد عشر مليار ريال، وعندما قال وزير المالية أن الخزانة لا يوجد فيها هذا المبلغ قال: " لا مانع عندي أن تدفعوها لي على دفعات أي بالتقسيط" ، فما كان من الوزراء في مجلس الوزراء إلا أن وقفوا يصفقون لوطنية الأمير سلطان لمدة عشر دقائق.
قد تبدو مثل هذه القصة غريبة، لكن الأغرب منها أن تعرف أن أحد الأمراء باع أرضا شاسعة لمجموعة من " حملة التابعية" وبعد أن قبض المال رفض تسليمها بحجة أنه لا يستطيع أن يتنازل عن أرضه. أما القصة الموغلة في الغرابة فهي قصة الأمير الذي دفعت له الدولة بلايين الريالات مقابل أرض سطا عليها، فطلب مبلغا أكثر وقال وهو جاد: " هل سرقت الأرض حتى أبيعها بهذه القيمة الرخيصة" . الحقيقة التي قد تصعب على التصديق، هي أن أي " حامل تابعية" لديه مشكلة قضائية حول أرض لا يمكن أن يحلها إلا إذا وجد أحد الأمراء يدخل شريكا معه مناصفة في تلك الأرض، لذلك تجد " حملة التابعية" يتنقلون بين الأمراء بحثا عن العرض الأنسب أي الحصة الأقل من الأرض.
عقلية التملك هذه أو الملكية الشخصية للأرض وما عليها تبرز جليا في مفهوم " المكرمة الملكية" ، فكل شيء تفعله الدولة من واجباتها تجاه المواطنين هو تفضل من الملك ومكرمة منّ بها على الناس، فإذا ما فتح مستشفى فتلك مكرمة، وإذا ما بنيت مدرسة فتلك مكرمة، بل إن العطل والإجازات الدراسية إذا ما تم تمديدها بسبب أمر طارئ فذلك مكرمة، هل تريدون أكثر؟ تزيد الحكومة - بأمر الملك طبعا أسعار رسوم الخدمات مثل الماء والكهرباء والوقود والهاتف، ثم بعد إرهاق كواهل الناس مدة يأمر بإعادتها إلى وضعها الأول فتضج وسائل الإعلام حول " المكرمة الملكية" التي أنعم بها الملك على " أبنائه" ، وهكذا عجائب لا تنتهي! .
ورغم أن الناس من " حملة التابعية" بدأوا يتمردون على هذا النوع من التفكير ولو بصمت إلا أن آل سعود أنفسهم شيوخا وشبابا مازالوا يعيشون هذا التفكير، ولم يعيروا أي اهتمام لتنامي شعور الرفض لدى " حملة التابعية" ومطالبتهم بحقوقهم، على سبيل المثال قال الأمير سلمان مؤخرا لأحد المسؤولين الكبار الذي قدم استقالته من منصبه: " ليس برغبتك الشخصية تقدم استقالتك فنحن الذين نقرر متى تبقى ومتى تذهب" .
إن همّ الأسرة مع الأسف منصبّ على كيف يبتلعون البقية الباقية من الأراضي وكيف يمتصون الحثالة التي بقيت في خزانة الدولة، بل إن شعورهم بامتلاك البلد بما فيه واشتداد التطاحن فيما بينهم حول الوطن " الفريسة" جعلهم يبتكرون أساليب " مافوية" في استغلال " ملكيتهم الخاصة" هذه، لقد أصبحوا يبيعون خطوط الهاتف، ويبيعون تأشيرات استقدام العمال الأجانب، ويبيعون وكالات الشركات، ويبيعون أذونات الاستيراد، بل ويبيعون الجنسيات " التابعيات" والجوازات.
إن عقلية " أرض أبونا وجدنا. . . وأخذناها بالسيف الأملح" هي التي تنخر في جسد البلاد فسادا وسرقة واختلاسا وإهدارا للثروات، وهي التي تقف وراء القرارات " التاريخية" التي رهنت البلاد للهيمنة الأمريكية سياسيا واقتصاديا. . وحضاريا، وهي قبل ذلك كله تنخر في النظام المتهاوي الذي يأكلون باسمه ويحترفون الإفساد تحت مظلته.
من الوزير ودون:
قصة طريفة تجسد فيها هذا الإسقاط بشكل صارخ هي على شكل خطاب وجهه الأمير سعد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود إلى مدير الاتصالات بمدينة الرياض بعد أن قطعت عنه الأصفار الدولية لستة هواتف لا يدفع تكاليفها كبقية آل سعود وحواشيهم، والمتأمل لصيغة الخطاب لا يسعه إلا أن يخرج بنفس الاستنتاج، شعور بامتلاك الأرض ومن عليها. ولاحظ تكرار الخطاب لعبارة من الوزير ودون لأن من مرحلة الوزير فدون يبدأ مستوى من هو خارج الأسرة فهؤلاء يحرم أن يتجرأوا على اتخاذ قرار بشأن " سموه" لأن الجهة المخولة باتخاذ القرار بشأن " سموه" هي جهة في
الأسرة الحاكمة فقط، يقول الخطاب:


المملكة العربية السعودية
مكتب سعد الفيصل بن عبدالعزيز
سعادة مدير الاتصالات بمدينة الرياض
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
أشير إلى خطاب صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض برقم 4181/ خ 2 وتاريخ 13/2/1413 هـ والخاص بإعادة الصفر المحلي والدولي لخطوط هواتفي الستة، والتي تم قطعها من قبل إدارتكم، عليه أفيدكم بما يلي:
أولا: لا يطرأ على فكر أي مسؤول منكم من الوزير ودون أن هذه الخطوط وتسهيلاتها فضل منكم، وإنما من الله ثم من ولي الأمر، ولا أتذكر أننا بايعنا أحدا منكم بولاية الأمر.
ثانيا: لا يملك أحد في وزارتكم من الوزير ودون صلاحية أو حق أو شجاعة قطع خطوط أو سحب أصفار من منزل سعد الفيصل بن عبدالعزيز في حضوره أو غيابه.
ثالثا: أعاهدكم بالله من الوزير ودون لأن تكررت مثل هذه الحادثة لو عن طريق الخطأ في المستقبل فلن يفلت المسؤول عن ذلك من يدي من الوزير ودون وكل يقف عند حده.
التوقيع:
سعد الفيصل.
17-2-1413 هـ
صورة لكل من معالي وزير البرق والبريد والهاتف.
أصحاب السعادة الوكلاء ومدير الهاتف.

الإسقاط الثاني

الاستعلاء على الآخرين. .
واحتقارهم. . واستغفال الشعب.

في هذا الفصل نتحدث عن إسقاط آخر من هذه الإسقاطات، وهو شعور آل سعود بالتميز كفئة خاصة عن الناس وانعكاس ذلك على تصنيفهم للناس. ينظر آل سعود إلى المجتمع على أنه طبقات ودرجات هرمية يأتون هم على قمتها، ولكل طبقة حقوق وعليها واجبات بقدر قربها أو بعدها عن طبقتهم، التي لها كل الحقوق وليس عليها أية واجبات، ففي المرتبة الأولى يأتي أبناء الملك عبدالعزيز ونسلهم، ثم يأتي بعدهم فروع أسرة آل سعود مثل الجلوي والمقرن والفرحان وغيرهم، ويأتي في المرتبة الثانية أخوالهم آل السديري، ويلي هؤلاء الأسر التي ترتبط معهم بنسب مثل آل الشيخ والرشيد وغيرهم، وهكذا دواليك، ثم تجيء بعد هؤلاء الأسر المتنفذة بحكم المسؤولية داخل الدولة أو بحكم الثراء والجاه كل حسب نفوذه، حتى نصل إلى الطبقة العريضة من عامة الشعب الذين يأتون في الدرك الأسفل حسب تصنيف آل سعود، أي بما يقابل طبقة
المنبوذين عند الهندوس.
الأسرة فوق الكفاءة
بناء على هذا التقسيم يتملك أبناء الأسرة الأحقية في تولي المراكز والمناصب الحكومية العليا بغض النظر عن كفاءتهم، بل حتى لو كانت قدراتهم العقلية والذهنية متدنية، خذ مثلا نائب وزير الدفاع ونائب رئيس الحرس الوطني ونائب أمير الرياض وأمير تبوك وأمير القصيم السابق وغيرهم كثير، ولا يفسر هذا التصرف إلا شعورهم بالأحقية بسبب الاقتناع بالتفوق العرقي، ونتيجة لهذا الشعور فإنهم ينظرون بعين الاحتقار لعامة الناس الذين لم يرتبطوا معهم بقرابة أو نسب، لذلك فإن خالد الفيصل الذي يقول لأهل المنطقة الجنوبية " قرود على حيود" هو الذي قال في برنامج بريطاني اسمه " ما وراء درع الصحراء" أن الديمقراطية لا تصلح لشعب المملكة، كما أن سلطان بن سلمان قال في نفس البرنامج " أن الشعب يفخر بأن أسرة آل سعود تحكمه" ! ! ومن المعلوم أن أهل الجنوب الذين يحتقرهم خالد الفيصل هم من القبائل العربية العريقة.
هذا الشعور الاستعلائي واحتقار الناس، تفسره أيضا رسالة سعد الفيصل إلى إدارة الهاتف التي سبق الحديث عنها، ففي تلك الرسالة يهدد سعد الفيصل وزارة الهاتف بأكملها " من الوزير ودون" على حد تعبيره، ويفتخر بأن الذي حل مشكلته مع الهاتف هو كونه واحد من آل سعود، وأنه لا فضل لوزارة الهاتف، وما عليهم سوى الانصياع صاغرين.
تحية عسكرية لأطفال آل سعود
الشعور نفسه تجده في القطاعات العسكرية، حيث يجب على العسكري مهما علت رتبته أن يؤدي التحية العسكرية لأي فرد من الأسرة الحاكمة حتى لو كان طفلا! .
لقد درج آل سعود عموما على التميز عن الآخرين بطرق مختلفة، فمثلا لا يجوز لأحد أن يتزوج من بناتهم إلا إن كان من أبناء عدد محدود من الأسر التي اختاروا التزاوج معها، لذلك عندما أرادت إحدى بناتهم، وهي بنت الأمير محمد بن عبد العزيز أن تكسر هذا العرف بمحاولة الزواج من شخص من عائلة " الشاعر" التي ينتمي إليها وزير الإعلام، عوقبت بالإعدام هي وذلك الشاب الذي حاول الزواج بها. وهم يميزون أنفسهم بقصورهم الضخمة التي تعد مساحة الواحد منها بعشرات الآلاف من الأمتار المربعة، وبأنواع السيارات التي يقتنونها، يقول أحدهم لأحد " حملة التابعية" ممن لديه هاتف سيارة قبل أن ينتشر الهاتف النقال: " كل شيء نافستمونا عليه: البيوت والسيارات حتى التلفون" .
وفي المعاملة والخدمات أيضا
إضافة إلى تمييزهم أنفسهم بالمظاهر المادية كالسيارات والبيوت، وازدراء الناس فإنهم يميزون أنفسهم كذلك بالمعاملة، فهم فوق النظام، بل إنهم يؤمنون بأن النظام لم يوضع لهم أصلا، فهم مثلا، يحق لهم الدخول في المستشفيات بأجنحة خاصة، وهم كذلك لا يفتشون في نقاط الحدود والمطارات، ولا يسري عليهم أيضا النظام الذي يحدد " لحملة التابعية" حدود التصرف في الأعمال التجارية مثل استقدام العمال والخدم والموظفين من الخارج، ومن الأمثلة الغريبة أن المواطن له حد معين لا يتجاوزه حينما يريد أن يحفر بئرا ارتوازيا، أما الأمير فلا حد عليه، فإن استطاع أن يخرق الأرض فذلك حقه، وهم أيضا لا يخضعون للقضاء حينما يقترفون جريمة أو مخالفة نظامية، ولا يحق لرجل الشرطة أو لأي مسئول مهما علت منزلته في الدولة أن يوقفهم فضلا عن أن يوقع بمن أخطأ منهم العقاب، لذلك فهم يعتقدون أنهم الطبقة التي تجري في عروقها الدماء المقدسة، أما بقية الشعب من " حملة التابعية" فهم " قرود على حيود" أو " جرابيع بر" أو " فلاليح" .

الإسقاط الثالث

الشعور بالصلاحية المطلقة

في الدول التي ينتشر فيها الفساد السياسي والإداري وتسود فيها المحسوبية ربما يمارس كثير من أصحاب المناصب تجاوزات لمسؤولياتهم انطلاقا من السلطة التي تمنحها لهم مناصبهم، ويتوسعون في ذلك من خلال تلك السلطة أو المنصب، أما في المملكة فالوضع مختلف حيث تسود عقلية القبيلة لدى أفراد الأسرة الحاكمة وآل سعود، فرغم أنهم يسكنون المدن ويلبسون الحرير ويركبون " الكاديلاك" ويستخدمون المناديل الورقية إلا أن التسلط سلوكا وتفكيرا هو الذي يحركهم، وعقلية شيخ القبيلة وأبنائه هي المتحكمة فيهم، فالفرد من آل سعود لا يحتاج لمنصب سياسي حتى يقوم بتجاوز القانون في ظل الفساد المستشري من الملك وحتى أصغر مسؤول، حيث يكفي لأي فرد من آل سعود انتسابه للأسرة " الشريفة" حتى يتمتع بصلاحيات مطلقة. وأبناء الأسرة يعتقدون أن هذه الصلاحيات " حق" أصيل بحكم الولادة لهم وليست تجاوزا، لذلك ترى الرسائل المبعوثة من أبناء الأسرة الحاكمة لا تمر من خلال الطرق النظامية، بل يحملها الخادم في بلاط " سموه" إلى أكبر مسؤول مباشرة حاملة معها الأوامر والنواهي، فتفتح له الأبواب وتنتصب القامات التي طالما استنكفت أن ترفع بصرها لتنظر إلى وجه مواطن يستجدي حقه، وهذه الرسائل التي تكون أحيانا هاتفية وأحيانا يتولاها الخادم تستفتح عادة بكلمة " اعتمدوا" .
نفوذ مع المنصب
الصلاحيات التي يمارسها أفراد آل سعود لا يحدها اختصاص، وقد يكون هذا من منطلق أنهم " يملكون الأرض ما عليها ومن عليها" ، فسلطان مثلا الذي يسمونه وزير الدفاع له الحق أن يتدخل في جامعة الملك سعود أو أي جامعة أخرى فارضا عليها أن تقبل طلابا معينين، مع أنه لا ناقة له في التعليم ولا جمل، وهو نفسه لم يتمكن من إنهاء المرحلة الابتدائية! ، أما سلمان أمير الرياض مثلا فهو الذي يعزل ويعين رؤساء الصحف وليس وزير الإعلام، و" مواهب" سلمان هذا متعددة، تجعله يتدخل في تفاصيل مسؤوليات وزارة الحج والأوقاف أو نشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إنه أحيانا يوقف بعض الخطباء عن الخطابة أو يصدر تعاميم إلى المساجد بعدم سب أمريكا على المنابر دون الرجوع إلى الجهة المسؤولة عن المساجد في وزارة الأوقاف.
نفوذ دون منصب
وإذا كان سلطان وسلمان وغيرهما من أفراد الأسرة يستخدمون مناصبهم في مثل هذه التدخلات والتجاوزات، فإن الآخرين من أبناء الأسرة لا يشعرون بالحرج من ممارسة مثل هذه الصلاحيات دون الحاجة إلى منصب مكتفين فقط باسم أسرتهم " الشريفة" ، عبد العزيز بن فهد ابن الملك مثلا يقوم بتعيين عميد كلية في جامعة الملك سعود، ويرفض آخر تم انتخابه من قبل أعضاء هيئة التدريس في الكلية، ثم ينعم على صاحبه أكثر فيعينه مديرا للجامعة نفسها، والأمير ليس بحاجة لأن يبرر عمله هذا فهو ابن الملك ومن آل سعود وكفى.
بمثل هذا الشعور يكتب أبناء الأسرة ويوجهون بأسمائهم خطابات أمر وتوجيه إلى الإدارات الحكومية وإلى الشركات الخاصة بترسية مشاريع معينة على جهة يريدونها، أو إيصال مائة خط هاتفي إلى قصر أحدهم، أو حفر آبار مياه في ذلك القصر أو تلك المزرعة، أو جعل الشارع المستقيم ينحرف حتى يمر محاذيا لسكن أحدهم العامر أو مخترقا ممتلكاته التي اكتسبها " بجهده" ! ! .
السلطات الثلاث في شخص واحد
على أساس من نفس هذا الشعور يعتقد آل سعود أن لهم الحق في إيقاع العقوبة ومباشرتها بأنفسهم تجاه كل من يخالف هواهم، ولأن صلاحياتهم ليس لها حد فإنه يمكن أن نفهم كيف يقدم الأمير سلمان أمير الرياض على إهانة شيخ طاعن في السن في مجلسه وأمام الناس لأنه جادله في قضية! ، أو كيف يقدم الأمير نفسه على البصق في وجه أحد المثقفين وضربه بقدميه " الشريفتين" ، لأن المواطن المثقف اعترض على مسألة طرحها الأمير، أو كيف يقوم أمير عسير خالد الفيصل بجلد أبناء المنطقة أمام ذويهم، لأنهم عكروا عليه حفلات سكره وعربدته، بل القضية الأبشع من هذا كله إقدام الأمير مشعل، ـ الذي هدم مسجدا وبنى على أنقاضه سوقا تجارياـ على الاعتداء على عالم جليل كفيف في سوق عام، وكاد الأمير أن يفتك هو وبعض زبانيته بالشيخ الفاضل لولا تدخل المواطنين.
الشعور بالصلاحية المطلقة تكرس وأصبح عقيدة لدى أبناء الأسرة الحاكمة، فالأمير يستطيع أن يبقي شخصا ما في السجن المدة التي يريد بغض النظر إن كان صدر في حقه حكم قضائي أم لا، وأبرز مثال على ذلك ما يقوم به الأمير محمد بن فهد في المنطقة الشرقية حيث يسجن المواطنين على مزاجه الشخصي، وبالمقابل فإن الأمير يستطيع أن يمنع تنفيذ حكم القضاء الشرعي بأعتى المجرمين متى شاء ذلك، بل إن خال الفيصل تجاوز ذلك إلى سجن القضاة أنفسهم حين رفضوا توثيق صك بامتلاك أرض له، وهل يمكن أن يصدر هذا التصرف إلا من خلال ذلك الشعور.
على الشعب أن يقدر!
الأعجب من ذلك أن يتصور أحد أفراد آل سعود أن ممارسته لتلك الصلاحية حق طبيعي ثم يفترض أن الشعب من " حملة المتابعية" يقر كل الإقرار بتلك الصلاحية له بداهة! . وهذا يفسر لماذا يأمر سلطان " وزير الدفاع" وسائل الإعلام بتقديم الشكر له على تفضله بتعميد طائرات الإخلاء الجوي بنقل مريض أو مصاب، على اعتبار أن هذا الإعلان سيظهر للشعب كرم سلطان وفضله على هؤلاء الذين احتاجوا العلاج، مع أن تقدير حاجة المريض للعلاج والنقل الجوي قرار طبي صرف ليس للأمير فيه ناقة ولا جمل، والكلام نفسه يجري على " توجيهات" أحد أبناء الأسرة بقبول مريض معين في أحد المستشفيات التخصصية، هذا كله فضلا عن التعيينات والترقيات والتنقلات التي تعتبر العلاقة فيها مع أحد أبناء الأسرة العامل الذي يصنع الأعاجيب، لكن الأمر الأشد غرابة هو أن يباشر تلك الصلاحيات مدير أعمال الأمير أو خادمه أو أحد " أخوياه" ، فتجد " المحيسن" الذي كان يعمل " قهوجيا" عند سلطان تحول بقدرة قادر لمدير أعماله، وحديثا صدر الأمر الملكي بترقيته للمرتبة الممتازة، وبالتالي له أن يقرر ـ بتفويض من سلطان ـ مصير كبار الضباط وميزانية وزارة الدفاع، وتجد " النويصر" الذي كان قهوجيا كذلك عند آل دغيثر في حائل قد تحول بقدرة قادر لرئيس الديوان الملكي، واستحوذ على حق القرار في شؤون الأمة ما بين حاضرها وباديها، وأصبح تحت تصرفه جزء كبير من مال الأمة ومقدراتها وأراضيها، والكلام ذاته ينطبق على البليهد أقوى شخصية في إمارة الرياض بعد سلمان.
إنه الإحساس بملكية الأرض بمن عليها وما عليها، والتي نشأ عنها نظرة الاحتقار للمواطن من " حملة التابعية" وعقدة الصلاحية المطلقة التي ترى أن الفرد من أبناء الأسرة هو القانون والقانون هو.


الإسقاط الرابع

غلبة الموقف الشخصي
على التصرفات والعلاقات

تبني الدول سياساتها الداخلية والخارجية عموما على استراتيجيات وموازنات بين المصالح والمفاسد وعلى تخطيط بعيد المدى، وتتنازل عن كثير من المواقف الشخصية للمسؤولين فيها في سبيل تحقيق الخطط والاستراتيجيات، أما الحال مع آل سعود فالأمر مختلف، فالسياسة العامة للدولة والقرارات الداخلية والخارجية والعلاقات داخل مجتمع الدولة و مع الأمم الأخرى تحددها العوامل الشخصية لصانعي القرار داخل الأسرة ، وقد أصبحت هذه الحقيقة سمة واضحة اصطبغت بها سياسة البلاد، ثم تكرست وصارت منهجا متعمدا مع استلام فهد أمور البلاد، ويؤكد هذه الحقيقة أن البلد لا يوجد فيه مركز واحد للتخطيط الاستراتيجي، ناهيك أن يكون هناك مجلس وطني يضع دراسات، أو يتخذ قرارات حول القضايا الكبرى والمصيرية للبلاد.
قرار تاريخي في بضع دقائق
ومثّلت أزمة الخليج علامة فارقة على هذا الصعيد، حيث توج هذا النهج بقرار الملك فهد بالموافقة على نزول نصف مليون جندي أمريكي على أرض المملكة، دون أن يكون ذلك القرار مبنيا على أي دراسة استراتيجية تضع لقرار خطير مثل ذلك القرار ضوابط تحول دون سوء استخدامه، بل إن ذلك القرار لم يحتج من فهد لأكثر من بضع دقائق هي مدة لقائه بـ " ديك تشيني" وزير الدفاع الأمريكي آنذاك، كما يقول مؤلف كتاب " القادة" بوب وودوارد.
درجة الحرارة في بغداد ممنوعة
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أخذت المملكة موقفا متشنجا مع كل من لم يؤيد قرار الملك فهد باستقدام القوات الأمريكية، حتى ولو كان أدان الاحتلال العراقي للكويت، وقد تجاهلت المملكة بهذه المواقف كل الأبعاد السياسية ومصالح البلاد على المستوى بعيد المدى، وقد كان من نتائج هذه التصرفات التي تنطلق من موقف شخصي، أن خلقت الدولة لنفسها أعداءا يحيطون بها من كل جانب، ليس على مستوى الحكومات فقط، بل على مستوى الشعوب. ووصل العامل الشخصي إلى أقصى مدى له في رسم السياسة حينما توقفت وسائل الإعلام الرسمية عن إذاعة درجة حرارة عواصم الدول العربية " المتهمة" بتأييد العراق! ، وصار الملك يبرر تماديه في إطاعة الأوامر الأمريكية في إدارة الأزمة ، بتكرار أن صدام كان بمثابة صديق له، لكنه خانه وانقلب عليه! .
ولم يكن الملك فهد وحده هو الذي يعبر عن هيمنة العامل الشخصي على قرارات الأسرة، فهذا عبدالرحمن نائب وزير الدفاع يقول معبرا عن أسفه لتصرف صدام ومبررا عدم الخروج على الأهداف الأمريكية في تدمير العراق بلدا وشعبا: " أعطينا صدام ضد إيران كل شيء، حتى البيبسي كولا" ، أما فيصل بن فهد فقد صب جام غضبه على صديقه عدي صدام حسين، وقال عنه في إحدى المناسبات أن ذوقه في اختيار ألوان السيارات رديء! !
بوش صديقنا
في الانتخابات الأمريكية برز العامل الشخصي أيضا وبشكل كبير، حيث اندفعت المملكة بكل قوة وراء جورج بوش، ووضعت ثقلها الاقتصادي وراءه، فأعطت أمريكا نفطا بأسعار رخيصة جدا حتى ينتعش الاقتصاد الأمريكي، وتتحسن فرصة بوش بالفوز بالرئاسة الأمريكية، وأغرقت السوق بفائض نفطي لتنخفض أسعار النفط الأخرى، وليتحسن التبادل التجاري بين أمريكا وحلفائها الغربيين، وتبرعت بجزء كبير من تكاليف حملة الحزب الجمهوري الانتخابية، وكان بندر بن سلطان السفير في واشنطن في مقدمة الحضور في مؤتمر الحزب الجمهوري حتى بدا وكأنه أحد أعضائه المهمين! ، على المستوى المحلي تبنت وسائل الإعلام السعودي نشر استطلاعات الرأي التي تبين تقلص الفارق بين بوش وكلينتون، وتجاهلت التحليلات التي تؤكد تفوق فرص كلينتون بالفوز، و ظلت السياسة تجاه الانتخابات الأمريكية على هذا النحو إلى آخر لحظة، حتى أن صحافة آل سعود المحلية ذكرت في عناوين كبيرة أن بوش حقق فوزا ساحقا على كلينتون، حيث صادف صدورها في بداية الاقتراع، ولم يكن ذلك الفوز سوى نتائج اقتراع هامشي تم في قرية من قرى ولاية " نيوهامبشر" ، ثم توج هذا الهوس بمصير بوش بنقل وقائع الانتخابات حية على الهواء في التلفزيون.
ولاشك أن هذا التصرف يمثل إلى جانب العامل الشخصي أقصى درجات الغباء السياسي، إذ كان بوسع المملكة أن تدعم بوش على افتراض أن هذا صحيح أو مطلوب، لكن ليس بهذا الشكل المكشوف الذي سيحرجها في المستقبل مع الرئيس الآخر وأقطاب حزبه، خاصة وأن حظ كلينتون كان كبيرا جدا منذ بداية الحملة الانتخابية وإلى آخر أيامها، ولعل هذا الاندفاع وراء بوش يمكن أن نجد له تفسيرا في العقلية التي يفكر بها أفراد الأسرة ، حيث اعتقدوا أن القرار في أمريكا مثل القرار في المملكة يقوم على شخص أو على أسرة! ، إذ لا يمكن لهم أن يتصوروا وقد عاشوا كل هذه الإسقاطات النفسية أن أمريكا بلد تحكمه المؤسسات، وأن السياسة لا يصنعها فرد يجيء ويذهب كما هو حال السعودية مثلا.
ولا يبالغ المرء إذا قال إن جل قرارات آل سعود أو كلها مبعثها المواقف الشخصية، فالوزراء يعينون ويقالون لأسباب شخصية تخص الملك أو كبار رجال الأسرة، وبنفس الطريقة يعين أهل الإفتاء والقضاء ووكلاء الوزارات والمدراء العامون، أما تحديد الميزانية وحصص كل مرفق أو وزارة من المال العام فيقوم أيضا على أسباب شخصية وعلى طبيعة العلاقات مع الملك أو مع وزير المالية.
وعداء الصحوة كذلك
ومن الغرائب أيضا أن معظم مواقف الملك وإخوانه تجاه المصلحين ذات بواعث شخصية، فالشيخان سلمان وسفر مكروهان لأن لهما من الشعبية والمحبة في قلوب الناس ما يحسدان عليه، بل إن كثيرا من تصرفات " الدولة" تجاه لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية كانت بسبب البواعث الشخصية، وكان الملك مثلا قد تحمل بعضا مما تقوم به " اللجنة" من فضح سوء الإدارة في الدولة والدكتاتورية والتبذير، لكنه استشاط غضبا حين ظهر في مطبوعات اللجنة بعض التفاصيل عن ابنه " وقرة عينه" عبد العزيز وبقية أبنائه، وكذا جن جنون نايف حين فضحت اللجنة تحكم زوجته به وتحكمها بوزارة الداخلية من بعده، وكان قد تحمل قبل ذلك كثيرا من حملات " اللجنة" ، بل إن بعض المطلعين يذكر أن قتل الحضيف ليس إلا انتقاما شخصيا من قبل نايف، ذلك أن الحضيف سبق أن أحرجه في لقاء شبه خاص، وأثبت له بالوثائق حماية أجهزة الأمن للفساد والمنكرات وأحرجه أمام بعض جلسائه.
من أجل قريبة الملك
ومن قصص " شخصنة" السياسة المخزية يمكن تذكر ما حصل للملك فهد قبل سنوات حين فوجئ الشعب بوزير الإعلام في التلفاز يتلو توجيها من الملك للأطباء الاستشاريين بضرورة التواجد في غرف الإسعاف وتغطية الطوارئ طوال الوقت، وهو أمر شاذ وغير مقبول طبيا ولا إداريا ولا ماليا، وتبين أن السبب هو أن طفلة عزيزة على الملك احتاجت خدمة طبية طارئة وعندما وصلت المستشفى التخصصي لم يحضر الاستشاري، بل باشر علاجها عدد من الأخصائيين، كما هو النظام في كل مستشفيات العالم، لكن الملك " الفهمان" لم يتمكن من استيعاب ذلك النظام، وأصدر توجيهاته " الشريفة" للاستشاريين للقيام بأداء واجبهم " المقدس" في غرف الطوارئ وطوال الوقت ليلا أو نهارا.


الإسقاط الخامس

الشعور بالنقص تجاه الغرب

الكبرياء والتعالي الذان يتعامل بهما آل سعود مع عامة الشعب، ومع صفوته من علماء ومثقفين ومفكرين، يوازيهما صنف آخر من التعامل مع أصحاب الدماء الزرقاء، ففي الوقت الذي يمارس فيه آل سعود العناد والصلف الجاهلي برفضهم إطلاق سراح العلماء إلا باسترحام وكأنهم فراعنة، فإنهم لا يتورعون عن ممارسة كل أشكال العبودية والذل والتبعية للغرب وخاصة الأسياد الأمريكان.
فهد وإخوانه أكثر
مظاهر الشعور بالعبودية والدونية تجاه العنصر الأبيض على مستوى الدولة وعلى مستوى أفراد الأسرة من الملك " ودون" كثيرة كثيرة، ولا يكاد المرء يحصيها، ومادام الحديث عن مظاهر نفسية، فإن تلك العبودية تجاوزت التفكير الخارجي، وتحولت إلى اللاشعور خاصة في مدرسة فهد وآل السديرية، وأصبحت هذه المظاهر من المسلمات في اتخاذ القرارات وبناء العلاقات، وأصبح تقديس الغرب وتعظيمه من البديهيات التي لا يمكن التشكيك فيها.
هيام استراتيجي
لقد صار من فضول القول الحديث عن دوران الحكم السعودي في الفلك الغربي وخاصة الأمريكي، وتحكم الغرب وخاصة الأمريكان ببرنامج البلد وسياستها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية، ويعتبر آل سعود من خلال إسقاطهم النفسي ومن خلال نظرة التعظيم للأمريكان والغرب أن الاحتماء بالغرب ينبغي الافتخار به، ولذا فقد كان قرار الملك فهد باستدعاء القوات غاية الحكمة والتوفيق! ، هذا في المجال العسكري، أما في المجال الاقتصادي فلا يشعر آل سعود بغضاضة أن يضعوا أموال المسلمين الضخمة في أيدي الغرب وأمريكا على وجه الخصوص اعتقادا منهم أن هؤلاء يستحقون تلك الأموال لعظمتهم وجلالهم، والغرب المحترم من حقه أن يمتلك حتى النفط الذي لم يستخرج بعد! .
في المجال الاجتماعي والتربوي والتنموي فإن الغرب هو " الفهمان" ، وهو القدوة وله كل الحق أن يضع خططنا التربوية والاجتماعية، ولعل من المفيد أن يذكر أن الخطوط العريضة للخطط الخمسية من إعداد جامعة هارفرد في أمريكا. وهذه تبعية طبيعية ذاتية في كل شيء لا تحتاج إلى التكلف.
المصيبة أن مظاهر الصغار والدونية هذه لا تتوقف على مجرد التبعية، بل تتحول إلى عقدة بالشعور بالنقص تجاه الأبيض ومحاولة إرضاءه بأي ثمن، وينعكس هذا الشعور على تصرف أفراد آل سعود والملك على وجه الخصوص، ويتجلى هذا الشعور بشكل واضح تجاه الدول الغربية بل وحتى تجاه الأفراد الغربيين.
من البعير إلى الكاديلاك
يمثل مشروع " الرياض بين الأمس واليوم" الذي أقيم في لندن وعدة عواصم أوروبية وعدة مدن أمريكية، نموذجا صارخا لذلك الإسقاط النفسي، وكان المعرض " الفضيحة" تعبيرا داخليا من قبل فهد وسلمان بالذات عن شعورهم بالنقص تجاه الغرب والسعي لإقناع الغرب أننا والله ثم والله تطورنا من البعير إلى الكاديلاك ومن الخيمة إلى العمارة، وإننا مثلكم أيها الغربيون في المأكل والملبس والمشرب، وهم حين يقومون بهذا العمل لا يعلمون بسبب سذاجتهم وسطحيتهم في التفكير أن الغربي يحتقر من يتصرف بهذا الأسلوب، وينظر إليه نظرة المستميت لتحسين صورته القبيحة.
إرضاء إمام زمانه
يمثل سعي الملك فهد شخصيا لتمويل عمليات المخابرات الأمريكية بعد أن عجزت عن تمويلها من داخل أمريكا بسبب منع الكونجرس لذلك نموذجا صارخا آخر على هذه الدونية، فالملك فهد لا يعرف عن " الكونترا" ولا " نيكاراغوا" شيئا، ولا يعلم أين تقع على الخريطة، وربما لا يستطيع حتى لفظ هذه الكلمات، ولكنه يعتقد أنه يبث الفرح والسعادة في قلب ريغان وأوليفرنورث وآخرين إذا قدم تلك الملايين لتمويل تلك العمليات، فالتفسير ليس له علاقة بسياسة دولتين ولا علاقة له إلا بعقدة فهد تجاه " إمام" زمانه ريجان! ، وهو كذلك يعكس العامل النفسي في اتخاذ جميع القرارات لدى آل سعود.
والرواتب كذلك
شكل آخر من أشكال هذا الإسقاط النفسي هو طريقة التعامل مع المستقدمين للعمل في المملكة، فإذا كان المستقدم من الهند أو من سيريلانكا أو ما شابهها من الدول الفقيرة فهو في رتبة أعلى قليلا من الحيوان، وأما إذا كان من ذوي الدم الأزرق فهو من النبلاء الأشراف، سواء في المعاملة المالية أو في المعاملة القانونية والأخلاقية، والغربي يميز حتى باسم وظيفته، وحتى لو كان حمالا فهو يصبح " خبير أحمال" خبير نقل" ، وكذا التمييز في الرواتب والمستحقات فلا يمكن بحال أن يحصل الهندي والمصري، بل و" السعودي" على عشر راتب الأمريكي الذي يحمل نفس المؤهلات والخبرة، ومن المضحكات المبكيات أن سلم الرواتب في الشركات الكبيرة والمستشفيات والمؤسسات التابعة للدولة تذكر فيه هذه الأمور بشكل مكشوف، ففي أحد المستشفيات التخصصية مثلا تجد ترتيب السلم مكتوبا بالشكل التالي:
أمريكي " الأصل والمنشأ" أعلى الرواتب، ثم دونه الأمريكي من أصل شرقي، ثم دونه الأوروبي، ثم دونه المتجنس بالجنسية الأوروبية، ثم دونه العربي والفلبيني، ثم دونه الهندي والسيريلانكي، وهذه ليست مبالغة أو تكلف في التوصيف، بل هي حقيقة تجدها في الحاسب الآلي لذلك المستشفى. هذا التصنيف الترابي للبشر بناء على لون بشرتهم وجنسهم ومكان ولادتهم لم يعد مقبولا في عالم اليوم، وهو قبل ذلك مرذول في ديننا الحنيف، غير أن الانبهار والذوبان في الآخر الغربي ليس لهما حدود في مدرسة آل سعود. ومن المفارقات التي يجب أن تكون مخجلة ومخزية لهذه العائلة أن الدول والجنسيات التي تصنف عادة في أدنى سلم " الاحترام والرواتب" ، مثل الهند وسيرلانكا وغيرها، هي في وضع تنموي أفضل من السعودية من جهة توافر الخدمات الأساسية لأوسع شريحة ممكنة من السكان، وذلك بحسب تقارير الأمم المتحدة التي أشرنا إليها سابقا.

من أجل العيون الزرقاء
يتجلى إسقاط الشعور بالنقص تجاه الغرب في العديد من الأحيان بشكل كاريكاتوري، وذلك حين تطالعك الصحف فجأة بأن الملك يتبرع بتكاليف عملية سرطان ميئوس منها لطفلة في بريطانيا أو أمريكا، ويعتقد " المسكين" أن ذلك العمل هو الذي سيقنع هذا العنصر البشري " الرفيع" بإنسانية فهد وأرومة آل سعود، وعادة ما يضخم الملك مثل هذه القضايا ويجعلها تبرعا رسميا من خلال سفارة خادم الحرمين، ويسخر لإعلانها كل أجهزة الإعلام التي تحت يده لتحقيق مراده في إرضاء الأسياد، غير أن النتيجة هي مزيد من الاحتقار والاستهزاء من قبل العنصر الغربي لهذا المبذر الذي لا يعرف أن يذهب بالمال الفائض، ومن ثم فهو سفيه لا يستحق أن تكون هذه الخيرات بين يديه على حد قول أجهزة الإعلام الغربية، خاصة وأن العمليات الجراحية التي يتبرع في الإنفاق عليها تكون من الحالات غير المرجو شفائها بالمرة، وهي لهذا السبب لا تجد تمويلا حكوميا من قبل وزارات الصحة الغربية، التي تعتقد بأنه من الأولى صرف هذه الكميات من الأموال على جوانب صحية تستفيد منها أعداد كبيرة بدل تبذيرها في عمليات ميئوس منها، ومن هذه النقطة بالذات يأتي الازدراء الشديد " لمكرمات" فهد العربية! !
تزكية أمريكية
في بعض الأحيان يتجلى هذا الإسقاط النفسي على شكل اعتراف صريح من قبل أحد المصابين بعقدة النقص هذه، ولو تأملت أحاديث الملك فهد بالذات لرأيت هذه الظاهرة ماثلة، ففي حديث مطول له ألقاه قبل عام تقريبا، تحدث عن الغرب وعن أمريكا بالذات حديث المعظم المقدس، واعتبر زيارة أي رئيس أمريكي للمملكة وله شخصيا أعظم سجل شرف يمكن أن يظفر به، واعتبر ثناء جورج بوش على " الأنظمة الثلاثة" تزكية لا تقدر بثمن لتلك الخطوة التي قدمها.
في دهاليز القرار
يبرز هذا الإسقاط في واحدة من أهم تجلياته في موضوع " المستشارين" ، حيث نجد هنا أرتالا من الغربيين، الذين تهفو لهم قلوب آل سعود، يتكدسون في دهاليز صناعة القرار السياسي والأمني والعسكري وحتى الإداري والتكنوقراطي، إذ لا يجد آل سعود الراحة والاطمئنان إلا بالإنصات المطبق للاستشارات " القيمة" التي يدلون بها، ويلقون بعرض الحائط دعاوى أهل الخير والإصلاح والمشفقين على البلد من الانهيار التام. يتمدد " المستشارون" الغربيون على مساحة واسعة ويقتحمون إضافة لما ذكرناه ساحة الإعلام والعلاقات العامة والدولية، ويتم ذلك الاختراق بسبب الهشاشة النفسية وعقد النقص التي يعاني منها أمراء وكبراء آل سعود، وبسبب النقص المريع في المناعة الحضارية مما حولهم إلى كائنات مبهورة بهذا الغرب الذي يجري على يديه " السحر" ، كيف لا وقد رأوا ما رأوا في حرب الخليج الثانية! !
العقار
يحسن أن نشير أيضا إلى مظهر آخر من مظاهر عقدة النقص تجاه الغرب وهي ظاهرة التملك العقاري، وكذا السياحة التي تميز أمراء آل سعود في الغرب، إذ ليس أعذب على مسامع معظمهم من أن يقال إن له قصرا في " جنيف" أو " كان" أو " لندن" أو " لاس فيجاس" أو غيرها، ولعل ملف سياحة وإجازات الأمراء في الغرب وحده تضيق به المجلدات العظام، فالغرب هو مربط الخيل وهو الهوى والملاذ وحيث راحة البال والتخلص من وجع الرأس الذي يسببه " عيال" الشعب المزعجين الذين ليسوا سوى " قرود على حيود" في نظر آل سعود.
أنا أخدمكم أكثر
حين تصارعت أجنحة آل سعود طفق كل منهم يسابق الآخر في إقناع الأمريكان أنه الأكثر عبودية، فالملك فهد مثلا يتباكى عند السفير الأمريكي ويقول له بالحرف الواحد: " كل رجائي منكم أيها الأمريكان أن أموت وأنا ملك" ، وسلطان يتعهد لهم بجعل ميزانية الدفاع تحت تصرفهم لعشر سنين قادمة، وسلمان يشغل كل عملائه عندهم ليقنعهم أنه هو الذي يناسب سياستهم، وبندر يتعهد لهم بأنه هو الذي يضمن التطبيع مع اليهود، وتصل العبودية والطاعة إلى درجة مكشوفة حين تعمم وزارة الخارجية على الشركات و المؤسسات التجارية وجوب إيقاف مقاطعة إسرائيل من " تاريخ كذا" ، لأن الأمريكان حددوا ذلك التاريخ نهاية للمقاطعة.
وعلى خلاف الإسقاطات الأخرى التي سبق الحديث عنها فإن هذا الإسقاط ليس عاما على كبار آل سعود، بل ربما تميز به فهد وإخوانه أكثر من غيرهم، وتدل الدلائل على أن نماذج أخرى من العائلة من أمثال الملك فيصل لم يكونوا يعانون من هذه الظاهرة، بل كان لديهم من الثقة بالنفس ما أبعدهم عن ذلك الإسقاط النفسي.
الشعب ليس كذلك
من ناحية أخرى لا يمكن اعتبار هذه الظاهرة أمتدادا طبيعيا للواقع الانهزامي للمسلمين في هذا العصر، فلقد أثبت أهل الجزيرة خاصة في مطلع تأسيس هذه الدولة أنهم أكثر الناس حذرا في التعامل مع الغربيين، وأشدهم استعدادا لاعتبارهم نموذجا للشرك والكفر الذي يجب أن يعادى، ورغم فقر الناس ومعاناتهم وضعفهم في تلك الأزمنة، فقد كانوا أصحاب أنوف شامخة وعزة سامقة أمام كل الدماء الزرقاء التي جلبها عبدالعزيز لصحراء الجزيرة، والأهم من ذلك أن الأنفة والندية يجب أن تتوفر في القيادة السياسية أيا كانت وخلال تعاملها مع الآخرين، خاصة الذين ينظرون لها ولمجتمعاتها نظرة دونية واحتقار.
إن الأولى لمن يحب العبودية لنفسه والمذلة والمهانة لشخصيته أن تكتمل فيه صورة العبودية ولن يتمكن آل سعود إلى الأبد من الجمع بين الجبروت والاستعلاء من جهة والصغار والعبودية من جهة أخرى، ولا نحسبهم إلا في طريقهم إلى الصغار والعبودية الكاملة، ولن يمضي زمن حتى يحتقرهم الشعب، ويستخف بهم كما استخف بهم الغرب.


الإسقاط السادس

الشك هو الأساس

من المعلوم تاريخيا أن ما يسمى بالدولة السعودية الثانية التي تكونت في القرن التاسع عشر الهجري شهدت صراعا مريرا بين المتنافسين من آل سعود، تسبب في انهيار الدولة سريعا بعد أن حرمها من الاستقرار.
تعامل غير بناء
واليوم يعيش آل عبدالعزيز هاجس هذه الخلافات إلى حد كبير، إلا أن تعاملهم مع هذا الهاجس تعامل غير بناء، إذ لا يبدو أنهم تعلموا الدرس من سقوط دولة أجدادهم الغابرة، ولذلك لا تراهم يسعون لمنع تعاظم الخلاف بين أجنحة العائلة، حتى لو كان سيؤدي إلى انهيار الدولة، إنهم يعيشون الهاجس في حالة من السلبية القاتلة، حتى باتوا يعانون معاناة كبيرة من الشك في بعضهم البعض إلى أن انعدمت الثقة بينهم، ولذلك فهم لا تشغلهم قضية منع تدهور الخلاف، وإنما استحوذ عليهم الاعتقاد بتآمر بعضهم ضد البعض الآخر، والشعور بضرورة أن يقطع كل منهم الطريق على الآخر لإحباط مؤامراته.
لم تكن هذه الشكوك مجرد خلافات تحصل في العائلة كما حصل في كثير من العوائل الحاكمة في العالم، لكنها تحولت في آل سعود إلى إسقاط نفسي، بمعنى أنها أصبحت تنعكس على تصرفاتهم وقراراتهم بشكل روتيني، فإما أن يترتب عليها تصرف مفتعل بقصد إزالة الشك، أو تصرف مفتعل للتخويف والتنكيل والإحراج، أو تصرف مفتعل آخر للإشعار بالوجود والنفوذ والقدرة على المنافسة.
تاريخ
بدأت الخلافات بين آل عبدالعزيز منذ أن توفي والدهم، وتولى سعود الحكم، وتطورت بشكل كبير مع نشاط مجموعة الأمراء الأحرار، ثم وصلت ذروتها في التنافس بين فيصل وسعود إلى أن كسب فيصل الجولة. لكن تلك الخلافات رغم قوتها وخطورتها لم تكن إسقاطا نفسيا، بل كانت واقعا مباشرا ترتبت عليه أحداث مباشرة ونتائج سياسية منظورة، وبعد عزل سعود تمكن فيصل بفضل قوة شخصيته وهيمنته على مقاليد الأمور من تحجيم الآخرين وتحديد دورهم السياسي، وحاول أن يضبط الأسرة بشكل تام في تلك الفترة. بمعنى آخر، كانت الخلافات موجودة، ولكنها لم تكن منظورة ولم تترتب عليها نتائج معينة.
تكتلات
وبعد وفاة فيصل تنامى الخلاف وبرزت التكتلات واتضح التنافس على النفوذ داخل الأسرة، وساعد ضعف شخصية فهد وتردده على ترسخ الخلاف واتخاذه وضعا خاصا.
أول علامات هذا الإسقاط حرص أعضاء الأسرة على تكوين التكتلات التي يظنون أنها تحمي بعضهم من البعض الآخر، فأبناء السديرية حرصوا منذ زمن على التكتل حول بعضهم وحماية بعضهم ضد التكتل الآخر الذي اجتمع منتسبوه حول عبدالله، ويحاول كل من هذين التكتلين استقطاب بقية أعضاء الأسرة و الاستئثار بدعمهم، فقد استطاع سلطان كسب خالد الفيصل ، و استطاع سلمان كسب آخرين من أطراف الأسرة ، بينما نجح تكتل عبدالله في كسب متعب ومشعل وبندر وبقية أبناء فيصل وآخرين من أبناء الأسرة، إلا أن الأمر لا يقتصر على هذين التكتلين، بل قد تتكون تكتلات صغيرة داخل التكتلين الكبيرين لمزيد من الحماية، وفي محاولة يائسة لاستعادة الطمأنينة، فسلطان مثلا يحاول أن يستميل نايف ضد سلمان، وسلمان يستميل الملك ضد نايف وسلطان، وهكذا يعيش الجميع حياة الصراع والمؤامرة بشكل مستمر.
تجسس
يتمثل شعور الشك بمظهر آخر غير معروف لدى كثير من الناس، وهو انتشار ظاهرة التجسس بين الإخوة واختراق كل منهم للآخر، حيث يعتقد أن لكل من الملك وعبدالله وسلطان ونايف وسلمان جهاز تجسس مستقل مكلف بالتجسس على الإخوة الآخرين بهدف التأكد من خلو المؤامرات ضد بعضهم، وفي بعض الأحيان بهدف توجيه الطرف الآخر دون شعوره، ويبدو أن أنجح الجميع في ذلك هو سلمان الذي استطاع أن يخترق معظم إخوانه ببعض الشخصيات التي زرعها في أماكن حساسة قريبا منهم، فسلمان له رجاله في الديوان الملكي، وله رجاله في الحرس الوطني، وله رجاله في وزارة الدفاع، وله رجاله في وزارة الداخلية، ولذلك فهو الوحيد القادر على التأثير على الجميع بشكل غير مباشر ودون إدراك منهم، ورغم أن أسماء الشخصيات التي يستخدمها سلمان معروفة، فإنه لا يفضل ذكرها لأن إخوانه يثقون بتلك الشخصيات لدرجة أنهم لن يصدقوا تبعيتهم لسلمان.
أنا المقصود
ومن المظاهر الأخرى لهذا الإسقاط - والتي تدل بشكل صارخ على أن تلك المشكلة قد تحولت فعلا إلى مرض نفسي اعتقاد كل واحد منهم أن أي تصرف يصدر عن منافسه فإنه هو المقصود به، بمعنى أن أي حدث يقصد به أحدهم ولا يعرف فاعله ينسب للطرف الآخر، ولا بأس أن نورد هنا قصة طريفة لسلطان لم تشتهر بين الناس، ومفادها أن سلطان كان متجها إلى مكتبه في الوزارة، وقبل أن يصل المكتب هوجم المكتب من قبل رجل ينتمي لأحد القبائل، علم سلطان بالحادث قبل أن يصل، فلم يكمل طريقه إلى المكتب وتوجه فورا إلى أخيه عبدالله يتهمه بتدبير محاولة لاغتياله، تبين بعد ذلك أن عبدالله لم يكن يعلم شيئا عن القصة، واتضح بعد التحقيق أن المهاجم كان يستهدف أحد أعضاء مكتب سلطان لثأر شخصي بينهما، وتأكد أن هجومه على المكتب لا علاقة له بسلطان.
ومن الأمثلة على ذلك أيضا أن سلمان حين أرسل ابنه فيصل للدراسة في أمريكا قبل عامين تقريبا ، فسر بندر بن سلطان ووالده تلك الخطوة بأن هدفها التجسس على بندر و نشاطاته و جمع المعلومات حول مدى نجاحه في تسويق نفسه و والده لدى الأمريكان.
وحديثا حين انتشر شريط الفيديو الذي ظهر فيه الوليد بن طلال في وضع غير جيد، اتهم الوليد سلمان بن عبد العزيز فورا بدبلجة الصور من أجل إسقاط شخصيته، وما ذلك إلا بسبب الخلاف المستعر بينهما.
التكلف والتمثيل
يتخذ هذا الإسقاط مظهرا آخر هو المراعاة الزائدة المتكلفة للأطراف الأخرى خوفا من أن تفسر عدم المراعاة بالكيد والترصد، ومن أشكال المراعاة الإغداق في الصرف على التكتلات الأخرى من قبل الملك بطريقة تثير حسد الأطراف القريبة، فالملك مثلا يوجه أوامره إلى وزير المالية بعدم رفض أي طلب من الأمير عبدالله حتى لا يفسر رفض الطلب بكيد لعبدالله، وفي بعض الأحيان يبالغ الملك في إرضاء أحد أعضاء التكتلات الأخرى، فيأمر بترسية مشروع لحسابه أو مناقصة لشركته، فيثور فرع آخر من العائلة غضبا على ذلك فيرضيه بمناقصة أو مشروع، وهكذا، ولا تكاد السلسلة تنتهي، ولا تقتصر المراعاة على النواحي المالية بل تجدها تمارس في النواحي الأخرى، فحق منح الجنسية أو الجواز السعودي يعطى بكرم وتساهل لأطراف خارج تجمع السديرية، وكذا الحال مع توزيع المقاعد في الكليات الأمنية والعسكرية.
المراعاة
كما أن تعيينات الوزراء وكبار المسؤولين والقضاة هي الأخرى أشكال من التعبير عن هذا الإسقاط النفسي، فإذا قرر الملك تعيين أي مسؤول فإن الهاجس الأول الذي يعرض له هو كيف يرضي كل أطراف الأسرة في ذلك التعيين، ولذلك فعندما قرر آل سعود أن يمضوا قدما بالتعديل الوزاري الأخير شكلوا لجنة تمثل كل مراكز القوي فيهم حتى لا يقال إن أحدهم قد حظي بفرصة أكثر من الآخر، ويتمثل الإسقاط كذلك بشكل معاكس حيث يتجنب آل سعود طلب عزل أحد من المسؤولين إذا كان محسوبا على أحد التكتلات فضلا عن أن يعزلوا أحدهم، ولذلك لا يجرؤ أحد من آل سعود على إثارة فكرة عزل نايف بن عبدالعزيز بالرغم من فضائحه القبيحة وذلك مراعاة للتوازن في التكتلات الأسرية القائمة، هذا في الوقت الذي استطاعت الأسرة عزل تركي بن عبدالعزيز لأسباب أقل أهمية، وقد فسر ذلك بأن أزمة تركي حصلت قبل أن تستفحل ظاهرة الإسقاط النفسي في العائلة.
الشعوذة
وحديثا انتشرت في العائلة ظاهرة جديدة تدل على مدى معاناة أفرادها ومدى استفحال الشك في بعضهم البعض، وهي ظاهرة استعمال السحرة والمشعوذين، إما لمعرفة ما يكيده هذا الطرف تجاه ذلك، أو للتأثير على طرف ما وإخراجه من حلبة المنافسة على السلطة، وقد استورد آل سعود من أجل ذلك عددا كبيرا من السحرة من شرق وغرب أفريقيا، واستعانوا ببعض العاهرات للإيقاع والتصيد نظرا لحاجة السحرة في بعض الأحيان لمن يصل إلى جسد الشخص المستهدف، ومن سوى العاهرات والخادمات والمربيات يحسن تحقيق ذلك؟، حتى يقع السحر وينجز المطلوب.
ومن المظاهر الأخرى لهذا الإسقاط رصد حركة سفر وتنقل وعلاقات المنافسين والمناوئين, وخاصة إذا كان السفر أو التحرك في أوروبا أو أمريكا، ولذلك يحاول بعضهم أن يخفي خبر سفره عن الآخرين حتى لا تحوم حوله الشبهات، وأكثر من يحسن هذه الحيلة هو سلمان بن عبدالعزيز، الذي كثيرا ما يسافر بأسماء مستعارة إلى أوروبا وأمريكا حيث يقابل شخصيات هامة من الولايات المتحدة ودول أوروبا وإسرائيل وبعض الدول العربية للتنسيق معهم حول وضعه شخصيا ووضع مجموعة السديرية عموما، وقد يتوجه أحدهم إلى إسبانيا أو المغرب بحجة الاصطياف أو السياحة ثم يختفي من هناك في زيارة سرية إلى مكان ما من العالم لإنجاز بعض أعماله الخاصة جدا.
ولي العهد الأمين
وأخيرا، من مظاهر هذا الإسقاط التكلف الممجوج من قبل بعضهم في الإكثار من عبارات التمجيد والتعظيم والثناء على الذين ينتمون للتكتلات الأخرى، ولذلك فإن سلطان لا يمكن أن يفوته التأكيد الشديد على ذكر عبارة " ولي العهد الأمين" ، والجميع يعلم أنه لا يصدق فيما يقول، بل ما يضمره في نفسه لولي العهد مناقض لما يتفوه به في الأماكن العامة، وينطبق الأمر على الأمراء المنتمين للتكتل الثاني الذين لا يفوتهم ذكر عبارة " سمو النائب الثاني" بمناسبة وبدون مناسبة.
وتظل الإسقاطات النفسية تحكم تصرفات آل سعود، وتحدد سياستهم لتحل محل الفكر والتخطيط الاستراتيجي والبرمجة بما يناسب الأحوال والظروف والأزمان، وإلى إسقاط آخر من إسقاطات مرضى آل سعود.


الإسقاط السابع

الدولار هو الحل

بعض الإسقاطات و الأمراض النفسية متأصلة في الأسرة السعودية الحاكمة، وما لبثت مظاهرها بادية منذ تكوين المملكة، إلا أن ثمة إسقاطات أخرى اقتصرت على الجيل الأخير من الحكام، وهو جيل فهد أو مدرسة السديرية، ومن الإسقاطات التي اختص بها السديريون الشعور بأن المال يتغلب على أكبر المعضلات، ويحل أعقد المشاكل ويذلل أشد الصعاب، ولذا فالسياسة وتصريف شؤون الدولة والنجاح على المستويات الإقليمية والعالمية والسيطرة على الأوضاع المحلية، كل ذلك رهن بتوفر المال، ويعود السبب في تبني فهد وأشقائه لهذه السياسة إلى ظروف نشأتهم المترفة من جهة وإلى تفشي الجبن والخور والميوعة في مجموعة السديرية من جهة أخرى. لم يشهد فهد أيا من المعارك الهامة التي خاضها والده ضمن " مشروعه" لإنشاء المملكة، كما لم يستلم أي منصب أو مسؤولية إلا بعد أن تخطى الأربعين عاما من عمره، وعاش وإخوته في القصور المرفهة بين العبيد والجواري دون أدنى شعور بالمسؤولية.
المال كثير
وحين بدأ فهد يستلم بعض المسؤوليات، كان المال وفيرا بين يديه، فلم يخطر بباله أنه سينفد يوما، ولعل ذلك أسهم في الصياغة النهائية للتركيبة العقلية والنفسية لديه، فآمن بأن المال هو الحل لكل مسألة، ورسخ هذا الإحساس اعتقاد آل سعود بأن البلد وما حوت ملك خالص تام لهم، ولا غرابة إذن ألا يكون هناك فرق بين أموال فهد الخاصة وبين ميزانية الدولة، فنظام الحكم لا توجد فيه وسيلة رقابة أو ضبط تمنع فهد من سحب ما يشاء من أموال الدولة ليصرفها فيما يشاء، وقد كان ولا زال ذلك هو ديدن فهد وإخوته حتى نضبت ميزانية الدولة، وتحولت من بلد يتمتع بفائض 150 مليار دولار إلى بلد مدين بما لا يقل عن 150 مليار دولار.
ولا يملك المتابع للتحول في السياسة بعد موت فيصل إلا أن يلاحظ اعتماد المدرسة الجديدة بالكامل على المال بطريقة مرضية كأسوأ ما يمكن أن يصاب به دكتاتور أو طاغية، حتى تحول الشعور بقدرة المال المطلقة على صنع المعجزات وإتيان الأعاجيب إلى إسقاط نفسي، بات آل سعود معه يتوهمون بأنهم ملكوا العالم بدولاراتهم.
المال والدفاع
في سياسة الدفاع لم يفهم آل سعود أن قوة البلد مرتهنة بوجود جيش قوي مدرب ومسلح بما يؤهله للدفاع عنها ورد أي اعتداء خارجي عليها، بل فهموا أن المال وحده قادر على ذلك، والمال لا يعني في تصورهم الصرف على التدريب والتسليح، بل يعني إهدار الأموال في مشاريع حرب خاسرة، فقد ظن آل سعود أنهم بالمال المصروف على العراق خلال حربه مع إيران تخلصوا من الخطر الإيراني، كما ظنوا أنهم بالمال الذي أتلفوه على القوات الأمريكية تخلصوا من الخطر العراقي، وبدلا من أن يصرف ولو عشر هذا المال في إعداد جيش منيع، بددت ثروة البلاد على " صديق" المرحلة ضد " عدو" المرحلة، أما الجيش فلا يزال من أضعف جيوش العالم وأفقرها خبرة وأتعسها تدريبا وتسليحا.
شراء الذمم
تمضي سياسة الدولار على المستوى المحلي في كل اتجاه إلا اتجاه الإصلاح والبناء، وقد أفرزت هذه السياسة ممارسات لا أخلاقية غدت تقليدا راسخا، من أبرزها تلك العطيات التي أصبحت في رتابتها ودوريتها كالرواتب الشهرية، فالعلماء المتاجرون بعلمهم ودينهم يستلمون أضخم الرواتب، بل قد يحصل بعضهم على بعض العطايا النقدية بالملايين أو العينية كالأراضي الشاسعة جزاءا له على خيانته للدين وللأمة، وبنفس الأسلوب يشترى ولاء كبار رجال القبائل، ويسترق بعض المفتونين من المثقفين، وكل ذلك ضمن سعي آل سعود لإسكات كل شخص متميز في مدينته أو في قريته أو في منطقته أو في قبيلته لجما بالدولار، وقد أمعنوا في ذلك، حتى توهموا أن كل إنسان يباع ويشترى في سوق النخاسة السعودي.
السياسة الخارجية
وأما على المستوى الدولي، فلا يخطر ببال آل سعود أن يعتمدوا من خلال النشاط الدبلوماسي على الثقل الاستراتيجي والمكانة الدولية للمملكة، وإنما يعتمدون في سياستهم الخارجية على شيء واحد، ألا وهو الدولار، فإذا كان البلد الذي يتعامل معه آل سعود بلدا دكتاتوريا فرديا يمكن أن يتعامل النظام فيه مع شخص واحد أو عصابة حاكمة، فإن الأموال تغدق على هؤلاء بشكل أو بآخر حتى تشترى ذممهم، أما العلاقة مع الشعوب فغير واردة ولا تخطر على بال آل سعود، وإذا كانت العلاقة مع دول ديمقراطية تراقب شعوبها حكامها فتحاسبهم وتقيلهم أو تستبدلهم إن أساءوا استخدام المال، فإن آل سعود لا يستطيعون استخدام أسلوب الرشوة بشكل مباشر، ولذا تجدهم يرشون جهاز الحكم عبر إبرام الصفقات التجارية والعسكرية، ولآل سعود في ذلك سلم أولويات، فأمريكا - التي تقدر قيمة العقود المبرمة معها منذ نهاية السبعينات بمئات المليارات من الدولارات - تأتي في مقدمة الدول المخدومة، وتعقد معها الصفقات الضخمة لا من باب الحرص على تحقيق نفع للبلاد، بل من باب إشعار تلك الدولة بحاجتها لآل سعود وبقدرتهم على التأثير على وضعها الداخلي، والكلام ذاته ينطبق على العقود الضخمة التي أبرمت وتبرم مع البريطانيين والفرنسيين وغيرهم.
ومن صور الرشاوي غير المباشرة في العلاقات الخارجية ما حدث أثناء أزمة الخليج حين رفضت روسيا تأييد قرار الأمم المتحدة, فدفعت لها المملكة رشوة على شكل قرض بقيمة أربع مليارات دولار، ورفضت إسرائيل التزام الحياد في حرب الخليج الثانية، فدفعت لها المملكة رشوة غير معلنة هي تكاليف التسليح لما بعد الأزمة، والتي بلغت أكثر من عشرة مليارات دولار.
وفي هذا النطاق يبرز دور المال في العمل الاستخباراتي، وهنا يتجلى حمق آل سعود الذين لا يفهمون من العمل الاستخباراتي شيئا، فيعوضون عجزهم بالتكفل بدفع تكاليف المشروعات الاستخباراتية الأمريكية مما له علاقة - أوليس له علاقة - بالمملكة، فقد دفع آل سعود مامل تكاليف البرنامج الأمريكي في أفغانستان، كما دفعوا تكاليف البرنامج الأمريكي في إيران وفي القرن الأفريقي وفي منطقة باب المندب، ويبلغ الحمق بآل سعود أن يدعموا العمليات السرية للمخابرات الأمريكية في أماكن ليس لها بالمملكة ناقة ولا جمل مثل أنغولا ونيكاراغوا، ويلخص أحد مدراء المخابرات الأمريكية الموقف السعودي بقوله " لقد أثبت السعوديون أنهم رائعون. . لقد وقفوا بجانبنا كلما لجأنا إليهم" ، وكلمة رائعون هي الكلمة التي يريدها الملك فهد والتي دفع مقابلها ملايين الدولارات. .
الإعلام والعلاقات العامة
كما يتجلى هذا النوع من الإسقاط في السياسة الإعلامية، وخاصة في الساحة الخارجية، وهنا لا مجال أبدا للتخطيط والعمل الاستراتيجي والاستفادة من الخبرات المخلصة، بل يكمن الحل في إغداق الأموال لتحسين صورة آل سعود وذلك عبر شراء الإعلام نفسه أو شراء ذمم القائمين عليه، ومن أجل ذلك اشترى آل سعود كثيرا من الصحف العربية وغير العربية، وإذا عجزوا عن شراء مؤسسة صحفية اشتروا ذمم القائمين عليها، أما المؤسسات التي يعجزون عن شرائها ويعجزون عن رشوة القائمين عليها فيحاولون التأثير عليها بأساليب غير مباشرة، لوكل ذلك بالمال.
ويدخل في هذا النطاق التعاقد مع أكبر شركتين في العالم للعلاقات العامة ساشي ساشي في بريطانيا وهلين نورتن في أمريكا بما قيمته مليار دولار مع أن المشروع لا يتعدى كونه علاقات عامة لا تقدم ولا تؤخر.
وحديثا قفز آل سعود قفزة أخرى في مجال حرق المال من أجل الإعلام، وذلك بإنشاء المحطات الإذاعية والتلفزيونية التي تخدم أغراضهم، وفي مقدمة ذلك محطة إم بي سي التي تبلغ ميزانيتها السنوية أكثر من ثلاثمائة مليون دولار.
كما اخترق آل سعود المراكز الثقافية والأكاديمية والأنشطة الإسلامية بالمال، فأقاموا الكراسي الدراسية التي دفعوا لأجلها مبالغ طائلة لجامعات أمريكية وأوروبية ونجحوا في التحكم بعدد كبير من القائمين على المراكز الثقافية والإسلامية من خلال المخصصات المالية للمشاريع أو الرواتب الشهرية.
المال يغطي العيوب
ومن الإبداعات المضحكة لآل سعود اعتقادهم أن المال هو الذي يغطي فضائح الفقر والعجز الاقتصادي ولذا فقد عملوا ما لم يعمله الأوائل ولا الأواخر، حيث صرفوا عشرات الملايين على برامج إعلامية تدعي أن الاقتصاد السعودي متين، فالمال المهدور الثاني هو الذي يكذب إهدار المال الأول.
المال والجنس
يأخذ هذا الإسقاط مظهرا آخر على المستوى الشخصي للملك وإخوانه وهو الاعتقاد بأن المال يصنع كل المعجزات، فهو الذي يأتي بأجمل النساء من أقاصي الكرة الأرضية، ولذلك أصبح من الممارسات الطبيعية إرسال الطائرات الخاصة لجلب الداعرات لشخصيات من الأسرة ودفع الأموال الطائلة لهن، ويتوهم اليائسون من آل سعود بإن المال قادر على استعادة القوة الجنسية بعد فقدانها، فتصرف الملايين على المختصين وعلى المستحضرات الطبية، ولكن أنى يصلح العطار ما أفسد الدهر.
واعتقد آل سعود أن المال هو الذي يكشف الغيب ويخبر عن المستقبل ويتنبأ بالأسرار، ومن أجل ذلك بحثوا عن أشهر رجال العالم في السحر والشعوذة، ودفعوا لهم الملايين من أجل أن يستقروا عندهم ويتنقلوا معهم في رحلاتهم ليخبروهم بالأخطار المحدقة بهم، والمال هو الطريق إلى السلامة! .
الخلود
وأخيرا لا آخرا بلغ الاعتقاد بقوة المال ذروته حتى ظن الملك أن المال هو الذي سيخلده، فأمر بإنشاء وحدة طبية كاملة في المستشفى التخصصي بتكلفة مليار دولار مرتبطة بشبكة الأقمار الصناعية بثلاث جامعات أمريكية، حتى تستخدم في تشخيص وعلاج كل ما يلم به من أمراض، توهما منه أن ذلك سيمنحه مزيدا من طول العمر.
ماذا سيفعل آل سعود بعد أن بددوا الأموال، ولم يبق في أيديهم ما يكفي لتحقيق الأحلام الوردية؟ ما من شك في أننا بدأنا نرى تحول هذه الأحلام إلى كوابيس، تلك هي النتيجة الطبيعية للسياسات المنحرفة والعقليات المتخلفة والنفوس المريضة.
" وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال" .


الإسقاط الثامن

التناقض بين الشعار والتطبيق

تطبق كل دول العالم سياسات معلنة يتناغم فيها الشعار مع الممارسة، وحين تخالف بعض الشعارات السياسة الحقيقية للدولة فهي تمثل انحرافا محدودا وجانبيا ولا تمثل طابعا عاما لتسيير سياسة الدولة. هذا المبدأ ينطبق على الدول الديمقراطية التي تعلن برامج حكوماتها أمام شعوبها، وينطبق كذلك على الدول الدكتاتورية الكثيرة في العالم سواء اليسارية منها أو اليمينية. أما نظام آل سعود، وخاصة بعد نشأة مدرسة فهد، فلقد أصبح الشعار الذي يرفعه في واد والممارسة العملية في واد آخر. فالشعار الذي يرفعه آل سعود هو العمل بالإسلام وتطبيق الشريعة بينما الممارسة الحقيقية أبعد ما تكون عن الإسلام، سواء على مستوى سياسة الدولة أو على مستوى الأفراد الحاكمين. ولقد افرز هذا التناقض مع مرور الزمن إسقاطا نفسيا خاصا وتركيبة عقلية وأسلوبا في التفكير لا يوجد في أي نظام آخر في العالم.
فآل سعود يشعرون في قرارة أنفسهم أن ليس للإسلام من تطبيقهم نصيب، وفي نفس الوقت لا يملكون أن يزيحوا هذه الهوة بين التطبيق والممارسة، ولذلك انعكست هذه التركيبة عليهم على شكل إسقاط نفسي يفسّر كثيرا من أقوالهم وتصرفاتهم.
رب العزة والجلال
أولى مظاهر هذا الإسقاط هي كثرة ترديد دعوى تطبيق الشريعة لفظيا بمناسبة وبدون مناسبة، والحرص على الألفاظ ذات الظلال الشرعية مثل لفظة " العقيدة" و " رب العزة والجلال" و " الحرص على رضى الله" . ويحرص آل سعود على انضباط ألفاظهم بشكل متكلف حيث يكثرون من استخدام كلمة " ثم" إقناعا للعلماء أنهم حذرون من الشرك الخفي، ولقد أحصي للملك فهد مثلا في أحد خطبه الرنانة أكثر من ثلاثين مرة لفظة " العقيدة" .
وهكذا يحرص سلطان على نعت سامعيه بأنهم إخوته في الله ودائما يحييهم - كما يقول - بتحية الإسلام. أما نايف فيبالغ في فخره بتطبيق الإسلام حين يصف ممارسة القمع والاضطهاد بأنها هي الإسلام و" من لم يعجبه الشرع فليشرب من ماء البحر" . ويتكلف بندر بن سلطان فيصف سجل المملكة لحقوق الإنسان بأنه " أحسن سجل لأنه تطبيق لحقوق الإنسان في الإسلام" ، وتصل دعوى التمسح بالإسلام ذروتها عند فيصل بن فهد الشخص الذي تمرغ في الفساد والانحراف، فتجده يجيب على سؤال لأحد الصحفيين عن الهدف من إنشاء إستاد الرياض الكبير فيقول بأن " الهدف هو رضى الله" . وعودة الى الملك فهد الذي سئل مرة عن منجم الذهب إن كان هو الكنز الذي تنتظره المملكة فقال لا بل نحن نعتمد على الكنز الذي لا ينضب وهو " العقيدة" . . الله أكبر!
نحترم العلماء
شكل آخر من أشكال التعبير عن هذا الإسقاط هو تمثيلية احترام العلماء التي يخادع بها آل سعود الناس، فالعلماء الذين يدعي آل سعود احترامهم ليسو إلا فئة مختارة، أما العلماء الحقيقيون الذين تلقتهم الأمة بالقبول وانقادت لهم فكان مصيرهم السجن والتشريد والقتل والإيذاء والفصل والتضييق. وحتى الاحترام المدعى للعلماء الرسميين ليس إلا مسرحية تؤدى بطقوس معينة يهان فيها العلماء وتداس كرامتهم بالتراب، حيث يحضر العلماء وينتظرون ساعات من أجل أن يشرف عليهم فهد بطلعته البهية فيخرج عليهم ليهذي بما لا معنى له ولا قيمة، ثم ينصرف.
وثمة شكل آخر من أشكال الاحترام المزعوم للعلماء ألا وهو توزيع عطايا الأراضي والعقار - بل وحتى المال - عليهم من أجل كسبهم والفوز بتزكيتهم، وهذا لا يفسره إلا ترسخ الشعور لدى آل سعود بأنهم في الحقيقة كاذبون في دعوى خدمة الإسلام، وأنه لا مجال للتغطية على ذلك إلا بالاحتماء بالعلماء.
على الهواء مباشرة
وينعكس هذا الإسقاط على مستوى الإعلام الرسمي بشكل كبير، فبدلا من أن يقدم هذا الإعلام الرسالة الإسلامية نفسها فإنه يقدم الخراب والدمار مخلوطا بعبارات تكرر دعوى تطبيق الشريعة وخدمة الحرمين الشريفين والقيام بالواجب تجاه الإسلام والمسلمين. ويحرص الإعلام على خدمة الشكليات مثل نقل شعائر الصلاة في المسجد الحرام أو حركة الحجاج في الوقت الذي يقتل فيه معاني العزة الإيمانية والالتزام بالإسلام.
أما على مستوى السياسة الخارجية فيأخذ هذا الإسقاط مظاهر عديدة تفسر كثيرا من تصرفات آل سعود تجاه الدول والمراكز والجماعات الإسلامية والناشطين الإسلاميين في العالم.
الدعم لمن
ففي تعامله مع المفكرين والعلماء والدعاة المشهورين على مستوى العالم الإسلامي، تجد النظام السعودي انتقائيا، فهو لا يؤوي ولا يدعم ولا يتبنى إلا من يوافق على التسبيح بحمده والتزلف له بتأكيد الدعوى الكاذبة بأنه نظام يقوم على خدمة الإسلام. وتجده في المقابل يحاصر كل داعية مخلص ويضايقه حتى لو كان خارج نفوذه وبعيدا عن حدوده. كما يرفض النظام السعودي دعم أي حركة إسلامية أو جماعة أو حزب مخلص نزيه نظرا لأن برامج هذه الجماعات والأحزاب تكشف زيغ النموذج السعودي للإسلام وتفضح تلبيسه على المسلمين في العالم. ولا يكتفي النظام السعودي بالتخلي عن دعم تلك الحركات بل يسعى جادا لشقها وتفكيكها ويتعاون مع الحكومات الظالمة في العالم الإسلامي للقضاء عليها.
لا لدولة إسلامية
وفي نفس الاتجاه يبذل النظام السعودي كل جهد ضد قيام أي دولة إسلامية في العالم يمكنها أن تكون نموذجا أصدق من نموذج النظام السعودي وهذا ما يفسر اندفاع المخابرات السعوية في تخريب التجربة الأفغانية ودفعها لتلك النتيجة المحزنة، ويفسر كذلك حماس السعوديين لدعم الحصار على السودان، بل يفسر أمرا آخر يغيب عن كثير من المطلعين وهو دعم النظام السعودي لليمن الجنوبي ضد الشمالي أيام الحرب رغم شيوعية الجنوب تماما ورغم دعمهم لنظام صدام حسين البعثي. ورغم العلاقات الطيبة لنظام آل سعود مع آل الأحمر في الشمال إلا أن الخوف من تنامي الصحوة الإسلامية في الشمال والإدراك بأن انتصار الشماليين سيقوي كفة الإسلاميين ويقرب فرصة نجاح المشروع الإسلامي في اليمن مما من شأنه أن يكشف زيف التجربة السعودية فقد سارع آل سعود إلى دعم الجنوب بكل ما أوتوا من موارد.
وتبرز الانتقائية بشكل واضح على مستوى المراكز الإسلامية، حيث يرفض السعوديون دعم أي مركز لا يقر لهم بالولاء ولا ينضوي ضمن الفلك السعودي، وتراهم يحرصون على التحكم الكامل بما تقع عليه أيديهم من المراكز من خلال شراء المسؤولين فيها سواء بالرواتب أو بالأعطيات أو بالدعوة للحج والعمرة على حساب النظام السعودي.
نعم للنفاق
ويفسر هذا الإسقاط لم يضخ السعوديون ملايين الدولارات في مشاريع تسمى إسلامية لكن ليس لها من حقيقتها إلا الشعار، مثل بعض المساجد الكبرى في أوروبا التي يكلف بناؤها و تشغيلها من المال ما يكفي لتشغيل مئات المساجد والمدارس في كثير من أنحاء العالم. لكن يتضح جليا أن المطلوب ليس خدمة الجاليات الإسلامية بقدر ما هو التحكم السعودي بتلك المراكز والمؤسسات وتحسين صورة آل سعود التي قبحت في أعين الداني والقاصي.
ولا يكتفي السعوديون بالتحكم بالمراكز والجماعات بل امتد نفوذهم ليشمل الجامعات المهتمة بشؤون الإسلام والشرق، فعمدوا إلى شراء الكراسي الجامعية ورشوة الأساتذة والمفكرين من أجل التأكيد على " صدق" النموذج السعودي للإسلام.
ومع أن الهوة بين التطبيق والممارسة بدأت منذ أيام الملك عبد العزيز لكنها لم تبلغ ما تحولت إليـــه فــي عهـــد فهــد من إسقاط نفسي، فلم يعهد أهل الجزيرة في أيام عبد العزيز أو فيصل كثيرا من تلك المظاهر المستحدثة. ومثل كثير من الإسقاطات النفسية الأخرى لم يتركز هذا الإسقاط إلا أيام فهد، بل من الملاحظ أن مجموعة السديرية داخل الأسرة هي الأكثر معاناة من هذا الإسقاط لما جبلوا عليه من النفاق وما استمرأوه منتقرير خاص صادر عن

منظمة ليبرتي
الحرية للعالم الإسلامي

بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان
في فينا - النمسا
14-25 يونيو (حزيران) 1993

قياما بواجب الدفاع عن المظلومين ، وتوعية للعاملين في مجال الحقوق الإنسانية ، وتنبيها للسلطات السعودية إلى خطورة ما يرتكب في تلك البلاد من انتهاكات مريعة لحقوق الإنسان ، فقد أعد قسم الدراسات والأبحاث الميدانية في منظمة ليبرتي هذا التقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ، وذلك اعتمادا على شهادات موثقة من قبل من وقع عليهم الظلم ، ومن قبل مصادر مطلعة داخل أجهزة النظام القضائي والإداري.

المقدمة

واقع السلطة القضائية
ضعف القيمة المعنوية للقضاء والقضاة
فوضى النظام القضائي
تحجيم القضاء
التدخل في القضاة
في تعيين القضاة
في تعيين رؤساء المحاكم
في ترقية القضاة
في نقل القضاة
في فصل القضاة
في منع قبول الدعاوى
في تحويل القضية إلى قاض معين

انتهاك الحقوق

القسم الأول: الانتهاك من قبل المتنفذين
مباشرة قتل النفس عمدا وعدوانا
مباشرة الضرب والاعتقال في السجون الشخصية
حمل السلاح وإرهاب المواطنين
الاعتداء الجنسي
غصب الأراضي والممتلكات
رفض سداد الالتزامات

القسم الثاني: الانتهاك من قبل السلطات

أولا: الإقامة الجبرية ومنع السفر

ثانيا: التجسس
ثالثا: حملات التفتيش

رابعا: منع إنشاء النقابات وإعاقة إنشاء الجمعيات

خامسا: منع الأنشطة الاجتماعية والخيرية المستقلة

سادسا: التدخل في النشاط الأكاديمي

سابعا: الحصار الشديد لحرية الكلمة

ثامنا: الإجراءات التعسفية في الاعتقال والسجن -
الاعتقال بلا تهمة أو محاكمة
المداهمة
أحوال المعتقلين ومصيرهم

تاسعا: مزاولة دور القضاء

عاشرا: عدم الإحالة للقضاء

حادي عشر: تبادل المطلوبين

ثاني عشر: إغلاق الباب أمام التظلم

ثالث عشر: التمييز العنصري

خاتمة


مقدمة

سيتناول هذا التقرير قضية حقوق الإنسان في المملكة من جانبين ، الجانب الأول يتعلق بواقع السلطة القضائية وحقيقة الدعوى باستقلاليتها ، بينما يتعلق الجانب الثاني بواقع انتهاكات حقوق الانسان من قبل السلطة ومن قبل فئة المتنفذين (ويقصد بهم أبناء الأسرة الحاكمة. وبعض كبار المسؤولين).

وقبل التفصيل في هذين الجانبين لا بد أولا من التأكيد على ما يلي:

أولا: لقد تفاقمت أشكال الظلم والتعدي علي الحقوق وعمت الفوضى أجهزة القضاء إلى درجة باتت معها كثير من أشكال الظلم وانتهاك الحقوق أمرا واقعا ، بل من الأمور المتوقعة في أي وقت. بل تعدى ذلك إلى اعتبار المطالبة بالحقوق واستنكار الظلم هو الشذوذ والتجاوز ، فكثير من المواطنين في المملكة لا يخطر ببالهم أن لهم حقوقا أساسية مثل حق التعلم وحق العمل وحق التوظيف وأن من حقهم أن يتقدموا إلي القضاء بشكواهم ضد الدولة إذا ما انتهكت أجهزتها أيا من هذه الحقوق.

ثانيا: بلغت الفوضى العارمة في النظام القضائي ، وتداخل الصلاحيات حدا أفقد هذا النظام ثقة المواطنين به ، وغدت الدوائر القضائية موبوءة بالإجراءات البيروقراطية المعطلة لمصالح المتظلمين.

ثالثا: لم يعد سرا عدم التزام أجهزة الدولة بكثير من الأنظمة والتعليمات التي تصدرها الحكومة مثل النظام الأساسي ولائحة التوقيف والاتهام وغيرها ، وفيما تنعدم مصداقية هذه الأجهزة وتتزايد يوما بعد يوم التجاوزات والممارسات غير القانونية لكثير من المسؤولين فيها تنتهك كل يوم حقوق آلاف المواطنين والوافدين.

رابعا: يشكو المواطنون في مختلف أنحاء المملكة من قصور كبير في توثيق الأحداث والوقائع والمواقف بالرغم من كثرتها ، وذلك بسبب غياب الأجهزة المستقلة التي تراقب الحدث وبسبب التكتم الشديد من قبل أجهزة الدولة علي كثير من هذه الوقائع وإنزال أشد العقوبات بمن يبوح بها أو يحاول تسريبها.

خامسا: تستمر الحكومة السعودية في ممارسة التلبيس على الرأي العام الداخلي والخارجي في الخلط بين ممارسات الدولة في انتهاك الحقوق وبين تعليمات الشريعة الإسلامية ، ومحاولة إفهام الجميع أن هذه الانتهاكات إنما هي من مقتضيات تطبيق الشريعة.

واقع السلطة القضائية


تؤكد المعلومات الواردة من مصادر ليبرتي أن من أكبر أسباب ضياع الحقوق وانتهاكها في المملكة غياب الدور المناسب للسلطة القضائية ، ولذلك فإن من المناسب مناقشة مظاهر عجز النظام القضائي قبل االتطرق إلى الانتهاكات المباشرة للحقوق. ووبادىء ذي بدء لابد من الإشارة إلى أنه صيغة السلطات الثلاث المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية لا وجود لها في المملكة السعودية ، فالسلطة التشريعية هي فعليا من صلاحيات الملك والأسرة الحاكمة ، فالملك هو الذي وضع النظام الأساسي " الدستور" ، وهو الذي يحتفظ وحده بحق تعديل أو تغيير هذا النظام ، وهو الذي يعين اللجان التي تسن الأنظمة والقوانين ، وهو الذي يعين هيئة كبار العلماء ، وهو الذي يعين القضاة. ولا توجد أي جهة أو مؤسسة لها حق مراجعة قرارات الملك التشريعية أو المصادقة عليها قبل إنفاذها. ويتوقع أن يتم تعيين مجلس الشوري الموعود كذلك من قبل الملك ، ومن المتوقع أن لا يتمتع هذا المجلس بأي صلاحيات ، بحيث لن يتمكن من أن يناقش أي أمر إلا بإذن من الملك ، أو أن يرسم أي سياسة إلا بتصديق من الملك نفسه.
وفيما يتعلق بالادعاء بأن السلطة التشريعية لا يمكن وجودها في النظام الإسلامي بحجة أن التشريع هو القرآن والسنة ، فقد انبرى عدد من العلماء والحقوقيين والمثقفين في السنوات الأخيرة لضحد هذا الادعاء مؤكدين أن النظام الإسلامي يفترض وجود كيان أو مجلس لديه صلاحيات واسعة لمراجعة وإقرار أو رفض الإجراءات وكذلك الحكم بمدى تطابق سياسة الدولة مع القرآن والسنة ، بل إن من مواصفات هذا المجلس أن يكون ممثلا لذوي التخصصات المختلفة في كافة الميادين العلمية والقانونية والأدبية ، وهو أشبه بالنظام البرلماني المعمول به في أنظمة الحكم الديمقراطية. ويجادل هؤلاء بأن مثل هذا الكيان غير موجود في المملكة ، ويرون أن هيئة كبار العلماء لا يمكن الاحتجاج بها لأن دورها لا يزيد عن دور أي دار إفتاء رسمية كما هي الحال في كثير من الدول العلمانية أو التي لا تدعي تطبيق أحكام الشريعة. ويعتقد هؤلاء أن هيئة كبار العلماء المذكورة فقدت حيادها ومصداقيتها تماما عندما بدأت في إصدار القرارات المنددة بمن يطالبون بالإصلاح ، بل وحينما بالغت في إظهار الولاء للسلطات بإصدار الفتاوى المطالبة بمعاقبة من يشاركون في نشاطات لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية. ومن المعلوم أن هيئة كبار العلماء نفسها تعين من قبل الملك ولا يحق لها الاجتماع أومناقشة أي موضوع إلا بإذن الملك ، ولا تكون قراراتها نافذة بل وحتى قابلة للإعلان إلا بإذن الملك نفسه ، ولذا فإن الأمر الواقع أثبت أن السلطة التشريعية في يد الملك مئة في المئة ، ولا توجد أي جهة لها صلاحيات تشريعية غيره.
وليست السلطةالقضائية أفضل حالا من السلطة التشريعية ، فقد حجم القضاء تحجيما كاملا ، وانحطت القيمة المعنوية للقضاء ، وبات النظام القضائي غارقا في حالة من الفوضى زادت في حدتها كثرة اللجان القضائية وتداخل صلاحياتها ومهامها. ويتعرض الجهاز القضائي باستمرار لأشكال متنوعة من التدخل من قبل السلطة التنفيذية (السلطة الفعلية الوحيدة). وفيما يأتي مناقشة تفصيلية لوضع الجهاز القضائي.

أولا: ضعف القيمة المعنوية للقضاء والقضاة

يجمع الحقوقيون المطالبون بإصلاح النظام القضائي في المملكة بأن ما يشبه حالة الإفلاس قد أصابت الجهاز القضائي ، ويجملون مظاهر تدني القيمة المعنوية للقضاء والقضاة في النقاط التالية:

أ معاملة الدولة للقضاء كأي مرفق خدمات وليس كسلطة مستقلة بل إن التسهيلات المالية والإدارية للقضاء تعتبر أقل كثيرا من أي وزارة خدمات ، وجهاز القضاء ومعه وزارة العدل هي أشد أجهزة الدولة تخلفا في المباني والاتصلات والتسهيلات والسكرتارية والخدمات المساندة.
ب - السماح لبعض الجهات الحكومية بممارسة اليد العليا على القضاء ، فوزارة الداخلية ووزارة البلديات يحق لها أن تصدر أي تعميم وتلزم القضاة به فورا ، كالتعاميم التي تصدر مطالبة بعدم النظر في شكاوى معينة مرفرعة من قبل المواطنين ضد أي من أجهزة تلك الوزارات.

ج - تطاول بتعض الحكام الإداريين " الأمراء" على أشخاص القضاة وتهديدهم ورفع الصوت عليهم ، بل وضربهم ، وإصدار الأمر بسجنهم ، كالذي حصل لأربعة من القضاة في منطقة خميس مشيط حيث أمر خالد الفيصل أمير أبها بسجنهم حينما اختلف معهم في الحكم في قضية معينة ، وبقي القضاة الأربعة عدة أيام في السجن بأمر عقابي من الأمير خالد الفيصل.

د - استثناء فئة معينة من الناس من سلطة القضاء حيث لا يحق للقاضي إصدار أمر بإحضار أحد من أبناء الأسرة الحاكمة " آل سعود" عن طريق شرطة القضاء ، بل لا بد في مثل هذه الحالة من أن يكتب القاضي لأمير المنطقة الذي يشاور الشخص المطلوب ، والذي يقرر إن كان يرغب في الحضور أو لا يرغب ، وبذلك لا يتمكن القضاة من إلزام هذا النوع من الخصوم بأي نوع من أنواع الحكم. ولذا يعمد كثير من القضاة إلى مفاتحة الطرف المدعي بأنه لا أمل له في الحصول على أي حق من الخصم " الملكي" ، ناصحين المدعي بقبول أي شكل من أشكال الصلح إذا تيسر. وغالبا ما يتمثل الصلح في ضياع جزء كبير من حق الطرف المدعي الذي يضطر للرضوخ للأمر الواقع وقبول بعضا من حقه الشرعي.

هـ - اعتبار المدعي العام فردا من أفراد السلطة التنفيذية. ومن المفيد أن نشير إلى أنه لا يوجد نظام نيابة ونظام مدع عام في المملكة ، وإنما هناك أفراد شرطة ليس لهم أي تخصص قضائي أو قانوني يطلق عليهم لقب المدعي العام في المحاكم الكبرى. ولذلك أصبح من صلاحيات السلطة التنفيذية تقرير مصير ما يسمى بالحق العام بعد تنازل الأفراد في القضايا الجنائية عن الحق الخاص وقيام السلطة التنفيذية بكل سهولة بإلغاء الحق العام دون الرجوع إلى أي سلطة قضائية.


ثانيا: فوضى النظام القضائي

يقدر الحقوقيون السعوديون المطالبون بالإصلاح أنه لا يوجد نظام قضائي في العالم - حسب علمهم - بلغ من الفوضى وتضارب وتداخل الاختصاصات كما بلغ النظام القضائي في المملكة. ويعتقدون أن هذه الفوضى ربما كانت مقصودة على اعتبار أنها في حد ذاتها وسيلة للتحايل على أصحاب الحقوق ، ولتبرير ما يرتكب من انتهاك وتجاوز بحجة عدم الاختصاص أو التأخير الإداري للقضية. ويعدد هؤلاء الحقوقيون مظاهر الفوضى في النظام القضائي في النقاط التالية:

أ تعدد أجهزة القضاء: فبالإضافة إلى المحاكم الشرعية وديوان المظالم يوجد ما لا يقل عن ثلاثين لجنة قضائية تمارس كلها دورا قضائيا ما ولها اختصاصاتها وتتصل مباشرة بالجهات التنفيذية دون الرجوع إلى جهة قضائية مركزية محكمة.

ب التداخل المزعج في الاختصاصات بطريقة لا يمكن فهمها ليس من الخصم والمحامين فحسب بل حتى من قبل القضاة وأعضاء اللجان القضائية أنفسهم. والسلطة التنفيذية هي التي تحسم جهة الاختصاص حيث أنه لا يوجد في المملكة ما يوازي المحكمة الإدارية المعروفة في أنظمة القضاء العالمية.

ج تناقض الأنظمة التي تحدد سير القضايا وخلوها من المنطق والواقعية ، وتفسير ذلك في أن سير القضايا والنظام القضائي وضع من قبل لجان في مجلس الوزراء وصودق عليه فأصبح نظاما وأصبحت جميع الجهات القضائىة البالغ عددها اثنين وثلاثين ملزمة به.


ثالثا: تحجيم القضاء

لقد كان من نتيجة فرض دوائر النظام نفسها بقوة على الجهاز القضائي تحجيم دوره وإعاقته بل وإصابته بما يشبه الشلل ، ويمكن إيجاز أهم مظاهر تحجيم دور القضاء وتقليص فاعليته في السعودية بالنقاط التالية:

أ منع المحاكم بصورة مطابقة من النظر في دعاوى معينة ، وهي قضايا ما بات النظام يصنفها على أنها من قضايا السيادة. والمقصود بالسيادة هنا سيادة الدولة ، ولقد أبقت الدولة مفهوم السيادة غامضا غير مفسر إمعانا في تحجيم القضاء ، ولذا فإن السلطة التنفيذية توسع هذا المفهوم عند الحاجة وتأمر القضاة بعدم النظر في قضايا معينة بحجة أنها من أعمال السيادة كما هو الحال في قضايا المباحث والجوازات وغيرها.

ب عدم قبول بعض الدعاوى إلا بإذن وهي دون الصنف السابق حيث يسمح للمحاكم النظر فيها بعد استئذان الملك أو وزارة الداخلية أو الإمارة ، وفي بعض الأحيان استئذان وزارة البلديات ، ومن أمثلة ذلك منع النظر في إثبات الإعسار التجاري وإعسار الأفراد إلا بإذن الإمارة ، وفي توثيق العقارات إلا بؤذن وزارة البلديات ، وفي قضايا الديات إذا كان المتسبب أجنبيا إلا بإذن وزارة الداخلية.

ج تمييع أو تجميد بعض الدعاوى بحجة عدم التخصص ، ويعتبر عدم التخصص حيلة سهلة للسلطة التنفيذية لسحب أي قضية من أي جهة وتجميدها أو تحويلها لجهة أخرى. والغريب في الأمر أن الذي يحده عدم التخصص ليس محكمة إدارية أو ما يشابهها بل تحدده السلطة التنفيذية ، ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك قضية الكعكي المشهورة التي قرر الديوان الملكي سحبها من المحكمة وتجميدها بدعوى عدم التخصص.

د هناك دعاوى لا يمكن إلزام الخصم بالحضور فيها حيث لا يمكن إحضار فئة معينة - وهي فئة أبناء الأسرة الحاكمة كما تقدم - حتى لو قبلت الدعوى ، وبذلك يمكن للقضية أن تبقى سنين طويلة دون حسم بسبب مماطلة الخصم المتنفذ.

هـ ثمة دعاوى لا يستطيع القاضي أن يحكم فيها ، ومن أبسط الأمثلة على ذلك أن تكون المعلومات ناقصة ولا يستطيع القاضي استكمالها غالبا بسبب وجود المعلومات الضرورية لدي المباحث أو المخابرات أو دائرة الجوازات حيث يحق لهذه الدوائر أن ترفض تزويد القضاة بالمعلومات بحجة أنها من أسرار الدولة ، وحينئذ لا يستطيع القاضي إلزمها بالإفادة.

و وثمة دعاوى لا يصدق على تنفيذها ، ففي المملكة لا يعتبر قضاء القاضي نافذا في قضية ما كما هو الحال في دول العالم الأخرى. إذ لا يمكن تنفيذ أمر القاضي في المملكة إلا بمصادقة حاكم المنطقة الإداري " الأمير" أو مصادقة الملك ، وكل ما يحتاجه الأمير أو الملك لتجميد أمر القاضي هو عدم التصديق على تنفيذ الحكم فتجمد القضية إلى أجل غير مسمى.
رابعا: التدخل في القضاء

تقوم السلطة التنفيذية بالتدخل في القضاء إما بطريقة نظامية عبر اللوائح والنظم التي تبيح ذلك أو عن عبر الأشكال المختلفة من الضغط كترهيب القضاة أوترغيبهم للتدخل مباشرة في قراراتهم الإدارية. ويمكن تفصيل أنواع التدخل على النحو التالي:

أ التدخل في تعيين القضاة
يعتبر مجلس القضاء الأعلى أعلى هيئة قضائية في البلاد وهذا المجلس هو الذي يعين القضاة ويعزلهم ولكن المجلس نفسه بكافة أعضائه هو من صلاحيات الملك الذي يعين رئيسه ولذلك فتعيين القضاة هو حتما من الصلاحيات المطلقة للجهاز التنفيذي.

ب التدخل في تعيين رؤساء المحاكم
لكل منطقة من مناطق المملكة محاكم وتنحصر صلاحيات رئىس المحاكم في قبول ورد الدعاوى وتوزيعها على القضاة أو رفعها إلى قضاة التمييز " الاستئناف" ، ولا يعين رئيس محكمة إلا بعد استشارة أمير المنطقة فهو مسؤول الجهاز التنفيذي. وقد أدى ذلك إلى وجود رؤساء محاكم يعتبرون بمثابة خدم للأمراء في مناطقهم مثل رؤساء محاكم مناطق أبها والرياض والمنطقة الشرقية ، الذين اشتهر عنهم أنهم لا يمكن أن يتصرفوا إلا بموافقة أمير المنطقة ، بل اشتهر عنهم وعن غيرهم من رؤساء المحاكم الضغط على القضاة لإصدار رسائل التأييد للدولة في كثير من المناسبات والدفاع عنها وخاصة في مناسبات تعرض النظام للنقد واستلامه العرائض المطالبة بالإصلاح. وقد بلغ الأمر بأحد رؤساء المحاكم أن يحكم على الذين وقعوا مذكرة النصيحة (التي صدرت في تموز يوليو 1992) بالخروج على الدولة وبأنهم مستحقون لعقوبة القتل ، وشرع بعد ذلك في جمع توقيعات القضاة الذين في إدارته على فتوى بهذا المعنى.

ج التدخل في ترقية القضاة
تتدخل السلطة التنفيذية وكذلك أمراء المناطق في الضغط لترشيح قضاة معينين لمحكمة التمييز ، وأبسط مثال على ذلك ترقية أحد القضاة المشهورين بالغش و المحسوبية في منطقة الطائف المسمى " بابن مديش" إلى رتبة قاضي تمييز بضغط شخصي من الملك لما له من جهود في تسهيل قضايا اغتصاب الأراضي للأمراء وتأييد الدولة.

د التدخل في نقل القضاة " مكافأة أو تأديبا"
يتدخل الملك وبعض حكام المناطق للضغط على مجلس القضاء الأعلى لنقل القضاة تأديبا إلى مناطق نائية والعكس صحيح حيث ينقل بعض القضاة من مناطق نائية إلى المدن بطلب من جهات عليا.



هـ التدخل في فصل القضاة
يفترض ألا يفصل القاضي ولا يوقف عن العمل إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى ، ولكن حصلت حالات تدخل من جهات عليا لفصل قضاة لأسباب سياسية منها مثلا تدخل الديوان الملكي بشكل فاضح للضغط على مجلس القضاء الأعلى في فصل الشيخ عبد المحسن العبيكان في عام 1992. كما يقوم الديوان الملكي في بعض الأحيان بإلغاء أمر الفصل الصادر من مجلس القضاء الأعلى تجاه بعض القضاة المستحقين للفصل.

و التدخل بمنع قبول دعوى أو تمييعيها
يحاول كثير من رؤساء المحاكم " المنحازين للسلطة" رفض قبول أي دعوى إلا بعد تحويلها من قبل الإمارة وذلك محافظة على منزلتهم عند الأمير ، ولكن حتى في الأحوال التي تقبل فيها الدعوى يأتي التوجيه من الإمارة برفض الدعوى بمبررات كثيرة منها عدم اختصاص المحكمة ومنها الادعاء بأن الدعوى تدخل في نطاق قضايا السيادة. ومن جهة أخرى قد تقبل الدعوى وتجمد عند رئيس المحكمة ويستمر رئيس المحكمة بعد تفاهمه مع الإمارة في تسويف القضية ، ويحصل العكس إذا كانت القضية لصالح أمير أو لصالح متنفذ فيتم التفاهم بين الأمير ورئيس المحكمة بسرعة قبولها ويقوم رئيس المحكمة بمتابعتها شخصيا سعيا لإرضاء الأمير.

ز التدخل بتحويل القضية لقاض معين
يفترض في الدعاوى المحولة إلى المحاكم أن توزع بشكل دوري على القضاة حتى لا يتم أي تفاهم مع أي قاض من قبل خصم ما ، ولكن يتم تجاوز هذا النظام بسهولة عند تدخل المتنفذين فإما أن يتم بشكل سافر أي أن يطلب الأمير تحويل القضية إلى قاض معين دون اعتبار للنظام أو أن يتم بطريقة فيها تحايل على النظام حيث يجمد رئيس المحكمة القضية عنده إلى أن يأتي دور القاضي الذي يريده الأمير ، وقد يتدخل الملك بتشكيل لجنة قضائية للحكم في قضية ما ويختار لها القضاة كما حصل عند الحكم في قضية حرق محلات الفيديو وفي قضية بعض المتنفذين الذين سرقوا ألف مليون ريال من وزارة الدفاع ثم اختلفوا في اقتسامها فاشتكى أحدهم على الآخرين وعندما حول القاضي القضية إلى سرقة أموال الدولة سحبت منه وحولت إلى قاض آخر.


انتهاك الحقوق


القسم الأول: الانتهاك من قبل المتنفذين

يتمتع بعض أصحاب النفوذ وخاصة و خاصة أبناء الأسرة المالكة وأقاربهم حتى من غير أصحاب المناصب بصلاحيات واسعة وحصانة " فعلية" تحميهم من التأديب والعقاب وترفع عنهم سلطة القضاء ولذلك يعاني المواطنون والوافدون معاناة هائلة من انتهاك هذه الفئة الصارخ للحقوق. ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:

أولا: مباشرة قتل النفس عمدا وعدوانا
من أمثلة ذلك قيام الأمير سيف الإسلام بن سعود بقتل أحد المواطنين قبل عامين وضغط السلطات على أولياء المقتول بقبول تعويض مالي بالقوة. ومثل ذلك ما حدث مؤخرا من إقدام الأمير مشعل على قتل رجلين من قبيلة قحطان أحدهما ضربا حتى الموت والآخر بالسلاح الرشاش لأنهما دخلا مزرعته بلا إذن.

ثانيا: مباشرة الضرب والاعتقال في السجن الشخصي
يمارس بعض المتنفذين دور السلطات الثلاث فيحكمون على بعض المواطنين بالضرب وينفذون هذا الأمر في بعض الأحيان بأيديهم وأحيانا أخرى عن طريق حرسهم الخاص ، كما يقومون باعتقال بعض الأشخاص لمدد متفاوتة في معتقلات داخل قصورهم أومزارعهم ، وقد اشتهر ذلك عند الأمير مشعل والأمير عبد الله بن عبد الرحمن وآخرين.

ثالثا: حمل السلاح وإرهاب المواطنين
يقوم بعض المتنفذين بحمل السلاح وإطلاق النار في المحافل العامة وبعض الشوارع الكبرى استعراضا للقوة وإرهابا للجماهير.

رابعا: الاعتداء الجنسي
يقترف المتنفذون هذه الجريمة إما بشكل مكشوف حيث يتم خطف بعض الفتيات من الشوارع أو المدارس و يعتدى عليهن بالقوة ، وقد جرى تسجيل حالات من هذا النوع ، وأحيانا أخرى تغرى بعض الفتيات أو بعض الصبيان بحيلة معينة ثم يؤتى بهم إلى بيت المتنفذ حيث يتم ابتزازهم وتهديدهم بالصور وغيرها إذا باحوا بأي سر. وقد حصلت حادثة اكتشفت فيها الشرطة استدراج عشرات الفتيان والفتيات وابتزازهم ، وقد تدخلت إمارة الرياض وعاقبت الضباط الذين قاموا بكشف الحادث وحجبت القضية عن القضاء. وتشبه هذه الحالات إلى حد كبير قضية العميد المغربي " ثابت" الذي تناقلت الصحف أخباره وتم نشرها على أوسع نطاق. وفي أحيان أخرى يقوم بعض المتنفذين بإجبار بعض الآباء على تزويج بناتهم لهم ، أو حتى إجبار بعض الأزواج على تطليق زوجاتهم ومن ثم يتم التزوج بهن بالقوة.
خامسا: غصب الأرضي والممتلكات
يمارس المتنفذون سلطاتهم بالاستيلاء على أراضي الغير بكل سهولة حيث لا يعدو ما يحتاجونه أن يضعوا علامات معينة يحددون بها حدود ما يرغبون في انتزاعه من أراض دون اعتبار للمالك الحقيقي ، وبهذا يضيع حق المالك الحقيقي تماما. وتذكر المصادر المطلعة في هذا الصدد مثالين صارخين على ذلك ، أحدهما استيلاء الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز على أرض واسعة مملوكة لمواطنين آخرين في وسط مدينة جدة بحجة أن أباه المملك " عبد العزيز" كان قد وعده بها. وقد تمت إقامة مشاريع حكومية على الأرض لصالح الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز بمئات الملايين من الريالات ولم يحصل المالكون الحقيقيون على شيء من ذلك. أما المثال الآخر فهو قيام الأمير مشعل بن عبد العزيز بالاستيلاء على مخطط كامل لذوي الدخل المحدود في منطقة عرقه شمال غرب الرياض وتهديده كاتب العدل بعدم كتابة أي صك شرعي لأي مواطن مسجل في ذلك المخطط. وهناك حالات كثيرة أخرى بالإضافة إلى ذلك منها أراض شاسعة استولى عليها الأمير مشعل وغيره. ويعتبر الأمراء عبد الله بن عبد الرحمن والأمير متعب والأمير سلطان من الأمراء المشهورين بغصب الأراضي في المملكة. ويعتبر الترافع ضد هؤلاء مستحيلا لأن المواطن العادي يخشى بطش الأمير ولا يجرؤ القاضي على قبول الدعوى فيرفضها غالبا ، أما إذا ما قبلها فلا يمكن الحكم فيها ، وإذا حكم فيها فلا يمكن تنفيذ الحكم. والجدير بالذكر أن مبرر هؤلاء الأمراء في الاستيلاء على الأراضي هو أن آل سعود عامة يرون أن أراضي المملكة ملك عيني لهم ورثوه عن أبيهم. أما غصب الممتلكات فهي ممارسة جديدة نسبيا انتشرت بين بعض الأمراء وتتمثل في الاستيلاء على السيارات أو الآليات والمعدات بالقوة من بعض الشركات والمؤسسات بحجة أنه سيتم سداد قيمتها لاحقا ثم تبقى بلا سداد ، حيث لا تستطيع هذه الشركات والمؤسسات منع هؤلاء من الاستيلاء على الممتلكات العائدة لها لسببين: الأول هو أن المغتصبين يتقمصون شخصية السلطة بما لديهم من قوة شبه عسكرية ، أما الثاني فهو خوف أصحاب المؤسسات والشركات من أن تعرقل معاملاتهم وأوراقهم عند السلطات إذا ما عارضوا هذا الاستيلاء.

سادسا: رفض دفع الالتزامات
يعاني المقاولون من تسويف ومماطلة المتنفذين الذين يرفضون بعد إنجاز مشاريع " شخصية" دفع الاستحقاقات المالية فيتورط المقاولون بالتكاليف المترتبة على إنجاز المشروع من حساباتهم الشخصية ولا يتمكنون من تحصيل حقوقهم بأية طريقة للأسباب السابق بيانها. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه الحالات ليست مقصورة على الأسرة المالكة أو كبار المتنفذين فحسب وإنما تمتد إلى الطبقات الثانية والثالثة من أصحاب المناصب حيث يستغلون معرفتهم أو صلتهم ببعض المتنفذين ، ويكون الوضع في مثل هذه الحالة أسوأ إذا تعلق بأحد من الوافدين وقد يحدث العكس أيضا حيث يقبض بعض المتنفذين مبالغ مالية ثمنا لأراض أو ممتلكات باعوها لغيرهم ، ومن ثم يرفض تسليم ما باع لمن اشتري. وقد حصل ذلك في حادثة مشهورة تتعلق بأرض واسعة يقدر ثمنها بمئتي مليون ريال حيث استلم الأمير المبلغ ورفض تسليم الأرض للمشتري حتى بعد صدور الصك الشرعي ، بل أوقف عند حدودها حرسه الخاص وطلب منهم منع أي شخص من دخولها. ولم يتمكن أصحاب الأرض من استلامها إلا بعد أن دفعوا أضعاف ثمنها الأصلي. أما الصك الشرعي فلم تكن له قيمة تذكر.

القسم الثاني: الانتهاك من قبل السلطات

يعتبر النظام الملكي السعودي من أشد الأنظمة البوليسية وأكثرها تمكينا للمخابرات في الحياة العامة. فلا يقل عدد منسوبي أجهزة المخابرات الكثيرة في الدولة عن ثلاثمائة ألف فرد في الوقت الذي لا يتجاوز فيه تعداد الجيش النظامي والحرس الوطني مائة ألف فرد. لذا فإن وزارة الداخلية وإمارات المناطق هي السلطات الوحيدة صاحبة النفوذ في الدولة. ولذلك فمظاهر الدولة البوليسية واضحة جلية ، وتتمثل في التجسس والتفتيش والمداهمة والإرهاب والاعتقال والتعذيب والسجن لمدد غير محددة ، وكذلك التحكم الكامل بوسائل الإعلام ومنع جميع أشكال حرية التعبير بل ومنع إقامة الحفلات والاجتماعات الخيرية ومنع تشكيل الجمعيات الخيرية فضلا عن تكوين الأحزاب ، وأخيرا منع كافة مظاهر الانتخاب والممارسات الديمقراطية في الدولة. وفيما يلي تفصيل بعض مظاهر الانتهاك الرسمي لحقوق الإنسان.

أولا: الإقامة الجبرية ومنع السفر
لا يحتاج منع أي مواطن أو وافد من السفر إلا إلى رسالة صغيرة من موظف - لا يشترط أن يكون ذا منصب كبير - في وزارة الداخلية إلى إدارة الجوازات حيث يتم إدخال اسم الممنوع من السفر في كمبيوتر وزارة الداخلية ، ولذا فإن كثيرا من أساتذة الجامعات والمفكرين الذين اشتهر عنهم المساهمة في مذكرات النقد ومطالب الإصلاح هم الآن في قائمة الممنوعين من السفر من أمثال الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة والشيخ عبد الوهاب الطريري والدكتور ناصر العمر والدكتور سعيد بن زعير والدكتور محمد المسعري وآخرين. وقد شاعت ظاهرة تشبه الإقامة الجبرية وهي الحكم علي شخص بعدم مغادرة مدينة معينة أو دخولها وذلك بأمر من أمير المنطقة بمعزل عن القضاء. كما تفشت ظاهرة منع السفر لأسباب غير سياسية مثل منع السفر بقرار من أحد المحققين في وزارة الداخلية بلا أمر قضائي. وقد أصبح كثير من المواطنين والوافدين يعانون من ذلك الأمر الذي غالبا ما يكون بحجة أن الممنوع من السفر ذو علاقة من قريب أو بعيد بحادث معين تحت التحقيق.

ثانيا: التجسس
يمارس التجسس بشكل شبه روتيني على عدد كبير من المواطنين ، كما تقوم الدولة بالتجسس على كبار المسؤولين ووكلاء الوزارات وكبار الضباط ، وتراقب بشكل منتظم جميع الرموز الاجتماعية والمفكرين والخطباء المشهورين وأساتذة الجامعات المرموقين. ويتم التجسس على الأشخاص وعلى المكاتب وعلي التجمعات كما يتم عن طريق مراقبة اتصالات الهاتف والفاكس والمراسلات البريدية والطرود بالإضافة إلي المتابعة الشخصية في السيارة وتركيب أجهزة التصنت في البيت والتصنت عن بعد والمحاصرة من قبل المخبرين. وتكلف تكنولوجيا التجسس الدولة أموالا طائلة تقدر بآلاف الملايين ، وقد تم بناد مبنى ضخم كلف مئات الملايين في مشروع مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الهاتف مهمته المراقبة الإلكترونية لأي خط هاتفي في المملكة عن طريق الحاسب الآلي. والطريف أن الدولة لا تجد حرجا في الإعلان عن قيام أجزتها بالتجسس على المواطنين ، فالأمير سلمان مثلا وغيره يستشهدون ضد بعض الأشخاص بعبارات يقولون إنهم سمعوها من أشرطة التجسس على الهاتف ، ربما لاعتقادهم أن ذلك من حقوق الدولة على مواطنيها. ومن المفيد أن نذكر أنه لا يوجد في هذا المضمار ما يسمى بمذكرة قضائية أو إذن من النيابة بالتجسس أو ما شابهه كما لا يعفى أحد من احتمالية التجسس ، وقد سجلت حالات تعرض فيها عدد من القضاة إلى التجسس على هواتفهم ومنازلهم وسياراتهم واتصالاتهم البريدية.

ثالثا: حملات التفتيش
تعتبر محلات بيع الأشرطة ومحلات التصوير " النسخ" والمكتبات العامة والخاصة عرضة للتفتيش من قبل لجان مكونة من وزارتي الإعلام والداخلية ، ولهذه الجهات المشتركة صلاحية بالاعتقال الفوري وإنزال العقوبة المباشرة بمن يكتشف احتفاظه أو ترويجه لمواد سياسية ممنوعة حسبما تصنفه الدوائر الرسمية.

رابعا: منع إنشاء النقابات وإعاقة إنشاء الجمعيات
لا يجوز في المملكة مطلقا إنشاء أي شكل من أشكال النقابات ، كما يمنع النظام إنشاء الجمعيات " المستقلة" - بما في ذلك الجمعيات الخيرية - إلا تحت مظلة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبموجب نظام صارم يعيقها عن تقديم الخدمات الخيرية المطلوبة. أما الجمعيات العلمية أو الأكاديمية فلا يمكن إنشاؤها إلا تحت مظلة جامعة من الجامعات ، وتخضع هذه الجمعيات - وهي محدودة الأهداف - إلى مراقبة مكثفة من قبل أجهزة المخابرات ولا يسمح لها بأي نشاط إلا بعد إذن واضح من الأجهزة الأمنية كما لا يسمح لها بالاجتماع إلا لأهداف إدارية بحتة.

خامسا: منع الأنشطة الاجتماعية والخيرية المستقلة
بالإضافة إلى منع الجمعيات فإن أي نشاط مستقل حتى لو لم يكن سياسيا يمنع من قبل أجهزة الأمن حتى لو تبنت هذا النشاط مؤسسة نظامية. ولقد منعت أجهزة الأمن إقامة حفلات خيرية بحتة بحجة عدم وجود إذن رسمي كحفل التعريف بمؤسسة الحرمين الذي ألغي قبل موعده باثنتي عشرة ساعة فقط بأمر من الملك شخصيا. ومن أمثلة منع الأنشطة الخيرية إصدار تعميم من وزارة الداخلية بمنع أي شكل من أشكال جمع التبرعات إلا من قبل لجان تشكلها الدولة. ولقد صدر هذا المنع في الصحف الرسمية وأذيع في وسائل الإعلام المحلية وتناولته الصحافة الدولية بالتعليق ، ونص هذا القرار في حينه على أن من يباشر جمع التبرعات يعرض نفسه للعقاب ، وقد تم بالفعل استدعاء بعض من باشر بجمع التبرعات وأخذ عليهم التعهد بعدم العودة إلى ذلك وتمت مصادرة جميع ما بحوزتهم من تبرعات. ومما يدخل في هذا المضمار حظر النشاطات الثقافية النسائية إذا ما اعتبر أن لها أدنى صلة باعتبارات سياسية حسب التعريف الرسمي.
ومن الحالات التي وثقفت في هذا المجال نذكر قصة مجموعة من المثقفات السعوديات اللواتي قررن في أواخر العام الماضي تنظيم رحلة جماعية إلى مدينة زغرب للاطلاع على أوضاع اللاجئين البوسنويين هناك. وضمت المجموعة عددا من الطبيبات السعوديات. ولما كانت أقرب سفارة لحكومة كرواتيا موجودة في دولة الإمارات العربية المتحدة فقد أرسلت السيدات جوازات سفرهن إلى السفارة بالبريد للحصول على تأشيرة دخول. وفي طريق عودة الجوازات - بالبريد أيضا - صادرتها مصلحة البريد ، وظلت تنتقل من دائرة في الدولة إلى دائرة ، إلى أن ألغيت الرحلة ، وأفشل المشروع.

سادسا: التدخل في النشاط الأكاديمي
تمارس الدولة تدخلا في العمل الأكاديمي نفسه في الجامعات فضلا عن التدخل السافر في الأنشطة الاجتماعية والثقافية ، ومن أمثلة ذلك:

1- إصدار النظام الموحد للجامعات الذي يمنع جميع أشكال الانتخاب بدءا من رئاسة الأقسام و انتهاء بإدارة الجامعة ، وطبقا للنظام الجديد الذي أصبح ساري المفعول منذ أقل من عام أصبح عمداء الكليات ورؤساء الأقسام يعينون من قبل مدير الجامعة الذي يعين بدوره من قبل السلطة التنفيذية.

2- التدخل في العمل الأكاديمي بإصدار تنظيم يلزم أقسام الدراسات العليا بالاستئذان من وزارة الداخلية قبل السماح لأي باحث بدراسة أي موضوع ، وعادة ما تمنع الوزارة أي موضوع فيه رائحة سياسية ، وقد أصدرت الداخلية في حالات معينة أمرا بمنع مناقشة بعض الرسائل علنا وأجبرت الجامعة على مناقشتها سرا كما منعت نشر هذه الرسائل.



سابعا: الحصار الشديد لحرية الكلمة
تعتبر المملكة من أكثر دول العالم مصادرة لحرية التعبير ، وتمارس المصادرة بأسلوبين:

الأول: التحكم الكامل والمطلق بوسائل الإعلام ، وإبقاء كل ما يكتب وينشر ويقرأ ويذاع تحت السيطرة المباشرة لوزارة الداخلية ، ومن الجدير بالذكر أن وزير الداخلية هو رئيس المجلس الأعلى للإعلام ، حيث لا يمكن إنشاء مجلة أو صحيفة أو حتى نشرة إلا بالترتيب والتنسيق الكامل مع أجهزة وزارة الداخلية. كما لا يمكن تعيين صحفي أو كاتب أو مراسل لصحيفة أو أي منشور إلا بالتنسيق الكامل مع وزارة الداخلية أيضا ، وهذا التحكم الكامل لا يقتصر على الصحف والإذاعات السعودية فحسب بل وحتى على المراسلين والصحفيين المقيمين في المملكة التابعين لصحف وإذاعات خارجية ، حيث لا يقبلون إلا بعد موافقة وزارة الداخلية ، ولذا فإن هؤلاء لا يمكنهم أن يمارسوا دورا ناقدا للنظام السعودي لئلا تتعرض إقامتهم للإلغاء وعقود عملهم للإنهاء. ولذلك فقد أحجمت كثير من وسائل الإعلام العالمية المشهورة عن إذاعة الأنباء والتحقيقات التي تشير بأصابع الاتهام إلى السلطات السعودية في مجال حقوق الإنسان وكذلك في قضايا الفساد المالي والإداري و الرشاوي ، وذلك خوفا من أن تعاقب بمنعها من إيفاد مراسلين ، أو تحسبا من أن تعمد السلطات السعودية إلى التشويش على بثها إلى المنطقة ، أو غير ذلك من الإجراءات الانتقامية.

الثاني: التحكم الكامل بنشاط الخطب والمحاضرات والإصدارات وذلك بالوسائل الآتية:

أ تدخل وزارة الداخلية وإمارات المناطق في تعيين خطباء المساجد.

ب عدم السماح لأي محاضرة أو ندوة فكرية أيا كان نوعها إلا بعد إذن الإمارة أو لجان خاصة تابعة للإمارة في الجهات المعنية ، وينطبق هذا حتى على المحاضرات داخل الجامعات والمؤسسات التعليمية.

ج عدم السماح بنشر أي شريط مسجل لمحاضرة أو ندوة أو خطبة إلا بعد إجازته من قبل اللجان الأمنية في وزارة الداخلية ووزارة الإعلام.

د إيقاف تراخيص إنشاء محلات التسجيل وبيع الأشرطة.

هـ إصدار تنظيم يمنع امتلاك أجهزة النسخ السريع للأشرطة من قبل محلات التسجيل وقصر حق امتلاك هذه الأجهزة على محل واحد في كل مدينة من أجل تكثيف المراقبة الأمنية عليه ومنع محلات بيع هذه الأجهزة من بيعها إلا بإذن الداخلية وبإجراءات تسجيل شبيهة بإجراءات تسجيل السلاح.

و إصدار التعاميم بعدم تمكين أشخاص معينين ممن يصنفون تحت ضمن قائمة " غير المرغوب فيهم" من الحديث أو الخطابة أو إعطاء المحاضرات في أي محفل حتى في الحفلات والاجتماعات الخيرية كحفلات الزواج والأعياد.

ز إيقاف عدد كبير من الخطباء والمحاضرين عن الخطابة والمحاضرة بأمر من الأمارة أو من وزارة الداخلية.

ع إنزال عقوبة الفصل والسجن والتعذيب بكل من يجرؤ على التكلم في أي أمر من الأمور العامة بشكل علني.

ثامنا: الإجراءات التعسفية في الاعتقال والسجن
يعتبر اعتقال أي مواطن أو وافد وما يتبعه ذلك من إجراءات حقا من حقوق السلطة التنفيذية في المملكة العربية السعودية التي تشكل هذه الممارسات فيها صورة من أبشع صور انتهاك حقوق الإنسان في العالم ، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

أ الاعتقال بلا تهمة أو محاكمة وعدم التمكين من الاتصال بالمحامي
لا يحتاج الاعتقال أبدا إلى أمر قضائي ولا يحتاج إلى مذكرة اتهام أو مذكرة اعتقال ، وكل ما يحتاج إليه هو توجيه كتابي أو شفوي من أمير المنطقة أومن يمثل الأمير وفي بعض الأحيان إلى قرار من ضابط مكلف من قبل الإمارة أو الشرطة بالتحقيق في قضية معينة سياسية أو جنائية. وغالبا ما تكون عملية القبض بشكل عنيف غير مهذب ولا يخبر فيها المعتقل بسبب اعتقاله ولا يسمح له بالتمتع بأي حق من الحقوق الشخصية لأي معتقل حسبما تقتضيه الأعراف والقوانين الدولية كالاتصال بالمحامي و غير ذلك من الحقوق ، ويمكن الجزم بأن كل المعتقلين في المملكة هم أمثلة حية على هذه التجاوزات التي لا تجوز بأي حال حتى في حال من تثبت إدانتهم بأبشع الجرائم. فدور القاضي في المملكة يأتي دائما متأخرا عن دور رجال الشرطة والأمن. أما في حالة الاعتقال السياسي فلا يتسنى لمعتقل أبدا المثول أمام محكمة علنية عادلة ، إذ أنه إما أن يحرم بالكلية وإما أن تشكل لجان قضائية خاصة أعد لها الحكم سلفا من قبل السلطة التنفيذية.
ومن أمثلة الاعتقال السياسي اعتقال الشيخ إبراهيم الدبيان مرتين وكان حتى صدور هذا التقرير حسب علمنا لا يزال رهن الاعتقال ، واعتقال الدكتور محمد المسعري ، واعتقال محمد عبود عسيري (الذي لا يزال مضربا عن الطعام في سجنه) ، وأحمد الحصين ، و المزيرعي ، ورياض الحقيل ، وإبراهيم الخزيم ، وعبد الله المحيميد ، وسعد القويز ، ومحمد العماني ، وموسى العتيبي ، وإبراهيم الحصان ، وعبد العزيز النصار ، وفهد الشافي ، وإبراهيم العيد ، وعبد الرحمن السويلم ، و فهد اليحيى ، وخالد الأحمدي ، وإبراهيم الريس ، و مشاري الزايدي ، وأحمد العبداني ، وفهد القحطاني ، ومنصور النقيدان ، وناصر البراك ، ومحمد العصفور ، وعلى الخضيري ، وعبد الحكيم الحصان ، وعبد الله العتيبي ، وأحمد فقيهي ، وخلف الحربي ، وفؤاد الرفاعي ، وجابر الجلاهمة ، وعبد اللطيف الدرباس ، ووليد الدرباس ، وحامد الأردني ، ويحيى داود ، وصلاح حسين ، ورائد العقيلي ، وغيرهم ممن يصعب جمع المعلومات عنهم. هذا بالإضافة إلى البرفسور عبدالله الحامد العضو المؤسس في لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية الذي اعتقل مساء 15 يونيو (حزيران) 1993 والشيخ عبدالله الريس المدرس بجامعة الإمام الذي اعتقل صباح اليوم التالي مباشرة. وهؤلاء جميعا دوهمت بيوتهم ولم توجه لهم السلطات تهما معينة ، ومعظمهم لم يسمح لآهاليهم ولا محاميهم بالاتصال بهم أو حتى الاستفسار عنهم.

ب المداهمة
تمارس قوات الأمن عملية المداهمة بكل جرأة وثقة بالنفس ولا يخطر ببال سلطات الأمن أن تحتاج إلى أي شكل من أشكال الأمر القضائى. وأي رجل أمن يشارك في عملية مداهمة ويقابل بالاحتجاج من قبل أهل الدار يلجأ إلى استعمال تعبير " نحن رجال دولة" ، ورجل الدولة يعني بالتعبير العامي أن له مطلق الصلاحية. وغالبا ما يصاحب عمليات المداهمة اعتقال وتفتيش كامل ومصادرة الممتلكات وخاصة الممتلكات الكتابية. ومن أمثلة المداهمات مداهمة منزل الدكتور محمد المسعري المشهورة التي تم فيها كسر باب المنزل والدخول بالقوة على الدكتور محمد في غرفة نومه وحمل جميع ممتلكات الدكتور " الكتابية" بما فيها شهاداته العلمية وصوره الفتوغرافية. ومن الأمثلة أيضا مداهمة مكاتب قسم الفيزياء في جامعة الملك سعود ونقل جميع محتوياته من كتب وملفات وأشرطة وكمبيوتر ، ومن الأمثلة كذلك مداهمة منزل الدكتور على محمود - الأستاذ في كلية الطب - قبل شهر واعتقاله ومصادر محتويات البيت الكتابية. ومن الأمثلة أيضا مداهمة منزل السيدتين زينة حكيم وفاطمة المازي في جامعة الملك سعود كذلك واعتقال السيدتين والتحفظ على الممتلكات الموجودة بالمنزل قبل ستة أشهر. ومن الأمثلة مداهمة مركز الشيخ سفر الحوالي ومصادرة جميع ممتلكاته بأمر شخصي من الملك واعتقال موظفي المركز ، وأخيرا مداهمة منزل البرفسور عبدالله الحامد قبيل اعتقاله وتفتيش المنزل تفتيشا دقيقا لعدة ساعات ، ومصادرة كل ما وجد في منزله من وثائق أو مطبوعات لها علاقة بالكتابة أو الثقافة أو الفكر.

ج أحوال المعتقلين ومصيرهم
منذ أن يدخل المعتقل السجن يصبح تحت السلطة المطلقة للجهة التي اعتقلته سواءا كانت جهاز المباحث أو الإمارة أو الشرطة ، ولا يوجد أي نظام أو طريقة لضبط مدة بقاء المعتقل في السجن أو الإشراف على مسار التحقيق معه أو حتى التكهن بمصيره ، فبالإضافة إلى الأوضاع التعيسة للسجون في المملكة من ناحية انعدام النظافة والتكييف وضيق الحيز المتاح لكل سجين ، فقد سجلت الانتهاكات التالية:

1- البقاء في السجن مدة طويلة إما بسبب الإهمال والنسيان أو بسبب عدم اكتمال التحقيق ومن أمثلة ذلك ما يحدث لمعظم العمال الوافدين الذين يأتون من دول العالم الثالث ولا توجد جهة تتبنى الدفاع أو السؤال عنهم ، وثمة أمثلة كثيرة لمواطنين من داخل البلد ومن ذلك استبقاء الشيخ سمير المالكي رهن الاعتقال أكثر من شهر من أجل التحقيق ، وبقاء الأستاذ أنيس عبد المعطي المخرج السينمائي المشهور ثمانين يوما تحت التعذيب قبل إخراجه هو وزوجته. ويعتبر افتقاد المعتقل من قبل أقربائه أو معارفه ومن ثم السؤال عنه الطريقة الوحيدة لمتابعة وضع السجين " المعتقل" سواء كان سياسيا أو جنائيا ، وفي كثير من الأحيان تتم الاستعانة ببعض المتنفذين من أجل حل مشكلة المعتقل. أما القضاء فليس له أي دور في هذه الأمور.

2- تعرض السجناء للتعذيب حيث يعتبر التعذيب في السجن أمرا شبه روتيني حتى في الحالات الجنائية ، وتمارس الشرطة ورجال الأمن التعذيب لاستخراج اعترافات من المتهم بالقوة وتستخدم من أجل ذلك جميع أنواع التعذيب كالضرب والخنق ، والتعريض للحرارة تارة وللبرودة تارة أخرى ، والإيقاف مقيدا في الشمس ، والصعق الكهربائي ، وإيذاء بعض المواضع الحساسة من الجسم ، والحرمان من النوم ، وما شابه ذلك. وتباشر الشرطة التعذيب إما لانتزاع الاعتراف كإجراء من إجراءات التحقيق ، أو لإنزال عقوبة ما بالمحتجز وذلك بتوجيه من أمير المنطقة. وقد يؤدي التعذيب في بعض الأحيان إلى الوفاة كما حصل للمواطن محمد الصالح قبل عام ، وكان قد قبض عليه مع مجموعة كبيرة أثناء التحقيق في قضية سرقة أحد البنوك فأصدر الضابط المكلف بالقضية أمرا بتعذيب جميع المشتبه بهم فورا وتوفي محمد الصالح بعد يومين واعتبر الضابط وفاته أمرا عاديا حتى أن رجال الشرطة لم يكلفوا أنفسهم إبلاغ أهله ، ولم يعرف أهله بوفاته إلا بعد مضي أكثر من يوم ، ولم يتمكن أهله بعد ذلك من رفع دعوى ضد رجال الأمن - الذين قتلوا المذكور بينما كانوا يقومون بواجبهم - بالرغم من العلاقات الشخصية لأفراد لأسرتهم.
ولابد من التأكيد هنا أن التعذيب هو الوسيلة الوحيدة للحصول على الاعترافات ، فإذا ما اعترف المتهم أحيل إلى القاضي بعد أن يوقع على الاعترافات خلال التعذيب ، فإذا اعترض المتهم عند القاضي وادعى أنه اعترف تحت التعذيب لا يملك القاضي تخليصه من أيدي رجال الأمن الذين قد يستأنفون التحقيق و يعاودا التعذيب إلى أن يعترف المتهم مرة أخرى متعهدا ألا ينكر اعترافه إذا مثل أمام القاضي ، وهذا يحدث في القضايا الجنائية ، فكيف الحال بالقضايا السياسية.

3- الإهانة والتحقير: حيث يتعرض معظم المعتقلين وذويهم وكل من له علاقة بهم إلى أقصى درجات الإهانة والاحتقار ويتعامل رجال الأمن معهم كما لو لم يكن لهم أي حق من حقوق الإنسانية حتى لو كانت حالة بسيطة كمخالفة مرورية أو ما شابه ذلك ، فبكل سهولة يقرر الضابط أن يعزل أي مواطن مانعا إياه من محاولة الاتصال بأي جهة. ويتعرض أهل المعتقل بالتالي وأطفاله للخطر كمثل الذي حصل من وفاة أحد أطفال مواطن اعتقل بسبب مخالفة مرورية ، فبالرغم من إصرار المعتقل على أن أطفاله في خطر فقد حرم من الاتصال بأي أحد أو الذهاب إلى أطفاله لتأمين وضعهم. إن أي مواطن أو وافد يذهب إلى مكاتب الشرطة أو الأمن أو الأمارة للسؤال عن معتقل قريب أو صديق أو مستخدم لا يعامل إلا معاملة إهمال واحتقار كما لو لم يكن من حقه أن يعرف عنه شيئا.

4 تغييب المعتقلين وإخفاء المعلومات عنهم: حيث لا تعتبر سلطات الأمن نفسها ملزمة بإخبار أهل أي شخص يتم القبض عليه حتى لو كانت القضية جنائية. وغالبا ما يسعى ذوو المعتقل للاستفادة من أصحاب النفوذ لمعرفة أحوال ذويهم وفيما عدا ذلك فإن معرفة أحوال المعتقل ومصيره تكون من الصعوبة بمكان. أما إذا كانت الحالة سياسية فلا يمكن بأي حال معرفة مكان المعتقل أو سبب اعتقاله أو وضعه أو ما يجري له ، ويعتبر كل من يسأل عنه مشبوها يستحق الاعتقال ، ولذا يتعرض كل من يسأل عنه للتخويف والإهاب وبالتالي فلا يعلم أحد مصير الدكتور محمد المسعري ولا الشيخ إبراهيم الدبيان ومئات غيرهم من المعتقلين السياسيين.

5 عدم رد الاعتبار إذ لا تعتبر سلطات الأمن تصرفاتها تجاه المعتقلين سواء كانت اعتقالا أو إهانة أو تعذيبا أو غير ذلك خطأ يجب الاعتذار عنه إلا في حالة واحدة هي أن يكون المعتقل قريبا لأحد المتنفذين وأن يكون المعتقل قد أخذ دون علم هذا المتنفذ ، وحينئذ لابد من الاعتذار للمعتقل بل لا بد من عقاب الجهة التي قامت بالاعتقال. أما ما دون ذلك فإن المعتقل الذي اعتقل خطأ أو عذب خطأ ولم يثبت عليه أمر جنائي فإنه يطرد طردا من الاعتقال بكل إهانة واحتقار إن كان مواطنا ، أما إن كان وافدا فإنه يسفر فورا إلى بلده ويلغى عقد عمله ولا يمكن من أي شكل من أشكال التظلم ، فالنظام هنا هو أن كل من يعتقل من الوافدين سواء كان اعتقاله صوابا أو خطأ فإنه يسفر فورا خوفا من أن يفضح الدولة في داخل البلد.
ونذكر هنا حالتين وإن كانت الأمثلة في الحقيقة بالآلاف. أما الأولى فحالة لوافد بنغالي اعتقل مدة ثلاثة أشهر كاملة تعرض خلالها لجميع أشكال الإهانة والتحقير ، ثم تبين بعد تلك المدة أنه غير الرجل المطلوب ، وأن تشابها في الأسماء تسبب في اتهامه واعتقاله وتعذيبه ، وبعد تبين الخطأ الذي ارتكبته الشرطة بحقه قامت السلطات بتسفيره فورا من السجن إلى المطار. أما الحالة الثانية فهي لوافد مصري اتهمته خادمة في أحد البيوت بالزنا فسجن وحقق معه من قبل الشرطة دون أمر من القاضي وعذب من أجل الاعتراف حسب الأصول المتبعة ، وكان كلما سجلت اعترافاته وأحيل إلى القاضي أنكر اعترافاته ، وقد تكرر ذلك إلى أن تعرفت الشرطة على الفاعل الحقيقي فما كان منهم إلا أن سفروه فورا من السجن إلى المطار دون تعويض ولا رد اعتبار بل حتى ولا اعتذار. وعادة ما يؤخذ إلى المطار بسيارة البوليس كأي مطرود من البلد. ومن المفيد أن نذكر أن كثيرا من المعتقلين الذين ليس لديهم أقرباء ، أو أصدقاء من أصحاب النفوذ يقضون فترات طويلة في المعتقلات إما لخطأ أو لسبب تافه لا يستحق السجن ولا يوجد نظام يتابع هذه القضايا المنسية ولا توجد أي لجان قضائية للكشف عن السجون ومراقبتها.

6- الإجراءات التعسفية في التحقيق: ففضلا عن صنوف الإهانة والاحتقار والتعذيب ، تمارس الأساليب التعسفية عند التحقيق ، فمثلا قد يهدد أمير المنطقة رجال الشرطة بأنه سيقذف بهم في السجون جميعا إن لم يأتوه بالمجرم الحقيقي خلال يومين وقد يأتى بأحد المواطنين للاستجواب في قضية جنائية أو سياسية ثم يأتي التكليف من أمير المنطقة إلى الذين يزاولون التحقيق بأن يأتوا بكل شخص يرد ذكره على لسان هذا المتهم ، وقد تسبب هذا الأسلوب قبل عدة أعوام في وفاة أشخاص أتت بهم الشرطة من بيوتهم تنفيذا لتوجيهات الأمير وكان بعضهم مقعدا طاعنا في السن لا يتحمل جسده الواهن صعوبة النقل التعسفي فتوفي البعض في الطريق وتوفي البعض الآخر في ضيافة الشرطة.

تاسعا: مزاولة دور القضاء
يعتبر كثير من الأمراء أنفسهم سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية في آن واحد ، ويمارسون حكمهم المبني على هذا الشعور ، ولذا فإن أمير الرياض مثلا يحكم ويقضي بالسجن والجلد والغرامة والنفي والإقامة الجبرية والفصل والإيقاف عن العمل وقد يوثق حكمه كتابة أو يكتفي بالحكم الشفهي ، وهكذا الأمر مع كثير من أمراء المناطق ، ويحاول بعض الأمراء نسبة هذا التصرف إلى الشريعة اعتقادا منهم أن الشريعة تخول الحاكم الإداري بذلك. وقد لا تقتصر هذه الممارسة على حاكم المنطقة فحسب بل يشاركه في ذلك كبار موظفي الإمارة من وكلاء وأمراء المدن الصغيرة والقرى ، بل حتى ضباط الشرطة في كثير من الأحيان حيث يقرر الضابط أن شخصا ما قد ارتكب جرما ويقرر اعتقاله أو يقرر حبسه ، وليس هناك من يراقب عمله ويتأكد من سلامة استعماله للصلاحيات الممنوحة له. ومن الجدير بالذكر أن أمثال هؤلاء يرون أنفسهم أهلا للتصرف في الحق العام بإسقاطه عن المتهم إذا ما شفع فيه أحد المقربين أو بزيادة مقداره إذا ما شهد للمدعي أحد المقربين. ومن أشكال مزاولة دور القضاء قيام بعض الأمراء بإضافة نصوص إلى الصكوك الشرعية بخط يدهم وإمضائهم فيما يسمى " تهميش النصوص" ومن الأمراء المشهورين بهذه العادة خالد الفيصل أمير منطقة عسير.


عاشرا: عدم الإحالة للقضاء
لا تعتبر السلطة التنفيذية نفسها ملزمة أبدا بإحالة أي أمر للقضاء سواء كان جنائيا أو سياسيا. فلا يحال الأمر أبدا للقضاء إلا إن كانت هناك ضرورة سياسية في ربط الحكم القضائي بالشريعة ، وأما إن كان جنائيا فلا يحال إلى القضاء إلا بعد استكمال إجراءات التحقيق ، ويحق للحاكم الإداري للمنطقة سحبه من القضاء في أية لحظة.

حادي عشر: تبادل المطلوبين
توجد اتفاقات بين بعض الدول لتبادل المطلوبين وعادة ما تكون هذه الاتفاقات محكومة بإشراف وضبط الجهاز القضائي ، وتقضي الأعراف والنظم العالمية بألا يسلم أحد إلا بأمر قضائي ، أما في المملكة العربية السعودية فلا توجد اتفاقات معلنة وإنما اتفاقات سرية بين الأجهزة الأمنية مع بعض الدول التي امتلأت سجونها بالمواطنين مثل مصر وتونس وقد بدأ تنفيذ هذه الاتفاقات قريبا حيت تسلمت تونس من المملكة ستة معارضين سياسيين مطلوبين من قبل أجهزة الأمن ، وتم ذلك بشكل سري خلال شهر رمضان الماضي ، كما سلمت المملكة عددا كبيرا من المعارضين السياسيين المصريين المطلوبين من قبل أجهزة الأمن بشكل سري كذلك قبيل حج هذا العام.

ثاني عشر: إغلاق الباب أمام جميع أشكال التظلم
يحظر بعض أمراء المناطق على مواطني مناطقهم الاتصال بأي جهة خارج المنطقة إلا بإذن الأمير ويعمدون إلى إنزال العقاب بكل من يحاول التظلم ضد الإمارة أو الأمير ، ومن أمثلة ذلك قيام الأمير خالد الفيصل بسجن مجموعة من المواطنين بعد قيامهم بإرسال برقيات تظلم إلى الملك. ومنذ فترة قريبة أرسل الملك نفسه رسالة إلى أهل القصيم يزجرهم فيها لاحتجاجهم على اعتقال الشيخ الدبيان محذرا إياهم من تكرار هذا الفعل.

ثالث عشر: التمييز العنصري
يغلب على معاملة الدولة للناس في المملكة طابع التمييز العنصري في كثير من شؤون الحياة بدءا بتوزيع المناصب والوظائف والرواتب وانتهاء بالحقوق الإنسانية المشروعة. وقد تقدم الحديث عن سلطات الفئة المتنفذة وامتيازاتها وفيما يلي أمثلة لمعاناة فئتين من الطبقات المسحوقة بسبب سياسة التمييز العنصري:

الفئة الأولى: فئة العمال والمستخدمين الذين تنتهك حقوقهم بأساليب متنوعة منها:
1- عدم تسليم الرواتب لشهور عديدة وربما لسنين مماطلة أو بقصد العقاب.
2 تشغيل الأفراد فوق ساعات العمل المحددة وإجبارهم على أعمال ليست مذكورة في عقد العمل
3- تعريض العمال لجميع أشكال الإهانة والضرب والاستهزاء والحسم من المستحقات.
4 منع العامل من الاتصال بأي جهة قانونية أو قضائية لرفع مظلمته.

ونظرا لأنه لا يتم تعريف العمال بحقوقهم حين يجلبون للعمل في المملكة ولا بطريقة التظلم واستخلاص الحقوق ولا بالجهات القانونية ومواقعها فإن غالبيتهم يشعرون بالشلل والعجز تجاه هذه الممارسات.
أما ما يسمى بمكتب العمل والعمال الذي يفترض فيه أن يدافع عن حقوق العمال وينظر في خلافاتهم مع مستخدميهم فقد ثبت بالدليل أنه يساهم مساهمة فعالة في إضاعة حقوق العمال فإذا ما تمكن عامل ما من التعرف على المكتب وجرؤ على تقديم شكواه فإن القضية غالبا ما تنقلب ضده ، ومثال ذلك أن يتقدم العامل بشكوى عدم استلامه مستحقاته لشهور طويلة فيعاقب فورا من قبل المكتب بحجة أنه حضر لتقديم الشكوى في وقت الدوام مخالفا للنظام ويعتبر ذلك سببا كافيا للامتناع عن النظر في شكواه.

الفئة الثانية: فئة غير الحاملين للجنسية " فئة بدون" حيث يعاني عدد ضخم من سكان المملكة الأصليين بسبب وضعهم في البادية من حرمانهم من حق المواطنة بالرغم من عدم امتلاكهم لأي جنسية أو هوية أخرى ، ولذا فإنهم يلاقون صعوبة في التعليم والحياة الحرة الكريمة ولا تزال الدولة تعارض تمكين هؤلاء من الحصول على الجنسية بالرغم من حقهم الشرعي فيها ، ويربوا عدد هؤلاء على مئات الألوف حيث يعيشون حياة اللاجئين في المخيمات في مناطق مثل الجوف وحفر الباطن.


خاتمة

وبعد فإن هذه الانتهاكات الخطيرة التي تم استعراضها في هذا التقرير لا تشكل إلا جزءا يسيرا من الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان في المملكة حيث كان هذا التقرير حصيلة معلومات أولية موثقة تمكن قسم الدراسات والأبحاث الميدانية في منظمة ليبرتي من جمعها بالتعاون مع أشخاص ثقات داخل المملكة ممن جندوا أنفسهم للدفاع عن حقوق الإنسان ، والنضال من أجل منع التجاوزات والانتهاكات التي تحقر من آدمية الإنسان ، و تتنافى مع التعاليم الدينية ومع الأعراف والنظم الدولية وتتناقض تناقضا سافرا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وإن كل إنسان منصف وحريص على وضع حقوق الإنسان لا يملك إلا أن يعرب عن استنكاره لهذه الممارسات ، ويطالب السلطات السعودية باتخاذ إجراءات عملية سريعة لتحسين سجل حقوق الإنسان في المملكة بدءا بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين أو الفكريين ، مرورا بمنح القضاء استقلاله وتحسين أوضاعه ، ثم الحد من سلطات المتنفذين وحكام الأقاليم ، وتشكيل لجان أو هيئات مستقلة للتحقيق في ممارسات رجال الأمن ، وإصدار التعليمات الواضحة بمنع المداهمة ومصادرة الممتلكات الخاصة ، ومنع الاعتقال التعسفي وتفتيش المنازل والمكاتب دون تصريح قضائي بين ، وانتهاء باحترام حقوق الوافدين و الاقليات ، ورفع القيود المفروضة على النساء حتى ينهضن بقطاعهن الذي يشكل نصف المجتمع إن لم يكن أكثر ، ثم البدء بإجراءات شاملة للإصلاح الإداري للقضاء على الروتين والبيروقراطية التي تتسبب في ضياع كثير من الحقوق ، وأخيرا إبداء حسن النية تجاه من يحملون آراء أو أفكار مخالفة أو معارضة طالما التزموا بوسائل التعبير السلمي.
الكذب وما تعودوه من الغش والخداع، بما ينعكس لا محالة على كل تصرفاتهم الفردية كما تقدم.
وحري بمثل هؤلاء أن يكون عمر حكمهم قصير، فلا يمكن لدولة أن تدوم معتمدة على ردود الأفعال والانعكاسات النفسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وماذا عن أنتهاكهم حقوق الأنسان
وما قيل عنهم فيما يلي
تقرير خاص صادر عن

منظمة ليبرتي
الحرية للعالم الإسلامي

بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان
في فينا - النمسا
14-25 يونيو (حزيران) 1993

قياما بواجب الدفاع عن المظلومين ، وتوعية للعاملين في مجال الحقوق الإنسانية ، وتنبيها للسلطات السعودية إلى خطورة ما يرتكب في تلك البلاد من انتهاكات مريعة لحقوق الإنسان ، فقد أعد قسم الدراسات والأبحاث الميدانية في منظمة ليبرتي هذا التقرير حول أوضاع حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ، وذلك اعتمادا على شهادات موثقة من قبل من وقع عليهم الظلم ، ومن قبل مصادر مطلعة داخل أجهزة النظام القضائي والإداري.

المقدمة

واقع السلطة القضائية
ضعف القيمة المعنوية للقضاء والقضاة
فوضى النظام القضائي
تحجيم القضاء
التدخل في القضاة
في تعيين القضاة
في تعيين رؤساء المحاكم
في ترقية القضاة
في نقل القضاة
في فصل القضاة
في منع قبول الدعاوى
في تحويل القضية إلى قاض معين

انتهاك الحقوق

القسم الأول: الانتهاك من قبل المتنفذين
مباشرة قتل النفس عمدا وعدوانا
مباشرة الضرب والاعتقال في السجون الشخصية
حمل السلاح وإرهاب المواطنين
الاعتداء الجنسي
غصب الأراضي والممتلكات
رفض سداد الالتزامات

القسم الثاني: الانتهاك من قبل السلطات

أولا: الإقامة الجبرية ومنع السفر

ثانيا: التجسس
ثالثا: حملات التفتيش

رابعا: منع إنشاء النقابات وإعاقة إنشاء الجمعيات

خامسا: منع الأنشطة الاجتماعية والخيرية المستقلة

سادسا: التدخل في النشاط الأكاديمي

سابعا: الحصار الشديد لحرية الكلمة

ثامنا: الإجراءات التعسفية في الاعتقال والسجن -
الاعتقال بلا تهمة أو محاكمة
المداهمة
أحوال المعتقلين ومصيرهم

تاسعا: مزاولة دور القضاء

عاشرا: عدم الإحالة للقضاء

حادي عشر: تبادل المطلوبين

ثاني عشر: إغلاق الباب أمام التظلم

ثالث عشر: التمييز العنصري

خاتمة


مقدمة

سيتناول هذا التقرير قضية حقوق الإنسان في المملكة من جانبين ، الجانب الأول يتعلق بواقع السلطة القضائية وحقيقة الدعوى باستقلاليتها ، بينما يتعلق الجانب الثاني بواقع انتهاكات حقوق الانسان من قبل السلطة ومن قبل فئة المتنفذين (ويقصد بهم أبناء الأسرة الحاكمة. وبعض كبار المسؤولين).

وقبل التفصيل في هذين الجانبين لا بد أولا من التأكيد على ما يلي:

أولا: لقد تفاقمت أشكال الظلم والتعدي علي الحقوق وعمت الفوضى أجهزة القضاء إلى درجة باتت معها كثير من أشكال الظلم وانتهاك الحقوق أمرا واقعا ، بل من الأمور المتوقعة في أي وقت. بل تعدى ذلك إلى اعتبار المطالبة بالحقوق واستنكار الظلم هو الشذوذ والتجاوز ، فكثير من المواطنين في المملكة لا يخطر ببالهم أن لهم حقوقا أساسية مثل حق التعلم وحق العمل وحق التوظيف وأن من حقهم أن يتقدموا إلي القضاء بشكواهم ضد الدولة إذا ما انتهكت أجهزتها أيا من هذه الحقوق.

ثانيا: بلغت الفوضى العارمة في النظام القضائي ، وتداخل الصلاحيات حدا أفقد هذا النظام ثقة المواطنين به ، وغدت الدوائر القضائية موبوءة بالإجراءات البيروقراطية المعطلة لمصالح المتظلمين.

ثالثا: لم يعد سرا عدم التزام أجهزة الدولة بكثير من الأنظمة والتعليمات التي تصدرها الحكومة مثل النظام الأساسي ولائحة التوقيف والاتهام وغيرها ، وفيما تنعدم مصداقية هذه الأجهزة وتتزايد يوما بعد يوم التجاوزات والممارسات غير القانونية لكثير من المسؤولين فيها تنتهك كل يوم حقوق آلاف المواطنين والوافدين.

رابعا: يشكو المواطنون في مختلف أنحاء المملكة من قصور كبير في توثيق الأحداث والوقائع والمواقف بالرغم من كثرتها ، وذلك بسبب غياب الأجهزة المستقلة التي تراقب الحدث وبسبب التكتم الشديد من قبل أجهزة الدولة علي كثير من هذه الوقائع وإنزال أشد العقوبات بمن يبوح بها أو يحاول تسريبها.

خامسا: تستمر الحكومة السعودية في ممارسة التلبيس على الرأي العام الداخلي والخارجي في الخلط بين ممارسات الدولة في انتهاك الحقوق وبين تعليمات الشريعة الإسلامية ، ومحاولة إفهام الجميع أن هذه الانتهاكات إنما هي من مقتضيات تطبيق الشريعة.

واقع السلطة القضائية


تؤكد المعلومات الواردة من مصادر ليبرتي أن من أكبر أسباب ضياع الحقوق وانتهاكها في المملكة غياب الدور المناسب للسلطة القضائية ، ولذلك فإن من المناسب مناقشة مظاهر عجز النظام القضائي قبل االتطرق إلى الانتهاكات المباشرة للحقوق. ووبادىء ذي بدء لابد من الإشارة إلى أنه صيغة السلطات الثلاث المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية لا وجود لها في المملكة السعودية ، فالسلطة التشريعية هي فعليا من صلاحيات الملك والأسرة الحاكمة ، فالملك هو الذي وضع النظام الأساسي " الدستور" ، وهو الذي يحتفظ وحده بحق تعديل أو تغيير هذا النظام ، وهو الذي يعين اللجان التي تسن الأنظمة والقوانين ، وهو الذي يعين هيئة كبار العلماء ، وهو الذي يعين القضاة. ولا توجد أي جهة أو مؤسسة لها حق مراجعة قرارات الملك التشريعية أو المصادقة عليها قبل إنفاذها. ويتوقع أن يتم تعيين مجلس الشوري الموعود كذلك من قبل الملك ، ومن المتوقع أن لا يتمتع هذا المجلس بأي صلاحيات ، بحيث لن يتمكن من أن يناقش أي أمر إلا بإذن من الملك ، أو أن يرسم أي سياسة إلا بتصديق من الملك نفسه.
وفيما يتعلق بالادعاء بأن السلطة التشريعية لا يمكن وجودها في النظام الإسلامي بحجة أن التشريع هو القرآن والسنة ، فقد انبرى عدد من العلماء والحقوقيين والمثقفين في السنوات الأخيرة لضحد هذا الادعاء مؤكدين أن النظام الإسلامي يفترض وجود كيان أو مجلس لديه صلاحيات واسعة لمراجعة وإقرار أو رفض الإجراءات وكذلك الحكم بمدى تطابق سياسة الدولة مع القرآن والسنة ، بل إن من مواصفات هذا المجلس أن يكون ممثلا لذوي التخصصات المختلفة في كافة الميادين العلمية والقانونية والأدبية ، وهو أشبه بالنظام البرلماني المعمول به في أنظمة الحكم الديمقراطية. ويجادل هؤلاء بأن مثل هذا الكيان غير موجود في المملكة ، ويرون أن هيئة كبار العلماء لا يمكن الاحتجاج بها لأن دورها لا يزيد عن دور أي دار إفتاء رسمية كما هي الحال في كثير من الدول العلمانية أو التي لا تدعي تطبيق أحكام الشريعة. ويعتقد هؤلاء أن هيئة كبار العلماء المذكورة فقدت حيادها ومصداقيتها تماما عندما بدأت في إصدار القرارات المنددة بمن يطالبون بالإصلاح ، بل وحينما بالغت في إظهار الولاء للسلطات بإصدار الفتاوى المطالبة بمعاقبة من يشاركون في نشاطات لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية. ومن المعلوم أن هيئة كبار العلماء نفسها تعين من قبل الملك ولا يحق لها الاجتماع أومناقشة أي موضوع إلا بإذن الملك ، ولا تكون قراراتها نافذة بل وحتى قابلة للإعلان إلا بإذن الملك نفسه ، ولذا فإن الأمر الواقع أثبت أن السلطة التشريعية في يد الملك مئة في المئة ، ولا توجد أي جهة لها صلاحيات تشريعية غيره.
وليست السلطةالقضائية أفضل حالا من السلطة التشريعية ، فقد حجم القضاء تحجيما كاملا ، وانحطت القيمة المعنوية للقضاء ، وبات النظام القضائي غارقا في حالة من الفوضى زادت في حدتها كثرة اللجان القضائية وتداخل صلاحياتها ومهامها. ويتعرض الجهاز القضائي باستمرار لأشكال متنوعة من التدخل من قبل السلطة التنفيذية (السلطة الفعلية الوحيدة). وفيما يأتي مناقشة تفصيلية لوضع الجهاز القضائي.

أولا: ضعف القيمة المعنوية للقضاء والقضاة

يجمع الحقوقيون المطالبون بإصلاح النظام القضائي في المملكة بأن ما يشبه حالة الإفلاس قد أصابت الجهاز القضائي ، ويجملون مظاهر تدني القيمة المعنوية للقضاء والقضاة في النقاط التالية:

أ معاملة الدولة للقضاء كأي مرفق خدمات وليس كسلطة مستقلة بل إن التسهيلات المالية والإدارية للقضاء تعتبر أقل كثيرا من أي وزارة خدمات ، وجهاز القضاء ومعه وزارة العدل هي أشد أجهزة الدولة تخلفا في المباني والاتصلات والتسهيلات والسكرتارية والخدمات المساندة.
ب - السماح لبعض الجهات الحكومية بممارسة اليد العليا على القضاء ، فوزارة الداخلية ووزارة البلديات يحق لها أن تصدر أي تعميم وتلزم القضاة به فورا ، كالتعاميم التي تصدر مطالبة بعدم النظر في شكاوى معينة مرفرعة من قبل المواطنين ضد أي من أجهزة تلك الوزارات.

ج - تطاول بتعض الحكام الإداريين " الأمراء" على أشخاص القضاة وتهديدهم ورفع الصوت عليهم ، بل وضربهم ، وإصدار الأمر بسجنهم ، كالذي حصل لأربعة من القضاة في منطقة خميس مشيط حيث أمر خالد الفيصل أمير أبها بسجنهم حينما اختلف معهم في الحكم في قضية معينة ، وبقي القضاة الأربعة عدة أيام في السجن بأمر عقابي من الأمير خالد الفيصل.

د - استثناء فئة معينة من الناس من سلطة القضاء حيث لا يحق للقاضي إصدار أمر بإحضار أحد من أبناء الأسرة الحاكمة " آل سعود" عن طريق شرطة القضاء ، بل لا بد في مثل هذه الحالة من أن يكتب القاضي لأمير المنطقة الذي يشاور الشخص المطلوب ، والذي يقرر إن كان يرغب في الحضور أو لا يرغب ، وبذلك لا يتمكن القضاة من إلزام هذا النوع من الخصوم بأي نوع من أنواع الحكم. ولذا يعمد كثير من القضاة إلى مفاتحة الطرف المدعي بأنه لا أمل له في الحصول على أي حق من الخصم " الملكي" ، ناصحين المدعي بقبول أي شكل من أشكال الصلح إذا تيسر. وغالبا ما يتمثل الصلح في ضياع جزء كبير من حق الطرف المدعي الذي يضطر للرضوخ للأمر الواقع وقبول بعضا من حقه الشرعي.

هـ - اعتبار المدعي العام فردا من أفراد السلطة التنفيذية. ومن المفيد أن نشير إلى أنه لا يوجد نظام نيابة ونظام مدع عام في المملكة ، وإنما هناك أفراد شرطة ليس لهم أي تخصص قضائي أو قانوني يطلق عليهم لقب المدعي العام في المحاكم الكبرى. ولذلك أصبح من صلاحيات السلطة التنفيذية تقرير مصير ما يسمى بالحق العام بعد تنازل الأفراد في القضايا الجنائية عن الحق الخاص وقيام السلطة التنفيذية بكل سهولة بإلغاء الحق العام دون الرجوع إلى أي سلطة قضائية.


ثانيا: فوضى النظام القضائي

يقدر الحقوقيون السعوديون المطالبون بالإصلاح أنه لا يوجد نظام قضائي في العالم - حسب علمهم - بلغ من الفوضى وتضارب وتداخل الاختصاصات كما بلغ النظام القضائي في المملكة. ويعتقدون أن هذه الفوضى ربما كانت مقصودة على اعتبار أنها في حد ذاتها وسيلة للتحايل على أصحاب الحقوق ، ولتبرير ما يرتكب من انتهاك وتجاوز بحجة عدم الاختصاص أو التأخير الإداري للقضية. ويعدد هؤلاء الحقوقيون مظاهر الفوضى في النظام القضائي في النقاط التالية:

أ تعدد أجهزة القضاء: فبالإضافة إلى المحاكم الشرعية وديوان المظالم يوجد ما لا يقل عن ثلاثين لجنة قضائية تمارس كلها دورا قضائيا ما ولها اختصاصاتها وتتصل مباشرة بالجهات التنفيذية دون الرجوع إلى جهة قضائية مركزية محكمة.

ب التداخل المزعج في الاختصاصات بطريقة لا يمكن فهمها ليس من الخصم والمحامين فحسب بل حتى من قبل القضاة وأعضاء اللجان القضائية أنفسهم. والسلطة التنفيذية هي التي تحسم جهة الاختصاص حيث أنه لا يوجد في المملكة ما يوازي المحكمة الإدارية المعروفة في أنظمة القضاء العالمية.

ج تناقض الأنظمة التي تحدد سير القضايا وخلوها من المنطق والواقعية ، وتفسير ذلك في أن سير القضايا والنظام القضائي وضع من قبل لجان في مجلس الوزراء وصودق عليه فأصبح نظاما وأصبحت جميع الجهات القضائىة البالغ عددها اثنين وثلاثين ملزمة به.


ثالثا: تحجيم القضاء

لقد كان من نتيجة فرض دوائر النظام نفسها بقوة على الجهاز القضائي تحجيم دوره وإعاقته بل وإصابته بما يشبه الشلل ، ويمكن إيجاز أهم مظاهر تحجيم دور القضاء وتقليص فاعليته في السعودية بالنقاط التالية:

أ منع المحاكم بصورة مطابقة من النظر في دعاوى معينة ، وهي قضايا ما بات النظام يصنفها على أنها من قضايا السيادة. والمقصود بالسيادة هنا سيادة الدولة ، ولقد أبقت الدولة مفهوم السيادة غامضا غير مفسر إمعانا في تحجيم القضاء ، ولذا فإن السلطة التنفيذية توسع هذا المفهوم عند الحاجة وتأمر القضاة بعدم النظر في قضايا معينة بحجة أنها من أعمال السيادة كما هو الحال في قضايا المباحث والجوازات وغيرها.

ب عدم قبول بعض الدعاوى إلا بإذن وهي دون الصنف السابق حيث يسمح للمحاكم النظر فيها بعد استئذان الملك أو وزارة الداخلية أو الإمارة ، وفي بعض الأحيان استئذان وزارة البلديات ، ومن أمثلة ذلك منع النظر في إثبات الإعسار التجاري وإعسار الأفراد إلا بإذن الإمارة ، وفي توثيق العقارات إلا بؤذن وزارة البلديات ، وفي قضايا الديات إذا كان المتسبب أجنبيا إلا بإذن وزارة الداخلية.

ج تمييع أو تجميد بعض الدعاوى بحجة عدم التخصص ، ويعتبر عدم التخصص حيلة سهلة للسلطة التنفيذية لسحب أي قضية من أي جهة وتجميدها أو تحويلها لجهة أخرى. والغريب في الأمر أن الذي يحده عدم التخصص ليس محكمة إدارية أو ما يشابهها بل تحدده السلطة التنفيذية ، ومن الأمثلة الكثيرة على ذلك قضية الكعكي المشهورة التي قرر الديوان الملكي سحبها من المحكمة وتجميدها بدعوى عدم التخصص.

د هناك دعاوى لا يمكن إلزام الخصم بالحضور فيها حيث لا يمكن إحضار فئة معينة - وهي فئة أبناء الأسرة الحاكمة كما تقدم - حتى لو قبلت الدعوى ، وبذلك يمكن للقضية أن تبقى سنين طويلة دون حسم بسبب مماطلة الخصم المتنفذ.

هـ ثمة دعاوى لا يستطيع القاضي أن يحكم فيها ، ومن أبسط الأمثلة على ذلك أن تكون المعلومات ناقصة ولا يستطيع القاضي استكمالها غالبا بسبب وجود المعلومات الضرورية لدي المباحث أو المخابرات أو دائرة الجوازات حيث يحق لهذه الدوائر أن ترفض تزويد القضاة بالمعلومات بحجة أنها من أسرار الدولة ، وحينئذ لا يستطيع القاضي إلزمها بالإفادة.

و وثمة دعاوى لا يصدق على تنفيذها ، ففي المملكة لا يعتبر قضاء القاضي نافذا في قضية ما كما هو الحال في دول العالم الأخرى. إذ لا يمكن تنفيذ أمر القاضي في المملكة إلا بمصادقة حاكم المنطقة الإداري " الأمير" أو مصادقة الملك ، وكل ما يحتاجه الأمير أو الملك لتجميد أمر القاضي هو عدم التصديق على تنفيذ الحكم فتجمد القضية إلى أجل غير مسمى.
رابعا: التدخل في القضاء

تقوم السلطة التنفيذية بالتدخل في القضاء إما بطريقة نظامية عبر اللوائح والنظم التي تبيح ذلك أو عن عبر الأشكال المختلفة من الضغط كترهيب القضاة أوترغيبهم للتدخل مباشرة في قراراتهم الإدارية. ويمكن تفصيل أنواع التدخل على النحو التالي:

أ التدخل في تعيين القضاة
يعتبر مجلس القضاء الأعلى أعلى هيئة قضائية في البلاد وهذا المجلس هو الذي يعين القضاة ويعزلهم ولكن المجلس نفسه بكافة أعضائه هو من صلاحيات الملك الذي يعين رئيسه ولذلك فتعيين القضاة هو حتما من الصلاحيات المطلقة للجهاز التنفيذي.

ب التدخل في تعيين رؤساء المحاكم
لكل منطقة من مناطق المملكة محاكم وتنحصر صلاحيات رئىس المحاكم في قبول ورد الدعاوى وتوزيعها على القضاة أو رفعها إلى قضاة التمييز " الاستئناف" ، ولا يعين رئيس محكمة إلا بعد استشارة أمير المنطقة فهو مسؤول الجهاز التنفيذي. وقد أدى ذلك إلى وجود رؤساء محاكم يعتبرون بمثابة خدم للأمراء في مناطقهم مثل رؤساء محاكم مناطق أبها والرياض والمنطقة الشرقية ، الذين اشتهر عنهم أنهم لا يمكن أن يتصرفوا إلا بموافقة أمير المنطقة ، بل اشتهر عنهم وعن غيرهم من رؤساء المحاكم الضغط على القضاة لإصدار رسائل التأييد للدولة في كثير من المناسبات والدفاع عنها وخاصة في مناسبات تعرض النظام للنقد واستلامه العرائض المطالبة بالإصلاح. وقد بلغ الأمر بأحد رؤساء المحاكم أن يحكم على الذين وقعوا مذكرة النصيحة (التي صدرت في تموز يوليو 1992) بالخروج على الدولة وبأنهم مستحقون لعقوبة القتل ، وشرع بعد ذلك في جمع توقيعات القضاة الذين في إدارته على فتوى بهذا المعنى.

ج التدخل في ترقية القضاة
تتدخل السلطة التنفيذية وكذلك أمراء المناطق في الضغط لترشيح قضاة معينين لمحكمة التمييز ، وأبسط مثال على ذلك ترقية أحد القضاة المشهورين بالغش و المحسوبية في منطقة الطائف المسمى " بابن مديش" إلى رتبة قاضي تمييز بضغط شخصي من الملك لما له من جهود في تسهيل قضايا اغتصاب الأراضي للأمراء وتأييد الدولة.

د التدخل في نقل القضاة " مكافأة أو تأديبا"
يتدخل الملك وبعض حكام المناطق للضغط على مجلس القضاء الأعلى لنقل القضاة تأديبا إلى مناطق نائية والعكس صحيح حيث ينقل بعض القضاة من مناطق نائية إلى المدن بطلب من جهات عليا.



هـ التدخل في فصل القضاة
يفترض ألا يفصل القاضي ولا يوقف عن العمل إلا بإذن من مجلس القضاء الأعلى ، ولكن حصلت حالات تدخل من جهات عليا لفصل قضاة لأسباب سياسية منها مثلا تدخل الديوان الملكي بشكل فاضح للضغط على مجلس القضاء الأعلى في فصل الشيخ عبد المحسن العبيكان في عام 1992. كما يقوم الديوان الملكي في بعض الأحيان بإلغاء أمر الفصل الصادر من مجلس القضاء الأعلى تجاه بعض القضاة المستحقين للفصل.

و التدخل بمنع قبول دعوى أو تمييعيها
يحاول كثير من رؤساء المحاكم " المنحازين للسلطة" رفض قبول أي دعوى إلا بعد تحويلها من قبل الإمارة وذلك محافظة على منزلتهم عند الأمير ، ولكن حتى في الأحوال التي تقبل فيها الدعوى يأتي التوجيه من الإمارة برفض الدعوى بمبررات كثيرة منها عدم اختصاص المحكمة ومنها الادعاء بأن الدعوى تدخل في نطاق قضايا السيادة. ومن جهة أخرى قد تقبل الدعوى وتجمد عند رئيس المحكمة ويستمر رئيس المحكمة بعد تفاهمه مع الإمارة في تسويف القضية ، ويحصل العكس إذا كانت القضية لصالح أمير أو لصالح متنفذ فيتم التفاهم بين الأمير ورئيس المحكمة بسرعة قبولها ويقوم رئيس المحكمة بمتابعتها شخصيا سعيا لإرضاء الأمير.

ز التدخل بتحويل القضية لقاض معين
يفترض في الدعاوى المحولة إلى المحاكم أن توزع بشكل دوري على القضاة حتى لا يتم أي تفاهم مع أي قاض من قبل خصم ما ، ولكن يتم تجاوز هذا النظام بسهولة عند تدخل المتنفذين فإما أن يتم بشكل سافر أي أن يطلب الأمير تحويل القضية إلى قاض معين دون اعتبار للنظام أو أن يتم بطريقة فيها تحايل على النظام حيث يجمد رئيس المحكمة القضية عنده إلى أن يأتي دور القاضي الذي يريده الأمير ، وقد يتدخل الملك بتشكيل لجنة قضائية للحكم في قضية ما ويختار لها القضاة كما حصل عند الحكم في قضية حرق محلات الفيديو وفي قضية بعض المتنفذين الذين سرقوا ألف مليون ريال من وزارة الدفاع ثم اختلفوا في اقتسامها فاشتكى أحدهم على الآخرين وعندما حول القاضي القضية إلى سرقة أموال الدولة سحبت منه وحولت إلى قاض آخر.


انتهاك الحقوق


القسم الأول: الانتهاك من قبل المتنفذين

يتمتع بعض أصحاب النفوذ وخاصة و خاصة أبناء الأسرة المالكة وأقاربهم حتى من غير أصحاب المناصب بصلاحيات واسعة وحصانة " فعلية" تحميهم من التأديب والعقاب وترفع عنهم سلطة القضاء ولذلك يعاني المواطنون والوافدون معاناة هائلة من انتهاك هذه الفئة الصارخ للحقوق. ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي:

أولا: مباشرة قتل النفس عمدا وعدوانا
من أمثلة ذلك قيام الأمير سيف الإسلام بن سعود بقتل أحد المواطنين قبل عامين وضغط السلطات على أولياء المقتول بقبول تعويض مالي بالقوة. ومثل ذلك ما حدث مؤخرا من إقدام الأمير مشعل على قتل رجلين من قبيلة قحطان أحدهما ضربا حتى الموت والآخر بالسلاح الرشاش لأنهما دخلا مزرعته بلا إذن.

ثانيا: مباشرة الضرب والاعتقال في السجن الشخصي
يمارس بعض المتنفذين دور السلطات الثلاث فيحكمون على بعض المواطنين بالضرب وينفذون هذا الأمر في بعض الأحيان بأيديهم وأحيانا أخرى عن طريق حرسهم الخاص ، كما يقومون باعتقال بعض الأشخاص لمدد متفاوتة في معتقلات داخل قصورهم أومزارعهم ، وقد اشتهر ذلك عند الأمير مشعل والأمير عبد الله بن عبد الرحمن وآخرين.

ثالثا: حمل السلاح وإرهاب المواطنين
يقوم بعض المتنفذين بحمل السلاح وإطلاق النار في المحافل العامة وبعض الشوارع الكبرى استعراضا للقوة وإرهابا للجماهير.

رابعا: الاعتداء الجنسي
يقترف المتنفذون هذه الجريمة إما بشكل مكشوف حيث يتم خطف بعض الفتيات من الشوارع أو المدارس و يعتدى عليهن بالقوة ، وقد جرى تسجيل حالات من هذا النوع ، وأحيانا أخرى تغرى بعض الفتيات أو بعض الصبيان بحيلة معينة ثم يؤتى بهم إلى بيت المتنفذ حيث يتم ابتزازهم وتهديدهم بالصور وغيرها إذا باحوا بأي سر. وقد حصلت حادثة اكتشفت فيها الشرطة استدراج عشرات الفتيان والفتيات وابتزازهم ، وقد تدخلت إمارة الرياض وعاقبت الضباط الذين قاموا بكشف الحادث وحجبت القضية عن القضاء. وتشبه هذه الحالات إلى حد كبير قضية العميد المغربي " ثابت" الذي تناقلت الصحف أخباره وتم نشرها على أوسع نطاق. وفي أحيان أخرى يقوم بعض المتنفذين بإجبار بعض الآباء على تزويج بناتهم لهم ، أو حتى إجبار بعض الأزواج على تطليق زوجاتهم ومن ثم يتم التزوج بهن بالقوة.
خامسا: غصب الأرضي والممتلكات
يمارس المتنفذون سلطاتهم بالاستيلاء على أراضي الغير بكل سهولة حيث لا يعدو ما يحتاجونه أن يضعوا علامات معينة يحددون بها حدود ما يرغبون في انتزاعه من أراض دون اعتبار للمالك الحقيقي ، وبهذا يضيع حق المالك الحقيقي تماما. وتذكر المصادر المطلعة في هذا الصدد مثالين صارخين على ذلك ، أحدهما استيلاء الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز على أرض واسعة مملوكة لمواطنين آخرين في وسط مدينة جدة بحجة أن أباه المملك " عبد العزيز" كان قد وعده بها. وقد تمت إقامة مشاريع حكومية على الأرض لصالح الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز بمئات الملايين من الريالات ولم يحصل المالكون الحقيقيون على شيء من ذلك. أما المثال الآخر فهو قيام الأمير مشعل بن عبد العزيز بالاستيلاء على مخطط كامل لذوي الدخل المحدود في منطقة عرقه شمال غرب الرياض وتهديده كاتب العدل بعدم كتابة أي صك شرعي لأي مواطن مسجل في ذلك المخطط. وهناك حالات كثيرة أخرى بالإضافة إلى ذلك منها أراض شاسعة استولى عليها الأمير مشعل وغيره. ويعتبر الأمراء عبد الله بن عبد الرحمن والأمير متعب والأمير سلطان من الأمراء المشهورين بغصب الأراضي في المملكة. ويعتبر الترافع ضد هؤلاء مستحيلا لأن المواطن العادي يخشى بطش الأمير ولا يجرؤ القاضي على قبول الدعوى فيرفضها غالبا ، أما إذا ما قبلها فلا يمكن الحكم فيها ، وإذا حكم فيها فلا يمكن تنفيذ الحكم. والجدير بالذكر أن مبرر هؤلاء الأمراء في الاستيلاء على الأراضي هو أن آل سعود عامة يرون أن أراضي المملكة ملك عيني لهم ورثوه عن أبيهم. أما غصب الممتلكات فهي ممارسة جديدة نسبيا انتشرت بين بعض الأمراء وتتمثل في الاستيلاء على السيارات أو الآليات والمعدات بالقوة من بعض الشركات والمؤسسات بحجة أنه سيتم سداد قيمتها لاحقا ثم تبقى بلا سداد ، حيث لا تستطيع هذه الشركات والمؤسسات منع هؤلاء من الاستيلاء على الممتلكات العائدة لها لسببين: الأول هو أن المغتصبين يتقمصون شخصية السلطة بما لديهم من قوة شبه عسكرية ، أما الثاني فهو خوف أصحاب المؤسسات والشركات من أن تعرقل معاملاتهم وأوراقهم عند السلطات إذا ما عارضوا هذا الاستيلاء.

سادسا: رفض دفع الالتزامات
يعاني المقاولون من تسويف ومماطلة المتنفذين الذين يرفضون بعد إنجاز مشاريع " شخصية" دفع الاستحقاقات المالية فيتورط المقاولون بالتكاليف المترتبة على إنجاز المشروع من حساباتهم الشخصية ولا يتمكنون من تحصيل حقوقهم بأية طريقة للأسباب السابق بيانها. ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه الحالات ليست مقصورة على الأسرة المالكة أو كبار المتنفذين فحسب وإنما تمتد إلى الطبقات الثانية والثالثة من أصحاب المناصب حيث يستغلون معرفتهم أو صلتهم ببعض المتنفذين ، ويكون الوضع في مثل هذه الحالة أسوأ إذا تعلق بأحد من الوافدين وقد يحدث العكس أيضا حيث يقبض بعض المتنفذين مبالغ مالية ثمنا لأراض أو ممتلكات باعوها لغيرهم ، ومن ثم يرفض تسليم ما باع لمن اشتري. وقد حصل ذلك في حادثة مشهورة تتعلق بأرض واسعة يقدر ثمنها بمئتي مليون ريال حيث استلم الأمير المبلغ ورفض تسليم الأرض للمشتري حتى بعد صدور الصك الشرعي ، بل أوقف عند حدودها حرسه الخاص وطلب منهم منع أي شخص من دخولها. ولم يتمكن أصحاب الأرض من استلامها إلا بعد أن دفعوا أضعاف ثمنها الأصلي. أما الصك الشرعي فلم تكن له قيمة تذكر.

القسم الثاني: الانتهاك من قبل السلطات

يعتبر النظام الملكي السعودي من أشد الأنظمة البوليسية وأكثرها تمكينا للمخابرات في الحياة العامة. فلا يقل عدد منسوبي أجهزة المخابرات الكثيرة في الدولة عن ثلاثمائة ألف فرد في الوقت الذي لا يتجاوز فيه تعداد الجيش النظامي والحرس الوطني مائة ألف فرد. لذا فإن وزارة الداخلية وإمارات المناطق هي السلطات الوحيدة صاحبة النفوذ في الدولة. ولذلك فمظاهر الدولة البوليسية واضحة جلية ، وتتمثل في التجسس والتفتيش والمداهمة والإرهاب والاعتقال والتعذيب والسجن لمدد غير محددة ، وكذلك التحكم الكامل بوسائل الإعلام ومنع جميع أشكال حرية التعبير بل ومنع إقامة الحفلات والاجتماعات الخيرية ومنع تشكيل الجمعيات الخيرية فضلا عن تكوين الأحزاب ، وأخيرا منع كافة مظاهر الانتخاب والممارسات الديمقراطية في الدولة. وفيما يلي تفصيل بعض مظاهر الانتهاك الرسمي لحقوق الإنسان.

أولا: الإقامة الجبرية ومنع السفر
لا يحتاج منع أي مواطن أو وافد من السفر إلا إلى رسالة صغيرة من موظف - لا يشترط أن يكون ذا منصب كبير - في وزارة الداخلية إلى إدارة الجوازات حيث يتم إدخال اسم الممنوع من السفر في كمبيوتر وزارة الداخلية ، ولذا فإن كثيرا من أساتذة الجامعات والمفكرين الذين اشتهر عنهم المساهمة في مذكرات النقد ومطالب الإصلاح هم الآن في قائمة الممنوعين من السفر من أمثال الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان العودة والشيخ عبد الوهاب الطريري والدكتور ناصر العمر والدكتور سعيد بن زعير والدكتور محمد المسعري وآخرين. وقد شاعت ظاهرة تشبه الإقامة الجبرية وهي الحكم علي شخص بعدم مغادرة مدينة معينة أو دخولها وذلك بأمر من أمير المنطقة بمعزل عن القضاء. كما تفشت ظاهرة منع السفر لأسباب غير سياسية مثل منع السفر بقرار من أحد المحققين في وزارة الداخلية بلا أمر قضائي. وقد أصبح كثير من المواطنين والوافدين يعانون من ذلك الأمر الذي غالبا ما يكون بحجة أن الممنوع من السفر ذو علاقة من قريب أو بعيد بحادث معين تحت التحقيق.

ثانيا: التجسس
يمارس التجسس بشكل شبه روتيني على عدد كبير من المواطنين ، كما تقوم الدولة بالتجسس على كبار المسؤولين ووكلاء الوزارات وكبار الضباط ، وتراقب بشكل منتظم جميع الرموز الاجتماعية والمفكرين والخطباء المشهورين وأساتذة الجامعات المرموقين. ويتم التجسس على الأشخاص وعلى المكاتب وعلي التجمعات كما يتم عن طريق مراقبة اتصالات الهاتف والفاكس والمراسلات البريدية والطرود بالإضافة إلي المتابعة الشخصية في السيارة وتركيب أجهزة التصنت في البيت والتصنت عن بعد والمحاصرة من قبل المخبرين. وتكلف تكنولوجيا التجسس الدولة أموالا طائلة تقدر بآلاف الملايين ، وقد تم بناد مبنى ضخم كلف مئات الملايين في مشروع مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة الهاتف مهمته المراقبة الإلكترونية لأي خط هاتفي في المملكة عن طريق الحاسب الآلي. والطريف أن الدولة لا تجد حرجا في الإعلان عن قيام أجزتها بالتجسس على المواطنين ، فالأمير سلمان مثلا وغيره يستشهدون ضد بعض الأشخاص بعبارات يقولون إنهم سمعوها من أشرطة التجسس على الهاتف ، ربما لاعتقادهم أن ذلك من حقوق الدولة على مواطنيها. ومن المفيد أن نذكر أنه لا يوجد في هذا المضمار ما يسمى بمذكرة قضائية أو إذن من النيابة بالتجسس أو ما شابهه كما لا يعفى أحد من احتمالية التجسس ، وقد سجلت حالات تعرض فيها عدد من القضاة إلى التجسس على هواتفهم ومنازلهم وسياراتهم واتصالاتهم البريدية.

ثالثا: حملات التفتيش
تعتبر محلات بيع الأشرطة ومحلات التصوير " النسخ" والمكتبات العامة والخاصة عرضة للتفتيش من قبل لجان مكونة من وزارتي الإعلام والداخلية ، ولهذه الجهات المشتركة صلاحية بالاعتقال الفوري وإنزال العقوبة المباشرة بمن يكتشف احتفاظه أو ترويجه لمواد سياسية ممنوعة حسبما تصنفه الدوائر الرسمية.

رابعا: منع إنشاء النقابات وإعاقة إنشاء الجمعيات
لا يجوز في المملكة مطلقا إنشاء أي شكل من أشكال النقابات ، كما يمنع النظام إنشاء الجمعيات " المستقلة" - بما في ذلك الجمعيات الخيرية - إلا تحت مظلة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبموجب نظام صارم يعيقها عن تقديم الخدمات الخيرية المطلوبة. أما الجمعيات العلمية أو الأكاديمية فلا يمكن إنشاؤها إلا تحت مظلة جامعة من الجامعات ، وتخضع هذه الجمعيات - وهي محدودة الأهداف - إلى مراقبة مكثفة من قبل أجهزة المخابرات ولا يسمح لها بأي نشاط إلا بعد إذن واضح من الأجهزة الأمنية كما لا يسمح لها بالاجتماع إلا لأهداف إدارية بحتة.

خامسا: منع الأنشطة الاجتماعية والخيرية المستقلة
بالإضافة إلى منع الجمعيات فإن أي نشاط مستقل حتى لو لم يكن سياسيا يمنع من قبل أجهزة الأمن حتى لو تبنت هذا النشاط مؤسسة نظامية. ولقد منعت أجهزة الأمن إقامة حفلات خيرية بحتة بحجة عدم وجود إذن رسمي كحفل التعريف بمؤسسة الحرمين الذي ألغي قبل موعده باثنتي عشرة ساعة فقط بأمر من الملك شخصيا. ومن أمثلة منع الأنشطة الخيرية إصدار تعميم من وزارة الداخلية بمنع أي شكل من أشكال جمع التبرعات إلا من قبل لجان تشكلها الدولة. ولقد صدر هذا المنع في الصحف الرسمية وأذيع في وسائل الإعلام المحلية وتناولته الصحافة الدولية بالتعليق ، ونص هذا القرار في حينه على أن من يباشر جمع التبرعات يعرض نفسه للعقاب ، وقد تم بالفعل استدعاء بعض من باشر بجمع التبرعات وأخذ عليهم التعهد بعدم العودة إلى ذلك وتمت مصادرة جميع ما بحوزتهم من تبرعات. ومما يدخل في هذا المضمار حظر النشاطات الثقافية النسائية إذا ما اعتبر أن لها أدنى صلة باعتبارات سياسية حسب التعريف الرسمي.
ومن الحالات التي وثقفت في هذا المجال نذكر قصة مجموعة من المثقفات السعوديات اللواتي قررن في أواخر العام الماضي تنظيم رحلة جماعية إلى مدينة زغرب للاطلاع على أوضاع اللاجئين البوسنويين هناك. وضمت المجموعة عددا من الطبيبات السعوديات. ولما كانت أقرب سفارة لحكومة كرواتيا موجودة في دولة الإمارات العربية المتحدة فقد أرسلت السيدات جوازات سفرهن إلى السفارة بالبريد للحصول على تأشيرة دخول. وفي طريق عودة الجوازات - بالبريد أيضا - صادرتها مصلحة البريد ، وظلت تنتقل من دائرة في الدولة إلى دائرة ، إلى أن ألغيت الرحلة ، وأفشل المشروع.

سادسا: التدخل في النشاط الأكاديمي
تمارس الدولة تدخلا في العمل الأكاديمي نفسه في الجامعات فضلا عن التدخل السافر في الأنشطة الاجتماعية والثقافية ، ومن أمثلة ذلك:

1- إصدار النظام الموحد للجامعات الذي يمنع جميع أشكال الانتخاب بدءا من رئاسة الأقسام و انتهاء بإدارة الجامعة ، وطبقا للنظام الجديد الذي أصبح ساري المفعول منذ أقل من عام أصبح عمداء الكليات ورؤساء الأقسام يعينون من قبل مدير الجامعة الذي يعين بدوره من قبل السلطة التنفيذية.

2- التدخل في العمل الأكاديمي بإصدار تنظيم يلزم أقسام الدراسات العليا بالاستئذان من وزارة الداخلية قبل السماح لأي باحث بدراسة أي موضوع ، وعادة ما تمنع الوزارة أي موضوع فيه رائحة سياسية ، وقد أصدرت الداخلية في حالات معينة أمرا بمنع مناقشة بعض الرسائل علنا وأجبرت الجامعة على مناقشتها سرا كما منعت نشر هذه الرسائل.



سابعا: الحصار الشديد لحرية الكلمة
تعتبر المملكة من أكثر دول العالم مصادرة لحرية التعبير ، وتمارس المصادرة بأسلوبين:

الأول: التحكم الكامل والمطلق بوسائل الإعلام ، وإبقاء كل ما يكتب وينشر ويقرأ ويذاع تحت السيطرة المباشرة لوزارة الداخلية ، ومن الجدير بالذكر أن وزير الداخلية هو رئيس المجلس الأعلى للإعلام ، حيث لا يمكن إنشاء مجلة أو صحيفة أو حتى نشرة إلا بالترتيب والتنسيق الكامل مع أجهزة وزارة الداخلية. كما لا يمكن تعيين صحفي أو كاتب أو مراسل لصحيفة أو أي منشور إلا بالتنسيق الكامل مع وزارة الداخلية أيضا ، وهذا التحكم الكامل لا يقتصر على الصحف والإذاعات السعودية فحسب بل وحتى على المراسلين والصحفيين المقيمين في المملكة التابعين لصحف وإذاعات خارجية ، حيث لا يقبلون إلا بعد موافقة وزارة الداخلية ، ولذا فإن هؤلاء لا يمكنهم أن يمارسوا دورا ناقدا للنظام السعودي لئلا تتعرض إقامتهم للإلغاء وعقود عملهم للإنهاء. ولذلك فقد أحجمت كثير من وسائل الإعلام العالمية المشهورة عن إذاعة الأنباء والتحقيقات التي تشير بأصابع الاتهام إلى السلطات السعودية في مجال حقوق الإنسان وكذلك في قضايا الفساد المالي والإداري و الرشاوي ، وذلك خوفا من أن تعاقب بمنعها من إيفاد مراسلين ، أو تحسبا من أن تعمد السلطات السعودية إلى التشويش على بثها إلى المنطقة ، أو غير ذلك من الإجراءات الانتقامية.

الثاني: التحكم الكامل بنشاط الخطب والمحاضرات والإصدارات وذلك بالوسائل الآتية:

أ تدخل وزارة الداخلية وإمارات المناطق في تعيين خطباء المساجد.

ب عدم السماح لأي محاضرة أو ندوة فكرية أيا كان نوعها إلا بعد إذن الإمارة أو لجان خاصة تابعة للإمارة في الجهات المعنية ، وينطبق هذا حتى على المحاضرات داخل الجامعات والمؤسسات التعليمية.

ج عدم السماح بنشر أي شريط مسجل لمحاضرة أو ندوة أو خطبة إلا بعد إجازته من قبل اللجان الأمنية في وزارة الداخلية ووزارة الإعلام.

د إيقاف تراخيص إنشاء محلات التسجيل وبيع الأشرطة.

هـ إصدار تنظيم يمنع امتلاك أجهزة النسخ السريع للأشرطة من قبل محلات التسجيل وقصر حق امتلاك هذه الأجهزة على محل واحد في كل مدينة من أجل تكثيف المراقبة الأمنية عليه ومنع محلات بيع هذه الأجهزة من بيعها إلا بإذن الداخلية وبإجراءات تسجيل شبيهة بإجراءات تسجيل السلاح.

و إصدار التعاميم بعدم تمكين أشخاص معينين ممن يصنفون تحت ضمن قائمة " غير المرغوب فيهم" من الحديث أو الخطابة أو إعطاء المحاضرات في أي محفل حتى في الحفلات والاجتماعات الخيرية كحفلات الزواج والأعياد.

ز إيقاف عدد كبير من الخطباء والمحاضرين عن الخطابة والمحاضرة بأمر من الأمارة أو من وزارة الداخلية.

ع إنزال عقوبة الفصل والسجن والتعذيب بكل من يجرؤ على التكلم في أي أمر من الأمور العامة بشكل علني.

ثامنا: الإجراءات التعسفية في الاعتقال والسجن
يعتبر اعتقال أي مواطن أو وافد وما يتبعه ذلك من إجراءات حقا من حقوق السلطة التنفيذية في المملكة العربية السعودية التي تشكل هذه الممارسات فيها صورة من أبشع صور انتهاك حقوق الإنسان في العالم ، ومن أمثلة ذلك ما يأتي:

أ الاعتقال بلا تهمة أو محاكمة وعدم التمكين من الاتصال بالمحامي
لا يحتاج الاعتقال أبدا إلى أمر قضائي ولا يحتاج إلى مذكرة اتهام أو مذكرة اعتقال ، وكل ما يحتاج إليه هو توجيه كتابي أو شفوي من أمير المنطقة أومن يمثل الأمير وفي بعض الأحيان إلى قرار من ضابط مكلف من قبل الإمارة أو الشرطة بالتحقيق في قضية معينة سياسية أو جنائية. وغالبا ما تكون عملية القبض بشكل عنيف غير مهذب ولا يخبر فيها المعتقل بسبب اعتقاله ولا يسمح له بالتمتع بأي حق من الحقوق الشخصية لأي معتقل حسبما تقتضيه الأعراف والقوانين الدولية كالاتصال بالمحامي و غير ذلك من الحقوق ، ويمكن الجزم بأن كل المعتقلين في المملكة هم أمثلة حية على هذه التجاوزات التي لا تجوز بأي حال حتى في حال من تثبت إدانتهم بأبشع الجرائم. فدور القاضي في المملكة يأتي دائما متأخرا عن دور رجال الشرطة والأمن. أما في حالة الاعتقال السياسي فلا يتسنى لمعتقل أبدا المثول أمام محكمة علنية عادلة ، إذ أنه إما أن يحرم بالكلية وإما أن تشكل لجان قضائية خاصة أعد لها الحكم سلفا من قبل السلطة التنفيذية.
ومن أمثلة الاعتقال السياسي اعتقال الشيخ إبراهيم الدبيان مرتين وكان حتى صدور هذا التقرير حسب علمنا لا يزال رهن الاعتقال ، واعتقال الدكتور محمد المسعري ، واعتقال محمد عبود عسيري (الذي لا يزال مضربا عن الطعام في سجنه) ، وأحمد الحصين ، و المزيرعي ، ورياض الحقيل ، وإبراهيم الخزيم ، وعبد الله المحيميد ، وسعد القويز ، ومحمد العماني ، وموسى العتيبي ، وإبراهيم الحصان ، وعبد العزيز النصار ، وفهد الشافي ، وإبراهيم العيد ، وعبد الرحمن السويلم ، و فهد اليحيى ، وخالد الأحمدي ، وإبراهيم الريس ، و مشاري الزايدي ، وأحمد العبداني ، وفهد القحطاني ، ومنصور النقيدان ، وناصر البراك ، ومحمد العصفور ، وعلى الخضيري ، وعبد الحكيم الحصان ، وعبد الله العتيبي ، وأحمد فقيهي ، وخلف الحربي ، وفؤاد الرفاعي ، وجابر الجلاهمة ، وعبد اللطيف الدرباس ، ووليد الدرباس ، وحامد الأردني ، ويحيى داود ، وصلاح حسين ، ورائد العقيلي ، وغيرهم ممن يصعب جمع المعلومات عنهم. هذا بالإضافة إلى البرفسور عبدالله الحامد العضو المؤسس في لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية الذي اعتقل مساء 15 يونيو (حزيران) 1993 والشيخ عبدالله الريس المدرس بجامعة الإمام الذي اعتقل صباح اليوم التالي مباشرة. وهؤلاء جميعا دوهمت بيوتهم ولم توجه لهم السلطات تهما معينة ، ومعظمهم لم يسمح لآهاليهم ولا محاميهم بالاتصال بهم أو حتى الاستفسار عنهم.

ب المداهمة
تمارس قوات الأمن عملية المداهمة بكل جرأة وثقة بالنفس ولا يخطر ببال سلطات الأمن أن تحتاج إلى أي شكل من أشكال الأمر القضائى. وأي رجل أمن يشارك في عملية مداهمة ويقابل بالاحتجاج من قبل أهل الدار يلجأ إلى استعمال تعبير " نحن رجال دولة" ، ورجل الدولة يعني بالتعبير العامي أن له مطلق الصلاحية. وغالبا ما يصاحب عمليات المداهمة اعتقال وتفتيش كامل ومصادرة الممتلكات وخاصة الممتلكات الكتابية. ومن أمثلة المداهمات مداهمة منزل الدكتور محمد المسعري المشهورة التي تم فيها كسر باب المنزل والدخول بالقوة على الدكتور محمد في غرفة نومه وحمل جميع ممتلكات الدكتور " الكتابية" بما فيها شهاداته العلمية وصوره الفتوغرافية. ومن الأمثلة أيضا مداهمة مكاتب قسم الفيزياء في جامعة الملك سعود ونقل جميع محتوياته من كتب وملفات وأشرطة وكمبيوتر ، ومن الأمثلة كذلك مداهمة منزل الدكتور على محمود - الأستاذ في كلية الطب - قبل شهر واعتقاله ومصادر محتويات البيت الكتابية. ومن الأمثلة أيضا مداهمة منزل السيدتين زينة حكيم وفاطمة المازي في جامعة الملك سعود كذلك واعتقال السيدتين والتحفظ على الممتلكات الموجودة بالمنزل قبل ستة أشهر. ومن الأمثلة مداهمة مركز الشيخ سفر الحوالي ومصادرة جميع ممتلكاته بأمر شخصي من الملك واعتقال موظفي المركز ، وأخيرا مداهمة منزل البرفسور عبدالله الحامد قبيل اعتقاله وتفتيش المنزل تفتيشا دقيقا لعدة ساعات ، ومصادرة كل ما وجد في منزله من وثائق أو مطبوعات لها علاقة بالكتابة أو الثقافة أو الفكر.

ج أحوال المعتقلين ومصيرهم
منذ أن يدخل المعتقل السجن يصبح تحت السلطة المطلقة للجهة التي اعتقلته سواءا كانت جهاز المباحث أو الإمارة أو الشرطة ، ولا يوجد أي نظام أو طريقة لضبط مدة بقاء المعتقل في السجن أو الإشراف على مسار التحقيق معه أو حتى التكهن بمصيره ، فبالإضافة إلى الأوضاع التعيسة للسجون في المملكة من ناحية انعدام النظافة والتكييف وضيق الحيز المتاح لكل سجين ، فقد سجلت الانتهاكات التالية:

1- البقاء في السجن مدة طويلة إما بسبب الإهمال والنسيان أو بسبب عدم اكتمال التحقيق ومن أمثلة ذلك ما يحدث لمعظم العمال الوافدين الذين يأتون من دول العالم الثالث ولا توجد جهة تتبنى الدفاع أو السؤال عنهم ، وثمة أمثلة كثيرة لمواطنين من داخل البلد ومن ذلك استبقاء الشيخ سمير المالكي رهن الاعتقال أكثر من شهر من أجل التحقيق ، وبقاء الأستاذ أنيس عبد المعطي المخرج السينمائي المشهور ثمانين يوما تحت التعذيب قبل إخراجه هو وزوجته. ويعتبر افتقاد المعتقل من قبل أقربائه أو معارفه ومن ثم السؤال عنه الطريقة الوحيدة لمتابعة وضع السجين " المعتقل" سواء كان سياسيا أو جنائيا ، وفي كثير من الأحيان تتم الاستعانة ببعض المتنفذين من أجل حل مشكلة المعتقل. أما القضاء فليس له أي دور في هذه الأمور.

2- تعرض السجناء للتعذيب حيث يعتبر التعذيب في السجن أمرا شبه روتيني حتى في الحالات الجنائية ، وتمارس الشرطة ورجال الأمن التعذيب لاستخراج اعترافات من المتهم بالقوة وتستخدم من أجل ذلك جميع أنواع التعذيب كالضرب والخنق ، والتعريض للحرارة تارة وللبرودة تارة أخرى ، والإيقاف مقيدا في الشمس ، والصعق الكهربائي ، وإيذاء بعض المواضع الحساسة من الجسم ، والحرمان من النوم ، وما شابه ذلك. وتباشر الشرطة التعذيب إما لانتزاع الاعتراف كإجراء من إجراءات التحقيق ، أو لإنزال عقوبة ما بالمحتجز وذلك بتوجيه من أمير المنطقة. وقد يؤدي التعذيب في بعض الأحيان إلى الوفاة كما حصل للمواطن محمد الصالح قبل عام ، وكان قد قبض عليه مع مجموعة كبيرة أثناء التحقيق في قضية سرقة أحد البنوك فأصدر الضابط المكلف بالقضية أمرا بتعذيب جميع المشتبه بهم فورا وتوفي محمد الصالح بعد يومين واعتبر الضابط وفاته أمرا عاديا حتى أن رجال الشرطة لم يكلفوا أنفسهم إبلاغ أهله ، ولم يعرف أهله بوفاته إلا بعد مضي أكثر من يوم ، ولم يتمكن أهله بعد ذلك من رفع دعوى ضد رجال الأمن - الذين قتلوا المذكور بينما كانوا يقومون بواجبهم - بالرغم من العلاقات الشخصية لأفراد لأسرتهم.
ولابد من التأكيد هنا أن التعذيب هو الوسيلة الوحيدة للحصول على الاعترافات ، فإذا ما اعترف المتهم أحيل إلى القاضي بعد أن يوقع على الاعترافات خلال التعذيب ، فإذا اعترض المتهم عند القاضي وادعى أنه اعترف تحت التعذيب لا يملك القاضي تخليصه من أيدي رجال الأمن الذين قد يستأنفون التحقيق و يعاودا التعذيب إلى أن يعترف المتهم مرة أخرى متعهدا ألا ينكر اعترافه إذا مثل أمام القاضي ، وهذا يحدث في القضايا الجنائية ، فكيف الحال بالقضايا السياسية.

3- الإهانة والتحقير: حيث يتعرض معظم المعتقلين وذويهم وكل من له علاقة بهم إلى أقصى درجات الإهانة والاحتقار ويتعامل رجال الأمن معهم كما لو لم يكن لهم أي حق من حقوق الإنسانية حتى لو كانت حالة بسيطة كمخالفة مرورية أو ما شابه ذلك ، فبكل سهولة يقرر الضابط أن يعزل أي مواطن مانعا إياه من محاولة الاتصال بأي جهة. ويتعرض أهل المعتقل بالتالي وأطفاله للخطر كمثل الذي حصل من وفاة أحد أطفال مواطن اعتقل بسبب مخالفة مرورية ، فبالرغم من إصرار المعتقل على أن أطفاله في خطر فقد حرم من الاتصال بأي أحد أو الذهاب إلى أطفاله لتأمين وضعهم. إن أي مواطن أو وافد يذهب إلى مكاتب الشرطة أو الأمن أو الأمارة للسؤال عن معتقل قريب أو صديق أو مستخدم لا يعامل إلا معاملة إهمال واحتقار كما لو لم يكن من حقه أن يعرف عنه شيئا.

4 تغييب المعتقلين وإخفاء المعلومات عنهم: حيث لا تعتبر سلطات الأمن نفسها ملزمة بإخبار أهل أي شخص يتم القبض عليه حتى لو كانت القضية جنائية. وغالبا ما يسعى ذوو المعتقل للاستفادة من أصحاب النفوذ لمعرفة أحوال ذويهم وفيما عدا ذلك فإن معرفة أحوال المعتقل ومصيره تكون من الصعوبة بمكان. أما إذا كانت الحالة سياسية فلا يمكن بأي حال معرفة مكان المعتقل أو سبب اعتقاله أو وضعه أو ما يجري له ، ويعتبر كل من يسأل عنه مشبوها يستحق الاعتقال ، ولذا يتعرض كل من يسأل عنه للتخويف والإهاب وبالتالي فلا يعلم أحد مصير الدكتور محمد المسعري ولا الشيخ إبراهيم الدبيان ومئات غيرهم من المعتقلين السياسيين.

5 عدم رد الاعتبار إذ لا تعتبر سلطات الأمن تصرفاتها تجاه المعتقلين سواء كانت اعتقالا أو إهانة أو تعذيبا أو غير ذلك خطأ يجب الاعتذار عنه إلا في حالة واحدة هي أن يكون المعتقل قريبا لأحد المتنفذين وأن يكون المعتقل قد أخذ دون علم هذا المتنفذ ، وحينئذ لابد من الاعتذار للمعتقل بل لا بد من عقاب الجهة التي قامت بالاعتقال. أما ما دون ذلك فإن المعتقل الذي اعتقل خطأ أو عذب خطأ ولم يثبت عليه أمر جنائي فإنه يطرد طردا من الاعتقال بكل إهانة واحتقار إن كان مواطنا ، أما إن كان وافدا فإنه يسفر فورا إلى بلده ويلغى عقد عمله ولا يمكن من أي شكل من أشكال التظلم ، فالنظام هنا هو أن كل من يعتقل من الوافدين سواء كان اعتقاله صوابا أو خطأ فإنه يسفر فورا خوفا من أن يفضح الدولة في داخل البلد.
ونذكر هنا حالتين وإن كانت الأمثلة في الحقيقة بالآلاف. أما الأولى فحالة لوافد بنغالي اعتقل مدة ثلاثة أشهر كاملة تعرض خلالها لجميع أشكال الإهانة والتحقير ، ثم تبين بعد تلك المدة أنه غير الرجل المطلوب ، وأن تشابها في الأسماء تسبب في اتهامه واعتقاله وتعذيبه ، وبعد تبين الخطأ الذي ارتكبته الشرطة بحقه قامت السلطات بتسفيره فورا من السجن إلى المطار. أما الحالة الثانية فهي لوافد مصري اتهمته خادمة في أحد البيوت بالزنا فسجن وحقق معه من قبل الشرطة دون أمر من القاضي وعذب من أجل الاعتراف حسب الأصول المتبعة ، وكان كلما سجلت اعترافاته وأحيل إلى القاضي أنكر اعترافاته ، وقد تكرر ذلك إلى أن تعرفت الشرطة على الفاعل الحقيقي فما كان منهم إلا أن سفروه فورا من السجن إلى المطار دون تعويض ولا رد اعتبار بل حتى ولا اعتذار. وعادة ما يؤخذ إلى المطار بسيارة البوليس كأي مطرود من البلد. ومن المفيد أن نذكر أن كثيرا من المعتقلين الذين ليس لديهم أقرباء ، أو أصدقاء من أصحاب النفوذ يقضون فترات طويلة في المعتقلات إما لخطأ أو لسبب تافه لا يستحق السجن ولا يوجد نظام يتابع هذه القضايا المنسية ولا توجد أي لجان قضائية للكشف عن السجون ومراقبتها.

6- الإجراءات التعسفية في التحقيق: ففضلا عن صنوف الإهانة والاحتقار والتعذيب ، تمارس الأساليب التعسفية عند التحقيق ، فمثلا قد يهدد أمير المنطقة رجال الشرطة بأنه سيقذف بهم في السجون جميعا إن لم يأتوه بالمجرم الحقيقي خلال يومين وقد يأتى بأحد المواطنين للاستجواب في قضية جنائية أو سياسية ثم يأتي التكليف من أمير المنطقة إلى الذين يزاولون التحقيق بأن يأتوا بكل شخص يرد ذكره على لسان هذا المتهم ، وقد تسبب هذا الأسلوب قبل عدة أعوام في وفاة أشخاص أتت بهم الشرطة من بيوتهم تنفيذا لتوجيهات الأمير وكان بعضهم مقعدا طاعنا في السن لا يتحمل جسده الواهن صعوبة النقل التعسفي فتوفي البعض في الطريق وتوفي البعض الآخر في ضيافة الشرطة.

تاسعا: مزاولة دور القضاء
يعتبر كثير من الأمراء أنفسهم سلطة تشريعية وقضائية وتنفيذية في آن واحد ، ويمارسون حكمهم المبني على هذا الشعور ، ولذا فإن أمير الرياض مثلا يحكم ويقضي بالسجن والجلد والغرامة والنفي والإقامة الجبرية والفصل والإيقاف عن العمل وقد يوثق حكمه كتابة أو يكتفي بالحكم الشفهي ، وهكذا الأمر مع كثير من أمراء المناطق ، ويحاول بعض الأمراء نسبة هذا التصرف إلى الشريعة اعتقادا منهم أن الشريعة تخول الحاكم الإداري بذلك. وقد لا تقتصر هذه الممارسة على حاكم المنطقة فحسب بل يشاركه في ذلك كبار موظفي الإمارة من وكلاء وأمراء المدن الصغيرة والقرى ، بل حتى ضباط الشرطة في كثير من الأحيان حيث يقرر الضابط أن شخصا ما قد ارتكب جرما ويقرر اعتقاله أو يقرر حبسه ، وليس هناك من يراقب عمله ويتأكد من سلامة استعماله للصلاحيات الممنوحة له. ومن الجدير بالذكر أن أمثال هؤلاء يرون أنفسهم أهلا للتصرف في الحق العام بإسقاطه عن المتهم إذا ما شفع فيه أحد المقربين أو بزيادة مقداره إذا ما شهد للمدعي أحد المقربين. ومن أشكال مزاولة دور القضاء قيام بعض الأمراء بإضافة نصوص إلى الصكوك الشرعية بخط يدهم وإمضائهم فيما يسمى " تهميش النصوص" ومن الأمراء المشهورين بهذه العادة خالد الفيصل أمير منطقة عسير.


عاشرا: عدم الإحالة للقضاء
لا تعتبر السلطة التنفيذية نفسها ملزمة أبدا بإحالة أي أمر للقضاء سواء كان جنائيا أو سياسيا. فلا يحال الأمر أبدا للقضاء إلا إن كانت هناك ضرورة سياسية في ربط الحكم القضائي بالشريعة ، وأما إن كان جنائيا فلا يحال إلى القضاء إلا بعد استكمال إجراءات التحقيق ، ويحق للحاكم الإداري للمنطقة سحبه من القضاء في أية لحظة.

حادي عشر: تبادل المطلوبين
توجد اتفاقات بين بعض الدول لتبادل المطلوبين وعادة ما تكون هذه الاتفاقات محكومة بإشراف وضبط الجهاز القضائي ، وتقضي الأعراف والنظم العالمية بألا يسلم أحد إلا بأمر قضائي ، أما في المملكة العربية السعودية فلا توجد اتفاقات معلنة وإنما اتفاقات سرية بين الأجهزة الأمنية مع بعض الدول التي امتلأت سجونها بالمواطنين مثل مصر وتونس وقد بدأ تنفيذ هذه الاتفاقات قريبا حيت تسلمت تونس من المملكة ستة معارضين سياسيين مطلوبين من قبل أجهزة الأمن ، وتم ذلك بشكل سري خلال شهر رمضان الماضي ، كما سلمت المملكة عددا كبيرا من المعارضين السياسيين المصريين المطلوبين من قبل أجهزة الأمن بشكل سري كذلك قبيل حج هذا العام.

ثاني عشر: إغلاق الباب أمام جميع أشكال التظلم
يحظر بعض أمراء المناطق على مواطني مناطقهم الاتصال بأي جهة خارج المنطقة إلا بإذن الأمير ويعمدون إلى إنزال العقاب بكل من يحاول التظلم ضد الإمارة أو الأمير ، ومن أمثلة ذلك قيام الأمير خالد الفيصل بسجن مجموعة من المواطنين بعد قيامهم بإرسال برقيات تظلم إلى الملك. ومنذ فترة قريبة أرسل الملك نفسه رسالة إلى أهل القصيم يزجرهم فيها لاحتجاجهم على اعتقال الشيخ الدبيان محذرا إياهم من تكرار هذا الفعل.

ثالث عشر: التمييز العنصري
يغلب على معاملة الدولة للناس في المملكة طابع التمييز العنصري في كثير من شؤون الحياة بدءا بتوزيع المناصب والوظائف والرواتب وانتهاء بالحقوق الإنسانية المشروعة. وقد تقدم الحديث عن سلطات الفئة المتنفذة وامتيازاتها وفيما يلي أمثلة لمعاناة فئتين من الطبقات المسحوقة بسبب سياسة التمييز العنصري:

الفئة الأولى: فئة العمال والمستخدمين الذين تنتهك حقوقهم بأساليب متنوعة منها:
1- عدم تسليم الرواتب لشهور عديدة وربما لسنين مماطلة أو بقصد العقاب.
2 تشغيل الأفراد فوق ساعات العمل المحددة وإجبارهم على أعمال ليست مذكورة في عقد العمل
3- تعريض العمال لجميع أشكال الإهانة والضرب والاستهزاء والحسم من المستحقات.
4 منع العامل من الاتصال بأي جهة قانونية أو قضائية لرفع مظلمته.

ونظرا لأنه لا يتم تعريف العمال بحقوقهم حين يجلبون للعمل في المملكة ولا بطريقة التظلم واستخلاص الحقوق ولا بالجهات القانونية ومواقعها فإن غالبيتهم يشعرون بالشلل والعجز تجاه هذه الممارسات.
أما ما يسمى بمكتب العمل والعمال الذي يفترض فيه أن يدافع عن حقوق العمال وينظر في خلافاتهم مع مستخدميهم فقد ثبت بالدليل أنه يساهم مساهمة فعالة في إضاعة حقوق العمال فإذا ما تمكن عامل ما من التعرف على المكتب وجرؤ على تقديم شكواه فإن القضية غالبا ما تنقلب ضده ، ومثال ذلك أن يتقدم العامل بشكوى عدم استلامه مستحقاته لشهور طويلة فيعاقب فورا من قبل المكتب بحجة أنه حضر لتقديم الشكوى في وقت الدوام مخالفا للنظام ويعتبر ذلك سببا كافيا للامتناع عن النظر في شكواه.

الفئة الثانية: فئة غير الحاملين للجنسية " فئة بدون" حيث يعاني عدد ضخم من سكان المملكة الأصليين بسبب وضعهم في البادية من حرمانهم من حق المواطنة بالرغم من عدم امتلاكهم لأي جنسية أو هوية أخرى ، ولذا فإنهم يلاقون صعوبة في التعليم والحياة الحرة الكريمة ولا تزال الدولة تعارض تمكين هؤلاء من الحصول على الجنسية بالرغم من حقهم الشرعي فيها ، ويربوا عدد هؤلاء على مئات الألوف حيث يعيشون حياة اللاجئين في المخيمات في مناطق مثل الجوف وحفر الباطن.


خاتمة

وبعد فإن هذه الانتهاكات الخطيرة التي تم استعراضها في هذا التقرير لا تشكل إلا جزءا يسيرا من الانتهاكات الحقيقية لحقوق الإنسان في المملكة حيث كان هذا التقرير حصيلة معلومات أولية موثقة تمكن قسم الدراسات والأبحاث الميدانية في منظمة ليبرتي من جمعها بالتعاون مع أشخاص ثقات داخل المملكة ممن جندوا أنفسهم للدفاع عن حقوق الإنسان ، والنضال من أجل منع التجاوزات والانتهاكات التي تحقر من آدمية الإنسان ، و تتنافى مع التعاليم الدينية ومع الأعراف والنظم الدولية وتتناقض تناقضا سافرا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وإن كل إنسان منصف وحريص على وضع حقوق الإنسان لا يملك إلا أن يعرب عن استنكاره لهذه الممارسات ، ويطالب السلطات السعودية باتخاذ إجراءات عملية سريعة لتحسين سجل حقوق الإنسان في المملكة بدءا بإطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين أو الفكريين ، مرورا بمنح القضاء استقلاله وتحسين أوضاعه ، ثم الحد من سلطات المتنفذين وحكام الأقاليم ، وتشكيل لجان أو هيئات مستقلة للتحقيق في ممارسات رجال الأمن ، وإصدار التعليمات الواضحة بمنع المداهمة ومصادرة الممتلكات الخاصة ، ومنع الاعتقال التعسفي وتفتيش المنازل والمكاتب دون تصريح قضائي بين ، وانتهاء باحترام حقوق الوافدين و الاقليات ، ورفع القيود المفروضة على النساء حتى ينهضن بقطاعهن الذي يشكل نصف المجتمع إن لم يكن أكثر ، ثم البدء بإجراءات شاملة للإصلاح الإداري للقضاء على الروتين والبيروقراطية التي تتسبب في ضياع كثير من الحقوق ، وأخيرا إبداء حسن النية تجاه من يحملون آراء أو أفكار مخالفة أو معارضة طالما التزموا بوسائل التعبير السلمي.
وهنا نافذة على انتهاكات حقوق الإنسان في المبعد اعتقالي من البيت تم نقلي إلى سجن " الرويس" بمدينة جدة ويبدو أن السجن كبير جدا وتوجد به بعض العنابر الجديدة تم افتتاحها مؤخرا من أجل استضافة الشباب الإسلامي المعتقل على ذمة التحقيق في قضية انفجار الرياض، حيث أنه يوجد بالسجن أعداد كبيرة جدا من الشباب الملتزم من جميع أنحاء المملكة وكذلك يوجد بعض الأخوة العرب من جنسيات مختلفة وكل هؤلاء معتقلين من أجل التحقيق في انفجار الرياض وعندما وقع انفجار الخبر ازدادت أعداد المساجين، وبالنسبة للشباب السعودي الذي سبق له وأن شارك في الجهاد الأفغاني سابقا فلم يبقى منهم أحد خارج السجن تقريبا. وكان بعض الحراس داخل السجن يقولون لنا بأنها المرة الأولى في تاريخ المملكة التي تحدث فيها اعتقالات بهذا الحجم.
ويتولى مهام مدير السجن ضابط برتبة لواء يدعى " زقزوق" ويبد أنه ذو أصول تركستانية وأعتقد أنه من بخارى ويبلغ من العمر ستين عاما تقريبا.
وأما نائبة وهو المحرك الرئيسي للسجن يدعى (أبو نايف) وهو أيضا برتبة لواء، وحصل على هذه الترقية بعد عمليات الاعتقالات الجماعية نظرا لتفانيه في عمله من تحقيق وتعذيب وتلفيق اعترافات ومكتبه في السجن يعرف بالمكتب رقم (1).
وأول ما يدخل المعتقل إلى السجن يجرى معه اللواء أبو نايف تحقيق سريع لبضع ساعات وبعدها يحوله إلى ضابط التحقيق الذي سيتولى ملف المعتقل إلى النهاية، وأحيانا يأمر أبو نايف بإحالة المعتقل إلى اللواء زقزوق مدير السجن وهذا ما حصل معي شخصيا، حيث أمر اللواء أبوا نايف بعرضي على اللواء زقزوق وعند دخولي إلى مكتب زقزوق هذا سمعت ورأيت من الأمور التي لم أكن أتوقع أنها موجودة في المملكة حيث كنا نسمع عنها في سجون مصر أو سوريا وعلى سبيل المثال لا التفصيل سأذكر بعض الذي يحدث في مكتب اللواء زقزوق مدير السجن.
عندما دخلت عليه سألني باستهزاء وتهكم (أنتم تريدون أن تطبقوا الشريعة؟. ) ولم ينتظر الإجابة وإنما أردف قائلا (نحن في المملكة نطبق الشريعة ولكن بطريقتنا الخاصة، نحن نطبق الشريعة بالـ …) وذكر كلمة عامية تفيد معنى (الزنا). ! !
هذا نموذج من الأقوال، أما الأفعال فقد تم تعليقي بوضع يصبح فيه الإنسان كالدجاجة المشوية تماما! ! .
وبالنسبة للتهمة الموجهة لكل المعتقلين، ابتداء (لماذا قمت بعملية تفجير الرياض؟. ). ويبدأ برنامج التعذيب على أساس هذا الاتهام، وكل محقق مطالب بأن يقدم تقرير مفصل وأول بأول للواء أبو نايف عن مجريات التحقيق وأحيانا كثيرة ترجع بعض الأسئلة وتفتح بعض المواضيع من جديد نظرا لعدم إقتناع اللواء أبو نايف بأجوبة المتهم، وبالطبع من نافلة القول أن نذكر بأن برنامج التعذيب متواصل ويوميا وفي العادة تستمر جلسة التعذيب من 6-8 ساعات متواصلة دون انقطاع ومن وسائل التعذيب المتبعة: -
الضرب بالفلقة وهذا أمر يعتبر عادي جدا بالرغم من شدته.
التهديد بانتهاك الأعراض سواء للمعتقل نفسه أو لزوجته أو والدته فكثيرا ما يهدد الأخ المعتقل بإحضار زوجته أو أمه وانتهاك عرضها إذا لم يعترف الأخ المعتقل بما هو مطلوب منه.
خلع ملابس وتمزيقها على جسد الأخ المعتقل حتى يصبح عاري تماما.
وضع عصى طويلة (خيزران) في دبر الأخ المعتقل.
الحرمان من النوم لعدة أيام، ولازلت أذكر السجين الذي كان بالزنزانة التي بجانبي حيث بقي لمدة تسعة أيام متواصلة لا يسمح له بالنوم ولا حتى بالجلوس! ! وفي اليوم التاسع أصبح الأخ يصرخ صراخا شديد تقشعر له الأبدان ويبدو أنه أصيب بشبه انهيار عصبي.
استعمال الكلام الجارح والألفاظ السوقية والتي يعجز الإنسان حتى عن تكرارها ولو على سبيل الحكاية.
قلع الأظافر لبعض المعتقلين.
إحضار عدة أخوة معتقلين ووضعهم مع بعضهم وهم عراة تماما وكثيرا ما يحدث هذا في مكاتب التحقيق ويفعل بشكل خاص مع الأخوة الذين سبق لهم المشاركة في الجهاد الأفغاني.
الصعق بالكهرباء في أماكن حساسة.
التعليق في وضع يصير فيه المعتقل أشبه تماما بالدجاجة المشوية وثم بعد ذلك جلده بالسوط في كل مكان دون تركيز وأحيانا يتم العبث في بعض الأماكن الحساسة.
اعتقال النساء كوسيلة ضغط على بعض المعتقلين وكنا نرى بعض الأخوات المعتقلات أحيانا أثناء ذهابهن إلى مكاتب التحقيق، لأن المسافة بين عنابر الزنازين ومكاتب التحقيق كنا نقطعها بالسيارة وأثناء الخروج من عنابرها كنا نرى عنبر النساء.
استعمال الذكر الصناعي.
ومن كل وسائل التعذيب أيضا تقييد الأخ المعتقل ويديه إلى الخلف ثم ينبطح على بطنه وبعد ذلك يشرع الجلادون في جلده بالسياط ومجموعة أخرى تقوم بسكب الماء البارد على ظهر المجلود إمعانا في التعذيب. وبعد ما تم إعدام الأخوة الأربعة الذين أدينوا بانفجار الرياض رحمهم الله، تغيرت التهمة وبدء برنامج آخر.
حيث طلب من الأخوة المعتقلين توقيع اعترافات غير صحيحة تفيد بأن الموقع يتبنى فكر التكفير ويركز على ثلاث قضايا وهي تكفير الملك وتكفير العلماء وتكفير المجتمع.
وصاحب ذلك برنامج تعذيب شديد حتى اضطر الكثير من الأخوة المعتقلين أن يوقعوا على إقرار بأنهم تكفير وذلك تحت الإكراه ودفعا لبلاء التعذيب.
وهناك طائفة من الأخوة المعتقلين لم توجه لهم أي تهمة وكان أحدهم معي في نفس العنبر فيقول أنا فقط أريد أن أعرف ما هي تهمتي؟ ولماذا أنا معتقل هنا.
ومن الأسئلة المهمة التي كان يركز عليها في التحقيق، معلومات تفصيلية عن مرحلة أفغانستان. وكذلك التأكد من انتماء الشخص إلى تنظيم أو عدمه ، العلاقة مع بن لادن، العلاقة مع عبدالرحمن السريحي ، العلاقة مع لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وقضية توزيع المناشير والنشرات والفاكسات.
وبعد فترة عدة أشهر من التحقيق والتعذيب تم استعمال كميرات الفيديو لتسجيل اعترافات لعدد كبير جدا من الأخوة المعتقلين أغلبها اعترافات كاذبة أخذت تحت الإكراه وبعض الأخوة تم تصويرهم أكثر من أربع مرات.
قصة الأخ عبدالرحمن السريحي ومحمد يوسف عباس مسئول مكتب الخدمات. فوجئت في السجن بوجود الأخ عبدالرحمن السريحي حيث تم تسليمه عن طريق باكستان ومعه أخ آخر كويتي الجنسية، وأعتقد بأن الأخ عبدالرحمن السريحي من أكثر الأخوة المعتقلين الذين تعرضوا إلى أشد أنواع التعذيب وبعد عدة أشهر من التعذيب تأكد عدم علاقة الأخ عبدالرحمن من جميع التهم المنسوبة إليه وأن الرجل بريء فقام مدير السجن اللواء (زقزوق) باستدعائه حيث عرض عليه تعويض مالي قدره 150 ألف ريال مقابل أن يسكت وينسى الموضوع تماما، ولا أدري بعد ذلك ما الذي جرى في موضوع الأخ عبدالرحمن.
أما مدير مكتب الخدمات محمد يوسف عباس فقد خطفته المخابرات الباكستانية وسلمته إلى المملكة دون أي تهمة، فقط أحضروه بهذه الطريقة من أجل استجوابه والحصول على معلومات عن مرحلة الجهاد الأفغاني. ومن المفاجئات التي لم أتوقعها في سجن الرويس أن يكون الشيخ أبو عبدالعزيز أول المجاهدين العرب في البوسنة والبالغ من العمر 50 عاما نزيل في ضيافة المخابرات السعودية حيث كان رفيقنا في نفس السجن.
ويوجد في السجن أيضا عدد من الشباب العرب تعرضوا لتعذيب شديد جدا ومجموعة كبيرة منهم طلب منهم أن يختاروا بين أحد أمرين إما أنهم مخابرات لبلادهم أو بأنهم يتبعون تنظيم جهادي مسلح وقد تم تصويرهم بأجهزة الفيديو وقد تم إلباسهم الزي السعودي التقليدي أثناء التصوير! .
وبالنسبة للأخوة المصريين فقد تم تسليم أغلبهم إلى بلادهم بعد استكمال التحقيق معهم.
هذه صورة موجزة عن فترة إقامتي في ضيافة أجهزة الأمن الساهرة على راحة المواطن في بلاد التوحيد.
ملكة

زلزال ال سعود

شاهد عيان
08-01-2001, 07:25 PM
الأخ العزيز "درب العرب" ,,

بعد الشكر والتقدير لمشاركتك , احب ان الفت نظرك الى امر مهم ,


بالنسبة لموضوع الاسقاطات النفسية فقد تم طرحه قبل شهر تقريبا

في هذا المنتدى , وقدمه على ما اذكر "المفكر المتزن" .

وقد فاتكم جميعا الاشارة الى مصدر هذا الموضوع , وهو كتاب

بعنوان "كيف يفكر آل سعود؟؟" لمؤلفه الدكتور سعد الفقيه .



كذلك بالنسبة لموضوع حقوق الانسان - والذي كنت اتمنى لو انك

افردته بصفحة لوحده بسبب عد وجود رابط بينه وبين ماقبله-

ارجو ان تذكر مصدر هذا المقال ,

لان ذكر المصدر حق ادبي لصاحب الموضوع يجب الا نبخسه اياه .

اتمنى لك التوفيق اخي العزيز وننتظر منك المزيد ,,
ولك تحياتي.

ريمانه
08-01-2001, 07:43 PM
أنا لا أعتقد انه من المهم ان نعرف كيف يفكر آل سعود أو أي( آل) لكن من المهم ان نعرف كيف يفكر الطرف الآخر الموجود على المحك

درب العرب
27-01-2001, 11:06 PM
أخي بيوك ون لتعلم كيف يفكرون وبعد الأطلاع ولا مانع من أبداء رأيك