درب العرب
12-01-2001, 10:39 AM
البرود الذي قوبلت به أحداث العيد التي قام بها مجموعة من الشباب في بعض المدن وخاصة في مدينة الرياض واعتبار المسألة مجرد حماس وطيش شبابي تم احتواؤه في نظرنا دليل على مسافة بعيدة بين الحكام وفهم التحول الاجتماعي الذي حصل وعجز عن إدراك ما حل بهيبة الدولة في أذهان الناس. الرواية بالطبع لم تظهر في وسائل الإعلام على الأقل بصورتها الحقيقية رغم الانفتاح الإعلامي المزعوم.
الأحداث كما حصلت
باختصار تجمع عدد كبير من الشباب في شارع الأمير عبد الله وكان يقودهم شخص بمكبر صوت لم يتجاوز عمره العشرين عاما يوجه الشباب بأوامر بإيقاف السيارات وإجراء تمثيلية بيع بالحراج عليها لمجرد المتعة والتسلية دون اعتبار لركابها. ثم بدأ التحرش بالنساء وإنزال بعضهن من السيارات والقيام بتصرفات كثيرة سيئة جدا في حق النساء وكان بينهن من نساء البلد أو عربيات أو غربيات وحصل لبعضهن ما يقرب من الاعتداء أمام الملأ. ثم أوقفوا إحدى النساء الغربيات وجروها بشعرها بشكل مهين وعرضوها لبيع بالمزاد واستمروا في إهانتها إلى أن تدخل بعضهم فتركوها. تحول المنظر إلى فوضى عارمة وكأن المكان لا يتبع لدولة فيها سلطة أو حكومة وكأن الشباب آمنين من أي نوع من العقاب. حاول أحد شباب هيئات الأمر بالمعروف التدخل فضرب ومزقت ثيابه واضطر للهرب ناجيا بجلده. ثم مرت سيارة دورية شرطة فأوقفها الشباب وأنزلوا الضابط واستعرضو فيها تفحيط وحركات ثم هشموا السيارة وتركوها. بعد ذلك صدرت التوجيهات من قائد الشباب بمكبرالصوت بالتوجه للمطعم القريب وهو مطعم الماريز واقتحموا المطعم بفرعية الفردي والعائلي واضطر رواد المطعم للهروب ثم دمر الشباب المهاجمون محتويات المطعم. انتقلوا بعدها للمطعم المجاور وهو مطعم الطازج فاقتحمه الشباب واضطر رواد المطعم للهروب من باب العمال وهشم الشباب زجاج المطعم وكسروا ما يمكن تكسيره. ثم توجهوا للشارع وأشعلوا النار بأحد حاويات القمامة وبحمد الله لم تمتد لبقية المحلات. عدد من العقلاء ممن كان حوالي الموقع أحسوا بالخطر من جهة وبالمسؤولية من جهة أخرى ورأوا غياب سلطة الدولة وجرأة الشباب على الناس من جميع الأصناف وما حل برجل الهيئة ودورية المرور فدعاهم الشعور بالمسؤولية إلى التصرف بقدر ما لديهم من إمكانية. وبما أن الوضع لم يكن يسمح لمواجهة هذا الزخم من الشباب الهائج قرر هؤلاء العقلاء التوجه لمداخل المنطقة والتنبيه على السيارات المتجهة لها بتغيير المسار وتجنب المرور على هذا المكان الخطير. لم تنتبه السلطات إلا في اليوم التالي حيث أرسلت قوات مكافحة الشغب للمكان بعد أن انهى الشباب مهمتهم!
البعد الأول
المشكلة هنا ذات عدة أبعاد، الأول هذه الجرأة من قبل الشباب وتنصيب أحدهم قائدا بمكبر صوت والتصرف كما لو كان الميدان بلا نفوذ للدولة، والجرأة على الناس والممتلكات العامة والخاصة وعلى الشخصيات التي تمثل الدولة مثل ضابط المرور ورجل الهيئة، وانتعاش الحماس عند الشباب إلى درجة أن تحولت سيارة الشرطة إلى أداة للمتعة والتسلية. هذه التصرفات تعني شيئا واحدا، أن الدولة نزعت هيبتها الحقيقية من قلوب هؤلاء الشباب ولم تتمكن الدولة من منع ما حصل في اليوم الثاني إلا بقوات مكافحة الشعب. وهناك فرق كبير بين أن تخوف الدولة الناس بجيش حقيقي في الشارع مدرب ومسلح ومهيأ لمثل هذه المواقف وبين هيبة حقيقية تردع الناس من مخالفة النظام. والمشكلة الأعمق أن الحكام أنفسهم لا يفهمون هذه المعاني ويفترضون أن الحادث مجرد حماس من شباب طائش سيئ التربية. لكننا لا نشعر بالحزن على عجز النظام عن تصور هذه القضية لأنه إن كان فعلا عاجزا عن فهمها فهو نظام لا يستحق البقاء ولعل الحوادث القادمة ستصبح أكثر من قدرته على استيعابها. لكن ما يخطر في البال عند تأمل هذه الحوادث هو الاستغراب من تشرب انهيار هيبة الدولة لدى الشباب المنحرف أو ما يسمى بالعامية بـ (الدشير) مقابل بقاء هذه الهيبة عند الشباب الملتزم وكأن الدولة في عهد الملك عبد العزيز أو عهد الملك فيصل.
البعد الثاني
أن هذه التصرفات الحيوانية في الاعتداء على العوائل والقيام بتصرفات منحطة وسيئة وقذرة تدل على مدى فعالية مشروع تتفيه الشباب وتحويلهم إلى قطعان حيوانية، المشروع الذي قاده الأمير نايف بن عبد العزيز مستفيدا من برنامج تجفيف المنابع، ذلك البرنامج الذي استعير من دول عربية أخرى بهدف القضاء على الروح الدينية عند الشباب خوفا من تنغيصاتهم على الدولة. هذا المشروع الذي قام على ركنين أساسيين هما تشجيع الفساد بكافة السبل والتحايل من أجل تشجيعه وقمع الإصلاح والتحايل بكافة السبل من أجل قمعه. ونسأل الله أن يقلب نتائج هذا المشروع على الأمير نايف وإخوانه فهم لا يدركون أن تطويع الشعب إنما حصل بالدين وإن نزع الدين من قلوب الناس إزالة لهذا التطويع.
البعد الثالث
أن هؤلاء الشباب لم تدفعهم لهذه التصرفات نزعة الفساد وانحسار هيبة الدولة فقط، بل مما هو معروف عند علماء الاجتماع أن مثل هذه التصرفات لا تصدر بهذه الطريقة التي فيها تكسير وتحريق واستمتاع بتحدي الدولة إلا عندما تكون معاناة الشعب شديدة في مقابل عصابة حكم تتمتع بمزايا كبيرة وترف وبطر يراه الشعب ويرى الفرق بين معاناته وترف تلك العصابة. والتكسير والتحريق شكل من أشكال التعبير عن الغضب من انتشار البطالة وانهيار الخدمات وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة وتدني الرواتب وفرض الرسوم والظلم والمحسوبية في مقابل تمتع كل فرد من أفراد الأسرة الحاكمة وحاشيتهم بحياة أساطير ألف ليلة وليلة.
وفي نفس السياق
وفي نفس سياق إفساد المجتمع وانتزاعه من معاني الدين والقيم وحصاد برنامج الأمير نايف في تجفيف المنابع يأتي تزايد الجرائم الغريبة التي لا تحصل إلا في نفوس ذات معاناة مركبة ومرض عضال وهي نفوس وشخصيات لا تتشكل إلا في مجتمع بعيد عن القيم. من كان يتوقع أن بلدا مثل بلادنا نقرأ به خبر والد يقتل أطفاله مرتين في أقل من أسبوعين ويقتلهم بدم بارد وبقصد القتل. الأول الذي حدث في المدينة ربطهم وقتلهم والثاني في تثليت هذا الأسبوع أركبهمم بالسيارة وأطلق عليهم النار من المسدس في الرأس مباشرة. العلماء الرسميون الذين ضايقهم خطاب المطالب ومذكرة النصيحة ولجنة الدفاع لم نسمع منهم شيئا يستنكرون به هذه الحوادث يطالبون فيه بعودة القيم والاصلاح للمجتمع.
الأحداث كما حصلت
باختصار تجمع عدد كبير من الشباب في شارع الأمير عبد الله وكان يقودهم شخص بمكبر صوت لم يتجاوز عمره العشرين عاما يوجه الشباب بأوامر بإيقاف السيارات وإجراء تمثيلية بيع بالحراج عليها لمجرد المتعة والتسلية دون اعتبار لركابها. ثم بدأ التحرش بالنساء وإنزال بعضهن من السيارات والقيام بتصرفات كثيرة سيئة جدا في حق النساء وكان بينهن من نساء البلد أو عربيات أو غربيات وحصل لبعضهن ما يقرب من الاعتداء أمام الملأ. ثم أوقفوا إحدى النساء الغربيات وجروها بشعرها بشكل مهين وعرضوها لبيع بالمزاد واستمروا في إهانتها إلى أن تدخل بعضهم فتركوها. تحول المنظر إلى فوضى عارمة وكأن المكان لا يتبع لدولة فيها سلطة أو حكومة وكأن الشباب آمنين من أي نوع من العقاب. حاول أحد شباب هيئات الأمر بالمعروف التدخل فضرب ومزقت ثيابه واضطر للهرب ناجيا بجلده. ثم مرت سيارة دورية شرطة فأوقفها الشباب وأنزلوا الضابط واستعرضو فيها تفحيط وحركات ثم هشموا السيارة وتركوها. بعد ذلك صدرت التوجيهات من قائد الشباب بمكبرالصوت بالتوجه للمطعم القريب وهو مطعم الماريز واقتحموا المطعم بفرعية الفردي والعائلي واضطر رواد المطعم للهروب ثم دمر الشباب المهاجمون محتويات المطعم. انتقلوا بعدها للمطعم المجاور وهو مطعم الطازج فاقتحمه الشباب واضطر رواد المطعم للهروب من باب العمال وهشم الشباب زجاج المطعم وكسروا ما يمكن تكسيره. ثم توجهوا للشارع وأشعلوا النار بأحد حاويات القمامة وبحمد الله لم تمتد لبقية المحلات. عدد من العقلاء ممن كان حوالي الموقع أحسوا بالخطر من جهة وبالمسؤولية من جهة أخرى ورأوا غياب سلطة الدولة وجرأة الشباب على الناس من جميع الأصناف وما حل برجل الهيئة ودورية المرور فدعاهم الشعور بالمسؤولية إلى التصرف بقدر ما لديهم من إمكانية. وبما أن الوضع لم يكن يسمح لمواجهة هذا الزخم من الشباب الهائج قرر هؤلاء العقلاء التوجه لمداخل المنطقة والتنبيه على السيارات المتجهة لها بتغيير المسار وتجنب المرور على هذا المكان الخطير. لم تنتبه السلطات إلا في اليوم التالي حيث أرسلت قوات مكافحة الشغب للمكان بعد أن انهى الشباب مهمتهم!
البعد الأول
المشكلة هنا ذات عدة أبعاد، الأول هذه الجرأة من قبل الشباب وتنصيب أحدهم قائدا بمكبر صوت والتصرف كما لو كان الميدان بلا نفوذ للدولة، والجرأة على الناس والممتلكات العامة والخاصة وعلى الشخصيات التي تمثل الدولة مثل ضابط المرور ورجل الهيئة، وانتعاش الحماس عند الشباب إلى درجة أن تحولت سيارة الشرطة إلى أداة للمتعة والتسلية. هذه التصرفات تعني شيئا واحدا، أن الدولة نزعت هيبتها الحقيقية من قلوب هؤلاء الشباب ولم تتمكن الدولة من منع ما حصل في اليوم الثاني إلا بقوات مكافحة الشعب. وهناك فرق كبير بين أن تخوف الدولة الناس بجيش حقيقي في الشارع مدرب ومسلح ومهيأ لمثل هذه المواقف وبين هيبة حقيقية تردع الناس من مخالفة النظام. والمشكلة الأعمق أن الحكام أنفسهم لا يفهمون هذه المعاني ويفترضون أن الحادث مجرد حماس من شباب طائش سيئ التربية. لكننا لا نشعر بالحزن على عجز النظام عن تصور هذه القضية لأنه إن كان فعلا عاجزا عن فهمها فهو نظام لا يستحق البقاء ولعل الحوادث القادمة ستصبح أكثر من قدرته على استيعابها. لكن ما يخطر في البال عند تأمل هذه الحوادث هو الاستغراب من تشرب انهيار هيبة الدولة لدى الشباب المنحرف أو ما يسمى بالعامية بـ (الدشير) مقابل بقاء هذه الهيبة عند الشباب الملتزم وكأن الدولة في عهد الملك عبد العزيز أو عهد الملك فيصل.
البعد الثاني
أن هذه التصرفات الحيوانية في الاعتداء على العوائل والقيام بتصرفات منحطة وسيئة وقذرة تدل على مدى فعالية مشروع تتفيه الشباب وتحويلهم إلى قطعان حيوانية، المشروع الذي قاده الأمير نايف بن عبد العزيز مستفيدا من برنامج تجفيف المنابع، ذلك البرنامج الذي استعير من دول عربية أخرى بهدف القضاء على الروح الدينية عند الشباب خوفا من تنغيصاتهم على الدولة. هذا المشروع الذي قام على ركنين أساسيين هما تشجيع الفساد بكافة السبل والتحايل من أجل تشجيعه وقمع الإصلاح والتحايل بكافة السبل من أجل قمعه. ونسأل الله أن يقلب نتائج هذا المشروع على الأمير نايف وإخوانه فهم لا يدركون أن تطويع الشعب إنما حصل بالدين وإن نزع الدين من قلوب الناس إزالة لهذا التطويع.
البعد الثالث
أن هؤلاء الشباب لم تدفعهم لهذه التصرفات نزعة الفساد وانحسار هيبة الدولة فقط، بل مما هو معروف عند علماء الاجتماع أن مثل هذه التصرفات لا تصدر بهذه الطريقة التي فيها تكسير وتحريق واستمتاع بتحدي الدولة إلا عندما تكون معاناة الشعب شديدة في مقابل عصابة حكم تتمتع بمزايا كبيرة وترف وبطر يراه الشعب ويرى الفرق بين معاناته وترف تلك العصابة. والتكسير والتحريق شكل من أشكال التعبير عن الغضب من انتشار البطالة وانهيار الخدمات وارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة وتدني الرواتب وفرض الرسوم والظلم والمحسوبية في مقابل تمتع كل فرد من أفراد الأسرة الحاكمة وحاشيتهم بحياة أساطير ألف ليلة وليلة.
وفي نفس السياق
وفي نفس سياق إفساد المجتمع وانتزاعه من معاني الدين والقيم وحصاد برنامج الأمير نايف في تجفيف المنابع يأتي تزايد الجرائم الغريبة التي لا تحصل إلا في نفوس ذات معاناة مركبة ومرض عضال وهي نفوس وشخصيات لا تتشكل إلا في مجتمع بعيد عن القيم. من كان يتوقع أن بلدا مثل بلادنا نقرأ به خبر والد يقتل أطفاله مرتين في أقل من أسبوعين ويقتلهم بدم بارد وبقصد القتل. الأول الذي حدث في المدينة ربطهم وقتلهم والثاني في تثليت هذا الأسبوع أركبهمم بالسيارة وأطلق عليهم النار من المسدس في الرأس مباشرة. العلماء الرسميون الذين ضايقهم خطاب المطالب ومذكرة النصيحة ولجنة الدفاع لم نسمع منهم شيئا يستنكرون به هذه الحوادث يطالبون فيه بعودة القيم والاصلاح للمجتمع.