سردال
15-02-2001, 01:21 AM
ملاحظة: اعتذر عن إطالة هذه المقالة لكن أحببت أن أنهي الموضوع، لذلك اصبروا على قرائته :)
قمت صباح يوم الإدارة الذاتية، وكلي نشاط وترقب لما سيحدث في هذا اليوم، لبست ثيابي ورأيت خيالي في المرآة ورحت أسأل نفسي، هل سننجح؟ ماذا سيحصل؟ كيف ستعامل معي المدرسين؟ كيف سأتعامل مع المدرسين؟ حقيقة كنت متخوف من عدم تقبل المدرسين لطالب مثلي يدريهم ليوم واحد.
خرجت ماشياً من المنزل كعادتي كل يوم، وذهبت للمدرسة في وقت باكر جداً، دخلت الإدارة وتوجهت لغرفة المدير، التي وجدتها جاهزة لاستقبالي، نظيفة وواسعة ومكتب فخم وكرسي أفخم، لماذا التفريق بين المدير وبقية الموظفين؟ هذا أول ما جاء في بالي عند رؤيتي للمكتب، جلست على المكتب وانتظرت قدوم بقية أعضاء الإدارة، حيث لم يكن لدي عمل محدد أو تصور مسبق لعملي، وما هي إلا لحظات حتى جاء المدرسين وكلما مر أحدهم بغرفتي سلم علي وكأنني المدير الفعلي لهم! قمت من مكاني وتجولت في أنحاء الإدارة، ورأيت الفراش حمزة! وهو هندي الجنسية مسلم، كبير السن وطيب، سلمت عليه مثل كل مرة ورحت "أسولف وياه" إلى أن دق جرس المدرسة وهو ذاتي التشغيل في موعده المحدد، وبدأ طابور الصباح كالعادة.
اكتمل عقد الإدارة الذاتية وباشر كل منهم عمله اللازم، ورحت أطوف حول الطلاب في الطابور وأراقبهم وأتابع الطابور بتفاصيله، عند انتهاء الطابور توجهت للساحة الصغيرة التي نجمع فيها الطلبة المتأخرين على الطابور الصباحي، سألت كل أخصائي "من الطلبة طبعاً" عن تأخير كل طالب وتكراره، ووجدت طالباً تأخر أكثر من عشر مرات، وخم الأخصائي بإرجاعه للبيت وطلب ولي أمره، قلت له: لا تفعل هذا، دعه لي، وأمرت الطالب بأن يتبعني وجلست معه في المكتب:
ابتسمت في وجهه وقلت له أنا طبعاً مدير ليوم واحد فقط، فاستغل هذه الفرصة لكي نحل مشكلة التأخير هذه، هل تريد شاياً؟!! تصوروا عرضت عليه الشاي! قال لي: شكراً، لا أريد وتبسم، يظنني أمزح معه، فقلت له جاداً: هل تريد شاي أو قهوة أو ماء، أطلب عصير، لازم تشرب شيء، قال لي: لا لا ما أريد شيء أستاذ!! خجلت من كلمة أستاذ هذه، سألته عن اسمه ثم سألته لماذا يتأخر، وشرح لي وضعه العائلي، وأوجدت حلاً لمشكلته لكن لا أدري إن طبقه أم لا، وأمرته أن يلحق بالحصة! هل كان تصرفي صحيحاً هنا؟! :)
عاد لي الفراغ، أما بقية الإدارة فكانت مشغولة بأمور عدة، رحت أمشي في المدرسة لأرى كيفية سير العمل ثم عدت لمكتبي، دخل علي طالب مواطن: أستاد العربي طردني من الصف.
- ليش طردك الأستاذ؟
- لأني طلبت منه أروح أشرب ماي!
- بس طلبت منه طلعك على طول؟
- هيه أستاذ (كانوا ينادوني بالأستاذ لانني اكبر الطلاب في المدرسة :))
- قلت له: لنذهب لصفك حتى أستطلع الأمر.
دخلت لصفه، فأمر أستاذ العربية الطلبة بالوقوف لي!! خجلت والله من هذا وشكرته، وقلت له ماذا فعل هذا الطالب لتطرده، قال: طلب مني الذهاب لشرب الماء، فقلت له انتظر حتى أنهي الدرس، فقال لي: لا لازم أروح ألحين! التفت للطلاب: هل حصل ذلك منك فعلاً فأجاب بالموافقة. قلت للطالب اتبعني، وشكرت الأستاذ وذهبت به للأخصائي المسؤول وأوكلت له حق التصرف، هل أحسنت التصرف هنا؟! :)
ومر اليوم هكذا،من مكتب أخصائي لمكتب مشرف، ومن مكتبي إلى مكتب الوكيل، الكل يطلبني لعمله، وأنا أحاول أن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم، وكان يوماً متعب فعلاً لأن الكل يريدك ان تنهي عملك له، والحقيقة أن الأعمال التي يريدوني إنهائها تريد مجرد قرار حازم لا أكثر لكن لا أدري لماذا لا يثقون بأنفسهم أو يتحملوا المسؤولية.
وفي مرة اتصل بي أخصائي إجتماعي المسؤول عن الصف الأول إعدادي لحل مشكلة طالب، ذهبت للمكتب وجلست على أحد الكراسي وسألت الطالب ماذا فعلت؟ فجائني بقصة لا أول لها ولا آخر، وأزعجني فعلاً لكنني سمعته حتى انتهى، فقلت له ولماذا جاؤوا بك إلى هنا إذاً؟ فأعاد القصة وأضاف أن الأستاذ هو الذي أرسله، وهنا أمرت الأخصائي أن يأتي بأحد طلاب صفه، وجاء به، وقص علي القصة وتبين أن الطالب أساء للمدرس إسائة بالغة واعترف بها. شكرت الطالب الثاني ورجع لصفه، ورحت أتكلم مع الطالب بأسلوب لا شدة فيه ولا لين، بل حزم واضح.
وبينت له خطأ ما فعل وبينت له مكانة المعلم، ولم يكن يريد الاستماع وبين كل كلمة وأخرى يحاول مقاطعتي، فقلت له بغضب: أنا أعطيتك فرصة الحديث كاملة فاستمع بكل أدب!! ورضخ وراح يسمع لموعضة قاسية عليه، وبعد قليل إنخرط الطالب في البكاء المر، فرق له قلبي وقلت له اجلس واسمح دموعك ثم اذهب للصف ولا تعدها أبداً، حقيقة أشعر باني ظلمة هذا الطالب مع انه المخطئ :)
أما أولياء الأمور فهذه قصة أخرى لا داعي لذكرها، فمنهم من لا يريد الاقتناع ومنهم من يريد أن تقوم بخدمته فوراً وهو جالس في مكانه، ومنهم من يجعل من ابنه أساس كل بلاء فيسبه ويضربه أمامنا، ومنهم من يتهم المدرسين بالتقصير، وهذا لوحده صداع لا يطاق.
الاتصالات الخارجية الواردة لنا كانت منوعة ومشكلة بألوان عدة، منها ما هو شخصي بحت لا علاقة لي به، ومنها الرسمي، ومنها السوالف بين المدرسين!!
مر الوقت في هذا اليوم كأنه لحظات، لم أهنأ بها بالجلوس والراحة لدقائق، فقد كانت أمشي وأخرج من مكتبي لأرى سير العمل في الإدارة، والدروس والتدريس في الصفوف، لم أكن أزعج أي مدرس بالدخول طبعاً لكن مجرد نظرة من بعيد، حتى إذا ما رأيت طالباً خارج الصف نايدته وسألته عن سبب خروجه.
وكنت أمشي بين المكاتب المختلفة حتى أحل بعض المشاكل التافهة صراحة يظنها بعض من كان معي في الإدارة معقدة وصعبة! وانتهى اليوم وأنا منهك القوى متعب من كثرة المشي والكلام! وجلس الفريق في مكتبي نتناقش حول هذا اليوم وعن مستوى الأداء والإيجابيات والسلبيات، ثم قمنا وخرجنا من المدرسة ورجعت للبيت ماشياً كما خرجت، كان هذا اليوم زاخراً بالفوائد والمواقف التي لم أذكر لكم منها إلا أهمها وأبرزها. خرجت ووجدت بعض الطلاب الذين عاملتهم كما يعامل الصديق صديقه، لأن مهمتي انتهت كمدير ورجعت صديق للبقية :)
بقي أن أذكركم أنني لم أستخدم زر القهوة والشاي أبداً :):):)
قمت صباح يوم الإدارة الذاتية، وكلي نشاط وترقب لما سيحدث في هذا اليوم، لبست ثيابي ورأيت خيالي في المرآة ورحت أسأل نفسي، هل سننجح؟ ماذا سيحصل؟ كيف ستعامل معي المدرسين؟ كيف سأتعامل مع المدرسين؟ حقيقة كنت متخوف من عدم تقبل المدرسين لطالب مثلي يدريهم ليوم واحد.
خرجت ماشياً من المنزل كعادتي كل يوم، وذهبت للمدرسة في وقت باكر جداً، دخلت الإدارة وتوجهت لغرفة المدير، التي وجدتها جاهزة لاستقبالي، نظيفة وواسعة ومكتب فخم وكرسي أفخم، لماذا التفريق بين المدير وبقية الموظفين؟ هذا أول ما جاء في بالي عند رؤيتي للمكتب، جلست على المكتب وانتظرت قدوم بقية أعضاء الإدارة، حيث لم يكن لدي عمل محدد أو تصور مسبق لعملي، وما هي إلا لحظات حتى جاء المدرسين وكلما مر أحدهم بغرفتي سلم علي وكأنني المدير الفعلي لهم! قمت من مكاني وتجولت في أنحاء الإدارة، ورأيت الفراش حمزة! وهو هندي الجنسية مسلم، كبير السن وطيب، سلمت عليه مثل كل مرة ورحت "أسولف وياه" إلى أن دق جرس المدرسة وهو ذاتي التشغيل في موعده المحدد، وبدأ طابور الصباح كالعادة.
اكتمل عقد الإدارة الذاتية وباشر كل منهم عمله اللازم، ورحت أطوف حول الطلاب في الطابور وأراقبهم وأتابع الطابور بتفاصيله، عند انتهاء الطابور توجهت للساحة الصغيرة التي نجمع فيها الطلبة المتأخرين على الطابور الصباحي، سألت كل أخصائي "من الطلبة طبعاً" عن تأخير كل طالب وتكراره، ووجدت طالباً تأخر أكثر من عشر مرات، وخم الأخصائي بإرجاعه للبيت وطلب ولي أمره، قلت له: لا تفعل هذا، دعه لي، وأمرت الطالب بأن يتبعني وجلست معه في المكتب:
ابتسمت في وجهه وقلت له أنا طبعاً مدير ليوم واحد فقط، فاستغل هذه الفرصة لكي نحل مشكلة التأخير هذه، هل تريد شاياً؟!! تصوروا عرضت عليه الشاي! قال لي: شكراً، لا أريد وتبسم، يظنني أمزح معه، فقلت له جاداً: هل تريد شاي أو قهوة أو ماء، أطلب عصير، لازم تشرب شيء، قال لي: لا لا ما أريد شيء أستاذ!! خجلت من كلمة أستاذ هذه، سألته عن اسمه ثم سألته لماذا يتأخر، وشرح لي وضعه العائلي، وأوجدت حلاً لمشكلته لكن لا أدري إن طبقه أم لا، وأمرته أن يلحق بالحصة! هل كان تصرفي صحيحاً هنا؟! :)
عاد لي الفراغ، أما بقية الإدارة فكانت مشغولة بأمور عدة، رحت أمشي في المدرسة لأرى كيفية سير العمل ثم عدت لمكتبي، دخل علي طالب مواطن: أستاد العربي طردني من الصف.
- ليش طردك الأستاذ؟
- لأني طلبت منه أروح أشرب ماي!
- بس طلبت منه طلعك على طول؟
- هيه أستاذ (كانوا ينادوني بالأستاذ لانني اكبر الطلاب في المدرسة :))
- قلت له: لنذهب لصفك حتى أستطلع الأمر.
دخلت لصفه، فأمر أستاذ العربية الطلبة بالوقوف لي!! خجلت والله من هذا وشكرته، وقلت له ماذا فعل هذا الطالب لتطرده، قال: طلب مني الذهاب لشرب الماء، فقلت له انتظر حتى أنهي الدرس، فقال لي: لا لازم أروح ألحين! التفت للطلاب: هل حصل ذلك منك فعلاً فأجاب بالموافقة. قلت للطالب اتبعني، وشكرت الأستاذ وذهبت به للأخصائي المسؤول وأوكلت له حق التصرف، هل أحسنت التصرف هنا؟! :)
ومر اليوم هكذا،من مكتب أخصائي لمكتب مشرف، ومن مكتبي إلى مكتب الوكيل، الكل يطلبني لعمله، وأنا أحاول أن يتخذوا قراراتهم بأنفسهم، وكان يوماً متعب فعلاً لأن الكل يريدك ان تنهي عملك له، والحقيقة أن الأعمال التي يريدوني إنهائها تريد مجرد قرار حازم لا أكثر لكن لا أدري لماذا لا يثقون بأنفسهم أو يتحملوا المسؤولية.
وفي مرة اتصل بي أخصائي إجتماعي المسؤول عن الصف الأول إعدادي لحل مشكلة طالب، ذهبت للمكتب وجلست على أحد الكراسي وسألت الطالب ماذا فعلت؟ فجائني بقصة لا أول لها ولا آخر، وأزعجني فعلاً لكنني سمعته حتى انتهى، فقلت له ولماذا جاؤوا بك إلى هنا إذاً؟ فأعاد القصة وأضاف أن الأستاذ هو الذي أرسله، وهنا أمرت الأخصائي أن يأتي بأحد طلاب صفه، وجاء به، وقص علي القصة وتبين أن الطالب أساء للمدرس إسائة بالغة واعترف بها. شكرت الطالب الثاني ورجع لصفه، ورحت أتكلم مع الطالب بأسلوب لا شدة فيه ولا لين، بل حزم واضح.
وبينت له خطأ ما فعل وبينت له مكانة المعلم، ولم يكن يريد الاستماع وبين كل كلمة وأخرى يحاول مقاطعتي، فقلت له بغضب: أنا أعطيتك فرصة الحديث كاملة فاستمع بكل أدب!! ورضخ وراح يسمع لموعضة قاسية عليه، وبعد قليل إنخرط الطالب في البكاء المر، فرق له قلبي وقلت له اجلس واسمح دموعك ثم اذهب للصف ولا تعدها أبداً، حقيقة أشعر باني ظلمة هذا الطالب مع انه المخطئ :)
أما أولياء الأمور فهذه قصة أخرى لا داعي لذكرها، فمنهم من لا يريد الاقتناع ومنهم من يريد أن تقوم بخدمته فوراً وهو جالس في مكانه، ومنهم من يجعل من ابنه أساس كل بلاء فيسبه ويضربه أمامنا، ومنهم من يتهم المدرسين بالتقصير، وهذا لوحده صداع لا يطاق.
الاتصالات الخارجية الواردة لنا كانت منوعة ومشكلة بألوان عدة، منها ما هو شخصي بحت لا علاقة لي به، ومنها الرسمي، ومنها السوالف بين المدرسين!!
مر الوقت في هذا اليوم كأنه لحظات، لم أهنأ بها بالجلوس والراحة لدقائق، فقد كانت أمشي وأخرج من مكتبي لأرى سير العمل في الإدارة، والدروس والتدريس في الصفوف، لم أكن أزعج أي مدرس بالدخول طبعاً لكن مجرد نظرة من بعيد، حتى إذا ما رأيت طالباً خارج الصف نايدته وسألته عن سبب خروجه.
وكنت أمشي بين المكاتب المختلفة حتى أحل بعض المشاكل التافهة صراحة يظنها بعض من كان معي في الإدارة معقدة وصعبة! وانتهى اليوم وأنا منهك القوى متعب من كثرة المشي والكلام! وجلس الفريق في مكتبي نتناقش حول هذا اليوم وعن مستوى الأداء والإيجابيات والسلبيات، ثم قمنا وخرجنا من المدرسة ورجعت للبيت ماشياً كما خرجت، كان هذا اليوم زاخراً بالفوائد والمواقف التي لم أذكر لكم منها إلا أهمها وأبرزها. خرجت ووجدت بعض الطلاب الذين عاملتهم كما يعامل الصديق صديقه، لأن مهمتي انتهت كمدير ورجعت صديق للبقية :)
بقي أن أذكركم أنني لم أستخدم زر القهوة والشاي أبداً :):):)