PDA

View Full Version : قصة اعجبتني - ( حذاء ابي ..)


Pokemon
06-04-2001, 11:24 PM
حذاء ابي

اجتمع التلاميذ حول المدرسة وكان الجو شديد البرودة والسماء ملبدة بالغيوم وذرات المطر تنساب ناعمة على رؤوسنا .

الجميع ينتظر العم علي ليفتح لنا باب المدرسة الضخم والذي طلي باللون الأزرق حتى اصبح علامة مميزة في قريتنا فلا أكاد أرى ذلك الباب حتى تلوح في وجهي عصا مدرس القرآن وصفعات المدير وزمجرة العم علي الذي هو صاحب المدرسة .

وقبل أن يفتح لنا باب المدرسة كان عليه أن يخرج قطيعا من الأغنام ويؤمن لها مكانا آمنا على مقربة من المدرسة فضلا عن تفقد صغار القطيع . كل هذا ونحن نرتجف بردا وتكاد أوصالنا تتجمد وكان يقع بجانب المدرسة مكان صغير يشبه الحانوت يبيع فيه أبي بعض المواد الغذائية المعلبة (والبسكويت ) والحلوى وأقلام الرصاص . وكان الوحيد في قريتنا الصغيرة ولكنه اليوم موصد الأبواب لأن أبي مصاب بوجع في بطنه ولكنه وجع عابر لن يلبث طويلا كما في المرات السابقة هكذا قالت لي أمي وهي تضع في حقيبتي (كسرة) من الخبز الذي صنعته بنفسها .

أخيرا وصل العم علي وفتح لنا باب المدرسة وتهافتنا مسرعين إلى الفصول ليس حبا فيها ولكن هربا من سياط البرد وحبات المطر التي بدأت تتساقط بغزارة .

اعتدلت جالسا على مقعدي الذي يشاركني فيه أحد أبناء القرية المجاورة والذي لم أكن له ودا كبيرا آنذاك . وما أن سرى الدفء في أوصالي حتى دخل مدرس القراءة ذو اللحية الكثيفة والذي كنت أحبه كثيرا لأنه يشبه أبي …… أبي ؟؟ آه يا أبي المسكين إنه يرقد في فراشه مريضا دون أن يفتح عينيه ولكن أمي أخبرتني انه سيكون بخير .

وما أن خلع المعلم ( جبته ) الضخمة وبدأ في درس اليوم حتى دفع باب الفصل بقوة وإذا بالعم علي يطل علينا بملامح جامدة أقسى من برد الشتاء أمسك بذراع الأستاذ صلح وجذبه خارج الفصل وما لبث أن عاد الأستاذ وأطل علينا بعينين كسيرتين جال بهما في أرجاء الفصل حتى تسمرت على فكدت أتجمد خوفا .

أشار إلى بكفه طالبا مني التقدم فما كادت قدماي أن تحملاني إليه فلم يدر في خلدي إلا أن العم علي قد شكاني إلى الأستاذ لأنه رآني بالأمس وأنا أتسلق شجرة المشمش التي في فناء بيته .

أغمضت عيني أما الأستاذ وتشنجت عضلات وجهي منتظرا صفعة عليه وما أن مد يده حتى انتفض جسدي الصغير فإذا به يضع يده على رأسي بحنو شديد لم أره إلا في وجه أبي اذهب مع عمك علي إلى البيت فأمك تطلبك .

جحظت عيناي عندما سمعت ما قاله المدرس ولم أصدق ذلك إلا عندما سمعت صوت العم علي يناديني قائلا هيا يا أحمد بسرعة .

عدت إلى مقعدي تناولت حقيبتي بيدي وخرجت من الفصل وأنا أكاد أطير فرحا اليوم لا ضرب ،

لا صفعات ، لا عصا ، لا خوف ……… آه ما أسعدني بكل هذا .

سرت خلف العم علي وأنا أنظر إلى كفيه التي شبكهما خلف ظهره وطأطأ برأسه وهو يسير بسرعة كعادته دائما .

وما أن وصلنا إلى البيت حتى تركني ودخل إلى البيت المجاور لنا وقد شد انتباهي عدد هائل من الأحذية أمام عتبة الدار . لم أر مثلها في حياتي كلها . حتى في صلاة الجمعة لم أر أحذية كهذه .

دخلت بيتنا وأنا مشدوه بهذا كله فزادت دهشتي عندما رأيت بيتنا يعج بنساء كثيرات متشحات بالسواد وهذه أمي تضع على وجهها قطعة من القماش وينتفض جسدها كله .

ترى ما ذا يحدث هنا ؟ ‍‍‍‍‍‍‍؟ ؟

الوجوه شاحبة ..

والحركة كثيفة …

الأحذية كثيرة …

وجدتي وأمي تبكيان ، وأين أبي …. ؟

لا أراه على فراشه … لقد كان يرقد عليه صباحا ……

أنطلق إلى بيت الجيران .. أحملق في أحذية الرجال أمام عتبة الدار …

أبحث عن حذاء أبي …… لا أجده

أطل برأسي داخل المجلس …

الوجوم في كل مكان … الوجوه كثيرة … حتى الأستاذ صالح والعم علي ومدير المدرسة بل كل المدرسين … ولكن أبي ليس هناك ..

الأستاذ صالح يشبهه كثيرا ولكنه ليس أبي …

آه تذكرت ربما أن أبي في ( الدكان )..

أنطلق مسرعا إلى الدكان علي أجده هناك ..

أعدو بسرعة أسابق رذاذ الماء المتطاير الذي يبلل رأسي ..

يجب أن أخبر أبي عما يجري في الدار ..

ربما أنه لا يعلم ..

آه ……؟ إن الدكان مغلق ؟

ألقي بجسدي المتعب على باب الدكان ..

أنظر إلى السماء التي استحالت سوداء ..

المطر يشتد …… ويشتد …

أراقب باب المدرسة الأزرق … ترى ماذا حدث ؟

ينفتح باب المدرسة .. يخرج منه بعض المدرسين ويتجهون صوب بيتنا …

ربما سيبحثون عن أبي …؟

وسأبحث عنه أنا أيضا .. سأجده يوما ، فهو يعلم كم أحبه ، ويعلم أيضا كم أحب تلك الحلوى التي أجدها دائما في جيبه .

بحثت عنه كثيرا ولكنني لم أجده ..

استحال طعم الحلوى بعده إلى مرارة أغص بها إلى يومي هذا .

متشيم
06-04-2001, 11:48 PM
الحقيقة هذه القصة وقصة روتها أخت مشابهة في الأسلوب تحسسك بألم الطفل الصغير حينما يفقد والده ، أشفقوا على قلوبنا من هذه القصص الرائعة المعبرة.

aziz2000
07-04-2001, 12:04 AM
يااخي أشفق على قلبي :(

والله دخلت في قلب وعقل هذا الصغير :(

تحياتي الحزينة :(

Pokemon
07-04-2001, 01:48 AM
هلا متشيم
هلا عزيز 2000
:(
شكرا للمشاركه ......

شاهيناز
07-04-2001, 05:35 PM
قصه حزينه...وطريقه كاتبتك

جعلتني ابحث مع الطفل عن ابيه..واتخيل كيف كانت رحله البحث


حزينه ودون امل....

Pokemon
07-04-2001, 11:00 PM
هلا شاهيناز
شكرا للمشاركه
وكلنا يوجد بداخلنا اطفال يبحثون عن الدفء :(
لك تحياتي

متشيم
08-04-2001, 12:23 AM
ولم يعي ويعرف معنى اليتم شخص كرسول الله عليه الصلاة والسلام ، وإذا كنا نؤمن بأن الله تبارك وتعالى قد جعل من فقد الأقارب حكمة ، فإن أعظم حكمة أودعها عند فقد الأقارب هي في قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يموت والده وهو صغير ، ويتذكر لعبه مع أخواله في المدينة المنورة وهو طفل صغير والعوم في البئر، ثم ترتحل أمه لزيارة أخواله في المدينة المنورة ومعها حاضنة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، تخيلوا المنظر ، طفل عمره ست سنوات فقد أباه ، ولما عاد مع أمه في الطريق بين مكة والمدينة مرضت الأم وتوفيت ودفنت بالأبواء ، خسران من لم تدمع عينه على ذكر مثل هذا ، فيتكفل به جده ، وبعد عامين يفقد الجد ، فيكفله عمه.

صباح اليوم - وكنت قرأت القصة التي سردها الأخ - دخلت علي ابنتي غرفة المكتب ، ففتح ذراعي لها ، فجاءت وقفزت في حضني وشدت على رقبتي وقبلتني على كتفي ، وسمعت تنهيدة خرجت أحسست بسخونتها ، قلت في نفسي ، كيف بك إذا رحلت عن الدنيا ، هل ترحل وأنت مطمئن على هذه الطفلة؟؟؟

وجالت في خواطري قصص الأطفال الفلسطينيين ، وأبناء الإسلام في شرق وغرب ، ممن قتلوا وشردوا ، لماذا لم أكن منهم؟ لماذا هم ولست أنا؟ لماذا أنعم الله علي بكل هذه النعم وأهمها الأمان ، بينما هؤلاء ابتلاهم؟؟ لماذا (ليست اعتراضا) ولكنه تقدير لما يجب أن أكون عليه من شفقة على الأطفال عموما ، وخوف على أبناء المسلمين ، وحرص على حقن دمائهم ومسح دموعهم.

ماذا تمثل في من معاني الرحمة والشفقة وأنا أجلس احتسي الشاي وألعب الطاولة وأدخن الشيشة واضيع وقتي وأقهقه وأضحك ، ماذا تمثل في من معاني التضامن وتكافؤ الدماء والذمم وأنا أشاهد الأفلام الأمريكية وأتجنب أن أشاهد ما يرتكبه اليهود بدعم أمريكي من مذابح.

عند فقد الأب يفقد الابن اليد المدافعة عنه التي تحميه من الشر ويصبح صيدا سهلا لغيره من الأفطال الذي يتجرئون عليه لأن والده غائب ، وعند فقد الأم يفقد الابن الحنان وضمة صدر الأم الدافيء ويفقد من يسهر عليه.

والأجهى من هذا كله ، الابن المسكين الذي والداه على قيد الحياة ولكن تخلوا عنه.