PDA

View Full Version : أدخل وأقرأ رأي الشيخ سلمان العودة في الإستاذ سيد قطب ..


الهمام
25-08-2001, 07:23 PM
فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،


سيد قطب- رحمه الله -اختلف في منهجه الكثيرون. فالبعض سمّاهُ مُكَفِّراً ، والبعض الآخر سمّاهُ مُشَبّهًا، والبعض الآخر سمّاهُ متكلمًا، والأدهى من ذلك والأمرُّ أن البعض يكفره ، ويمزق كتبه ، ويسمّون كتابه .(في ظلال القرآن) الضَّلال بالفتح ،عِلما بأنه حمل لواء الجهاد في سبيل الله بالكلمة الصادقة -كما نحسبه والله حسيبه -ومات وهو على كلمة الحق التي دعا إليها . فما صحة ما يقوله المتقولون؟ …


بسم الله الرحمن الرحيم


المكرم الاخ/
حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

أما عن سيّد قطب فقد قرأت معظم كتبه ، وإن شئت فقل : كلَّ كتبه ، كما قرأت كثيراً مما كُتِبَ عنه ، ولعل أوفى كتاب في هذا الباب هو كتاب ( سيّد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد ) للدكتور صلاح الخالدي ، وللدكتور عناية خاصة بالأستاذ سيّد ، وآخر مؤلفاته حوله رسالة كبيرة نشرت ضمن سلسلة أعلام المسلمين .
والملحوظ أن الناس في سيّد ، وفي غيره ، يكون فيهم المتوسط المعتدل ، الذي ينظر بعين الإنصاف والتجرد والتحري ، ويكون فيهم المتطرف الذي يقع في التعصب والهوى ، وسيانِ أن يكون التعصُّبُ على الشخص ؛ مما يحمل على رد الحق الذي معه وتصيُّدِ الأخطاء عليه؛ وتفسير كلامه على أسوأ الوجوه، وعدم الاعتبار بالمتقدم والمتأخر من كلامه … أو أن يكون التعصُّبُ له ؛ مما يحمل على أخذ أقواله بدون تحفُّظٍ ، والغفْلَةِ عن أخطائه وعَثَرَاته ، والدفاع عنه بغير بصيرة ، بل وربما اعتقاد العصمة في المتبوع بلسان الحال ، أو بلسان المقال .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : ( الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ وغَمْطُ النّاسِ ) .
والذي يخاف الله يتورع عن أعراض عامة المسلمين ، فضلاً عن خاصتهم من أهل العلم ، والدعوة والجهاد ، والدين .
والذي أدين الله به أن الأستاذ سيد قطب من أئمة الهدى والدين ، ومن دعاة الإصلاح ، ومن رواد الفكر الإسلامي ... سخّر فكره وقلمه في الدفاع عن الإسلام ، وشرح معانيه ، ورد شُبُهاتِ أعدائه ، وتقرير عقائده وأحكامه ، على وجه قلّ من يُباريه أو يُجاريه في هذا الزمان .
وكان حديثُهُ حديثَ المعايشِ الذي لابس همُّ الإسلام قلبَه ، ومَلَكَ عليه نفسَه ، قد شغله الحزنُ على الإسلام ، والغَضَبُ له ، حتى عن ذاته وهمومه الخاصة .
وكتابه "الظِّلال" يعتبر إضافة كبيرة لدراسة التفسير ، استطاع فيه أن يستوعب كثيراً مما كتبه المتقدمون ، وأن يبْنِيَ عليه رؤيتَه الخاصّة المتميزةَ ، وفهمَه الثاقبَ ، ودرسَهُ الغزيرَ ، وأن يقرن آي الكتاب بحياة الناس المعاصرة حتى يشعر قارئه أن القرآن ليس كتاباً نزل لبيئة خاصة في المكان والزمان ، ولكنه هداية للناس أجمعين أياً كان زمانهم أو مكانهم .
ولقد استفاد الأستاذ سيد من تفسير ابن كثير فائدة غنية ، ونقل عنه ، وربما اعتمد عليه خصوصاً في باب المرويات والأقاويل ، بل وفي أوجه الاختيار والترجيح .
كما انتفع بما كتبه الشيخ محمد رشيد رضا في المنار فيما يتعلق بربط هداية القرآن بنتائج العلم والبحث الإنساني والاجتماعي والعمراني ، وفيما يتعلق بالتجرد عن التعصب والتقليد .
ولكن يبقى الظلال شيئاً آخر ، غير هذا وذاك .
نعم . ليس الكتاب تـفسيراً لآيات الأ حكام ، ولهذا فهو لا يُغْنِي عن مثل كتاب القرطبي ، أو ابن العربي ، أو الجصّاص ... أو غيرهم خصوصاً للمهتمين بمعرفة المذاهب الفقهية ، والترجيح بينها .
وليس تقريراً مفصلاً ، أو تعليمياً ، لكليات العقيدة وجزئياتها ، فهو لا يُغني عن قراءة ما كتبه الإمام الفذ "ابن تيمية" ، أو تلميذه العلمُ "ابن القيم" ، في تقرير العقيدة ، والذَبِّ عنها ، ومناظرةِ خصومها .
بل ووقع في الظلال عثرات في هذا الباب وفي غيره ، ولكنها يسيرة إلى جنب مما فيه من الخير والعلم والإيمان .
ومن ذلك - تمثيلاً - اضطرابه في باب الاستواء ، كما يعرفه مَنْ راجع تفسير هذه الآية في مواضعها السبعة المعروفة ، ووقع منه في بعضها أنّ" الاستواء" كناية عن السيطرة والاستعلاء ، وهذا خطأ ، والصّواب أن الاستواء - كما قال مالك- : معلوم ، من حيث المعنى ، مجهول ، أو غير معقول ، من حيث الكيفية ، وقد ذكر الأئمة في معناه : العلو والاستقرار والارتفاع ، والصعود ، والله أعلم .
ومن ذلك أنه يسمى توحيد الألوهية ، الذي هو توحيد العبادة ، باسم توحيد الربوبية ، ويسمي توحيد الربوبية ، باسم توحيد الألوهية ، وهذا خطأ في اللفظ لكنه- رحمه الله- كان شديدَ الوضوح في إدراك هذه المعاني والحقائق وتقريرها .
ومن ذلك أنه كتب فصولاً موسعة في موضوع الدعوة ومنهجها ، والموقف من المجتمعات المعاصرة ، وكتب ذلك بعاطفة مشبوبة ، ولغة قوية ، وغِيرةٍ على الدين وعلى المسلمين ... حمَّلها بعض قارئيه ما لا تحتمل من المعاني واللوازم ، وتعاملوا معها على أنها نصوص تُقرأ بحروفها وألفاظها ، وتُحفظ وتُتْلى ، ويُسْتَشْهَدُ بها في مواطن النزاع ، ومضايق الجدل والمناظرة والِخصام . وبنى بعض هؤلاء على هذه القراءة الحرفية الضيقة تكفير الناس كافة ، أو التوقف بشأنهم أو الهجرة من ديارهم ... إلى أين ؟ لا أدري ! .
وبنى آخرون عليها فكرة الانفصال عن المجتمعات ، وترك العمل فيها ، واعتزالها وفُهمت كلمة سيّد -رحمه الله -عن ( العزلة الشعورية ) بتكثيف قوي ، وترميز شديد ، جعلها بؤرة العمل والانطلاق .
والحق أن القراءة الحرفية الظاهرية لتراث كاتب ما ، ليست أمراً خاصاً وقع مع سيد قطب- رحمه الله -وحده ، لكنها مشكلة تراثية ، يعاد إنتاجها- الآن- مع عدد كبير من رموز العلم والفقه والدعوة والاجتهاد ، من المتقدمين والمعاصرين .
ولقد يكتب العالم بحثاً ، أو يقدم اجتهاداً ، أو ينتحل رأياً في مسألة ، وينتصر له بحسب ما توفر لديه آنذاك ، فيأتي الخالفون فيقرؤون نصه بقدسية تأسر عقولهم ، وتجعل همهم مقصوراً على إدراك النص وفهمه ، ثم تقريره وتوسيع دائرته ، ثم الاستشهاد له ومدافعة خصومه .
ولذلك يدري كل أحد ، أن الأئمةَ ، أصحابَ المذاهب ، الفقهية وغير الفقهية لم يكونوا يشعرون أنهم يؤسسون مذهباً ، ويقيمون بناءً خاصًا ، راسخَ القواعد مكتملَ الأركان ، حتى جاء من بعدهم فأصّل وفصّل ، وجمع النظير إلى النظير وتعامل مع كلام الأئمة بحرفية بالغة ، بل عدّ بعضُهم كلام الإمام ككلام الشارع من جهة المنطوق والمفهوم ، واللازم ، والقياس عليه ، والناسخ والمنسوخ والظاهر والنص ... الخ .
هذا مع شدة نهي العلماء عن التقليد ، حتى إنَّ منهم من كان ينهى عن تدوين آرائه الفقهية ، ويحذر من تناقلها .
وكلما كان العالم أوسع انتشاراً ، وأكثر أتباعاً ، وأوغل في الرمزية - لأي سبب - كان الأمرُ بالنسبة له أشدَّ ، وكانت المشكلةُ أظهرَ ، لكنها تخف تدريجياً بتقدم الزمن ، ولو من بعض الوجوه .
هذه ليست مشكلة العالم أو المفكر ، بقدر ما هي مشكلة القارىء أو المتلقي . وأياً ما كانت فهي مما يحتاج إلى بحثٍ ودراسة .
وقديماً كان علي- رضي الله عنه - يقول قولته المشهورة : يهلِكُ فيَّ رجلان : غالٍ وجافٍ .
والخلاصة : أن سيّد قطب وغيره من أهل العلم يؤخذ من قولهم ويُتْرَكُ ،ويصيبون ويخطئون ، ويردون ويُرَدُّ عليهم ، وهم -إن شاء الله -بين أجر وأجرين ، ولئن حُرِموا أجر المصيب في عشر مسائل ، أو مائة مسألة فلعلهم - بإذن الله - ألا يُحرَموا أجر المجتهد .
ومن أفضل ما كتبه سيِّد قطب كتاب ( خصائص التصور الإسلامي) والذي ظهر جزؤه الأول في حياته ، وأخرج أخوه الأستاذ محمد قطب -حفظه الله -جزْأَهُ الثاني بعد وفاته .
وهو كتاب عظيم القدر في تقرير جملة من أصول الاعتقاد ، معتمداً على نصوص الكتاب الكريم بالمقام الأول ، مؤيداً لها بحجج العقل الظاهرة ، راداً على مقالات المخالفين والمنحرفين .
وفيه رد صريح ومباشر على أصحاب مدرسة "وَحْدَة الوُجود "، و"الحُلولية" ، وأضرابهم ، وحديث واضح عن الفروق العظيمة بين الخالق والمخلوق ، وبيان أن هذا من أعظم خصائص عقيدة التوحيد ، كما بينها الإسلام .
فلا مجالَ مع هذا لأَنْ يحملَ أحدٌ الفيضَ الأدبي الذي سطره سيد في تفسير سورة الإخلاص على تلك المعاني المرذولة ، التي كان هو -رحمه الله- مِنْ أبلغ مَنْ ردّ عليها وفنَّدَ شُبُهاتِها .
وأذكر -من باب الإنصاف- أنَّ أخانا الشيخ عبدالله بن محمد الدويش- رحمه الله تعالى- لما أشار عليه بعضُهم بتعقب الظلال ، واستخراج ما وقع فيه ، فكتب مسوّدة كتابه ( المورد العذب الزلال ) ورد على ذلك الموضع في سورة الإخلاص فبلغني أنه فهم منه تقرير مذهب وحدة الوجود ، فبعثت إليه مع بعض جيرانه بالموضوع المتعلق بذلك من كتاب الخصائص والذي هو بيان جَلِيَّ للمسألة لا لَبْسَ فيه ، فكان من إنصافه رحمه الله ، أن أثبت ذلك في كتابه ، ونقل عن الخصائص ما يرفع اللَّبْسَ .
علماً أن الحري بالباحث _إجمالاً_ أن يفهم كلام الشيخ أو العالم بحسب ما تقتضيه نصوصه الأخرى فيرُدّ بعضها إلى بعض ، ويفسر بعضها ببعض ، ولا يتمسّك بكلمة يضع لها أقواساً ، ثم يعقد لها محكمة !
وقد يخطىء المرء في اللفظ ، وهو يريد معنى صحيحاً ، كما وقع للذي قال : اللهم أنت عبدي وأنا ربّك ، يريد : أنت ربي وأنا عبدك ، وما كفر بذلك ولا أثم ، بل لعله كان مأجوراً مُثاباً .
ومن المعلوم المستفيض أن سيّداً_ رحمه الله _مرّ في فكره وحياته بمراحل مختلفة ، وكتب في أول حياته مجموعة كتب أدبية مثل : كتب وشخصيات ، ومهمة الشاعر في الحياة ، وطفل من القرية ، ومجموعة من الدواوين الشعرية ، وكتب مجموعة من الكتب الإسلامية مثل : التصوير الفني في القرآن ، ومشاهد القيامة في القرآن ، والعدالة الاجتماعية في الإسلام .
ثم في مرحلة النضج كتب الخصائص والمعالم والظلال وهذا الدين ، والمستقبل لهذا الدين ، والإسلام ومشكلات الحضارة ... وربما كتباً أخرى نسيتها .
ومع ذلك كان يتعاهد كتبه بالتصحيح والمراجعة والتعديل ، كما هو ظاهر في الظلال خاصة ، إذ كان يعمل فيه قلمه بين طبعة وأخرى ، وهذا دأْب المخلصين المتجردين .
وليعلمِ الأخُ الكريمُ الناصح لنفسه أن الوقيعة في آحاد الناس - فضلاً عن خاصتهم من أهل العلم والإصلاح والدعوة -من شر ما يحتقِبُ المرء لنفسه ، ولا يغترّ المرءُ بمن يفعل ذلك ، كائناً مَنْ كان ؛ لأن الحساب في القيامة بالمفرد لا بالقائمة .
وتفضلوا بقبول فائق التحية والتقدير .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أخوكم سلمان بن فهد العودة


نقلا من موقع الإسلام اليوم


______________________________
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت
وأصرف عنا سيئها لايصرف عنا سيئها إلا أنت.