سردال
14-12-2001, 03:40 PM
مقالة في جريدة الخليج، نشرت قبل سنة وأكثر من سنة، نقلتها في حينها، وأرى أنها تنسب وقتنا هذا، هل من نادى بالمقاطعة لا يزال مستمراً عليها؟ أم كانت الدعوة عاطفية فقط؟ أم هذه المقالة فهي لكل من يقول لنا: لا تقاطعوا البضائع الأمريكية، للأسباب التالية . . . كذا وكذا، ويورد 20 سبباً لعدم المقاطعة، فنرد عليه ونقول: سنقاطع ولا دخل لكم فيما نفعل.
بقايا كرامة
د. حسن مدن - جريدة الخليج
إليكم حكاية فتاة مصرية عاشت مع عائلتها في اليابان، في الفترة التي كان فيها والدها يعمل دبلوماسياً في طوكيو، حدث أن ذهبت الفتاة إلى سوبر ماركت لتتسوق، كان السوبر ماركت يعج بالبضائع اليابانية والأمريكية أيضا، ولم تنتبه الفتاة في البداية إلى أن الناس لا يقبلون على هذه الأخيرة، لكن عندما مدت يدها لتناول بضاعة أمريكية لاحظت أن أعين الناس تنظر إليها شذراً، كل من كان بجوارها راحوا يحدقون فيها باستهجان، وإذ أبصر أحدهم علامات الدهشة في عيني الفتاة اقترب منها شارحاً أن الناس في اليابان لا يشترون البضائع الأمريكية، وثمة ما يشبه التضامن الضمني في ما بينهم على شراء البضائع اليابانية وحدها. وحين حاولت الفتاة المصرية أن تشرح له: ولكن البضائع الأمريكية متوافرة في أسواقكم، فما الذي يمنع من شرائها؟ رد الرجل بأن هذه البضائع متوفرة بحكم الاتفاقات الاقتصادية، بما فيها اتفاقيات التجارة الدولية، التي تنص على حرية مرور وتدفق البضائع عبر البلدان المختلفة، ونحن ملتزمون بموجب هذه الاتفاقيات بإدخال هذه البضائع إلى بلادنا ولكننا لسنا ملزمين بشرائها وفي نهاية كل عام فإن الكثير من البضائع الأمريكية وغير الأمريكية تعاد إلى بلاد المنشأ لأنها لم تسوق.
تأثرت الفتاة بما حكاه الرجل، وفي نوع من التماثل مع المناخ العام أعادة البضاعة الأمريكية لتأخذ مكانها بضاعة يابانية شبيهة لها، لتلاحظ أن ذلك كان موضع ثناء وشكر من قبل من كانوا حولها.
هذه الفتاة هي اليوم طالبة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وقد أدلت بهذه الحكاية لمراسل "الخليج" في القاهرة، ونشرت ضمن تقرير عن موضوع المقاطعة منذ نحو أسبوعين أو أكثر للتدليل على أن مقاطعة البضائع ليست بدعة اخترعها "الغوغائيون" في الشارع العربي، ولا موقفاً متطرفاً عاطفياً يدعو إليه انفعاليون لا عقول في رؤوسهم كما يريد معارضو المقاطعة تصوير الأمر، واليابانيون ليسوا في حالة ثورة، ولا يخوضون انتفاضة ضد الأمريكان ولا يقتل شبابهم وأطفالهم كل يوم برصاص من صنع أمريكي أو مصنوع بمال أمريكي، لكنهم وجدوا في مقاطعة البضائع الأمريكية فكرة ما، موقفاُ، ما زال بعض كبار مثقفينا ومنظرينا يرون في مثيله دلالة الغوغائية والانفعال والتطرف والمراهقة السياسية . . . إلخ. ويثبتون لنا بالأرقام والاحصاءات والبراهين أن اقتصاد أمريكا من القوة بحيث أنه لن يتضرر بدعوات طائشة، هنا أو هناك، وبالمناسبة لماذا لا يفكر اليابانيون على سبيل المثال بهذه الطريقة ويقبلون على شراء البضائع الأمريكية طالما كان الأمر تحصيل حاصل؟
سيقول المعنيون أن البضاعة اليابانية جيدة وقوية وتنافس، بل وتتفوق على البضاعة الأمريكية، سيقولون أيضاً أن اليابان قوية وهي في موقع الندية الاقتصادية للولايات المتحدة، لذا فهي تستطيع فعل ما تفعله فيما نحن لا نستطيع ذلك لأننا لسنا مثلهم، ولكن في حدود معلوماتنا المتواضعة فإن الحكومة لم تصدر فرماناً لشعبها بهذا الخصوص، وأن الأمر يأتي بمبادرة شعبية عفوية، تماماً كما هو حال موقف الجماهير العربية حاصة الشباب منهم، في الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية، ولم يكن هدف الناس في الأساس إلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي، فلعلهم لم يفكروا في ذلك كفاية ولا يعرفون لغة الأرقام بالطريقة التي يتقنها نجوم الفضائيات والصحف الذين يحاربون المقاطعة، ولكن الأصل في الأمر هو الموقف المعنوي، الموقف الأخلاقي، إبلاغ الرسالة الواضحة حول رأي الناس في الانحياز الأمريكي لإسرائيل.
من حق الأخوة المأخوذين بأمريكا الاقبال على بضائعها ما طاب لهم الأمر، لكن ليس من حقهم التطاول على مشاعر الناس البسطاء الذين يعبرون عن غضبهم بالوسائل والطرق التي يرونها مناسبة، على الأقل حتى لا نفقد الأمل في أن لدينا قدرة على تحسس ما يدور حولنا من بلاوي، بقية قدرة على الشعور ببقايا كرامة!
بقايا كرامة
د. حسن مدن - جريدة الخليج
إليكم حكاية فتاة مصرية عاشت مع عائلتها في اليابان، في الفترة التي كان فيها والدها يعمل دبلوماسياً في طوكيو، حدث أن ذهبت الفتاة إلى سوبر ماركت لتتسوق، كان السوبر ماركت يعج بالبضائع اليابانية والأمريكية أيضا، ولم تنتبه الفتاة في البداية إلى أن الناس لا يقبلون على هذه الأخيرة، لكن عندما مدت يدها لتناول بضاعة أمريكية لاحظت أن أعين الناس تنظر إليها شذراً، كل من كان بجوارها راحوا يحدقون فيها باستهجان، وإذ أبصر أحدهم علامات الدهشة في عيني الفتاة اقترب منها شارحاً أن الناس في اليابان لا يشترون البضائع الأمريكية، وثمة ما يشبه التضامن الضمني في ما بينهم على شراء البضائع اليابانية وحدها. وحين حاولت الفتاة المصرية أن تشرح له: ولكن البضائع الأمريكية متوافرة في أسواقكم، فما الذي يمنع من شرائها؟ رد الرجل بأن هذه البضائع متوفرة بحكم الاتفاقات الاقتصادية، بما فيها اتفاقيات التجارة الدولية، التي تنص على حرية مرور وتدفق البضائع عبر البلدان المختلفة، ونحن ملتزمون بموجب هذه الاتفاقيات بإدخال هذه البضائع إلى بلادنا ولكننا لسنا ملزمين بشرائها وفي نهاية كل عام فإن الكثير من البضائع الأمريكية وغير الأمريكية تعاد إلى بلاد المنشأ لأنها لم تسوق.
تأثرت الفتاة بما حكاه الرجل، وفي نوع من التماثل مع المناخ العام أعادة البضاعة الأمريكية لتأخذ مكانها بضاعة يابانية شبيهة لها، لتلاحظ أن ذلك كان موضع ثناء وشكر من قبل من كانوا حولها.
هذه الفتاة هي اليوم طالبة في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وقد أدلت بهذه الحكاية لمراسل "الخليج" في القاهرة، ونشرت ضمن تقرير عن موضوع المقاطعة منذ نحو أسبوعين أو أكثر للتدليل على أن مقاطعة البضائع ليست بدعة اخترعها "الغوغائيون" في الشارع العربي، ولا موقفاً متطرفاً عاطفياً يدعو إليه انفعاليون لا عقول في رؤوسهم كما يريد معارضو المقاطعة تصوير الأمر، واليابانيون ليسوا في حالة ثورة، ولا يخوضون انتفاضة ضد الأمريكان ولا يقتل شبابهم وأطفالهم كل يوم برصاص من صنع أمريكي أو مصنوع بمال أمريكي، لكنهم وجدوا في مقاطعة البضائع الأمريكية فكرة ما، موقفاُ، ما زال بعض كبار مثقفينا ومنظرينا يرون في مثيله دلالة الغوغائية والانفعال والتطرف والمراهقة السياسية . . . إلخ. ويثبتون لنا بالأرقام والاحصاءات والبراهين أن اقتصاد أمريكا من القوة بحيث أنه لن يتضرر بدعوات طائشة، هنا أو هناك، وبالمناسبة لماذا لا يفكر اليابانيون على سبيل المثال بهذه الطريقة ويقبلون على شراء البضائع الأمريكية طالما كان الأمر تحصيل حاصل؟
سيقول المعنيون أن البضاعة اليابانية جيدة وقوية وتنافس، بل وتتفوق على البضاعة الأمريكية، سيقولون أيضاً أن اليابان قوية وهي في موقع الندية الاقتصادية للولايات المتحدة، لذا فهي تستطيع فعل ما تفعله فيما نحن لا نستطيع ذلك لأننا لسنا مثلهم، ولكن في حدود معلوماتنا المتواضعة فإن الحكومة لم تصدر فرماناً لشعبها بهذا الخصوص، وأن الأمر يأتي بمبادرة شعبية عفوية، تماماً كما هو حال موقف الجماهير العربية حاصة الشباب منهم، في الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية، ولم يكن هدف الناس في الأساس إلحاق الضرر بالاقتصاد الأمريكي، فلعلهم لم يفكروا في ذلك كفاية ولا يعرفون لغة الأرقام بالطريقة التي يتقنها نجوم الفضائيات والصحف الذين يحاربون المقاطعة، ولكن الأصل في الأمر هو الموقف المعنوي، الموقف الأخلاقي، إبلاغ الرسالة الواضحة حول رأي الناس في الانحياز الأمريكي لإسرائيل.
من حق الأخوة المأخوذين بأمريكا الاقبال على بضائعها ما طاب لهم الأمر، لكن ليس من حقهم التطاول على مشاعر الناس البسطاء الذين يعبرون عن غضبهم بالوسائل والطرق التي يرونها مناسبة، على الأقل حتى لا نفقد الأمل في أن لدينا قدرة على تحسس ما يدور حولنا من بلاوي، بقية قدرة على الشعور ببقايا كرامة!