صقر المدينة
31-01-2002, 10:44 PM
نتج عن حادث 11 سبتمبر ما يمكن تسميته إيديولوجيا مضادة للإسلام والمسلمين وبالمقابل قامت مجموعة من الاقلام بالرد علي هذه لايديولوجيا في هذا المقال الذي تترجم الجزء الاكبر منه، والذي يحمل عنوان أنا مسلم من توقيع كاتب فرنسي هو ميشيل ديل كاستيلو وهو من مواليد مدريد سنة 1933، من أب فرنسي وأم إسبانية. ومن الجوائز المهمة التي حاز عليها هناك جائزة رونودو سنة 1981.
في هذا المقال الذي نشرته لوموند في عددها ليوم 18 يناير 2002يرد كاستيلو علي ميشيل هويلبيك، وأندري غولكسمان، و كتبة آخرين.
تحليلات، تعليقات، شهادات، خطب، طقوس وطنية، صلوات وتراتيل. لقد تحملت كل هذا ويكفيني أن أفكر في الجثث المكفنة تحت ركام الحديد والانقـــــاض حتي أخـــــلد إلي الصــــمت. وعـــندما يعلو صراخ وبكاء الجميع، أجد أنه من غير اللائق أم أهدئ حزني ونقمتي. وإذا كنت قد أنقدت إلي قول ذلك اليوم، فلأنني أريد أن يكون قولي واضحا، ومن غير أدني التباس : إن حدث 11 شتنبر هو في نفس الآن شيء مُخْزٍ وإجرامي. إنه التشوه عينه.
إن حزني وقرفي لا يجعلاني متضامنا إلي هذا الحد مع أمريكا وسياستها. هل نحن جميعا أمريكيون؟ أنا لست كذلك. لم أكن أمريكيا، ولست الآن أمريكيا، ولن أصبح أمريكيا. أنا أوربي من الجنوب، نصفي أندلسي، وبذلك فأنا مسلم، وأعرف جيدا فضل الاسلام الاسباني علي الحضارة العربية والرجوع أساسا إلي العقل الاغريقي.
في القرن التاسع، كانت قرطبة في ظل حكم عبد الرحمان الثالث، بساكنة تقــــــارب مئات الآلاف، تضم عشـــــرات الجامعات يدرس بها طلاب قدموا من مختلف الافاق الاوربية. لقد كانــــــت المدينة الاكثر حداثة والاكثر نضجا في القارة. والاكـــــثر علما أيضا. وكان يشجعها في ذلك الخليـــــفة، واليهود الذين انتهوا من ترجـمة الكتاب اليونانيين، أرسطو، زينون، دون أن ننسي بارمينيد وأفلاطون، وهو إحياء زعزع الوعي الغربي، ونشط الوعي النقدي، وانتزع اللاهوت من سباته العميق لتتم ولادة أبيلار، دون سكوت وتوما الاكويني.
ولم يكتف مسلمو إسبانيا بفتح فضاء كامل علي العقل، حيث نجد أن ابن سينا وابن رشد، بل إنهم فتحوه علي العلوم كالطب، الجغرافيا، التنجيم، التاريخ، الرياضيات، الكيمياء والفيزياء، بل هناك الهندسة، الموسيقي، البستنة. وطيلة ما يقرب خمسة قرون والخلفاء والامراء كانوا يمثلون مدرسة للتسامح فكانوا يدافعون عن اليهود ويستقبلون المسيحيين. وكان ذلك يشكل تساكنا لا مثيل لـه في زمن التعصب الديني هذا. وهذا الارث لا أقبله فقط، بل إنه يشكل مصدر فخر بالنسبة لي.
واليوم أشعر أني مخترق بالحزن. وأصبح مسموحا باشياء سيئة، وبالشتائم الدنيئة (مثل مقطع من رواية ميشيل هويلبيك)، وبغباوة سيلفيو بيرلوسكوني المتطرفة، التي تؤكد تفوق الحضارة الغربية علي الحضارة الاسلامية، وخطب الرئيس بوش التي تدعو إلي حروب صليبية جديدة بين الشر والخير والكلبية الفظيعة لأرييل شارون. لقد اصبح مسموحا بكل شيء.
هذا التدفق ينقصه قرار الفلسفة، بكل ما تشكله من بديل رغم صغره، وهو الشيء الذي قام به كتاب لأندري غلوكسمان دوستويفسكي في مانهاتن (روبير لافون) وهو عنوان احترافي، زد علي كونه في غير موضعه.
وإذا كان هناك من بين قراء هذه اليومية (لوموند) من يعرفني، فإنه سيتذكر أن هذا الاسم دوستويفسكي يمثل بالنسبة لي ما مثلته روايته في وجودي: إنني مدين لها بوجودي. كما أني خصصت لعلاقتنا كتابا ضخما عنوانه أخي الابله صدر عن دار غاليمار. وإني أشعر أن الجمع بين هذين الاسمين: دوستويفسكي ومانهاتن، هو نوع من الشذوذ والدناءة.
وقد جعل دوستويفسكي من قصر كريستال بلندن استعارة للحداثة المفضوحة، ورمزا للوحشية الرأسمالية الشرسة، وللحياد المخيف. فقد اتهم برج بابل، هذا الذي اختلطت فيه الاصول والثقافات، وحشدت مكانهم أفرادا بؤساء، لا هويات لهم ولا ذاكرة مقتلعون وممثلون مبعدون عن اللعبة الاقتصادية.
إن أندري غلوكسمان لا يعرف جيدا دوستويفسكي. إن العدميين الذين يبشر بهم دوستويفسكي هم أولا ملحدون قرروا إزالة الديانة ومحو أثرها. إنهم ماديون أشداء يعلنون أنه يجب إحراق كل شيء، حتي الاعمال الفنية والكاتدرائيات. وقد نشط المنظمون الروس هذه العدمية التي أصبحت تنتمي إلي التقاليد الروسية الفنية وأصبحت أيضا المرض الطفولي للثورة.
إن أسامة بن لادن ينتمي إلي السلالة المتعصبة. وأشك في أننا نستطيع اتهامهم بالنزعة المادية أو الزندقة. وعندما زرع الموت في الشيطان الامريكي، فإنه لم يكن يسعي إلي أي هدف سياسي. إنه يتخيل أنه يخوض صراعا روحيا، بشكل حتمي، مع أسلحة متفاوتة، فيها قسط لأسامة بن لادن به من التقنية والكثير من الحيل، لأن القوة كلها توجد إلي جانب الخصم. إن معركته إرهابية، وبالتالي، فإنها في قفص الاتهام وبالنسبة إلي الشعوب الاسلامية التي يدعي أنه يدافع عنهما. فإن استراتيجيته هي أكثر من جريمة، إنها خطأ لا يُغتفر، وثمنه سيكون باهظا.
في هذا المقال الذي نشرته لوموند في عددها ليوم 18 يناير 2002يرد كاستيلو علي ميشيل هويلبيك، وأندري غولكسمان، و كتبة آخرين.
تحليلات، تعليقات، شهادات، خطب، طقوس وطنية، صلوات وتراتيل. لقد تحملت كل هذا ويكفيني أن أفكر في الجثث المكفنة تحت ركام الحديد والانقـــــاض حتي أخـــــلد إلي الصــــمت. وعـــندما يعلو صراخ وبكاء الجميع، أجد أنه من غير اللائق أم أهدئ حزني ونقمتي. وإذا كنت قد أنقدت إلي قول ذلك اليوم، فلأنني أريد أن يكون قولي واضحا، ومن غير أدني التباس : إن حدث 11 شتنبر هو في نفس الآن شيء مُخْزٍ وإجرامي. إنه التشوه عينه.
إن حزني وقرفي لا يجعلاني متضامنا إلي هذا الحد مع أمريكا وسياستها. هل نحن جميعا أمريكيون؟ أنا لست كذلك. لم أكن أمريكيا، ولست الآن أمريكيا، ولن أصبح أمريكيا. أنا أوربي من الجنوب، نصفي أندلسي، وبذلك فأنا مسلم، وأعرف جيدا فضل الاسلام الاسباني علي الحضارة العربية والرجوع أساسا إلي العقل الاغريقي.
في القرن التاسع، كانت قرطبة في ظل حكم عبد الرحمان الثالث، بساكنة تقــــــارب مئات الآلاف، تضم عشـــــرات الجامعات يدرس بها طلاب قدموا من مختلف الافاق الاوربية. لقد كانــــــت المدينة الاكثر حداثة والاكثر نضجا في القارة. والاكـــــثر علما أيضا. وكان يشجعها في ذلك الخليـــــفة، واليهود الذين انتهوا من ترجـمة الكتاب اليونانيين، أرسطو، زينون، دون أن ننسي بارمينيد وأفلاطون، وهو إحياء زعزع الوعي الغربي، ونشط الوعي النقدي، وانتزع اللاهوت من سباته العميق لتتم ولادة أبيلار، دون سكوت وتوما الاكويني.
ولم يكتف مسلمو إسبانيا بفتح فضاء كامل علي العقل، حيث نجد أن ابن سينا وابن رشد، بل إنهم فتحوه علي العلوم كالطب، الجغرافيا، التنجيم، التاريخ، الرياضيات، الكيمياء والفيزياء، بل هناك الهندسة، الموسيقي، البستنة. وطيلة ما يقرب خمسة قرون والخلفاء والامراء كانوا يمثلون مدرسة للتسامح فكانوا يدافعون عن اليهود ويستقبلون المسيحيين. وكان ذلك يشكل تساكنا لا مثيل لـه في زمن التعصب الديني هذا. وهذا الارث لا أقبله فقط، بل إنه يشكل مصدر فخر بالنسبة لي.
واليوم أشعر أني مخترق بالحزن. وأصبح مسموحا باشياء سيئة، وبالشتائم الدنيئة (مثل مقطع من رواية ميشيل هويلبيك)، وبغباوة سيلفيو بيرلوسكوني المتطرفة، التي تؤكد تفوق الحضارة الغربية علي الحضارة الاسلامية، وخطب الرئيس بوش التي تدعو إلي حروب صليبية جديدة بين الشر والخير والكلبية الفظيعة لأرييل شارون. لقد اصبح مسموحا بكل شيء.
هذا التدفق ينقصه قرار الفلسفة، بكل ما تشكله من بديل رغم صغره، وهو الشيء الذي قام به كتاب لأندري غلوكسمان دوستويفسكي في مانهاتن (روبير لافون) وهو عنوان احترافي، زد علي كونه في غير موضعه.
وإذا كان هناك من بين قراء هذه اليومية (لوموند) من يعرفني، فإنه سيتذكر أن هذا الاسم دوستويفسكي يمثل بالنسبة لي ما مثلته روايته في وجودي: إنني مدين لها بوجودي. كما أني خصصت لعلاقتنا كتابا ضخما عنوانه أخي الابله صدر عن دار غاليمار. وإني أشعر أن الجمع بين هذين الاسمين: دوستويفسكي ومانهاتن، هو نوع من الشذوذ والدناءة.
وقد جعل دوستويفسكي من قصر كريستال بلندن استعارة للحداثة المفضوحة، ورمزا للوحشية الرأسمالية الشرسة، وللحياد المخيف. فقد اتهم برج بابل، هذا الذي اختلطت فيه الاصول والثقافات، وحشدت مكانهم أفرادا بؤساء، لا هويات لهم ولا ذاكرة مقتلعون وممثلون مبعدون عن اللعبة الاقتصادية.
إن أندري غلوكسمان لا يعرف جيدا دوستويفسكي. إن العدميين الذين يبشر بهم دوستويفسكي هم أولا ملحدون قرروا إزالة الديانة ومحو أثرها. إنهم ماديون أشداء يعلنون أنه يجب إحراق كل شيء، حتي الاعمال الفنية والكاتدرائيات. وقد نشط المنظمون الروس هذه العدمية التي أصبحت تنتمي إلي التقاليد الروسية الفنية وأصبحت أيضا المرض الطفولي للثورة.
إن أسامة بن لادن ينتمي إلي السلالة المتعصبة. وأشك في أننا نستطيع اتهامهم بالنزعة المادية أو الزندقة. وعندما زرع الموت في الشيطان الامريكي، فإنه لم يكن يسعي إلي أي هدف سياسي. إنه يتخيل أنه يخوض صراعا روحيا، بشكل حتمي، مع أسلحة متفاوتة، فيها قسط لأسامة بن لادن به من التقنية والكثير من الحيل، لأن القوة كلها توجد إلي جانب الخصم. إن معركته إرهابية، وبالتالي، فإنها في قفص الاتهام وبالنسبة إلي الشعوب الاسلامية التي يدعي أنه يدافع عنهما. فإن استراتيجيته هي أكثر من جريمة، إنها خطأ لا يُغتفر، وثمنه سيكون باهظا.