منى
15-03-2003, 03:33 AM
ما هو التوكل على الله وكيف يكون؟
التوكل على الله، عبادة قلبية محضة، لا تمارس إلا بالقلب. أن تكون متوكلا غير أن تكون متواكلا. فالبعض يفهم التوكل خطأ، بمعنى ألا يأخذ الدواء وينتظر الشفاء، ألا يستذكر دروسه وينتظر النجاح، ألا يسعى وينتظر الرزق.
هذا مفهوم خاطئ للتوكل. فالتوكل عبادة للقلب، لا صلة له بالجوارح أو الحواس.. فالجوارح هي اليدان واللسان والعينان والأذنان.
كل الجوارح تعمل كأنه لا يوجد توكل. لكن القلب يتوكل على الله، كأنه لا توجد جوارح. القلب منقطع عن الأسباب، متصل بالله وحده، والجوارح تأخذ بالأسباب ليل نهار.
التوكل مأخوذ من إسم الله " الوكيل ".. والذي يأخذ بيدك لكل ما ينفعك.
البنت تقول: أنا متوكلة على الله ولن أسأل عن العريس الذي تقدم لي. هذا ليس توكلا على الله. التوكل أن تأخذ بالأسباب بالجوارح.. وتقطع الأسباب عن القلب.
ما الأصل اللغوي لكلمة التوكل؟
التوكل مأخوذة من إسم الله " الوكيل "، أحد أسماء الله الحسنى.
الوكيل هو الذي يتولى بإحسانه شئون عباده، فلا يضيعهم، ولا يسلمهم للشر أبداً، ولكن يأخذ بأيديهم، لما فيه مصلحتهم.
" الوكيل.. من أسماء ربنا، هو المسئول عن أن تسير في حياتك سيراً صحيحاً، فيأخذ بيدك إلى هذا، ويهديك للخير.
" الوكيل ".. هو الذي يأخذ بيدك لكل ما ينفعك ويصلحك. ولذلك تسمع دعاء النبي وهو يقول لله: " لبيك وعديك، والخير كله إليك، والشر ليس إليك ".
التوكل نحن في أشد الحاجة إليه من كثرة المشاكل التي تحاصرنا، والنقص في الرزق، والأولاد الذين ابتعدوا عن طاعة الله ومنهم من يدمن المخدرات، ويغرق في الشهوات. ومنهم من يرى الحياة مظلمة أمام عينيه، فهم لا يستطيعون الزواج، والمتزوج مثقل بالأعباء، غارق في التعاسة..
هؤلاء في حاجة إلى معرفة الوكيل، وحب الوكيل واللجوء إليه.. ولذلك حين يسد على إنسان طريق، بحكمته يفتح له سبعة طرق بديلة. وهو بجهله يعترض ويقول: لماذا يا ربي أغلقت أمامي هذا الطريق؟!.. حين تجد أن الحياة أظلمت أمام عينيك، تأكد أن الوكيل لن يتركك.
الجنين في بطن أمه مثلاً.. يأتيه الغذاء من بطن الأم. غذاء واحد هو الدم. فإذا خرج إلى الحياة بكى. لماذا؟.. فقد الطريق الذي تعود عليه، وهو لا يدري أن الله برحمته أرسل إليه طريقين للغذاء: ثديي أمه. وبدلا مما كان الغذاء دما، أصبح لبنا شهيا. فإذا جاء الفطام بكى بحرقة، لأنه فقد الطريق الجديد الذي تعود عليه، فيفتح الله له أربعة طرق للرزق: طعامين وشرابين.
الطعامان هما: النبات ولحم الحيوان.
والشرابان: الماء واللبن.
فإذا جاءته الوفاة بكى!. لماذا؟ . لأنه سيفقد الطرق التي تعود عليها للرزق.
فإذا كان صالحاً، فتح الله له أبواب الجنة الثمانية. ذلك هو الوكيل. لا يسلمه إلى الشر أبدا. والإنسان بجهله يقول له: ليه يا ربي عملت فيا كده؟!
بينما الوكيل يجهز له ما هو أنفع.
فما منعك ألا ليعطيك. ولا ابتلاك إلا ليعافيك. ولا امتحنك إلا ليصفيك. ولا أخرجك من الدنيا إلا ليجتبيك في الجنة. فيا سبحان الله. لماذا إذن لا نتوكل على الله؟.. لهذا كله نقول في أوقات الشدائد والمحن: توكلت على الله.
بم يوحي إلينا إسم " الوكيل " وما الصفات التي يحملها هذا الاسم؟
انظر إلى ملكه، لكي تعرف تتوكل عليه أم لا؟
انظر إلى سيطرة الله عز وجل على مقاليد الأمور في الكون كله. يقول الله تبارك وتعالى: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير ".
هل نلجأ لإنسان بعد هذا الكلام؟
هل يتعلق الغريق بالغريق؟
هل يذهب الفقير، يسأل الفقير؟
أم يلجأ الغريق لمن بيده الآمر؟
أين اليقين في الله؟.. أين قلبك الذي يتوكل على الله وحده؟.. أين الوكيل في حياتك؟
انظر قول الله:
" قل من يكلاكم بالليل والنهار من الرحمن "
من يحفظكم بالليل والنهار من ربنا.
أنت ترتكب المعصية طول النهار، ثم تدخل إلى فراشك، فيحفظك إلى صباح اليوم التالي. من يحفظك في فراشك؟.. أبوك أم أمك أم مفتاح الغرفة؟!
يقول الله تبارك وتعالى:
" قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه ".
من بيده رزقك ونفعك ؟..
يقول النبي: صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكد رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد ". نتوكل على الله إذن أم لا؟..
يقول الله تعال:
" قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ".
من هو الوكيل؟
خائف من الضياع؟.. تلجأ لمن؟.. تقول لمن جعلني أهتدي: " خايف أرجع للضلال تاني. خايفة أخلع الحجاب تاني، خايف أبطل أصلي في الجامع. خايف أقع في المعاصي ".
تلجأ للوكيل.. " قل لمن ما في السموات والأرض. قل لله " من الذي له السماء والأرض غير الله؟ الله وحده.. الوكيل.
تلجأ لمن.قلبك يتعلق بمن. علاقة قلبية ليس لها علاقة بالجوارح. جوارحك تأخذ بالأسباب. تستذكر ليل نهار. تبحث عن عمل ليل نهار. ليس فلانا هو الذي يدبر لك عملك . هو الذى سيزوجك . وهو الذي يشفيك . هو الوكيل .
لا نزال نريد تعريفاً لكلمة " توكل " ؟
معنى كلمة توكل هو انطراح القلب بين يدى الله كانطراح الميت بين يدي مغسلة . قلبك يكون مع الله . يفعل بهما يشاء ، وراض بما تأمر به . ومتوكل عليك. وقال عالم آخر إن التوكل هو " الاسترسال مع الله حيث يشاء " . التوكل .. أن تأخذ بالأسباب .. بالجوارح ، ثم تقطع الأسباب عن القلب .
يقول العلماء : ينقطع أمل الناس إذا
ومن المتوكل ؟
الناس حين تنقطع الأسباب يبكون ، والمؤمن حين تنقطع الأسباب يقول : الحمد لله رميت حملي على الوكيل .. التوكل أن ترضى بالله وكيلا .
التوكيل في الشهر العقاري يعنى أن من أعطيته التوكيل له حق التصرف في أموالك كيف يشاء ، ثم توقع على ذلك وأنت مطمئن تماما لمن وكلته .
هل توقع إذن على عقد الوكالة مع الله ؟! الوكيل لا يضيع من وكله .
العلماء يقولون :من أكل مليما من حرام فليس بمتوكل على الله . لماذا ؟ .. لأنه غير واثق من أن الله سيرزقه فذهب ليسرق . من بكى على أولاده وهو يموت لمن يتركهم ؟ فليس بمتوكل .
إذا بكى على الفراق فهذا من حقه . لكن أن يبكى لأنه يتصور ضياع أولاده بعد موته .. هذا ليس بمتوكل .
انظر الناس على أبواب الأطباء ماذا يفعلون ؟
هناك من يقف على باب الأطفال ومعه ابنه الرضيع 24 ساعة . لماذا ؟ لأنه واثق في الطبيب . هذا صحيح بالجوارح . لكنه غير صحيح من القلب . فالذي سيشفى الابن الرضيع هو الله . لكنك لا بد أن تذهب به إلى هذا الطبيب ثقة في الطبيب . فإن الواقفون على باب الله ثقة في الله ؟
سلم قلبك للوكيل ، وامض وقل : حسبي الله ونعم الوكيل . الجأ إليه وتوكل عليه . ثم انظر ماذا سيفعل لك .
ولذلك محبة الله للمتقين كبيرة .
انظر قوله :
" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ".. لكن انظر قوله أيضا :
" ومن يتوكل على الله فهو حسبه" .
ربنا هو المسئول عنك مسئولية كاملة . لأنك توكلت عليه .
لذلك لا ينفع الإيمان بدون توكل .
" وقال موسى : يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا " .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً".
أنظر ماذا يقول القرآن الكريم عن التوكل ؟ .. لا يمكن أن تأتى سورة أو آية عن التوكل إلا وقبلها صفات الله عز وجل ،فهو الملك الجبار المهيمن العظيم مالك الملك .
يقول الله سبحانه وتعالى : " والتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده ". يا مسكين.. هل تتوكل على الأموات ، ولا تتوكل على الحي الذي لا يموت ؟
والنبي إذا كان اشتد به أمر ، يكثر من هذا الدعاء : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث . يقول الله تبارك وتعالى ..
" فإن تولوا قل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ".
ويقول الله تعالى :
" رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ".
ويقول الله تبارك وتعالى :
" قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا" لأن الرحمن يرحم عباده ويأخذنا دائما للخير .
يقول الله تبارك وتعالى :
" وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين " .
انظر جمال الاستخارة . النبي يعلمنا أن نستخير الله في كل شيء في حياتنا : اشتغل في هذه الشركة أم لا ؟!.. أتزوج فلانة أم لا أتزوجها ؟ أسافر أم لا أسافر ؟
أنظر دعاء الاستخارة :
" اللهم أني استخيرك بعلمك،واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر .. خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي ويسرني له ، وبارك لي فيه . اللهم أن كنت تعلم من هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فأصرفه عني وأصرفني عنه . واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به يا أرحم الراحمين ، ولا حول ولا قوة إلا بك ".
أنت هنا تسقط اختيارك . هناك أناس من ضعف التوكل يصلي الاستخارة وهو يعلم ما ستفعله. لو نظرنا إلى أدعية الرسول كل ليلة ويوم، نجد إنها تركز على معنى التوكل .
وأنت مغادر البيت ماذا تقول:
" باسم الله توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا الله ".
وعند ذهابك للنوم لابد أن تتوكل . ضع رأسك على الفراش وأنت متوضئ على شقك الأيمن وتقول : " باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمني ، وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ بما تحفظ به عبادك الصالحين ".
والنبي بعلمنا ألا نقول: توكلت على الله وفلان بل قل : توكلت على الله ثم فلان .
الناس تقول لك: يا فلان أنا اعتمادي على الله وعليك. خطأ. يا فلان أنا اعتمادي على الله ثم عليك. سلم أمرك لله تسليم الطفل الضعيف أمره لوالده.
أحد التابعين يقول:
"يئست من نفع نفس لنفس فكيف لا أيأس من نفع غيرى لنفسي ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجو الله لنفسي"
التخطيط بعد التوكل
هل يريح الإنسان نفسه من التخطيط لمستقبله أو لما هو مقبل عليه مادام قد توكل على الله ؟
التخطيط هو قمة التوكل . النبي كان يخطط لجيشه وأمته سيدنا يوسف كان يخطط ووضع لمصر خطة اقتصادية مدتها 15 سنه هذا لا يتعارض مع التوكل .
ما يتعارض هو أنك بعد التخطيط تظل مهموما. أبن عطاء الله يقول :
" أرح نفسك من الهم بعد التدبير ، فما تكفل الله لك به ، لا تشغل به نفسك "
يجب أن نتوكل على الله في الرزق .
يقول الله سبحانه وتعالى : " وفى السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض أنه لحق مثلما أنتم خاطئون "
أحياناً يرسل الله رزق السنة في شهر ، ويرسل رزق الشهر فى يوم ، ويرسل رزق اليوم في ساعة وأنت تظل طوال العام شاغل قلبك بما تكفل به أما كان أولى أن تشغل قلبك بالعبادة ؟ سيدنا جبريل نفخ في روع النبي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها .. على أي شئ بعد ذلك نخاف ؟
أكبر عون للمرأة التعيسة
سيدات كثيرات يعانين من تسلط الأزواج ، أو العكس فتجد هذه الآية كأنها موجهة للنساء أو الرجال التعساء مع زوجاتهم :"ومن يتوكل على الله فهو حسبه ". السورة كلها تتحدث عن الطلاق وهذه الآية تأتى في وسطها .
الجأ إلى الله في كل كرباتك فمن يجيب المضطر إلا الله سبحانه ؟
" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيه لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ".
المتوكل لا يخاف .. وأعظم التوكل على الله أن تتوكل على الله فى الدعوة إلى الله .
(جميع حقوق النشر محفوظة Amr Khaled © 2002
1423هـ )
التوكل على الله، عبادة قلبية محضة، لا تمارس إلا بالقلب. أن تكون متوكلا غير أن تكون متواكلا. فالبعض يفهم التوكل خطأ، بمعنى ألا يأخذ الدواء وينتظر الشفاء، ألا يستذكر دروسه وينتظر النجاح، ألا يسعى وينتظر الرزق.
هذا مفهوم خاطئ للتوكل. فالتوكل عبادة للقلب، لا صلة له بالجوارح أو الحواس.. فالجوارح هي اليدان واللسان والعينان والأذنان.
كل الجوارح تعمل كأنه لا يوجد توكل. لكن القلب يتوكل على الله، كأنه لا توجد جوارح. القلب منقطع عن الأسباب، متصل بالله وحده، والجوارح تأخذ بالأسباب ليل نهار.
التوكل مأخوذ من إسم الله " الوكيل ".. والذي يأخذ بيدك لكل ما ينفعك.
البنت تقول: أنا متوكلة على الله ولن أسأل عن العريس الذي تقدم لي. هذا ليس توكلا على الله. التوكل أن تأخذ بالأسباب بالجوارح.. وتقطع الأسباب عن القلب.
ما الأصل اللغوي لكلمة التوكل؟
التوكل مأخوذة من إسم الله " الوكيل "، أحد أسماء الله الحسنى.
الوكيل هو الذي يتولى بإحسانه شئون عباده، فلا يضيعهم، ولا يسلمهم للشر أبداً، ولكن يأخذ بأيديهم، لما فيه مصلحتهم.
" الوكيل.. من أسماء ربنا، هو المسئول عن أن تسير في حياتك سيراً صحيحاً، فيأخذ بيدك إلى هذا، ويهديك للخير.
" الوكيل ".. هو الذي يأخذ بيدك لكل ما ينفعك ويصلحك. ولذلك تسمع دعاء النبي وهو يقول لله: " لبيك وعديك، والخير كله إليك، والشر ليس إليك ".
التوكل نحن في أشد الحاجة إليه من كثرة المشاكل التي تحاصرنا، والنقص في الرزق، والأولاد الذين ابتعدوا عن طاعة الله ومنهم من يدمن المخدرات، ويغرق في الشهوات. ومنهم من يرى الحياة مظلمة أمام عينيه، فهم لا يستطيعون الزواج، والمتزوج مثقل بالأعباء، غارق في التعاسة..
هؤلاء في حاجة إلى معرفة الوكيل، وحب الوكيل واللجوء إليه.. ولذلك حين يسد على إنسان طريق، بحكمته يفتح له سبعة طرق بديلة. وهو بجهله يعترض ويقول: لماذا يا ربي أغلقت أمامي هذا الطريق؟!.. حين تجد أن الحياة أظلمت أمام عينيك، تأكد أن الوكيل لن يتركك.
الجنين في بطن أمه مثلاً.. يأتيه الغذاء من بطن الأم. غذاء واحد هو الدم. فإذا خرج إلى الحياة بكى. لماذا؟.. فقد الطريق الذي تعود عليه، وهو لا يدري أن الله برحمته أرسل إليه طريقين للغذاء: ثديي أمه. وبدلا مما كان الغذاء دما، أصبح لبنا شهيا. فإذا جاء الفطام بكى بحرقة، لأنه فقد الطريق الجديد الذي تعود عليه، فيفتح الله له أربعة طرق للرزق: طعامين وشرابين.
الطعامان هما: النبات ولحم الحيوان.
والشرابان: الماء واللبن.
فإذا جاءته الوفاة بكى!. لماذا؟ . لأنه سيفقد الطرق التي تعود عليها للرزق.
فإذا كان صالحاً، فتح الله له أبواب الجنة الثمانية. ذلك هو الوكيل. لا يسلمه إلى الشر أبدا. والإنسان بجهله يقول له: ليه يا ربي عملت فيا كده؟!
بينما الوكيل يجهز له ما هو أنفع.
فما منعك ألا ليعطيك. ولا ابتلاك إلا ليعافيك. ولا امتحنك إلا ليصفيك. ولا أخرجك من الدنيا إلا ليجتبيك في الجنة. فيا سبحان الله. لماذا إذن لا نتوكل على الله؟.. لهذا كله نقول في أوقات الشدائد والمحن: توكلت على الله.
بم يوحي إلينا إسم " الوكيل " وما الصفات التي يحملها هذا الاسم؟
انظر إلى ملكه، لكي تعرف تتوكل عليه أم لا؟
انظر إلى سيطرة الله عز وجل على مقاليد الأمور في الكون كله. يقول الله تبارك وتعالى: " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير ".
هل نلجأ لإنسان بعد هذا الكلام؟
هل يتعلق الغريق بالغريق؟
هل يذهب الفقير، يسأل الفقير؟
أم يلجأ الغريق لمن بيده الآمر؟
أين اليقين في الله؟.. أين قلبك الذي يتوكل على الله وحده؟.. أين الوكيل في حياتك؟
انظر قول الله:
" قل من يكلاكم بالليل والنهار من الرحمن "
من يحفظكم بالليل والنهار من ربنا.
أنت ترتكب المعصية طول النهار، ثم تدخل إلى فراشك، فيحفظك إلى صباح اليوم التالي. من يحفظك في فراشك؟.. أبوك أم أمك أم مفتاح الغرفة؟!
يقول الله تبارك وتعالى:
" قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه ".
من بيده رزقك ونفعك ؟..
يقول النبي: صلى الله عليه وسلم " إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكد رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد ". نتوكل على الله إذن أم لا؟..
يقول الله تعال:
" قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ".
من هو الوكيل؟
خائف من الضياع؟.. تلجأ لمن؟.. تقول لمن جعلني أهتدي: " خايف أرجع للضلال تاني. خايفة أخلع الحجاب تاني، خايف أبطل أصلي في الجامع. خايف أقع في المعاصي ".
تلجأ للوكيل.. " قل لمن ما في السموات والأرض. قل لله " من الذي له السماء والأرض غير الله؟ الله وحده.. الوكيل.
تلجأ لمن.قلبك يتعلق بمن. علاقة قلبية ليس لها علاقة بالجوارح. جوارحك تأخذ بالأسباب. تستذكر ليل نهار. تبحث عن عمل ليل نهار. ليس فلانا هو الذي يدبر لك عملك . هو الذى سيزوجك . وهو الذي يشفيك . هو الوكيل .
لا نزال نريد تعريفاً لكلمة " توكل " ؟
معنى كلمة توكل هو انطراح القلب بين يدى الله كانطراح الميت بين يدي مغسلة . قلبك يكون مع الله . يفعل بهما يشاء ، وراض بما تأمر به . ومتوكل عليك. وقال عالم آخر إن التوكل هو " الاسترسال مع الله حيث يشاء " . التوكل .. أن تأخذ بالأسباب .. بالجوارح ، ثم تقطع الأسباب عن القلب .
يقول العلماء : ينقطع أمل الناس إذا
ومن المتوكل ؟
الناس حين تنقطع الأسباب يبكون ، والمؤمن حين تنقطع الأسباب يقول : الحمد لله رميت حملي على الوكيل .. التوكل أن ترضى بالله وكيلا .
التوكيل في الشهر العقاري يعنى أن من أعطيته التوكيل له حق التصرف في أموالك كيف يشاء ، ثم توقع على ذلك وأنت مطمئن تماما لمن وكلته .
هل توقع إذن على عقد الوكالة مع الله ؟! الوكيل لا يضيع من وكله .
العلماء يقولون :من أكل مليما من حرام فليس بمتوكل على الله . لماذا ؟ .. لأنه غير واثق من أن الله سيرزقه فذهب ليسرق . من بكى على أولاده وهو يموت لمن يتركهم ؟ فليس بمتوكل .
إذا بكى على الفراق فهذا من حقه . لكن أن يبكى لأنه يتصور ضياع أولاده بعد موته .. هذا ليس بمتوكل .
انظر الناس على أبواب الأطباء ماذا يفعلون ؟
هناك من يقف على باب الأطفال ومعه ابنه الرضيع 24 ساعة . لماذا ؟ لأنه واثق في الطبيب . هذا صحيح بالجوارح . لكنه غير صحيح من القلب . فالذي سيشفى الابن الرضيع هو الله . لكنك لا بد أن تذهب به إلى هذا الطبيب ثقة في الطبيب . فإن الواقفون على باب الله ثقة في الله ؟
سلم قلبك للوكيل ، وامض وقل : حسبي الله ونعم الوكيل . الجأ إليه وتوكل عليه . ثم انظر ماذا سيفعل لك .
ولذلك محبة الله للمتقين كبيرة .
انظر قوله :
" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ".. لكن انظر قوله أيضا :
" ومن يتوكل على الله فهو حسبه" .
ربنا هو المسئول عنك مسئولية كاملة . لأنك توكلت عليه .
لذلك لا ينفع الإيمان بدون توكل .
" وقال موسى : يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا " .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :
" لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً وتروح بطاناً".
أنظر ماذا يقول القرآن الكريم عن التوكل ؟ .. لا يمكن أن تأتى سورة أو آية عن التوكل إلا وقبلها صفات الله عز وجل ،فهو الملك الجبار المهيمن العظيم مالك الملك .
يقول الله سبحانه وتعالى : " والتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده ". يا مسكين.. هل تتوكل على الأموات ، ولا تتوكل على الحي الذي لا يموت ؟
والنبي إذا كان اشتد به أمر ، يكثر من هذا الدعاء : يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث . يقول الله تبارك وتعالى ..
" فإن تولوا قل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ".
ويقول الله تعالى :
" رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ".
ويقول الله تبارك وتعالى :
" قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا" لأن الرحمن يرحم عباده ويأخذنا دائما للخير .
يقول الله تبارك وتعالى :
" وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين " .
انظر جمال الاستخارة . النبي يعلمنا أن نستخير الله في كل شيء في حياتنا : اشتغل في هذه الشركة أم لا ؟!.. أتزوج فلانة أم لا أتزوجها ؟ أسافر أم لا أسافر ؟
أنظر دعاء الاستخارة :
" اللهم أني استخيرك بعلمك،واستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر .. خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي ويسرني له ، وبارك لي فيه . اللهم أن كنت تعلم من هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فأصرفه عني وأصرفني عنه . واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به يا أرحم الراحمين ، ولا حول ولا قوة إلا بك ".
أنت هنا تسقط اختيارك . هناك أناس من ضعف التوكل يصلي الاستخارة وهو يعلم ما ستفعله. لو نظرنا إلى أدعية الرسول كل ليلة ويوم، نجد إنها تركز على معنى التوكل .
وأنت مغادر البيت ماذا تقول:
" باسم الله توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا الله ".
وعند ذهابك للنوم لابد أن تتوكل . ضع رأسك على الفراش وأنت متوضئ على شقك الأيمن وتقول : " باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمني ، وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ بما تحفظ به عبادك الصالحين ".
والنبي بعلمنا ألا نقول: توكلت على الله وفلان بل قل : توكلت على الله ثم فلان .
الناس تقول لك: يا فلان أنا اعتمادي على الله وعليك. خطأ. يا فلان أنا اعتمادي على الله ثم عليك. سلم أمرك لله تسليم الطفل الضعيف أمره لوالده.
أحد التابعين يقول:
"يئست من نفع نفس لنفس فكيف لا أيأس من نفع غيرى لنفسي ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجو الله لنفسي"
التخطيط بعد التوكل
هل يريح الإنسان نفسه من التخطيط لمستقبله أو لما هو مقبل عليه مادام قد توكل على الله ؟
التخطيط هو قمة التوكل . النبي كان يخطط لجيشه وأمته سيدنا يوسف كان يخطط ووضع لمصر خطة اقتصادية مدتها 15 سنه هذا لا يتعارض مع التوكل .
ما يتعارض هو أنك بعد التخطيط تظل مهموما. أبن عطاء الله يقول :
" أرح نفسك من الهم بعد التدبير ، فما تكفل الله لك به ، لا تشغل به نفسك "
يجب أن نتوكل على الله في الرزق .
يقول الله سبحانه وتعالى : " وفى السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض أنه لحق مثلما أنتم خاطئون "
أحياناً يرسل الله رزق السنة في شهر ، ويرسل رزق الشهر فى يوم ، ويرسل رزق اليوم في ساعة وأنت تظل طوال العام شاغل قلبك بما تكفل به أما كان أولى أن تشغل قلبك بالعبادة ؟ سيدنا جبريل نفخ في روع النبي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها .. على أي شئ بعد ذلك نخاف ؟
أكبر عون للمرأة التعيسة
سيدات كثيرات يعانين من تسلط الأزواج ، أو العكس فتجد هذه الآية كأنها موجهة للنساء أو الرجال التعساء مع زوجاتهم :"ومن يتوكل على الله فهو حسبه ". السورة كلها تتحدث عن الطلاق وهذه الآية تأتى في وسطها .
الجأ إلى الله في كل كرباتك فمن يجيب المضطر إلا الله سبحانه ؟
" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيه لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون ".
المتوكل لا يخاف .. وأعظم التوكل على الله أن تتوكل على الله فى الدعوة إلى الله .
(جميع حقوق النشر محفوظة Amr Khaled © 2002
1423هـ )