راعي الأوله
10-02-2004, 08:55 AM
العلماء هم قادة الأمة إلى الخير والصلاح والفقه في الدين ، وهم منارات الهدى ومصابيح الدُجى .
يقول الإمام ابن سيرين ((إن قوما تركوا العلم ومجالسة العلماء ، واتخذوا محاريب ، فضلوا فيها حتى يبس جلد أحدهم على عظمه ، ثم خالفوا السنة فهلكوا ، والله ما عمل عامل بغير علم إلا ما يفسد أكثر مما يصلح )) انظر – الترغيب والترهيب – للأصفهاني (2/98).
فمن أراد أن ينال شيئاً من إرث النبوة ، فعليه بمجالسة العلماء ، والسعي إليهم ، والأخذ فنهم ، والحرص على الاستفادة منهم . والمسلم الفطن الحريص على دينه لا يذهب لغير العلماء الراسخين ، لأن أعز ما يملك هو دينه ، فلا يأمن على دينه غير العلماء الربانيين .
ولا شك أن العلماء هم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه : فقد أخذ بحظ وافر .
العلم ميراثُ النبيِّ كذا أتَى في النصِّ والعُلماءُ همْ وُرّاثُهُ
ما خلّف المُختارُ غيرَ حديثهِ فينا فذاك متاعُهُ وأثاثُــهُ
قال سهل بن عبد الله التستري : ((من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء ، فلينظر إلى مجالس العلماء ، يجيء الرجل فيقول : يا فلان ماذا تقول في رجلٍ حلف على امرأته بكذا وكذا ؟ فيقول : طلقت امرأته بكذا وكذا ويجيء آخر فيقول : ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا ؟ فيقول : ليس يحنث بهذا القول . وليس هذا إلا لنبيٍّ أو لعالم ، فاعرفوا لهم ذلك )) [ انظر (الفقيه والمتفقه) للخطيب البغدادي (ص184) ] .
وهم المصابيح التي تستضيء بها الأمة ، وتنير لها الطريق ، قال تعالى (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) (السجدة:24) وهم حجة الله تعالى في الأرض ، فهم الذين يصلحون ما أفسد الناس ، وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر على بصيرة ، وقد أعزهم الله سبحانه وتعالى بهذا العلم ، ورفعهم به مكاناً علياً ، فقال الله تعالى : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )) (المجادلة: من الآية11) ولم يساوهم سبحانه وبحمده بغيرهم ، فقال : (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ )) (الزمر: من الآية9) ووصفهم سبحانه وتعالى بأنهم أهل خشيته فقال : (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )) (فاطر: من الآية28) .
وإن من علامات رشد الأمة : ارتباطها بعلمائها الراسخين الربانيين ، والورود والصدور عن آرائهم وتوجيهاتهم ، والذب عن أعراضهم .
وقد أنكر الله جل وعلا على من لم يجع إلى العلماء في الأمور المهمة ، فقال سبحانه وتعالى : (( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )) (النساء: من الآية83) .
إن من علامات تيه الأمة وضياعها : البعد عن العلماء الراسخين الربانيين ، وتركهم وعدم الالتفاف حولهم والصدور عنهم ،
ومن علامات تيه الأمة : الخروج عن العلماء بمسوغات وتزيينات شيطانية : (( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ )) (فاطر: من الآية8) .
وإن الخروج على العلماء وعدم الارتباط بهم ارتباطاً وثيقاً هو بداية الانحراف ، وسبيل الضياع ، ولم يخرج بعض الناس على حكامهم إلا بعد خروجهم على علمائهم .
إن من أعظم ما يُكاد للدعوة الإسلامية : فصل المسلمين عن علمائهم ، وذلك بنزع الثقة بعلماء الأمة بطرق شيطانية ، كي يتسنى لأحداث الأسنان ، وسفهاء الأحلام ، اتخاذ القرارات والفتاوى الخطيرة ، والتي لو عرضت على أبي بكر أو عمر – رضي الله عنهما – لجمعا لها كبار الصحابة .
وحين تفقد الأمة علماءها الربانيين ، فإنها تصبح آنئذٍ وسط صحراء التيه ، بلا مرشد يقودها ويخرجها من تيهها ، وإنما يصبح قادتها أصحاب الثقافات السطحية [ تنبيه :. - يا رعاك الله - وكن حذراً من هؤلاء الذين يقال لهم : مفكر إسلامي ، وقد يكون منهم من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ، وفكره بعيد كل البعد عن الإسلام الصافي النقي ] الذين يظنون أو يُظن بهم أنهم علماء ، لكثرة ما يؤلفون من كتب فكرية !!؟، مع أنها لا تنطق بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، ولا يُشم منها رائحة العلم ، وإنما تنطق بزخرف القول من الآراء والتخرصات التي لا تمت للعلم بصِلة .
وإن الملاحظ على كثير من المسلمين اليوم قل الارتباط بالعلماء الراسخين ، وثني الركب في حِلَقِهم ، ولهذا نفقت عندهم الأباطيل ، وراجت على عقولهم الأضاليل .
ثق – أيها الأخ المبارك – أن العلماء – وخاصة علماء المملكة العربية السعودية – قد رسا طودهم ، وهطل جودهم ، وزخر بحرهم ، وفاض نهرهم بالعلم والتربية ، فتخرج من مدرستهم أجيال وأجيال ، فهم سياحون في أرض الله يعلمون الناس السنة والتوحيد ، فشكر الله سعيهم ، ومتعنا الله ببقائهم .
فعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا ، وأضلوا )) [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وفي رواية (( فيبقى ناس جهال يستفتون ، فيفتون برأيهم ، فيُضِلون ويَضِلون ))
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 1/264) (( وفي هذا الحديث : الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة ، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم )) .
أخي القارئ الكريم : العلماء عند أهل السنة والجماعة السائرين على منهج السلف الصالح ، هم الدعاة إلى الله ، خلافاً لما شاع بين كثير من المسلمين من أن العلماء غير الدعاة ، وهذا تفليس للعلماء من دورهم الريادي والقيادي ، ليخلو الجو لأنصاف الفقهاء والمتعالمين ، بدعوى أن العلماء لا يفقهون واقعهم ، فضلاً عن واقع أمتهم ، فيصفونهم بعلماء حيض ونفاس ، وعلماء ذيل بغلة السلطان .
وهذا كلام يردون به صد المسلمين عن علمائهم الراسخين ، وكيف يكون ذلك والعلماء هم أئمة الدين وأمناء الشريعة ؟ كما قال تعالى . (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) (السجدة:24) .
والعلماء أفضل الناس بعد الأنبياء ، كما قال تعالى : (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )) (المجادلة: من الآية11) .
والعلماء والأمراء هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم ، كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) (النساء: من الآية59) .
والعلماء هم أهل الذكر ، كما قال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )) (النحل:43)
والذكر هو العلم والدعوة ، فعلى هذا العلماء هم أهل الدعوة إلى الله .
وعلى ذلك ، فالعلماء هم القادة الذين يتصدرون الدعوة إلى الله ليوجهوا مسارها ، ويرشدوا يقظتها ، ويعمقوا فهمها ، ويوجهوا شبابها ، فإن لم يكن الأمر كذلك حدث الخلل ، ودخل الدخن ، وحلّ الوهن ، كما نبه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – في رفع العلم بقبض العلماء ، وحينئذٍ يتخذ الناس رؤساء جهالاً ، فتغرق السفينة بانحراف الدعوة عن سبيل الله جل وعلا .
ويحذر عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – المسلمين من الارتباط بغير العلماء ، فيقول – رضي الله عنه – (( عليكم بالعلم قبل أن يقيض ، وقبضه بذهاب أهله ، عليكم بالعلم ، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده ، وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله ، وقد نبذوه وراء ظهورهم ، وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق ، وعليكم بالعتيق )) [ انظر – الإعتصام – (1/107) ] .
إذا عُلم هذا – أيها الأخ الموفق – فإنه يجب الارتباط بالعلماء الربانيين ، وتوقيرهم أحياءً وأمواتاً ، ومحبتهم ، وأخذ العلم عن الأحياء منهم ، والتتلمذ على كتب الموتى منهم ، والذب عنهم ميزة من ميزات منهج أهل السنة السائرين على منهج السلف الصالح .
والعكس بالعكس ، فإن الوقيعة في العلماء ، ونبذهم بالألقاب ، ولمزهم بإلصاق التهم الباطلة والعيوب المختلفة ، من علامات أهل البدع والضلال ، الذين زيّن لهم الشيطان ما كانوا يعلمون .
ونختم – أخي القارئ الكريم – بالخطبة التي افتتح بها الإمام أحمد ابن حنبل ، إمام أهل السنة كتابه القيم : (( الرد على الزنادقة والجهمية )) ففي هذه الخطبة يبيّن – رحمه الله – فضل العلماء الراسخين ، ويثني على وجودهم بين ظهراني المسلمين ، لهداية الناس وتحذيرهم سبل الغواية والضلال . قال – رحمه الله – (( الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضلّ إلى الهدى ، ويسبرون منهم على الأذى ، يُحيون بكتاب الله تعالى الموتى ، ويُبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هوه ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وما أقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عنان الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ، ويتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتنة المضلين ))
ا هـ.
أيها الأخ الموفق : المقام لا يسمح بأكثر من ذلك ، اللبيب تكفيه الإشارة ، فكن – يا أخي – مرتبطاً بالعلماء الراسخين ، حريصاً على الاستفادة منهم ،
فاهتم أخي - يا رعاك الله - غاية الاهتمام بلقائهم والاستماع لهم ، والاستئناس بهم ، والمحبة لهم ، واتباعهم ، لصقهم وعلمهم وورعهم وتقواهم ،
وإياك – يا رعاك الله – أن تضيع دقيقة واحدة وأنت لم تستفد منهم طالما أنهم على قيد الحياة ، فما أظن أنك تعتز بشيء – يا رعاك الله – كاعتزازك بدينك ، والحرص على الحفاظ على ينك ، الذي هو أعظم وأغلى ما تملك .
أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد والهدى والرشاد ، وأن يجمعنا ووالدينا وجميع المسلمين بجنات النعيم بمقعد صدق عند مليك مقتدر ،
اللهم إنا نسألك قلباً خاشعاً ، ولساناً ذاكراً ، وعملاً صالحاً ، ورزقاً واسعاً ، وإيماناً كاملاً ، ويقيناً صادقاً . هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً .
======================================
منقول لتعم الفائدة
يقول الإمام ابن سيرين ((إن قوما تركوا العلم ومجالسة العلماء ، واتخذوا محاريب ، فضلوا فيها حتى يبس جلد أحدهم على عظمه ، ثم خالفوا السنة فهلكوا ، والله ما عمل عامل بغير علم إلا ما يفسد أكثر مما يصلح )) انظر – الترغيب والترهيب – للأصفهاني (2/98).
فمن أراد أن ينال شيئاً من إرث النبوة ، فعليه بمجالسة العلماء ، والسعي إليهم ، والأخذ فنهم ، والحرص على الاستفادة منهم . والمسلم الفطن الحريص على دينه لا يذهب لغير العلماء الراسخين ، لأن أعز ما يملك هو دينه ، فلا يأمن على دينه غير العلماء الربانيين .
ولا شك أن العلماء هم ورثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما ، إنما ورثوا العلم ، فمن أخذه : فقد أخذ بحظ وافر .
العلم ميراثُ النبيِّ كذا أتَى في النصِّ والعُلماءُ همْ وُرّاثُهُ
ما خلّف المُختارُ غيرَ حديثهِ فينا فذاك متاعُهُ وأثاثُــهُ
قال سهل بن عبد الله التستري : ((من أراد أن ينظر إلى مجالس الأنبياء ، فلينظر إلى مجالس العلماء ، يجيء الرجل فيقول : يا فلان ماذا تقول في رجلٍ حلف على امرأته بكذا وكذا ؟ فيقول : طلقت امرأته بكذا وكذا ويجيء آخر فيقول : ما تقول في رجل حلف على امرأته بكذا وكذا ؟ فيقول : ليس يحنث بهذا القول . وليس هذا إلا لنبيٍّ أو لعالم ، فاعرفوا لهم ذلك )) [ انظر (الفقيه والمتفقه) للخطيب البغدادي (ص184) ] .
وهم المصابيح التي تستضيء بها الأمة ، وتنير لها الطريق ، قال تعالى (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) (السجدة:24) وهم حجة الله تعالى في الأرض ، فهم الذين يصلحون ما أفسد الناس ، وهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر على بصيرة ، وقد أعزهم الله سبحانه وتعالى بهذا العلم ، ورفعهم به مكاناً علياً ، فقال الله تعالى : ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )) (المجادلة: من الآية11) ولم يساوهم سبحانه وبحمده بغيرهم ، فقال : (( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ )) (الزمر: من الآية9) ووصفهم سبحانه وتعالى بأنهم أهل خشيته فقال : (( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )) (فاطر: من الآية28) .
وإن من علامات رشد الأمة : ارتباطها بعلمائها الراسخين الربانيين ، والورود والصدور عن آرائهم وتوجيهاتهم ، والذب عن أعراضهم .
وقد أنكر الله جل وعلا على من لم يجع إلى العلماء في الأمور المهمة ، فقال سبحانه وتعالى : (( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ )) (النساء: من الآية83) .
إن من علامات تيه الأمة وضياعها : البعد عن العلماء الراسخين الربانيين ، وتركهم وعدم الالتفاف حولهم والصدور عنهم ،
ومن علامات تيه الأمة : الخروج عن العلماء بمسوغات وتزيينات شيطانية : (( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ )) (فاطر: من الآية8) .
وإن الخروج على العلماء وعدم الارتباط بهم ارتباطاً وثيقاً هو بداية الانحراف ، وسبيل الضياع ، ولم يخرج بعض الناس على حكامهم إلا بعد خروجهم على علمائهم .
إن من أعظم ما يُكاد للدعوة الإسلامية : فصل المسلمين عن علمائهم ، وذلك بنزع الثقة بعلماء الأمة بطرق شيطانية ، كي يتسنى لأحداث الأسنان ، وسفهاء الأحلام ، اتخاذ القرارات والفتاوى الخطيرة ، والتي لو عرضت على أبي بكر أو عمر – رضي الله عنهما – لجمعا لها كبار الصحابة .
وحين تفقد الأمة علماءها الربانيين ، فإنها تصبح آنئذٍ وسط صحراء التيه ، بلا مرشد يقودها ويخرجها من تيهها ، وإنما يصبح قادتها أصحاب الثقافات السطحية [ تنبيه :. - يا رعاك الله - وكن حذراً من هؤلاء الذين يقال لهم : مفكر إسلامي ، وقد يكون منهم من لا يعرف من الإسلام إلا اسمه ، وفكره بعيد كل البعد عن الإسلام الصافي النقي ] الذين يظنون أو يُظن بهم أنهم علماء ، لكثرة ما يؤلفون من كتب فكرية !!؟، مع أنها لا تنطق بالكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، ولا يُشم منها رائحة العلم ، وإنما تنطق بزخرف القول من الآراء والتخرصات التي لا تمت للعلم بصِلة .
وإن الملاحظ على كثير من المسلمين اليوم قل الارتباط بالعلماء الراسخين ، وثني الركب في حِلَقِهم ، ولهذا نفقت عندهم الأباطيل ، وراجت على عقولهم الأضاليل .
ثق – أيها الأخ المبارك – أن العلماء – وخاصة علماء المملكة العربية السعودية – قد رسا طودهم ، وهطل جودهم ، وزخر بحرهم ، وفاض نهرهم بالعلم والتربية ، فتخرج من مدرستهم أجيال وأجيال ، فهم سياحون في أرض الله يعلمون الناس السنة والتوحيد ، فشكر الله سعيهم ، ومتعنا الله ببقائهم .
فعن عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يُبْقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ، فسئلوا ، فأفتوا بغير علم ، فضلوا ، وأضلوا )) [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
وفي رواية (( فيبقى ناس جهال يستفتون ، فيفتون برأيهم ، فيُضِلون ويَضِلون ))
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ( 1/264) (( وفي هذا الحديث : الحث على حفظ العلم والتحذير من ترئيس الجهلة ، وفيه أن الفتوى هي الرياسة الحقيقية وذم من يقدم عليها بغير علم )) .
أخي القارئ الكريم : العلماء عند أهل السنة والجماعة السائرين على منهج السلف الصالح ، هم الدعاة إلى الله ، خلافاً لما شاع بين كثير من المسلمين من أن العلماء غير الدعاة ، وهذا تفليس للعلماء من دورهم الريادي والقيادي ، ليخلو الجو لأنصاف الفقهاء والمتعالمين ، بدعوى أن العلماء لا يفقهون واقعهم ، فضلاً عن واقع أمتهم ، فيصفونهم بعلماء حيض ونفاس ، وعلماء ذيل بغلة السلطان .
وهذا كلام يردون به صد المسلمين عن علمائهم الراسخين ، وكيف يكون ذلك والعلماء هم أئمة الدين وأمناء الشريعة ؟ كما قال تعالى . (( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ )) (السجدة:24) .
والعلماء أفضل الناس بعد الأنبياء ، كما قال تعالى : (( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )) (المجادلة: من الآية11) .
والعلماء والأمراء هم أولى الأمر الذين تجب طاعتهم ، كما قال تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) (النساء: من الآية59) .
والعلماء هم أهل الذكر ، كما قال تعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )) (النحل:43)
والذكر هو العلم والدعوة ، فعلى هذا العلماء هم أهل الدعوة إلى الله .
وعلى ذلك ، فالعلماء هم القادة الذين يتصدرون الدعوة إلى الله ليوجهوا مسارها ، ويرشدوا يقظتها ، ويعمقوا فهمها ، ويوجهوا شبابها ، فإن لم يكن الأمر كذلك حدث الخلل ، ودخل الدخن ، وحلّ الوهن ، كما نبه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – في رفع العلم بقبض العلماء ، وحينئذٍ يتخذ الناس رؤساء جهالاً ، فتغرق السفينة بانحراف الدعوة عن سبيل الله جل وعلا .
ويحذر عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – المسلمين من الارتباط بغير العلماء ، فيقول – رضي الله عنه – (( عليكم بالعلم قبل أن يقيض ، وقبضه بذهاب أهله ، عليكم بالعلم ، فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده ، وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله ، وقد نبذوه وراء ظهورهم ، وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق ، وعليكم بالعتيق )) [ انظر – الإعتصام – (1/107) ] .
إذا عُلم هذا – أيها الأخ الموفق – فإنه يجب الارتباط بالعلماء الربانيين ، وتوقيرهم أحياءً وأمواتاً ، ومحبتهم ، وأخذ العلم عن الأحياء منهم ، والتتلمذ على كتب الموتى منهم ، والذب عنهم ميزة من ميزات منهج أهل السنة السائرين على منهج السلف الصالح .
والعكس بالعكس ، فإن الوقيعة في العلماء ، ونبذهم بالألقاب ، ولمزهم بإلصاق التهم الباطلة والعيوب المختلفة ، من علامات أهل البدع والضلال ، الذين زيّن لهم الشيطان ما كانوا يعلمون .
ونختم – أخي القارئ الكريم – بالخطبة التي افتتح بها الإمام أحمد ابن حنبل ، إمام أهل السنة كتابه القيم : (( الرد على الزنادقة والجهمية )) ففي هذه الخطبة يبيّن – رحمه الله – فضل العلماء الراسخين ، ويثني على وجودهم بين ظهراني المسلمين ، لهداية الناس وتحذيرهم سبل الغواية والضلال . قال – رحمه الله – (( الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضلّ إلى الهدى ، ويسبرون منهم على الأذى ، يُحيون بكتاب الله تعالى الموتى ، ويُبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه قد هوه ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وما أقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عنان الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم ، ويتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتنة المضلين ))
ا هـ.
أيها الأخ الموفق : المقام لا يسمح بأكثر من ذلك ، اللبيب تكفيه الإشارة ، فكن – يا أخي – مرتبطاً بالعلماء الراسخين ، حريصاً على الاستفادة منهم ،
فاهتم أخي - يا رعاك الله - غاية الاهتمام بلقائهم والاستماع لهم ، والاستئناس بهم ، والمحبة لهم ، واتباعهم ، لصقهم وعلمهم وورعهم وتقواهم ،
وإياك – يا رعاك الله – أن تضيع دقيقة واحدة وأنت لم تستفد منهم طالما أنهم على قيد الحياة ، فما أظن أنك تعتز بشيء – يا رعاك الله – كاعتزازك بدينك ، والحرص على الحفاظ على ينك ، الذي هو أعظم وأغلى ما تملك .
أسأل الله لي ولك التوفيق والسداد والهدى والرشاد ، وأن يجمعنا ووالدينا وجميع المسلمين بجنات النعيم بمقعد صدق عند مليك مقتدر ،
اللهم إنا نسألك قلباً خاشعاً ، ولساناً ذاكراً ، وعملاً صالحاً ، ورزقاً واسعاً ، وإيماناً كاملاً ، ويقيناً صادقاً . هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً .
======================================
منقول لتعم الفائدة