PDA

View Full Version : ( وقفةٌ مع آية .. ) التربية على الثقة وأدب العبودية


بو عبدالرحمن
10-02-2004, 09:35 AM
هذا درس رائع في الثقة بالله ..
والأدب معه ..
والتسليم له ..
والتحقق بالعبودية لهُ جل جلاله ..
فاقرأ وتأمل ثم احرص على أن تتحقق :

دعت امرأةُ عمرانَ اللهَ عز وجل أن يرزقها غلاماً تنذرهُ لخدمة البيت ..
( إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
كانت تلك أمنيتها ..غير أن اللهَ سبحانه رزقها أنثى ..!

فكأنما تحسرتْ ....
لا لكونها مجرد أنثى ، ولكن لأن نذرها لن يتحقق على الصورة التي ترغب ،
فهي كانت تريد غلاماً يقوم على خدمة البيت المقدس .. فقالت :

( رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى ..... )
قال بعض العلماء :
وليس الذكر كالأنثى .. إن كانَ من كلامِ الله سبحانه ، فالمعنى :
إن كنتِ تريدين ذكراً ليقومَ بخدمةِ البيت ، فإني رزقتكِ بأنثى لن تكونَ كأي أنثى ، بل سيكون لها شأناً أعظم من مجرد خدمة البيت ، فليس الذكر هنا كالأنثى .. بل إن أي ذكرٍ هاهنا لن تبلغ مرتبته مرتبة هذه الأنثى بالذات ، لأنها ستكونَ آية من آيات الله سبحانه ..
وإن كانت العبارة من كلام امرأة عمران _ وهذا هو الراجح _ ،:
فالأمر واضح ، أنها تتحسر أن الأنثى لن تكون كالذكر في خدمة البيت ..

الشاهد هنا :
أن هذه المرأة الصالحة تمنت شيئاً ، فأعطاها الله بخلاف ما تمنت !!

وكان ما اختاره الله سبحانه هو الخير كله ..
خير للبيت ، وخير لامرأة عمران وآلها ، وخير لمريم ، بل خير للأمة التي نشأت فيها هذه الأنثى المباركة ، ليرزقها الله غلاماً مباركاً ، ليربي تلك الأمة على منهج الله الذي يحمله إليها ..!

ومن أعظم الدروس ( العملية ) المستفادة في هذا المشهد :
أن الإنسانَ قد يدعو ويلح على الله بالدعاء ، طلباً لحاجة ، غير أن اللهَ سبحانه لا يعطيه ما طلب ، ولا يحقق له ما أراد ، لكنه يختار له ما هو أفضل مما طلب ، وأروع مما أراد ، وأكثر بركة مما تمنى ...!!

فعلينا أن نثق باللهِ سبحانه كل الثقة ، ونسلم له كل التسليم ، ونتأدب معه كل الأدب ، حتى ونحن نلح عليه بالدعاء والضراعة ، ثم نحن لا نرى الإجابة ..!!
علينا أن نثق أن الخيرة كل الخيرة فيما اختاره الله لنا ..

ثق أن الله سبحانه يجيب دعوة الداعي إذا دعاه بصدق .. كما وعد بذلك :
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ
فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ..

ولكن اعلم .. أنه يستجيب لك في الوقت الذي يريد هو ، لا في الوقت الذي تحدده أنت ، فإنما أنت عبد .. فاعرف قدرك .. !

أدبُ العبيد تذللُ ** والعبدُ لا يدعُ الأدبْ
فإذا تكاملَ ذلهُ ** نالَ المودةَ واقتربْ

ولعلك تطلب شيئاً فيه هلاكك ، وأنت لا تعلم .. فدع الله يختار لك ما يراه لك صالحاً .. فلا تقلق إذا لم تر إجابة ، فإنه يختار لك الأصلح ..
( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ .. وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون ) ..

المهم ..أن نواصلَ الضراعة ، ونديم طرق باب السماء بدعاء متصل ، نلح بذلك ليل نهار ، فإن اللهَ سبحانه يحب العبد الملحاح _ الذي يلح عليه سبحانه في طلب حاجته _ ..

قال بعض العارفين :
قد تتأخر الإجابة ، لتدوم الضراعة ...!!
الله أكبر ...! يا لهذا المعنى الجليل الرائع ...!

يا هذا .. حين لا ترى إجابة دعائك فلا تبتئس ..
فلعلك من هؤلاء الذين يحب اللهُ سماع أصواتهم ، وضراعتهم ، فهو لا يحقق لهم ما طلبوا ، لتدوم ضراعتهم بين يديه .. !!
وفي هذا كفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .

فإذا صدقت وأدمتَ طرق الباب ، فثق أن فيوضات الرحمات ستغمر قلبك ولو بعد حين ..
وتذكر دائماً هذه الآيات التي صدرنا بها هذا المقال ..
كيف أن هذه المرأة الصالحة ألحت في طلب شيء ، غير أن الله أعطاها عكس ما طلبت ..!!
وكان الخير كله فيما اختاره الله لها .. فتعلم وافهم وتأدب ..

نسأل اللهَ عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ..
وأن يحققنا بأدب العبودية بين يديه ، والتسليم المطلق له ، والثقة التامة به ..
اللهم آمين ..

Corvette_Stingray
10-02-2004, 10:15 AM
جزاك الله خير

زمردة
11-02-2004, 11:09 PM
جزاك الله خيراً .. شيخنا الفاضل ..

على ما تطرحه لنا من موضوعات تذكرنا بأهمية التقرب إلى الله والثقة بما عنده سبحانه ..

نعم نحب ربنا .. ولكن نفتقد كثيراً لليقين والثقة بما عنده وبما يختاره لنا ..

نسأل الله أن يرزقنا قوة الإيمان به .. والثقة بما عنده .. واليقين بأن ما يقضيه لنا كله خير ..

بشاير
12-02-2004, 01:19 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بارك الله فيك أخي أبو عبدالرحمن وزادك فقها في الدين ويسر لك طاعته

سبحان الله ما أجمل هذه العبادة .... وهي الدعاء

كلما تضرعت أكثر وتذللت بين يدي الله .... حتى لو لم يستجب دعاؤك لأمر قد قسمه الله لك .... تحس بلذة وراحة غريبة لا تعادلها كنوز الدنيا

والدعاء أخي الفاضل علي ثلاث

إما يستجاب له .... وإما يؤجل إلى يوم القيامة .... وإما يجاب على وجه أخر

وفي كل ذلك خير ولله الحمد

نسأل الله أن يرزقنا الفردوس الأعلى من الجنة

كما نسأله أن ييسر لنا طاعته إلى أن نلقاه وهو عنا راض

جزاك الله خير أخي أبو عبدالرحمن وثبتك على دينه ورزقك حسن الخاتمة بعد طول عمر وحسن عمل

بو عبدالرحمن
13-02-2004, 05:42 AM
_
..... Corvette_Stingray
..... رعاك الله وحفظك وبارك فيك ..

حياك الله وبياك وجعل الجنة مأواك
من غير سابقة عذاب ولا مناقشة حساب
اللهم آمين

شكر الله لك هذه المتابعة ،
واسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا
اللهم آمين

أبومروان
13-02-2004, 06:06 AM
استاذنا الفاضل .. ابو عبد الرحمن .......... صار لي فترة لم اعقب على مضوعاتك بسبب تغيبي عن المنتدى لظروف ............


اكتفي اليوم بالتعقيب على هذا الموضوع الطيب ........ وما أجمل الموضوع حين يكون متعلق بآية من كتاب الله .........

لفتة رائعة ........ ولأول مرة أنتبه لهذا الأمر ....... وفيه درس عظيم لنا ............. الله يبارك فيك ويحفظك من كل سوء ................

لا نزال ننتظر منك الكثير مثل هذه المعاني .......... ودعواتنا لك أن يوفقك الله ويرضى عنك ............

بو عبدالرحمن
14-02-2004, 02:49 AM
الأخت الفاضلة / زمردة
........... رحم الله والديك ورفع الله قدرك

الحمد لله أنني أجد من ينتفع بهذه الموضوعات ، فيزداد قربا ومعرفة بالله وحبا له ،
وهذا غاية ما أرجوه ، لعل الله يرضى عني ويكرمني ..

أما قولك :
نعم نحب ربنا .. ولكن نفتقد كثيراً لليقين والثقة بما عنده وبما يختاره لنا ..

فلا أكاد أصدق أن مسلما لن يقول أنه يحب الله جل في علاه ..
ولكن أكثر الناس كون عندهم هذه القضية مجرد دعاوي بلا برهان ..
ولهذا نزلت آية المنحة في المحبة ..
( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ ... ) هذه دعوى منكم .. فقدموا الدليل والبرهان فقال :
( فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...)

أما القضية الثانية .. عن كونا نفتقد لليقين والثقة .
فعلاجها : الإكثار من مراجعة ( عيادة القرآن الكريم )

ومعنا مشروع بفضل الله اصبح المشاركون فيه عدد لا بأس به يتعلق بتجديد الصلة بكتاب الله ، والحمد لله أن أكثر من خمسة وتسعين في المائة من المشاركين أصبح ( وردهم اليومي ) من كتاب الله لا يقل عن جزئين ونصف بشكل يومي غير منقطع . فيختمون المصحف في أحد عشر يوما تقريبا .. وهكذا ..

ولكن هناك عدد لا باس به أصبح ورده اليومي يصل إلى أربعة أجزاء يوميا .. ولله الحمد والمنة والفضل ..

والمشروع يقوم على ركائز .. تعين وتجعل مهمة الودر اليومي في منتهى السهولة ...

المهم .. أنه لابد من مراجعة ( عيادة القرآن ) كثيرا جدا وفي اليوم الواحد ..

وهناك خطوات أخرى .. لكن قناعتي أن قضية القرآن هي المنطلق والأساس ، والركيزة ..
من القرآن ننطلقُ ** بغير الله لا نثقُ

والحديث حول هذه القضية طويل وذو شجون ..

وأختم تعليقي هذا على كلامك .. بكلامك :)
نسأل الله أن يرزقنا قوة الإيمان به .. والثقة بما عنده .. واليقين بأن ما يقضيه لنا كله خير ..

جزاك الله خير الجزاء وبارك الله فيك حيثما كنتِ

رااحيل
14-02-2004, 05:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدايتي معكم أستهلها من هنا التي أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن تكون بداية نور وهدايه وزيادة ايمان وتقى ورشد

معلمي الفاضل
أبو عبد الرحمن
جزاك الله عنا وعن كل المسلمين كل خير

بالفعل كثيرة تلك الآيات التي نمر عليها دون أن نمنحها وقفة تدبر وتفكر كمثل هذه الآيه العظيمه التي تناولتها في الموضوع
ولو أعطينا كل آية من آيات الله حقها في التمعن والتدبر لما زادنا ذلك غير يقين وزيادة ايمان ,,,

وهنا ومن هذا الدرس نتعلم الكثير الكثير وأول ما نتعلمه هو الدعاء والإلحاح اليه لا لسواه فهو المعطي وهو المجيب حتى وإن تأخرت الإجابه فهي حكمة ربانيه لا يعلمها غيره
وبسبب نسيان الكثير منا هذه النعمه العظيمه لا تجد الأغلبيه الا بدأ يتذمر ويتملل من تأخر الدعاء عليه لا بل تراه يعصي الإله إن رأى منه عكس ما دعى ناسين هذه الآيه وغيرها
وهنا درس آخر تبثه هذه الآيه العظيمه ألا وهو الرضى بما حكمه الله لنا فالله تعالى عنده علم الغيب وهو أدرى بما ينفعنا وما يضرنا فالخيرة فيما اختاره الله لنا......

في الأخير نسأل الله زيادة في تدبر آيته الكريمه والتفكر في معانيها حتى نجد أثرها في أعمالنا

كما انهي قولي بدعائكم
نسأل اللهَ عز وجل أن يعلمنا ما ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا ..
وأن يحققنا بأدب العبودية بين يديه ، والتسليم المطلق له ، والثقة التامة به ..
اللهم آمين ..

تلميذتكم
راحيل

بو عبدالرحمن
18-02-2004, 10:43 PM
الأخت الفاضلة / بشاير
.. بشرك الله بالجنة .. وبشرنا أيضا كذلك ..

شكر الله لك هذا الجهد المبارك الطيب
واسأل الله أن يكون في ميزان حسناتك ، يسرك يوم القيامة ..

نعم .. والله ...
( سبحان الله ما أجمل هذه العبادة .... وهي الدعاء

كلما تضرعت أكثر وتذللت بين يدي الله ....
حتى لو لم يستجب دعاؤك لأمر قد قسمه الله لك .... تحس بلذة وراحة غريبة لا تعادلها كنوز الدنيا )

جزاك الله خيرا على هذه الإضافة الطيبة التي تعزز الفكرة وترسخها
نسأل الله أن يرزقنا قلوبا خاشعة ، وألسنة ذاكرة ، حتى نلقاه وهو راضٍ عنا ..

بو عبدالرحمن
21-02-2004, 10:44 PM
أخي الحبيب / أبو مروان
......... رحم الله والديك ورفع الله قدرك

أهلا وسهلا بك مجددا ودائما وابداً ..
واسأل الله أن يشفي الوالد الكريم وأن يعجل له بالشفاء
وأن يجعل مااصابه في ميزان حسناته .
فما عرفناه إلا رجل فاضل يعرف كيف يسلك الطريق إلى السماء
ولذا كسب القلوب من حوله ..
نسأل الله أن يلطف به ، ويرخ\حمه ، ويشفيه ، ويقيمه من فراشه خيرا مما كان ... اللهم آمين
كما نسأله سبحانه أن يشفي جميع مرضى المسلمين ..

بو عبدالرحمن
22-02-2004, 10:12 PM
الأخت الفاضلة / رااحيل
......... رحم الله والديك ، ورفع الله قدرك

ابتداء .. أرحب بك في هذا المكان الطيب بأهله
فحياكِ اللهُ وبياكِ .. وجعل الجنة َ مأواكِ
من غير سابقة عذاب ، ولا مناقشة حساب ..
اللهم آمين

اسأل الله أن يطيب لكِ المقام بين أخوتك وأخواتك نافعة منتفعة
فإني أرى أن منتدانا قد كسب قلماً رائعا ، وفكراً ناضجاً ، وهمة عالية
أحسبك كذلك ولا أزكي على الله أحداً ..

واستهلالك أحسبه كان موفقاً واختيار دقيق لبداية أحسبها ستكون كلها إشراق ..
فمن كتاب الله ننطلقُ ، وبغير الله لا نثقُ .
فنعمة البداية هذه البداية ..

نعم أحسنتِ وصدقتِ والله :
( ..لو أعطينا كل آية من آيات الله حقها في التمعن والتدبر ،، لما زادنا ذلك غير يقين وزيادة ايمان..)
وكلام الله كله نور ، وكله بركة ، ولكن أكثر الناس لا يعرضون قلوبهم لهذه الشلالات السماوية ، مع أنهم يضيعون ساعات أمام التفاهات ..
وحسبنا الله ونعم الوكيل ..

أما موضوع الدعاء .. فهو موضوع ذو شجون ..
ولقد أحسنت في كلامك ، ووفقك الله في عرضك ..
وليت الإنسان يفكر في هذه القضية ، فسيعلم أنه هو الخاسر الوحيد حين لا ينشغل بالدعاء في كل وقت ..

وهل يكلف الدعاء شيئا ، غير توجه القلب ، وحركة اللسان !؟
ومع هذا فأكثر الناس لا يفعلون .. وإن فعلوا ، فأكثرهم يدعو بقلب باااارد
وهو مشغول الذهن بأمور غير الأمور التي يدعو بها ..!!!
وما هكذا أدب المؤمن وهو يناجي الله سبحانه ..

مرة أخرى أرحب بك ، وننتظر منك الكثير الكثير ..

وجزاك الله خير الجزاء وبارك الله فيك