شهيد الإسلام
06-04-2005, 03:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مباحث في سورة الفاتحة
هذه السورة العظيمة التي يقرؤها المسلم في صلاته بعدد ركعات الصلوات لقوله صلى
الله عليه و سلم فيما رواه البخاري من حديث عباده :"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب....." يدل هذا على عظيم شأن هذه السورة و جليل قدرها و أنه ينبغي للمسلم
أن يتأمل معانيها فلحكمة بالغة شرع الله تكرارها في الصلوات من بين سور القران
آيه.
أسماء سورة الفاتحة :
· سورة الفاتحة فقد سماها النبي صلى الله عليه و سلم "فاتحة
الكتاب" و ذلك لانها أول ما يقرأ من القران الكريم
· أم القران وهكذا سماها النبي صلى الله عليه و سلم وأنا سميت
أم القران والله أعلم لان معاني القران الكريم ترجع إلى هذه السورة فهي تشمل
المعاني الكلية و المباني الاساسيه التي يتكلم عنها القران
· السبع المثاني : وذلك لأنها سبع آيات تقرأ مرة بعد مرة
· القران العظيم و قد سماها الرسول صلى الله علية و سلم ذلك
فقال " هي السبع المثاني و القران العظيم الذي اوتيته"
· سورة الحمد : لانها بدأت بحمد اله عز و جل
· الصلاة : كما سماها الله عز و جل في الحديث القدسي " قسمت
الصلاة بيني و بين عبدي نصفين" وذلك لانها ذكر و دعاء
المبحث الاول
في هذه السورة ذكر الله عز و جل خمسة من أسمائه الحسنى :
الله - الرب - الرحمن - الرحيم - المالك
أولا الله :
و هو الاسم الأعظم لله عز وجل (على قول طائفة من أهل العلم) الذي تلحق به
الأسماء الأخرى و لا يشاركه فيه غيرة
من معاني أسم الله : أن القلوب تألهه (تحن اليه) و تشتاق الى لقائه و رؤيته و
تأنس بذكره
من معاني لفظ الجلالة : أنه الذي تحتار فيه العقول فلا تحيط به علما و لا تدرك
له من الكنه و الحقيقة إلا ما بين سبحانه في كتابه أو على لسان رسوله و اذا
كانت العقول تحتار في بعض مخلوقاته في السماوات و الأرض فكيف بذاته جل و علا
و من معاني الله : أنه الإله المعبود المتفرد باستحقاق العبادة و لهذا جاء هذا
الاسم في الشهادة فان المؤمن يقول : (أشهد ان لا اله الا الله) و لم يقل مثلا
أشهد أن لا اله الا الرحمن
ثانيا : الرب
فهو رب العالمين رب كل شي و خالفه و القادر عليه كل من في السماوات و الأرض عبد
له و في قبضته و تحت قهرة
ثالثا و رابعا : الرحمن الرحيم :
و أسم الرحمن كأسم الله لا يسمى به غير الله و لم يتسم به أحد . فالله و الرحمن
من الأسماء الخاصة به جل وعلا لا يشاركه فيها غيرة أما الأسماء الأخرى فقد
يسمى بها غير الله كما قال سبحانه عن نبيه "بالمؤمنين رؤوف رحيم"
و الرحمن و الرحيم مأخوذان من الرحمه , الرحمن : رحمة عامة بجميع الخلق
و الرحيم : رحمة خاصة بالمؤمنين
و في تكرار الإنسان "بسم الله الرحمن الرحيم " في جميع شؤونه و لم يقل أحد
"بسم الله العزيز الحكيم " مع أنه حق إشارة إلى قول الله سبحانه في الحديث
القدسي "إن رحمتي سبقت غضبي" و كثيرا ما كان الرسول صلى الله علية و سلم يعلم
أصحابه الرجاء فيما عند الله و أن تكون ثقة الإنسان بالله و برحمته أعظم من
ثقته بعمله , قال صلى الله عليه و سلم " لن يدخل أحدا الجنه عمله و لا أنا إلا
أن يتغمد ني الله برحمته"
فهذه الأسماء الثلاثة : الله - الرب - الرحمن هي أصول الأسماء الحسنى , فأسم
الله متضمن لصفات الالوهيه و أسم الرب متضمن لصفات الروبيه و أسم الرحمن متضمن
لصفات الجود و البر و الاحسان
فالربوبيه : من الله لعباده
والتأليه : منهم اليه
و الرحمه سبب واصل بين الرب و عباده
خامسا : المالك :
وذلك قي قوله "ملك يوم الدين" أي يوم يدان الناس بعملهم وفيه ثناء على الله و
تمجيد له و في تذكير للمسلم بيوم الجزاء و الحساب
المبحث الثاني
قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين)
الحمد هو الثناء على المحمود بأفضاله وأنعامه
المدح : هو الثناء على الممدوح بصفات الجلال و لكمال
فالحمد ثناء على الله تعالى بما أنعم عليك و ما أعطاك فإذا قيل أن فلانا حمد
فلانا فمعناه أنه شكره على إحسان قدمه إليه لكن إذا قيل مدحه فلا يلزم أن
يكوم مدحه بشي قدمه بل بسبب مثلا بلاغته و فصاحته أو قوته الى غير ذلك
فالحمد فيه معنى الشكر و معنى الاعتراف بالجميل والسورة تبدأ بالاعتراف و
الاعتراف فيه معنى عظيم لانه إقرار من العبد بتقصيره و فقره و حاجته و اعتراف
لله جل و علا بالكمال و الفضل و الإحسان و هو من أعظم ألوان العبادة
ولهذا قد يعبد العبد ربه عبادة المعجب بعمله فلا يقبل منه لانه داخله إعجاب لا
يتفق مع الاعتراف و الذل فلا يدخل العبد على ربه من باب أوسع و أفضل من باب
الذل له و الانكسار بين يديه فمن اعظم معاني العبادة : الذل له سبحانه
ولهذ ا كان النبي صلى الله عليه و سلم كثير الاعتراف لله تعالى على نفسه
بالنقص و الظلم فكان يقول " اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا و انه لا يغفر
الذنوب الا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك و ارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"
فبدء السور ة بـ (الحمد لله رب العالمين ) فيه معنى الاعتراف بالنعمة ولا شك
أن عكس الاعتراف هو الإنكار و الجحود و هو الذنب الاول لابليس الذي أستكبر
عن طاعة الله فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين ) تبرأ من هذا كله
فيقول "أعترف بأني عبد محتاج فقير ذليل مقصر وأنك الله ربي المنعم المتفضل "
المبحث الثالث
قوله تعالى "أياك نعبد وأياك نستعين "
إياك - تقديم للضمير أشارة للحصر و التخصيص و فيه معنى الاعتراف لله تعالى
بالعبوديه و انه لا يعبد الا الله و هو أصل توحيد الالوهيه و ما بعث به الرسل
لان قضية الربوبيه وهي الاعتراف بالله عز و جل أمر تفطر به النفوس والانحراف
فيه لا يقاس بما حصل في موضوع الشرك في توحيد الالوهيه ولذا ينبغي أن نعتني
كثيرا بدعوة الناس الى توحيد الالوهيه و إفراد الله بالعبادة لانه أصل الدين
و قوله (اياك نستعين) فيه إثبات الاستعانة بالله و نفيها عمن سواه - يعني لا
نطلب الا عونك فلا نستعين بغيرك و لا نستغني عن فضلك
ولهذا قال تعالى في الحديث القدسي (هذا بيني و بين عبدي) فقول أياك نعبد هذا
حق الله تعالى على العبد فيقر به وأما قوله (أياك نستعين) فهو أستعانه العبد
بالله عز وجل على ذلك أذ لا قوام له - حتى على التوحيد- فضلا عن غيرة من أمور
الدنيا والاخرة الا بعون الله . قال تعالى (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)
المبحث الرابع
قوله تعالى (إهدنا الصراط المستقيم)
سؤال هداية يتضمن معاني متنوعة :
المعنى الاول : ثبتنا على الصراط المستقيم حتى لا ننحرف أو نزيغ عنه لانه من
الممكن أن يكون الانسان اليوم مهتديا و غدا من الظالين.
المعنى الثاني : قو هدايتنا فالهداية درجات و المهتدون طبقات منهم من يبلغ درجة
الصديقيه و من هم دون ذلك و بحسب هدايتهم يكون سيرهم على الصراط فان لله تعالى
صراطين : صراط في الدنيا و صراط في الاخرة و سيرك على الصراط الاخروي (الذي هو
الجسر المنصوب على متن جهنم يمشي الناس على قدر أعمالهم) بقدر سيرك على الصراط
الدنيوي. فالصراط الدنيوي هو طريق الله بطاعته فيما أمر و أجتناب ما نهى عنه
قال تعالى ( وانك لتهدي الى صراط مستقيم - صراط الله الذي له ما في السماوات و
مافي الارض)
فقوله (إهدنا الصراط المستقيم) يعني : قو هدايتنا و زد أيماننا و علمنا فالعلم
من الايمان و كلما ازداد العبد التزاما بالصراط المستقيم ازداد علمه قال تعالى
(فأما الذين امنوا فزادهم ايمانا و هم يستبشرون) فزيادة الايمان هي زيادة ثبات
على الصراط قال تعالى (والذين أهتدوا زادهم هدى)
فمن الممكن أن يكون الانسان مهتديا ثم يزداد من الهدايه بصير و علما و معرفة و
صبرا فهذا من معاني قوله (اهدنا الصراط المستقيم)
المعنى الثالث : أن الصراط المستقيم هو أن يفعل العبد في كل وقت ما امر به في
ذلك الوقت من علم و عمل و لا يفعل ما نهى عنه بان يجعل الله في قلبه من العلوم
والارادات الجازمه لفعل المأمور والكراهات الجازمة لترك المحظور ما يهتدي به
الى الخير و يترك الشر و هذا من معاني الهدايه الى الطراط المستقيم
حقيقة الهدايه :
قولك (أهدنا الصراط المستقيم) أي يارب دلني على ما تحب و ترضى في كل ما يواجهني
من أمور هذه الحياة ثم قوني و أعني على العمل بهذا الذي دللتني عليه و سر
الضلال يرجع الى فقد أحد هذين الامرين (العلم و العمل) و الوقوع في ضدهما
أولا : الجهل : فان الإنسان قد توجد عنده الرغبة في عمل الخير لكنه يجهل
الطريقة الشرعيه لتحصيله فيسلك طرقا مبتدعه و يجهد نفسه فيها بلا طائل و هو
يحسب أنه يحسن صنعا بسبب قلة العلم فعندما يقول العبد (أهدنا الصراط المستقيم)
فهو يسأل ربه أن يعلمه و يدله فلا يبقى في ضلال الجهل متخبطا
الثاني : الهوى : فقد يكون الإنسان عالما لكن ليس لديه العزيمة التي تجعله
ينبعث للعمل لهذا العلم ويغلبه الهوى فيترك الواجب أو يرتكب المحرم عامدا مع
علمه بالحكم لضعف إيمانه و لغلبة الشهوة و تعجل المتعه الدنيويه.
المبحث الخامس
قولة تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين)
هذا تأكيد للمعنى السابق و تفصيل له فقوله (صراط الذين أنعمت عليهم ) يعني
الذين حازوا الهداية التامه ممن أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و
الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا
ثم قال (غير المغضوب عليهم) هم الذين عرفوا الحق و تركوه كاليهود و نحوهم
قال تعالى "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله و غضب عليه و
جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت أولئك شر مكانا و أضل عن سواء
السبيل"
فالمغضوب عليهم من اليهود أو غيرهم : لم يهتدوا الى الصراط المستقيم و سبب عدم
هدايتهم هو الهوى فاليهود معهم علم لكن لم يعملوا به
و قدم الله تعالى المغضوب عليهم على الضالين لان أمرهم أخطر و ذنبهم أكبر فأن
الإنسان اذا كان ضلاله بسبب الجهل فانه يرتفع بالعلم و أما إذا كان هذا الضلال
بسبب الهوى فانه لا يكاد ينزع عن ضلاله. و لهذا جاء الوعيد الشديد في شأن من لا
يعمل بعلمه
و قوله تعالى (الضالين) هم الذين تركوا الحق عن جهل و ضلال كالنصارى و لا يمنع
أن يكون طرأ عليهم بغد ذلك العناد و الإصرار
الطرق الثلاثة : أننا الان أمام ثلاث طرق :
الاول الصراط المستقيم : و طريقتهم مشتملة على العلم بالحق و العمل به يقول
تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق) يعني العلم النافع و العمل
الصالح
الثاني طريق المغضوب عليهم : من اليهود و نحوهم و هؤلاء يعرفون الحق و لا
يعملون به
الثالث طريق الضالين : هؤلاء يعملون لكن على جهل و لهذا قال بعض السلف " من ضل
من عباد هذه الامه ففيه شبه من النصارى" كبعض الطرق الصوفية التى تعبد الله على
جهل و ضلاله
و في الختام أسال الله تعالى أن يجعلنا ممن هدوا الى الصراط المستقيم و رزقوا
العلم النافع و العمل الصالح و جنبوا طريق المغضوب عليهم والضالين امين
منقووول للفائده
مباحث في سورة الفاتحة
هذه السورة العظيمة التي يقرؤها المسلم في صلاته بعدد ركعات الصلوات لقوله صلى
الله عليه و سلم فيما رواه البخاري من حديث عباده :"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب....." يدل هذا على عظيم شأن هذه السورة و جليل قدرها و أنه ينبغي للمسلم
أن يتأمل معانيها فلحكمة بالغة شرع الله تكرارها في الصلوات من بين سور القران
آيه.
أسماء سورة الفاتحة :
· سورة الفاتحة فقد سماها النبي صلى الله عليه و سلم "فاتحة
الكتاب" و ذلك لانها أول ما يقرأ من القران الكريم
· أم القران وهكذا سماها النبي صلى الله عليه و سلم وأنا سميت
أم القران والله أعلم لان معاني القران الكريم ترجع إلى هذه السورة فهي تشمل
المعاني الكلية و المباني الاساسيه التي يتكلم عنها القران
· السبع المثاني : وذلك لأنها سبع آيات تقرأ مرة بعد مرة
· القران العظيم و قد سماها الرسول صلى الله علية و سلم ذلك
فقال " هي السبع المثاني و القران العظيم الذي اوتيته"
· سورة الحمد : لانها بدأت بحمد اله عز و جل
· الصلاة : كما سماها الله عز و جل في الحديث القدسي " قسمت
الصلاة بيني و بين عبدي نصفين" وذلك لانها ذكر و دعاء
المبحث الاول
في هذه السورة ذكر الله عز و جل خمسة من أسمائه الحسنى :
الله - الرب - الرحمن - الرحيم - المالك
أولا الله :
و هو الاسم الأعظم لله عز وجل (على قول طائفة من أهل العلم) الذي تلحق به
الأسماء الأخرى و لا يشاركه فيه غيرة
من معاني أسم الله : أن القلوب تألهه (تحن اليه) و تشتاق الى لقائه و رؤيته و
تأنس بذكره
من معاني لفظ الجلالة : أنه الذي تحتار فيه العقول فلا تحيط به علما و لا تدرك
له من الكنه و الحقيقة إلا ما بين سبحانه في كتابه أو على لسان رسوله و اذا
كانت العقول تحتار في بعض مخلوقاته في السماوات و الأرض فكيف بذاته جل و علا
و من معاني الله : أنه الإله المعبود المتفرد باستحقاق العبادة و لهذا جاء هذا
الاسم في الشهادة فان المؤمن يقول : (أشهد ان لا اله الا الله) و لم يقل مثلا
أشهد أن لا اله الا الرحمن
ثانيا : الرب
فهو رب العالمين رب كل شي و خالفه و القادر عليه كل من في السماوات و الأرض عبد
له و في قبضته و تحت قهرة
ثالثا و رابعا : الرحمن الرحيم :
و أسم الرحمن كأسم الله لا يسمى به غير الله و لم يتسم به أحد . فالله و الرحمن
من الأسماء الخاصة به جل وعلا لا يشاركه فيها غيرة أما الأسماء الأخرى فقد
يسمى بها غير الله كما قال سبحانه عن نبيه "بالمؤمنين رؤوف رحيم"
و الرحمن و الرحيم مأخوذان من الرحمه , الرحمن : رحمة عامة بجميع الخلق
و الرحيم : رحمة خاصة بالمؤمنين
و في تكرار الإنسان "بسم الله الرحمن الرحيم " في جميع شؤونه و لم يقل أحد
"بسم الله العزيز الحكيم " مع أنه حق إشارة إلى قول الله سبحانه في الحديث
القدسي "إن رحمتي سبقت غضبي" و كثيرا ما كان الرسول صلى الله علية و سلم يعلم
أصحابه الرجاء فيما عند الله و أن تكون ثقة الإنسان بالله و برحمته أعظم من
ثقته بعمله , قال صلى الله عليه و سلم " لن يدخل أحدا الجنه عمله و لا أنا إلا
أن يتغمد ني الله برحمته"
فهذه الأسماء الثلاثة : الله - الرب - الرحمن هي أصول الأسماء الحسنى , فأسم
الله متضمن لصفات الالوهيه و أسم الرب متضمن لصفات الروبيه و أسم الرحمن متضمن
لصفات الجود و البر و الاحسان
فالربوبيه : من الله لعباده
والتأليه : منهم اليه
و الرحمه سبب واصل بين الرب و عباده
خامسا : المالك :
وذلك قي قوله "ملك يوم الدين" أي يوم يدان الناس بعملهم وفيه ثناء على الله و
تمجيد له و في تذكير للمسلم بيوم الجزاء و الحساب
المبحث الثاني
قوله تعالى (الحمد لله رب العالمين)
الحمد هو الثناء على المحمود بأفضاله وأنعامه
المدح : هو الثناء على الممدوح بصفات الجلال و لكمال
فالحمد ثناء على الله تعالى بما أنعم عليك و ما أعطاك فإذا قيل أن فلانا حمد
فلانا فمعناه أنه شكره على إحسان قدمه إليه لكن إذا قيل مدحه فلا يلزم أن
يكوم مدحه بشي قدمه بل بسبب مثلا بلاغته و فصاحته أو قوته الى غير ذلك
فالحمد فيه معنى الشكر و معنى الاعتراف بالجميل والسورة تبدأ بالاعتراف و
الاعتراف فيه معنى عظيم لانه إقرار من العبد بتقصيره و فقره و حاجته و اعتراف
لله جل و علا بالكمال و الفضل و الإحسان و هو من أعظم ألوان العبادة
ولهذا قد يعبد العبد ربه عبادة المعجب بعمله فلا يقبل منه لانه داخله إعجاب لا
يتفق مع الاعتراف و الذل فلا يدخل العبد على ربه من باب أوسع و أفضل من باب
الذل له و الانكسار بين يديه فمن اعظم معاني العبادة : الذل له سبحانه
ولهذ ا كان النبي صلى الله عليه و سلم كثير الاعتراف لله تعالى على نفسه
بالنقص و الظلم فكان يقول " اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا و انه لا يغفر
الذنوب الا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك و ارحمني إنك أنت الغفور الرحيم"
فبدء السور ة بـ (الحمد لله رب العالمين ) فيه معنى الاعتراف بالنعمة ولا شك
أن عكس الاعتراف هو الإنكار و الجحود و هو الذنب الاول لابليس الذي أستكبر
عن طاعة الله فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين ) تبرأ من هذا كله
فيقول "أعترف بأني عبد محتاج فقير ذليل مقصر وأنك الله ربي المنعم المتفضل "
المبحث الثالث
قوله تعالى "أياك نعبد وأياك نستعين "
إياك - تقديم للضمير أشارة للحصر و التخصيص و فيه معنى الاعتراف لله تعالى
بالعبوديه و انه لا يعبد الا الله و هو أصل توحيد الالوهيه و ما بعث به الرسل
لان قضية الربوبيه وهي الاعتراف بالله عز و جل أمر تفطر به النفوس والانحراف
فيه لا يقاس بما حصل في موضوع الشرك في توحيد الالوهيه ولذا ينبغي أن نعتني
كثيرا بدعوة الناس الى توحيد الالوهيه و إفراد الله بالعبادة لانه أصل الدين
و قوله (اياك نستعين) فيه إثبات الاستعانة بالله و نفيها عمن سواه - يعني لا
نطلب الا عونك فلا نستعين بغيرك و لا نستغني عن فضلك
ولهذا قال تعالى في الحديث القدسي (هذا بيني و بين عبدي) فقول أياك نعبد هذا
حق الله تعالى على العبد فيقر به وأما قوله (أياك نستعين) فهو أستعانه العبد
بالله عز وجل على ذلك أذ لا قوام له - حتى على التوحيد- فضلا عن غيرة من أمور
الدنيا والاخرة الا بعون الله . قال تعالى (وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)
المبحث الرابع
قوله تعالى (إهدنا الصراط المستقيم)
سؤال هداية يتضمن معاني متنوعة :
المعنى الاول : ثبتنا على الصراط المستقيم حتى لا ننحرف أو نزيغ عنه لانه من
الممكن أن يكون الانسان اليوم مهتديا و غدا من الظالين.
المعنى الثاني : قو هدايتنا فالهداية درجات و المهتدون طبقات منهم من يبلغ درجة
الصديقيه و من هم دون ذلك و بحسب هدايتهم يكون سيرهم على الصراط فان لله تعالى
صراطين : صراط في الدنيا و صراط في الاخرة و سيرك على الصراط الاخروي (الذي هو
الجسر المنصوب على متن جهنم يمشي الناس على قدر أعمالهم) بقدر سيرك على الصراط
الدنيوي. فالصراط الدنيوي هو طريق الله بطاعته فيما أمر و أجتناب ما نهى عنه
قال تعالى ( وانك لتهدي الى صراط مستقيم - صراط الله الذي له ما في السماوات و
مافي الارض)
فقوله (إهدنا الصراط المستقيم) يعني : قو هدايتنا و زد أيماننا و علمنا فالعلم
من الايمان و كلما ازداد العبد التزاما بالصراط المستقيم ازداد علمه قال تعالى
(فأما الذين امنوا فزادهم ايمانا و هم يستبشرون) فزيادة الايمان هي زيادة ثبات
على الصراط قال تعالى (والذين أهتدوا زادهم هدى)
فمن الممكن أن يكون الانسان مهتديا ثم يزداد من الهدايه بصير و علما و معرفة و
صبرا فهذا من معاني قوله (اهدنا الصراط المستقيم)
المعنى الثالث : أن الصراط المستقيم هو أن يفعل العبد في كل وقت ما امر به في
ذلك الوقت من علم و عمل و لا يفعل ما نهى عنه بان يجعل الله في قلبه من العلوم
والارادات الجازمه لفعل المأمور والكراهات الجازمة لترك المحظور ما يهتدي به
الى الخير و يترك الشر و هذا من معاني الهدايه الى الطراط المستقيم
حقيقة الهدايه :
قولك (أهدنا الصراط المستقيم) أي يارب دلني على ما تحب و ترضى في كل ما يواجهني
من أمور هذه الحياة ثم قوني و أعني على العمل بهذا الذي دللتني عليه و سر
الضلال يرجع الى فقد أحد هذين الامرين (العلم و العمل) و الوقوع في ضدهما
أولا : الجهل : فان الإنسان قد توجد عنده الرغبة في عمل الخير لكنه يجهل
الطريقة الشرعيه لتحصيله فيسلك طرقا مبتدعه و يجهد نفسه فيها بلا طائل و هو
يحسب أنه يحسن صنعا بسبب قلة العلم فعندما يقول العبد (أهدنا الصراط المستقيم)
فهو يسأل ربه أن يعلمه و يدله فلا يبقى في ضلال الجهل متخبطا
الثاني : الهوى : فقد يكون الإنسان عالما لكن ليس لديه العزيمة التي تجعله
ينبعث للعمل لهذا العلم ويغلبه الهوى فيترك الواجب أو يرتكب المحرم عامدا مع
علمه بالحكم لضعف إيمانه و لغلبة الشهوة و تعجل المتعه الدنيويه.
المبحث الخامس
قولة تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم و لا الضالين)
هذا تأكيد للمعنى السابق و تفصيل له فقوله (صراط الذين أنعمت عليهم ) يعني
الذين حازوا الهداية التامه ممن أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و
الشهداء و الصالحين و حسن اولئك رفيقا
ثم قال (غير المغضوب عليهم) هم الذين عرفوا الحق و تركوه كاليهود و نحوهم
قال تعالى "قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله و غضب عليه و
جعل منهم القردة و الخنازير و عبد الطاغوت أولئك شر مكانا و أضل عن سواء
السبيل"
فالمغضوب عليهم من اليهود أو غيرهم : لم يهتدوا الى الصراط المستقيم و سبب عدم
هدايتهم هو الهوى فاليهود معهم علم لكن لم يعملوا به
و قدم الله تعالى المغضوب عليهم على الضالين لان أمرهم أخطر و ذنبهم أكبر فأن
الإنسان اذا كان ضلاله بسبب الجهل فانه يرتفع بالعلم و أما إذا كان هذا الضلال
بسبب الهوى فانه لا يكاد ينزع عن ضلاله. و لهذا جاء الوعيد الشديد في شأن من لا
يعمل بعلمه
و قوله تعالى (الضالين) هم الذين تركوا الحق عن جهل و ضلال كالنصارى و لا يمنع
أن يكون طرأ عليهم بغد ذلك العناد و الإصرار
الطرق الثلاثة : أننا الان أمام ثلاث طرق :
الاول الصراط المستقيم : و طريقتهم مشتملة على العلم بالحق و العمل به يقول
تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق) يعني العلم النافع و العمل
الصالح
الثاني طريق المغضوب عليهم : من اليهود و نحوهم و هؤلاء يعرفون الحق و لا
يعملون به
الثالث طريق الضالين : هؤلاء يعملون لكن على جهل و لهذا قال بعض السلف " من ضل
من عباد هذه الامه ففيه شبه من النصارى" كبعض الطرق الصوفية التى تعبد الله على
جهل و ضلاله
و في الختام أسال الله تعالى أن يجعلنا ممن هدوا الى الصراط المستقيم و رزقوا
العلم النافع و العمل الصالح و جنبوا طريق المغضوب عليهم والضالين امين
منقووول للفائده