العهد
12-07-2005, 10:17 AM
الخب بفتح لخاء و كسرها ( المخادع ) الذي لا يستقر على رأي، و لا يوثق به لأنه يغدر، و يختل صاحبه.
سؤال وجهه أحد الشباب إلى أستاذه قائلا: كيف يتحقق لنا الأمن النفسي و الاستقرار، و الأمل المشرق مع كثرة المخادعين والمنافقين من البشر؟ الذين لا تستقر بهم حال، و لا يؤمن لهم جانب، و ما تزال قصصهم القديمة والجديدة تروي لنا، و مازلنا نرى آثار خداعهم و مخاتلتهم رأي العين، فكم من كريم اساؤوا إليه، و كم من مصيبة أشعلوها، و كم من أمل مشرق لأمتهم حطموه؟
كيف أواجه الحياة بالاسبتشار مع وجود هؤلاء؟ و كيف أسلم من التنغيض مع كثرة كيدهم و غدرهم؟ و من اين تحقق لنا الصحة النفسية و سلامة الصدر مع وجود هؤلاء المعكرين المثيرين للفتن؟
قال الأستاذ: هذا الذي تقول لا يمكن أن يعطل نواميس الكون، و لو أن أهل الخب يوقفون مسيرة البشر لتوقفت مواكب الحياة البشرية منذ أن استخدم الشيطان و سائل الخداع و المخاتلة مع أبينا آدم و أمنا حواء عليهما السلام حيث (( و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين ))
إن الخب لا يصل إلى ما يريد عند أهل الجد و البصيرة والحذر و يقظة الذهن و الضمير؛ و لذلك كان المؤمن ممدوحا بأنه لا يلدغ من حجر مرتين، و قد قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه صريحة واضحة: ( لست بالخب، و لا الخب يخدعني) و هو ميزان دقيق يجب علينا استخدامه بقوة و اقتدار؛ لأنه يحول دون أهل الخداع ودون ما يطمحون إليه، فالمسلم ليس خبا أي: ليس خادعا مختالا غادرا، و لكنه ليس غافلا عن خداع المخادع و غدر الغادر، فهو يقظ الذهن، حاضر القلب، مستنير البصيرة، مستعين بالله عزوجل في كل شؤون حياته، و لا تنقطع صلته بربه صلاةً و دعاءً و ذكراً في صباحه و مسائه، و عند صحوه و منامه.
نعم، إن أهل الخداع يكيدون، و يمكرون بالليل و النهار، و يمكن أن يتحقق لهم بعض ما يريدون، أو أكثره، أو كله، و لكن ذلك كله بسبب غفلة غيرهم عنهم، و تهاونهم بهم، و بعدهم عن مقاييس الشرع الصحيحة في التعامل مع المواقف و الأشخاص.
و لا بأس أن أقرب المراد بهذا المثل المستقى في التاريخ:
هنالك رجل مخادع مر بتاريخنا الإسلامي و كان سبباً في حادثة من أسوأ الحوادث التي أصابت الأمة الإسلامية في الصميم، إنه الوزير ابن العلقمي الذي تولى الوزارة لآخر خلفاء بنى العباس ( المستعصم ) لمدة أربعة عشر عاماً.
ابن العلقمي هذا اسمه: محمد بن محمد بن علي مؤيد الدين الأسدي البغدادي، و كان يكنى بأبي طالب، و كان ذا ذكاء و حزم و خبرة و معرفة دقيقة بسياسة الدولة، و طريقة إدارة الحكم، و كان مغرماً بالقراءة و الإطلاع، و محباً للعلم، و قادراً على الكتابة الممتازة، و خطيبا بالغا و فصيحا، و لكنه مع ذلك كان مخادعا، كاذبا لا يهتم يأمور الدولة و العلماء في وقته يدركون هذه الصفات السيئة في الرجل و ينبهون بطرق متعددة الخليفة المستعصم إلى ذلك، و لكن الخليفة ما كان يستجيب.
فما الذي حدث حتى وقعت الكارثة؟
استسلم الخليفة لابن العلقمي، ووثق به ثقة ( عمياء ) ، و استحكمت في قلبه الغفلة عن رؤية الرجل على حقيقته، و ألقى إليه بزمام الأمور كلها، فكانت النتيجة الطبيعية لمثل هذه الغفلة المؤلمة القاتلة أن أخذ ابن العلقمي بتلاعب بالسلطة التي وضعت في يده حتى بلغ خداعه و غدره أن يكتب إلى هولاكو التتري يحمسه على غزو بغداد و يجسره عليها، طامعاً في أن يكون له شأن في ذلك الطاغية، و كانت النتيجة، خيانة للأمة، سقوطاً محزناً لبغداد في أيدي التتار، و نهاية سيئة لابن العلقمي حيث عاش بعدها ذليلا حقيراً حتى مات.
أين تكمن المشكلة؟
إنها في غفلت المستعصم وضعف رجاله، و ضعف رأي العلماء المحيطين. أما السبب الأهم في ذلك كله فهو البعد عن الله سبحانه و تعالى؛ البعد عن الله الذي أصاب المستعصم بتلك الغفلة القاتلة، إذا كان – حسب ما يروي التاريخ – مشغولا بملذاته و ملاهيه، و سهراته و جواريه، حتى أصبح بلا بصيرة، و كيف يمكن أن يرى خداع وزيره ابن العلقمي و هو في هذه الحال؟ البعد عن الله سبحانه و تعالى أورث الخليفة غفلة و لهواً ساقتا الأمة إلى تلك النهاية المؤسفة.
إذن، فإن طريق التخلص بعون الله و توفيقه من غدرات الغادرين، و خداع المخادعين هو اليقظة الكاملة روحاً و عقلاً، و الإحساس العميق بالمسؤولية، و عدم الانخداع بمظاهر الذكاء و المعرفة، و الخزم مع الأشخاص المغادرين، أما أن نكون من المستسلمين لأهوائنا و غفلاتنا استسلاماً يتيح الفرصة للمخادعين، ثم نقول بعد ذلك: كيف حدث هذا؟ و كيف يمكن لنا أن نطمئن و أن نستبشر بالخير مع هذا؟ فإننا نخادع أنفسنا بهذا مخادعة لا تزيدنا إلا ضعفاً و غفلة و ارتكاسا. بشر نفسك بالخير حينما تكون من أهل الخير..
منقول للدكتور عبدالرحمن العشماوي .
سؤال وجهه أحد الشباب إلى أستاذه قائلا: كيف يتحقق لنا الأمن النفسي و الاستقرار، و الأمل المشرق مع كثرة المخادعين والمنافقين من البشر؟ الذين لا تستقر بهم حال، و لا يؤمن لهم جانب، و ما تزال قصصهم القديمة والجديدة تروي لنا، و مازلنا نرى آثار خداعهم و مخاتلتهم رأي العين، فكم من كريم اساؤوا إليه، و كم من مصيبة أشعلوها، و كم من أمل مشرق لأمتهم حطموه؟
كيف أواجه الحياة بالاسبتشار مع وجود هؤلاء؟ و كيف أسلم من التنغيض مع كثرة كيدهم و غدرهم؟ و من اين تحقق لنا الصحة النفسية و سلامة الصدر مع وجود هؤلاء المعكرين المثيرين للفتن؟
قال الأستاذ: هذا الذي تقول لا يمكن أن يعطل نواميس الكون، و لو أن أهل الخب يوقفون مسيرة البشر لتوقفت مواكب الحياة البشرية منذ أن استخدم الشيطان و سائل الخداع و المخاتلة مع أبينا آدم و أمنا حواء عليهما السلام حيث (( و قاسمهما إني لكما لمن الناصحين ))
إن الخب لا يصل إلى ما يريد عند أهل الجد و البصيرة والحذر و يقظة الذهن و الضمير؛ و لذلك كان المؤمن ممدوحا بأنه لا يلدغ من حجر مرتين، و قد قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه صريحة واضحة: ( لست بالخب، و لا الخب يخدعني) و هو ميزان دقيق يجب علينا استخدامه بقوة و اقتدار؛ لأنه يحول دون أهل الخداع ودون ما يطمحون إليه، فالمسلم ليس خبا أي: ليس خادعا مختالا غادرا، و لكنه ليس غافلا عن خداع المخادع و غدر الغادر، فهو يقظ الذهن، حاضر القلب، مستنير البصيرة، مستعين بالله عزوجل في كل شؤون حياته، و لا تنقطع صلته بربه صلاةً و دعاءً و ذكراً في صباحه و مسائه، و عند صحوه و منامه.
نعم، إن أهل الخداع يكيدون، و يمكرون بالليل و النهار، و يمكن أن يتحقق لهم بعض ما يريدون، أو أكثره، أو كله، و لكن ذلك كله بسبب غفلة غيرهم عنهم، و تهاونهم بهم، و بعدهم عن مقاييس الشرع الصحيحة في التعامل مع المواقف و الأشخاص.
و لا بأس أن أقرب المراد بهذا المثل المستقى في التاريخ:
هنالك رجل مخادع مر بتاريخنا الإسلامي و كان سبباً في حادثة من أسوأ الحوادث التي أصابت الأمة الإسلامية في الصميم، إنه الوزير ابن العلقمي الذي تولى الوزارة لآخر خلفاء بنى العباس ( المستعصم ) لمدة أربعة عشر عاماً.
ابن العلقمي هذا اسمه: محمد بن محمد بن علي مؤيد الدين الأسدي البغدادي، و كان يكنى بأبي طالب، و كان ذا ذكاء و حزم و خبرة و معرفة دقيقة بسياسة الدولة، و طريقة إدارة الحكم، و كان مغرماً بالقراءة و الإطلاع، و محباً للعلم، و قادراً على الكتابة الممتازة، و خطيبا بالغا و فصيحا، و لكنه مع ذلك كان مخادعا، كاذبا لا يهتم يأمور الدولة و العلماء في وقته يدركون هذه الصفات السيئة في الرجل و ينبهون بطرق متعددة الخليفة المستعصم إلى ذلك، و لكن الخليفة ما كان يستجيب.
فما الذي حدث حتى وقعت الكارثة؟
استسلم الخليفة لابن العلقمي، ووثق به ثقة ( عمياء ) ، و استحكمت في قلبه الغفلة عن رؤية الرجل على حقيقته، و ألقى إليه بزمام الأمور كلها، فكانت النتيجة الطبيعية لمثل هذه الغفلة المؤلمة القاتلة أن أخذ ابن العلقمي بتلاعب بالسلطة التي وضعت في يده حتى بلغ خداعه و غدره أن يكتب إلى هولاكو التتري يحمسه على غزو بغداد و يجسره عليها، طامعاً في أن يكون له شأن في ذلك الطاغية، و كانت النتيجة، خيانة للأمة، سقوطاً محزناً لبغداد في أيدي التتار، و نهاية سيئة لابن العلقمي حيث عاش بعدها ذليلا حقيراً حتى مات.
أين تكمن المشكلة؟
إنها في غفلت المستعصم وضعف رجاله، و ضعف رأي العلماء المحيطين. أما السبب الأهم في ذلك كله فهو البعد عن الله سبحانه و تعالى؛ البعد عن الله الذي أصاب المستعصم بتلك الغفلة القاتلة، إذا كان – حسب ما يروي التاريخ – مشغولا بملذاته و ملاهيه، و سهراته و جواريه، حتى أصبح بلا بصيرة، و كيف يمكن أن يرى خداع وزيره ابن العلقمي و هو في هذه الحال؟ البعد عن الله سبحانه و تعالى أورث الخليفة غفلة و لهواً ساقتا الأمة إلى تلك النهاية المؤسفة.
إذن، فإن طريق التخلص بعون الله و توفيقه من غدرات الغادرين، و خداع المخادعين هو اليقظة الكاملة روحاً و عقلاً، و الإحساس العميق بالمسؤولية، و عدم الانخداع بمظاهر الذكاء و المعرفة، و الخزم مع الأشخاص المغادرين، أما أن نكون من المستسلمين لأهوائنا و غفلاتنا استسلاماً يتيح الفرصة للمخادعين، ثم نقول بعد ذلك: كيف حدث هذا؟ و كيف يمكن لنا أن نطمئن و أن نستبشر بالخير مع هذا؟ فإننا نخادع أنفسنا بهذا مخادعة لا تزيدنا إلا ضعفاً و غفلة و ارتكاسا. بشر نفسك بالخير حينما تكون من أهل الخير..
منقول للدكتور عبدالرحمن العشماوي .