السرب
02-12-1999, 06:06 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،،
أمكنني تحصيل شيء من الدنيا بنوع من أنواع الرخص ، فكنت كلما حصل شيء منه ، فاتني من قلبي شيء ، و كلما استنارت لي طريق التحصيل ، تجدد في قلبي ظلمة .
فقلت يا نفس السوء ـ الإثم حواز القلوب ـ و قد قال استفت قلبك فلا خير في الدنيا كلها إذا كان في القلب من تحصيلها شيء أوجب نوع كدر .
و إن الجنة لو حصلت بسبب يقدح في الدين أو في المعاملة ما لذت ، و النوم على المزابل مع سلامة القلب من الكدر ألذ من تكآت الملوك . و ما زلت أغلب نفسي تارة و تغلبني أخرى ، ثم تدعي الحاجة إلى تحصيل ما لا بد لها منه . و تقول : فما أتعدى في الكسب المباح في الظاهر .
فقلت لها : أو ليس الورع يمنع من هذا ؟ قالت : بلى .
قلت : أليست القسوة في القلب تحصل به ؟ قالت : بلى .
قلت : فلا خير لك في شيء هذا ثمرته .
فخلوت يوماً بنفسي فقلت لها : ويحك اسمعي أحدثك :
إن جمعت شيئاً من الدنيا من وجه فيه شبهة أفأنت على يقين من إنفاقه ؟ قالت : لا .
قلت : فالمحنة أن يحظى به الغير و لا تنالين إلا الكدر العاجل ، و الوزر الذي لا يؤمن .
و يحك ، اتركي هذا الذي يمنع منه الورع لأجل الله فعامليه بتركه .
كأنك لا تدرين ألا تتركي إلا ما هو محرم فقط أو مالا يصح و جهه.
أو ما سمعت أن من ترك شيئاً الله عوضه الله خيراً منه ؟
أما لك عبرة في أقوام جمعوا فحازه سواهم ، و أملوا فما بلغوا مناهم ؟
كم من عالم جمع كتباً كثيرة ما انتفع بها .
و كم من منتفع ما عنده عشرة أجزاء .
و كم من طيب العيش لا يملك دينارين .
و كم من ذي قناطير منغص .
أما لك فطنة تتلمح أحوال من يترخص من وجه فيسلب منه من أوجه ؟
ربما نزل المرض بصاحب الدار أو ببعض من فيها فأنفق في سنته أضعاف ما ترخص في كسبه ، و المتقي معافى .
فضجت النفس من لومي و قالت : إذا لم أتعد واجب الشرع فما الذي تريد مني ؟
فقلت لها : أضن بك عن الغبن و أنت أعرف بباطن أمرك .
قالت : فقل لي ما أصنع ؟
قلت : عليك بالمراقبة لمن يراك ، و مثلي نفسك بحضرة معظم من الخلق فإنك بين يدي الملك الأعظم يرى من باطنك ما لا يراه المعظمون من ظاهرك .
فخذي بالأحوط ، و احذري من الترخص في بيع اليقين ، و التقوى بعاجل الهوى .
فإن ضاق الطبع مما تلقين فقولي له : مهلاً ، فما انقضت مدة الإشارة ، و الله مرشدك إلى التحقيق ، و معينك بالتوفيق .
صيد الخاطر لابن الجوزي
------------------
الســـرب
ألا بذكر الله تطمئن القلوب
أمكنني تحصيل شيء من الدنيا بنوع من أنواع الرخص ، فكنت كلما حصل شيء منه ، فاتني من قلبي شيء ، و كلما استنارت لي طريق التحصيل ، تجدد في قلبي ظلمة .
فقلت يا نفس السوء ـ الإثم حواز القلوب ـ و قد قال استفت قلبك فلا خير في الدنيا كلها إذا كان في القلب من تحصيلها شيء أوجب نوع كدر .
و إن الجنة لو حصلت بسبب يقدح في الدين أو في المعاملة ما لذت ، و النوم على المزابل مع سلامة القلب من الكدر ألذ من تكآت الملوك . و ما زلت أغلب نفسي تارة و تغلبني أخرى ، ثم تدعي الحاجة إلى تحصيل ما لا بد لها منه . و تقول : فما أتعدى في الكسب المباح في الظاهر .
فقلت لها : أو ليس الورع يمنع من هذا ؟ قالت : بلى .
قلت : أليست القسوة في القلب تحصل به ؟ قالت : بلى .
قلت : فلا خير لك في شيء هذا ثمرته .
فخلوت يوماً بنفسي فقلت لها : ويحك اسمعي أحدثك :
إن جمعت شيئاً من الدنيا من وجه فيه شبهة أفأنت على يقين من إنفاقه ؟ قالت : لا .
قلت : فالمحنة أن يحظى به الغير و لا تنالين إلا الكدر العاجل ، و الوزر الذي لا يؤمن .
و يحك ، اتركي هذا الذي يمنع منه الورع لأجل الله فعامليه بتركه .
كأنك لا تدرين ألا تتركي إلا ما هو محرم فقط أو مالا يصح و جهه.
أو ما سمعت أن من ترك شيئاً الله عوضه الله خيراً منه ؟
أما لك عبرة في أقوام جمعوا فحازه سواهم ، و أملوا فما بلغوا مناهم ؟
كم من عالم جمع كتباً كثيرة ما انتفع بها .
و كم من منتفع ما عنده عشرة أجزاء .
و كم من طيب العيش لا يملك دينارين .
و كم من ذي قناطير منغص .
أما لك فطنة تتلمح أحوال من يترخص من وجه فيسلب منه من أوجه ؟
ربما نزل المرض بصاحب الدار أو ببعض من فيها فأنفق في سنته أضعاف ما ترخص في كسبه ، و المتقي معافى .
فضجت النفس من لومي و قالت : إذا لم أتعد واجب الشرع فما الذي تريد مني ؟
فقلت لها : أضن بك عن الغبن و أنت أعرف بباطن أمرك .
قالت : فقل لي ما أصنع ؟
قلت : عليك بالمراقبة لمن يراك ، و مثلي نفسك بحضرة معظم من الخلق فإنك بين يدي الملك الأعظم يرى من باطنك ما لا يراه المعظمون من ظاهرك .
فخذي بالأحوط ، و احذري من الترخص في بيع اليقين ، و التقوى بعاجل الهوى .
فإن ضاق الطبع مما تلقين فقولي له : مهلاً ، فما انقضت مدة الإشارة ، و الله مرشدك إلى التحقيق ، و معينك بالتوفيق .
صيد الخاطر لابن الجوزي
------------------
الســـرب
ألا بذكر الله تطمئن القلوب