PDA

View Full Version : عصــــــــر القـــــرود


شاهين
08-06-2000, 09:36 PM
عندما يؤرخ المؤرخون لعصرنا فلن يجدوا اسما يطلقونه على هذا العصر أنسب من أسم (عصر القرود)!
وليس من الضروري لكي نحمل هذا الاسم أن كون لنا خلقة القرود واشكالها المعروفة، فصفات القرد وطباعه هي التي تحدد شخصيته وتؤكد – دون الحاجة إلى معينة تكوينه الجسماني قارنة هذا التكوين بالتكوين الإنساني – انه قرد وابن قرد وإن ارتدى البذلة او تمخطر في جيب وبلورة..!
وقديما حكوا لنا في كتب القراءة قصة رجل يبيع (الطرابيش) تعب من المشي والتجوال فقرر الاسترخاء تحت شجرة على طرف إحدى الغابات... فركن طرابيشه جانبا وأراح ظهره على جذع الشجرة التي شاء حظه ان تكون فروعها عامرة بكتيبة من القرود أعجبها شكل الطرابيش ولونها الأحمر (وعلاقة القرود باللون الأحمر معروفة) كذلك بهرها منظر الرجل وقد ارتدى طربوشه، ولم تستطيع مقاومة غريزة التقاليد الفطرية فيها فتقافزت واحدا بعد الآخر إلى الأرض وتخاطفت الطرابيش واضعة إياها على رؤوسها كما يفعل الرجل، وكان ان أفاق بائع الطرابيش ليجد طرابيشه تتراقص على رؤوس القرود فصاح بها مهددا، ولكنها... بإمكاناتها (القردوية) سرعان ما قفزت واحدا بعد الآخر إلى أعالي الشجرة تاركة الرجل حائرا لا يعرف كيف يسترد بضاعته ورأس ماله، ولكنه – بعد ان هرش رأسه – تذكر طبيعة القرود وحبها للتقليد، فصاح لافتا أنظار القرود إليه ثم أسرع بنزع طربوشه عن رأسه ملقيا به إلى الأرض، وكما توقع تغلبت طبيعة القرود فقامت بتقليد ما فعله وراحت –واحدا بعد الآخر – تلقي بالطرابيش إلى الأرض فأسرع يجمعها وانطلق سعيدا بنجاح خطته، شاكرا للقرود إخلاصها لغريزتها التي كانت – في هذا الظرف بالذات – مفيدة للغاية..!!
القرود - في الحكاية – ارتدت الطرابيش لمجرد إنها شاهدت رجلا يرتدي طربوشا، القرود لا تعرف ما هو الطربوش.. ولا تعرف لماذا إرتداه الناس..، القرود خلعت الطرابيش دون ان تعرف لماذا خلعت الطرابيش... فقط لأنها شاهدت الرجل يخلع الطربوش... القرود قذفت الطرابيش إلى الارض وهي لا تعرف لماذا تلقي بها إلى الارض... فقط لأنها... الخ
القرود تفعل ذلك وهي معذورة، لأنها كما قلنا (قرود) لم يمنحها الله عقلا تفكر به وتدرك ماذا تلبس... ولماذا تخلع، وهي معذورة أيضا لأنها ولدت بغريزة التقليد ولم تمارسها كهواية... أو كمرض.. كما يفعل بعض البشر منا...!
في أي مكان عام... راقب الناس أشكالا الوانا في غدوهم وروحهم – وليس كل منهم_ وليس كل من راقب الناس مات هما000بل ربما مات هاما وهاما جداً - .. فإنك سترى العجب العجاب من الصرعات الغريبة... والتقليعات الشاذة العجيبة، يستوي في التعلق بأذيالها الصغار والكبار... هذا الشاب يرتدي الجينز الممزق أو مهلهل الأطراف – وهو على فكرة أغلى من الجينز السليم – وهذه الفتاة ترتدي البلوزة القصيرة لكي تُبرز فراغا من اللحم البشري بينها وبين الجيب أو البنطلون... وهذه السيدة (المتينة) تحشر أثقالا من اللحم والدهن داخل بنطلون يكاد ينفجر ضيقا مما كتم على أنفاس خيوطه.
وهذا مراهق جز شعر رأسه جزا، تاركا وسطه جزيرة من الشعر المنتصب كغابة من الأسلاك الشائكة... وهذه أنثى جميلة الوجه ولكنها لم تجد الهباب المسمى ظلما (روج) تلغمط به شفتيها متصورة ان كل من شاهدها من الرجال سيغمى عليه إعجابا وإنبهارا بهذا الهباب الأخاذ..!!
أسأل هذا الشاب... أو هذه الفتاة... أو تلك السيدة... أو ذلك المراهق... أو هذه الأنثى، اسأل أيا من هؤلاء: لماذا تلبس أو تفعل هذا وذاك؟ فلن تجد سوى نفس إجابة القرود إذا سئلت عن سبب ارتدائها وخلعها لطرابيش البائع المسكين!!
كلهم قرود وإن لم يحملوا اشكال القرود شاهدوا ذلك الموديل... أو هذا الزي... أو تلك الصرعة، في قيلم مستورد... أو قناة فضائية غربية، أو فيديو كليب أخرجه قرد آخر، شاهد فيديو كليب غربي ولم يستطيع مقاومة غريزة القرود المتأصلة فيه فنقل – لا إراديا – ما شاهده حرفيا ليقلده بالتالي قرود آخرون...!!
الغريب... والطريف... والسخيف في نفس الوقت، انك ترى الواحد – او الواحدة – من هؤلاء القرود وقد تشكل بهيئة لا تثير في مشاهديه سوى الضحك في بعض الأحيان... والسخرية في أحيان أخرى... والقرف في أغلب الأحيان، ولكنه – ولسبب غير معلوم – يترجم هذه النظرات الموجهة إليه على أنها نظرات إعجاب وإنبهار، ويتعجب في نفس الوقت من هؤلاء الفتيات الحمقاوات اللاتي شاهدن هيتئة (التحفة) ولم يقعن اغماء بعد أول نظرة... أو حتى بعد النظرة الثانية... أو الثالثة...
ظاهرة (القردنة) ما زالت توسع قاعدتها... ويزداد انتشارها حيثما يزداد تورم عقد النقص لدى البعض... رجالا ونساء، إن كانت نساء... طبقا لمبدأ (ليدز فيرست) هن السباقات في هذا المجال، وهن الرائدات فيه، ومع تقدم عالم الاتصالات والانترنت اصبحت رؤية الصراعات والتقليعات وتطور الموضة سهلة وسريعة ومتاحة للجميع..، وأصبح التخلف عن تقليد أي منها – مهما كلف أو تكلف – عيبا في حق أي سيدة تنتمي إلى العصر – عصر القرود طبعا – وأي مراهق من أبناء هذا العصر...، وسبة في جبين من لا يطيع الأمر الصادر من امريكا أو باريس ولا يستجيب لنداء (العصرنة) حتى ولو كان هذا النداء يدعوه للسير على أربع ... أو ارتداء البنطلون مكان الجاكيت والجاكيت بدلا من البنطلون، أو لألغاء الجيب بالنسبة للفتيات اكتفاء بالبلوزة...!
وهكذا يسير السباق ساخنا وسريعا... حتى تأتي التعليمات الجديدة من مراكز اتخاذ القرار في الغرب، فينفض القرود جميعا عن القديم باعتبار ما صار – ويتسابقون لمتابعة الجديد... وهكذا... فالعالم يسير... ونحن نسير وراءه تماما كما يسير القرود وراء (القرداتي)... وأرقص يا ميمون... ترى الكل راقصين..!!


وأخيرا أقول صدق الصادق الأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال مامعناه ( لتحذون حذو من كان قبلكم حذو القذه بالقذه ، قالوا : اليهود والنصارى يارسول الله ..فرد عليه الصلاة والسلام: فمن؟! (سؤال استنكاري)0

منقوله بتصرف

شاهين