PDA

View Full Version : أي منظور لمستقبل الهوية في مواجهة تحديات العولمة؟(_4)


الأستاذ محمد عادل التريكي
30-08-2000, 12:16 AM
خطاب العولمة :

تواجه العولمة بخطابها العالم كله بعد أن هدَّت معاقل الأيديولجيا المناهضة لليبرالية
الإقتصادية. ويقول الخطاب الأمريكي: إن العولمةَ ليست مجرد خيارٍ قابلٍ للتبنٍّي والرفضي،
بل هي حتميةٌ لامناصَّ عنها في توجُّه النظام العالمي الجديد، ولاخيارَ للعالم النامي غيرَهـا
إلاخيارَ بقائِه محبوساً في تخلفه. ويضيف هـذا الخطاب: أن العولمةَ هي أقربُ الطريــقِ
وأجداها لتحقيق الحداثة السياسية والإجتماعيةِ والفكريةِ للعالم المتخلف، وهي أنجَـــع
الوسائل لطيِّه بسرعة مراحل التنمية الشاملة، لأنها وحدها الكفيلة بتأهيله إقتصاديا،وبالتالي
فكريا وآجتماعياً. بل يذهب الخطاب إلى القول: إن تغييرَ العالم إلى أفضل مرهون بتطبيقها. وبذلك يأخذ شكلَ الهجوم وإحكام ليِّ الطوقِ على حرية الإختيار، لأن العولمةَ
بمقتضى هذا الخطاب هي السبيل الوحيد إلى تنمية عالم بلا حدود إقتصادية، عالمٌ لايسودُه
إلا قانون السوق، ولأن برنامَجَها وحده الكفيل بتضييق الهوة الفاصلة بين الأغنياء والفقراء
وبين المجتمعات المتقدمة إقتصادياً والأخرى الطامحة إلى النمو.
ويضيف الخطاب الأمريكي مدلِّلاً على العولمة: أنه لم يعد في إمكان الدول الصغرى أن
تستغلَّ تناقضاتِ الكبار، كما تفعلُ أثناء الحرب الباردة، وبأنَّ الإنفتاحَ السياسِيَّ الـذي
تحقق بين العالم بعضُه على بعضٍ لا ينفصل ُ عن الإنفتاح الإقتصاديِّ. فهُما معاً أساسيان
في مفهوم العولمة، لذلك تربط الولاياتُ المتحدة بينهما ربطاً عضوياً، وترهَن تعاوُنَها مـع
الغير بمدى إحترامِه والتزامِه بالإنفتاحَيْنِ معاً.


  

 إدارة العولمة :

للعولمة إدارةٌ إقتصاديةٌ عالميةٌ تُمارسُها بِحزْم وقُوَّةٍ وبتقنياتٍ عِلميةٍ مؤسساتٌ دوليةٌ على
صعيدِ التنظير والممارسة، أكبرُها: البنك العالمي.. وصندوق النقد الدولي.. ومنظمة التعاون
والتنمية الإقتصادية التي يقال عنها إنها نادي الأغنياء.
وكلُّها تُفَكِّر بالمنطق الأمريكي وتستمدُّ تنظيرَها من نَمط الإقتصاد الأمريكي وتستمـدُّ
تنظيرَها من نمط الإقتصاد الأمريكي الناجح المتوفر على رؤوس الأموال الكبرى القادرة على كسب الرِّهان في مجال تنافس الرأسمال العالمي. وهذه الإدارة هي التي توجِّه سياسة العولمة وتضغط على الدول للعمل بتوجيهاتها.
وهذا يقودُنا إلى القول إن كلَّ شيء يؤهِّلُ الولايات المتحدة لتفُوزَ بقَصَب السَّبق في نظام
العولمة الذي أخذ العالم يعيشه، والذي لايقوَى على المنافسة المحدودةِ فيه بعد الولايــات
المتحدة وبتفاوت. إلا كندَا في أمريكا الشمالية، ومجموعة الإتحاد الأوربي، ومنطقة شرق وجنوب شرق آسيا التي تضم اليابان والصين والتُّنَيْنَاتِ الصاعدة التي تَرْتَدُّ ببصرِهـا إلى
الشرق وتَقْتَبِسُ من النَّهجِ الياباني.

  

 عمل إدارة العولمة :

ويواكب الخطابُ المنهجيُّ المُعَوْلَم حملةً تقنيةً رديفةً تقوم بها المؤسساتُ الإقتصاديةُ الدوليةُ
التي تمثلُ الإدارة التي تعمل بها العولمة، مثل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي لإسنــاد
الخطاب الأمريكي بتقارير مُعزَّزة بإحصائيات عن الوسائلِ بانتشالِ الإقتصادات الوطنيـةِ
من ركودها أو تَعَثُّرها، وعن الآلياتِ التي يجب على الدول النامية أن تستعملَها لتحـقيقِ
النَّهضةِ الإقتصادية على درب التنميةِ الشاملة ،ومنها ماعُرف ببرامج التقويماتِ الهيكليـة،
والتخصيصِ الشامِلِ، وانحسارِ دَوْرِ الدولةِ الوطنية، وتخلِّيها عن الإنفاقِ على ميـــادين
الرعاية الإجتماعيـة التى تُثْقِل كاَهِلَها في مجالِ التربيةِ والتعليمِ والصحةِ والإعلامِ والبيئـةِ
والتشغيلِ والمنافعِ الإجتماعية،وتحرير الدولة من أعباءِ صندوقِ المِقَاصَّةِ بتركِ الأسعـــار
للتنافُسِ الحُرِّ وقانونِ العرضِ والطلبِ، وتخفيض كلفة المقاولة ،والإلتزامِ باللُّيونةِ والمرونةِ في علاقاتِ الشغلِ.
وهكذا فالعولمةُ بمقتضى هذا الخطاب ديناميةٌ واعدةٌ بمستقبلٍ أرغدَ للبشريةِ، وبفضلِها تستطيع فصائل العالم تحقيقُ التغيير الذي كانت تطمح إليه، والتي كانت تفتقد- قبل التوجه نحو العولمة- وسائلَه وآلياتَه.ويتوجه مُنظِّرو العولمة في الولايات المتحدة الأمريكية
إلى العالم بهذا الخطابِ دون أن يغفَلوا تركيز الإقتناع لدى شعوبهم أنفسَهـم بحَسَناتِهـا
فالرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" يخاطب الأمةَ الأمريكيةَ ويقول:" ستكونُ العولمةُ حظَّ الولايات المتحدة الواعد، ولن تُشَكِّل أيةَ عرقلةٍ لتقدُّمِها، ستقيمُ عالماً جديداً بحدودٍ جديدة يجب توسيعُها، ولن يُشَكِّلَ قيامُ العولمةِ أيَّ تهديدٍ لنا."
ولكن هذا بالنسبة للأمريكيين فماذا عن الآخرينَ؟

بقلم الأستاذ محمد عادل التريكي
(يتبع في اللقاء القادم)