بو عبدالرحمن
15-09-2000, 10:18 AM
_
الأصل أن هذا الموضوع كان رداً ..
غير أني وجدته يصلح أن يكون موضوعاً مثيراً ومفيداً ونافعاً ..
سألتني إحدى الأخوات الفاضلات حول فتوى للشيخ القرضاوي ، فاستعنت بالله وكتبت :
_
ابتداءً : حديثي هنا ليس عن الشيخ القرضاوي حفظه الله بالذات ، وإنما أنا أتحدث عن أي عالم تحت كل سماء _
1) ضعي في حسابك هذه القاعدة : كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد عليه ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل ..
2) معنى ذلك : أننا نتوقع في أي لحظة أن يخطئ الإنسان _ مهما بلغ من العلم _ ومهما بلغ حبنا له واحترامنا إياه _
وفي الغالب يكون خطأ العالم عن اجتهاد يراه هو ، قد تخالفه اجتهادات أخرى هي الأرجح في المسألة ..
3) ولا يعني خطأ العالم أن يتنكر لعلمه ، وينسى فضله ، ويمحى جهاده ، ويهال التراب على سيرته ، فتترك كل أقواله ،
ولا تقرأ كتبه ، ولا يسمع لكلامه .. هذا جحود ، وعقوق لا يقبله شرع ، ولا يرضاه علم ..
4) ولو أننا تركنا كل من أخطأ ، وحملنا عليه ، وشنعنا عليه ، وشوهنا صورته ، فوالله الذي لا إله إلا هو ، لن يبقى عالم
نرجع إليه ، لأنه لا كامل إلا الله ، ولا معصوم إلا رسول الله ، فأنت ستشنع على عالم ، وأنا على آخر ، وذاك على ثالث ،
وسنكون أداة لتشويه صورة العلماء ، بل صورة الدين كله .. ولكن لنعرف كيف نأتي البيوت من أبوابها ..
5) فلا ينبغي يا أختاه .. أن تنصدمي ، إذا قرأت فتوى عن عالم جليل ، ترين علماء آخرين يخالفونه فيها .. ولكن عليك
بالميزان الواضح البين : ما حاك في صدرك فبادري فوراً لتسألي عنه هنا وهناك كل ثقة تعرفينه ، أو يمكن الاتصال به ..
اطرقي كل باب ، واسلكي كل طريق لتصلي إلى الحق الذي يرضاه الله عز وجل .. ولو استطعت أن تتابعي الموضوع في
الكتب المختلفة فذلك أولى وأحرى ، وهذا يمنحك بجدارة اللقب الجليل ( طالب علم ) بمعنى لا تكتفين أن تتلقفي فتوى
مناقضة من شيخ آخر ، ثم تبدأين بتجريح الشيخ الأول .. بلابحثي وتابعي ثم قولي بكل أدب : غفر للشيخ وتجاوز عنه ،
وتقبل الله منا ومنه صالح الأعمال .. ونحو هذا ..
6) لا ينبغي أن تصدّقي كل كلام تقرأينه في صحيفة على لسان عالم ، ففي كثير من الأحيان يظهر في الصحيفة كلام مبتور
من كلام الشيخ ، وينشرون ما يوافق أهواءهم ، وقد حدث هذا كثيراً حتى ضج أحد المشايخ وخصص لها محاضرة كاملة
.. فالكلام عبر المجلات والصحف لا تعتمدي عليه ، ولا تركني إليه ، وتذكري قول الحق تبارك وتعالى
( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوماً بجهالة )
وفي قراءة : فتثبتوا .. ثم لاحظي تذييل الآية ( فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) ..
7) كذلك الكلام المنقول من فلان وعلان وهذا وذاك في مجالس الناس لا تعولي عليه ، ولا تلتفي إليه .. صحيح نحن لا
نشك في نوايا الإنسان الذي ينقل ، ولكننا في الوقت نفسه لا نجعله عمدة لنا ومرجع .. بل علينا أن نتثبت بدقة ..
8) ثم هاهنا شيء آخر مهم : قد لا تعجبني فتاوى عالم معين .. فهل يعني هذا أن أرميه خلف ظهري ، فلا أقبل منه صرفاً
ولا عدلاً ..!؟ هذا لا يقول به عاقل فضلاً عن عالم ..
لا أرتاح لفتواه شيء ، ولكن لا أنتفع به في غير الفتوى هذا شيء آخر .. ولا ينبغي الخلط بينهما ..
9) يؤكد النقطة السابقة أن رسولنا صلى الله عليه وسلم علمنا أن نأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت منه . لا ننظر إلى
الوعاء ، ولكن تهمنا الحكمة التي خرجت ، فنأخذها غير ملتفتين إلى من قالها ، ولذا قال بعض السلف :
لا تنظر إلى من قال ، ولكن انظر إلى ما قال .. بل في السيرة المطهرة :
رأينا أبا هريرة رضي الله عنه يتلقى علماً جماً وخطيراً من …من … من ( الشيطان !!!) نفسه !..
وهذا أدب قرآني بحت .. يقول اله عز وجل وهو يمدح أقواماً يحبهم
( الذين يستمعون القول )_ ولم يحدد مصدره _ ( فيتبعون أحسنه ) يأخذون أحسن ما فيه ،و يتركون ما سواه ..
10) أختي في الله لا تعطي أذنك لكل من هب ودب ، وفي الوقت نفسه لا تسلمي لكل قائل مقوله ، وإنما احرصي على أن
تزني الأمور بكياسة ، ولأن تحسني الظن ، خير من أن تسيء الظن بمسلم .. فإساءة الطن مرض خطر يتفرع منه
أمراض عدة قد تهلك صاحبها وهو لا يشعر ..
وشيء آخر قبل أن أنسى تذكري حديث المفلس :
الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة وجهاد ..الخ .. ثم يأتي وقد شتم هذا وسب هذا وقدح في هذا و..و..
فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته حتى تفنى حسناته ، ثم يؤخذ من سيئاتهم فتوضع عليه ثم يلقى في النار ..!
قالوا هذا حين تظلم مسلماً عادياً ،
أما إذا وقع ظلمك على عالم ، فتلك مصيبة أعظم وأطم ، لأن لحوم العلماء مسمومة [ مسمومة للغاية ] ،
فقد أعلن الله الحرب صريحة على من يؤذي أولياءه ، وما يدريك أن هذا العالم ولياً من أوليائه سبحانه ، فتكون قد دخلت
في حرب مباشرة مع الله .. ؟!!
علينا أن نتريث طويلاً قبل أن نحكم ونهاجم ، وهل أكون آثم لو أني بلعت لساني فلم أتكلم في حق عالم _ على الأقل حرصاً
على حسناتي ، وخوفاً من أن أدخل في حرب مع الله _ ؟! كلا والله بل أحسب أن هذا هو عين العقل .. ولأدع عالم يرد
على عالم ويتصافيان ..! والله حسيبهما ..
أما أنا فلأبقى بخيلاً على حسناتي ، ولو كنت معطياً أحداً حسناتي لأعطيتها أمي..!!
كما قال ابن سيرين : لو كنت مغتاباً أحد ، لاغتبت أمي ، فهي أحق بحسناتي !!!
في الختام ..
على افتراض أن الشيخ أفتى بذلك : فهل كانت فتواه صائبة ؟ لو عدتِ لأصل الموضوع والتعقيبات عليه ، وبحثتِ في
المراجع التي تناولت المسألة ، لرأيت بوضوح أن الراجح حرمة الغناء بلا كلام .. وغفر الله لنا وللشيخ الجليل ، ويبقى
الكثير لديه مما يمكن أن نتعلمه منه ..
وسبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ..
معذرة على الإطالة ..
فالموضوع اقتضى هذه الإطالة ، ولولا خشية الملل لطال النفس أكثر .. وبالله التوفيق .
- - -
الأصل أن هذا الموضوع كان رداً ..
غير أني وجدته يصلح أن يكون موضوعاً مثيراً ومفيداً ونافعاً ..
سألتني إحدى الأخوات الفاضلات حول فتوى للشيخ القرضاوي ، فاستعنت بالله وكتبت :
_
ابتداءً : حديثي هنا ليس عن الشيخ القرضاوي حفظه الله بالذات ، وإنما أنا أتحدث عن أي عالم تحت كل سماء _
1) ضعي في حسابك هذه القاعدة : كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد عليه ، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أولو الفضل ..
2) معنى ذلك : أننا نتوقع في أي لحظة أن يخطئ الإنسان _ مهما بلغ من العلم _ ومهما بلغ حبنا له واحترامنا إياه _
وفي الغالب يكون خطأ العالم عن اجتهاد يراه هو ، قد تخالفه اجتهادات أخرى هي الأرجح في المسألة ..
3) ولا يعني خطأ العالم أن يتنكر لعلمه ، وينسى فضله ، ويمحى جهاده ، ويهال التراب على سيرته ، فتترك كل أقواله ،
ولا تقرأ كتبه ، ولا يسمع لكلامه .. هذا جحود ، وعقوق لا يقبله شرع ، ولا يرضاه علم ..
4) ولو أننا تركنا كل من أخطأ ، وحملنا عليه ، وشنعنا عليه ، وشوهنا صورته ، فوالله الذي لا إله إلا هو ، لن يبقى عالم
نرجع إليه ، لأنه لا كامل إلا الله ، ولا معصوم إلا رسول الله ، فأنت ستشنع على عالم ، وأنا على آخر ، وذاك على ثالث ،
وسنكون أداة لتشويه صورة العلماء ، بل صورة الدين كله .. ولكن لنعرف كيف نأتي البيوت من أبوابها ..
5) فلا ينبغي يا أختاه .. أن تنصدمي ، إذا قرأت فتوى عن عالم جليل ، ترين علماء آخرين يخالفونه فيها .. ولكن عليك
بالميزان الواضح البين : ما حاك في صدرك فبادري فوراً لتسألي عنه هنا وهناك كل ثقة تعرفينه ، أو يمكن الاتصال به ..
اطرقي كل باب ، واسلكي كل طريق لتصلي إلى الحق الذي يرضاه الله عز وجل .. ولو استطعت أن تتابعي الموضوع في
الكتب المختلفة فذلك أولى وأحرى ، وهذا يمنحك بجدارة اللقب الجليل ( طالب علم ) بمعنى لا تكتفين أن تتلقفي فتوى
مناقضة من شيخ آخر ، ثم تبدأين بتجريح الشيخ الأول .. بلابحثي وتابعي ثم قولي بكل أدب : غفر للشيخ وتجاوز عنه ،
وتقبل الله منا ومنه صالح الأعمال .. ونحو هذا ..
6) لا ينبغي أن تصدّقي كل كلام تقرأينه في صحيفة على لسان عالم ، ففي كثير من الأحيان يظهر في الصحيفة كلام مبتور
من كلام الشيخ ، وينشرون ما يوافق أهواءهم ، وقد حدث هذا كثيراً حتى ضج أحد المشايخ وخصص لها محاضرة كاملة
.. فالكلام عبر المجلات والصحف لا تعتمدي عليه ، ولا تركني إليه ، وتذكري قول الحق تبارك وتعالى
( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إن تصيبوا قوماً بجهالة )
وفي قراءة : فتثبتوا .. ثم لاحظي تذييل الآية ( فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) ..
7) كذلك الكلام المنقول من فلان وعلان وهذا وذاك في مجالس الناس لا تعولي عليه ، ولا تلتفي إليه .. صحيح نحن لا
نشك في نوايا الإنسان الذي ينقل ، ولكننا في الوقت نفسه لا نجعله عمدة لنا ومرجع .. بل علينا أن نتثبت بدقة ..
8) ثم هاهنا شيء آخر مهم : قد لا تعجبني فتاوى عالم معين .. فهل يعني هذا أن أرميه خلف ظهري ، فلا أقبل منه صرفاً
ولا عدلاً ..!؟ هذا لا يقول به عاقل فضلاً عن عالم ..
لا أرتاح لفتواه شيء ، ولكن لا أنتفع به في غير الفتوى هذا شيء آخر .. ولا ينبغي الخلط بينهما ..
9) يؤكد النقطة السابقة أن رسولنا صلى الله عليه وسلم علمنا أن نأخذ الحكمة من أي وعاء خرجت منه . لا ننظر إلى
الوعاء ، ولكن تهمنا الحكمة التي خرجت ، فنأخذها غير ملتفتين إلى من قالها ، ولذا قال بعض السلف :
لا تنظر إلى من قال ، ولكن انظر إلى ما قال .. بل في السيرة المطهرة :
رأينا أبا هريرة رضي الله عنه يتلقى علماً جماً وخطيراً من …من … من ( الشيطان !!!) نفسه !..
وهذا أدب قرآني بحت .. يقول اله عز وجل وهو يمدح أقواماً يحبهم
( الذين يستمعون القول )_ ولم يحدد مصدره _ ( فيتبعون أحسنه ) يأخذون أحسن ما فيه ،و يتركون ما سواه ..
10) أختي في الله لا تعطي أذنك لكل من هب ودب ، وفي الوقت نفسه لا تسلمي لكل قائل مقوله ، وإنما احرصي على أن
تزني الأمور بكياسة ، ولأن تحسني الظن ، خير من أن تسيء الظن بمسلم .. فإساءة الطن مرض خطر يتفرع منه
أمراض عدة قد تهلك صاحبها وهو لا يشعر ..
وشيء آخر قبل أن أنسى تذكري حديث المفلس :
الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة وجهاد ..الخ .. ثم يأتي وقد شتم هذا وسب هذا وقدح في هذا و..و..
فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته حتى تفنى حسناته ، ثم يؤخذ من سيئاتهم فتوضع عليه ثم يلقى في النار ..!
قالوا هذا حين تظلم مسلماً عادياً ،
أما إذا وقع ظلمك على عالم ، فتلك مصيبة أعظم وأطم ، لأن لحوم العلماء مسمومة [ مسمومة للغاية ] ،
فقد أعلن الله الحرب صريحة على من يؤذي أولياءه ، وما يدريك أن هذا العالم ولياً من أوليائه سبحانه ، فتكون قد دخلت
في حرب مباشرة مع الله .. ؟!!
علينا أن نتريث طويلاً قبل أن نحكم ونهاجم ، وهل أكون آثم لو أني بلعت لساني فلم أتكلم في حق عالم _ على الأقل حرصاً
على حسناتي ، وخوفاً من أن أدخل في حرب مع الله _ ؟! كلا والله بل أحسب أن هذا هو عين العقل .. ولأدع عالم يرد
على عالم ويتصافيان ..! والله حسيبهما ..
أما أنا فلأبقى بخيلاً على حسناتي ، ولو كنت معطياً أحداً حسناتي لأعطيتها أمي..!!
كما قال ابن سيرين : لو كنت مغتاباً أحد ، لاغتبت أمي ، فهي أحق بحسناتي !!!
في الختام ..
على افتراض أن الشيخ أفتى بذلك : فهل كانت فتواه صائبة ؟ لو عدتِ لأصل الموضوع والتعقيبات عليه ، وبحثتِ في
المراجع التي تناولت المسألة ، لرأيت بوضوح أن الراجح حرمة الغناء بلا كلام .. وغفر الله لنا وللشيخ الجليل ، ويبقى
الكثير لديه مما يمكن أن نتعلمه منه ..
وسبحانك اللهم وبحمدك ، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ..
معذرة على الإطالة ..
فالموضوع اقتضى هذه الإطالة ، ولولا خشية الملل لطال النفس أكثر .. وبالله التوفيق .
- - -