PDA

View Full Version : ابك على خطيئتك


أبو لـُجين ابراهيم
21-04-2001, 07:20 AM
ابك على خطيئتك

ذكر ابن القيم في كتابه الثمين : ( الياقوتة )

إخوانى : لو تفكرت النفوس فيما بين يديها ، وتذكرت حسابها فيما لها وعليها ، لبعث حزنها بريد دمها إليها ، أما يحق البكاء لمن طال عصيانه : نهاره في المعاصي ، وقد طال خسرانه ، وليله في الخطايا ، فقد خف ميزانه ، وبين يديه الموت الشديد فيه من العذاب ألوانه .

روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر فاستلمه ، ثم وضع شفتيه عليه يبكي طويلاً ، فالتفت ، فإذا هو بعمر يبكي ، فقال : يا عمر ههنا تسكب العبرات .

وقال أبو عمران الجوني : بلغني أن جبريل عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي ، فقال : يا رسول الله ما يبكيك : فقال : أو ما تبكي أنت ؟ فقال : يا محمد ، ما جفت لي عين منذ خلق الله جهنم مخافة أن أعصيه فيلقيني فيها .

وقال يزيد الرقاشي : إن لله ملائكة حول العرش تجري أعينهم مثل الأنهار إلى يوم القيامة : يميدون كأنما تنفضهم الريح من خشية الله ، فيقول لهم الرب عز وجل : يا ملائكتي ، ما الذي يخيفكم وأنتم عبيدي : فيقولون : يا ربنا لو أن أهل الأرض اطلعوا من عزتك وعظمتك على ما اطلعنا : ما ساغوا طعاماً ولا شرباً ، ولا انبسطوا في شربهم ، ولخرجوا في الصحاري يخورون كما تخور البقر .


فلو أن البكاء يرد همي ******************* لأسعدت الدموع مع الدماء

قال وهيب بن الورد : لما عاتب الله نوحاً أنزل عليه " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " ، فبكى ثلاثمائة عام حتى صار تحت أعينه أمثال الجداول من البكاء .

قال يزيد الرقاشي : إنما سمي ( نوحاً ) لأنه كان نواحاً .

أنوح على نفسي وأبكي خطيئةً *************** تقود خطايا أثقلت مني الظهرا

فيا لذة كانت قليل بقاؤها ****************** ويا حسرةً دامت ولم تبق لي عذرا

وقال السدي : بكى داود حتى نبت العشب من دموعه فلما رماه سهم القدر جعل يتخبط في دماء تفريطه ولسان اعتذاره ينادي : اغفر لي ، فأجابه : للخطائين ، فصار يقول : اغفر للخطائين

قال ثابت البناني : حشى داود سبعة أفرش بالرماد ثم بكى حتى أنفذتها دموعه .

تصاعد من صدري الغرام لمقلتي *************** فغالبني شوقي بفيض المدامع

وإن في ظلام الليل قمرية إذا ***************** بكيت بكت في الدوح طول المدامع

قال سليمان التيمي : ما شرب داود عليه السلام شراباً إلا مزجه بدموع عينيه .

قال مجاهد : سأل داود ربه أن يجعل خطيئته في كفه فكان لا يتناول طعاماً ولا شراباً إلا أبصر خطيئته فبكى ، وربما أتى بالقدح ثلثاه فمد يده وتناوله ، فينظر إلى خطيئته ، ولا يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه .

وقال بعض أصحاب فتح : رأيته ودموعه خالطها صفرة فقلت : على ماذا بكيت الدم ؟ قال : بكيت الدموع على تخلفي عن واجب حق الله ، والدم خوفاً أن لا أقبل ، قال : فرأيته في المنام ، فقلت : ما صنع الله بك ؟ قال : غفر لي ، قلت : فدموعك ! قال : قربتني ، وقال : يا فتح على ماذا بكيت الدموع ؟ قلت : يا رب على تخلفي عن واجب حقك ، قال : فالدم ؟ قلت : بكيت على دموعي خوفاً أن لا تصبح لي ، قال : يا فتح ، ما أردت بهذا كله ، وعزتي وجلالي لقد صعد إلى حافظاك أربعين سنة بصحيفتك ما فيها خطيئة .

أجارتنا بالغدر والركب متهم ************ أيعلم خال كيف بات المتيم
رحلتم وعمر الليل فينا وفيكم ************ سواءً ولكن ساهرات ونوم

تناءيتم من ظاعنين وخلفوا **************** قلوباً أبت أن تعرف الصبر عنهم

ولما جلى التوديع عما حذرته ************** ولا زال نظرة تتغنم

بكيت على الوادي فحرمت ماؤه************ وكيف يحل الماء أكثره دم

قال عبد الله بن عمرو : كان يحيى يبكي حتى بدت أضراسه .

قال مجاهد : كانت الدموع قد اتخذت في خده مجرى .

يا من معاصيه أكثر من أن تحصى ، يا من رضى أن يطرد ويقصى ، يا دائم الزلل وكم ينهى ويوصى ، يا جهولا بقدرنا ومثلنا لا يعصي ، إن كان قد أصابك داء داود ، فنح نوح نوح ، تحيا بحياة يحيى .

روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في وجهه خطوط مسودة من البكاء .

وبكى ابن مسعود ، حتى أخذ بكفه من دموعه فرمى به .

وكان عبد الله بن عمر يطفىء المصباح بالليل ثم يبكي حتى تلتصق عينيه .

وقال أبو يونس بن عبيد : كنا ندخل عليه فيبكي حتى نرحمه .

وكان سعيد بن جبير ، قد بكى حتى عمش .

وكان أبو عمران الجوني ، إذا سمع المؤذن ، تغير وفاضت عيناه .

وكان أبو بكر النهشلي ، إذا سمع الأذان تغير لونه وأرسل عينيه بالبكاء .

وكان نهاد بن مطر العدوي ، قد بكا حتى عمي

وبكى ابنه العلا ، حتى عشى بصره .

وكان منصره قد بكى حتى جردت عيناه .

وكانت أمه تقول : يا بني ، لو قتلت قتيلاً ما زدت على هذا .

وبكى هشام الدستوائي حتى فسدت عيناه وكانت مفتوحة ، وهو لا يبصر بها .

وبكى يزيد الرقاشي أربعين سنة حتى أظلمت عيناه وأحرقت الدموع مجاورتها .

وبكى ثابت البناني حتى كاد بصره أن يذهب ، وقيل له : نعالجك ، على أن لا تبكي ، فقال : لا خير في عين لم تبك :

بكى الباكون للرحمن ليلاً ************* وباتوا دمعهم ما يسأمونا
بقاع الأرض من شوقي إليهم ************ تحن متى عليها يسجدونا

كان الفضل قد ألف البكا ، حتى ربما بكى في نومه حتى يسمع أهل الدار :

ورقت دموع العين حتى كأنها ************* دموع دموعي ، لادموع جفوني

وكان أبو عبيدة الخواص يبكي ، ويقول : قد كبرت فاعتقني .

وبكى مالك بن دينار حتى سود طريق الدموع خديه ، وكان يقول : لو ملكت البكاء لبكيت أيام الدنيا :

ألا ما لعين لا ترى قلل الحمى********** ولا جبل الديان إلا استهلت

قادت الهوى وأحلت ********* إذا كانت القلوب للخوف ورقت

رفعت دموعها إلى العين وقت*********** فأعتقت رقاباً للخطايا رقت

من لم يكن له مثل تقواهم ، لم يعلم ما الذي أبكاهم ، من لم يشاهد جمال يوسف : لم يعلم ما الذي [ آلم ] قلب يعقوب :

من لم يبت والحب حشو فؤاده لم يدر كيف تفتت الأكباد

فيا قاسي القلب ، هلا بكيت على قسوتك ، ويا ذاهل العقل في الهوى هلا ندمت على غفلتك ، ويا مقبلاً على الدنيا فكأنك في حفرتك ، ويا دائم المعاصي خف من غب معصيتك ، ويا سيىء الأعمال نح على خطيئتك ، ومجلسنا مأتم للذنوب ، فابكوا فقد حل منا البكاء ، ويوم القيامة ميعادنا لكشف الستور وهتك الغطاء .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ