PDA

View Full Version : الجهاد في سبيل الله (56)


د . عبد الله قادري الأهدل
20-05-2001, 08:16 AM
( 56 )
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد اشتداد الفتنة
ويشتد العذاب والاعتداء عليه وعلى أصحابه فيأتيهم بعضهم شاكياً فيأمرهم بالصبر، وينزل القرآن منكراً على من يظن أنه يكفيه أن يقول إنه مؤمن وتخلو طريقه من الفتنة والابتلاء، مبيِّناً لهم أن المؤمنين قبلهم قد فتنوا فالطريق واحد، وأن هذه الفتنة تميز الصادق من الكاذب. وهنا يسمَّى الثبات على دين الله والصبر على الفتنة جهاداً يعود نفعه لصاحبه: ( الم، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنَّا الذين من قبلهم فلَيعلمنَّ الله الذين صدقوا وليعلمنَّ الكاذبين – إلى قوله: - ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ) [ العنكبوت: 1،2،3،6 ].
وتتنوع الفتنة على المؤمنين فتقف الأسرة كلها – وعلى رأسها الأم وما أدراك ما الأم – ضد المؤمن، فتقسم الأم ألاّ تأكل ولا تشرب ولا تستظل حتى يكفر ابنها بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيقول لها: لو كانت لك مائة نفس فخرجت الواحدة تلوا الأخرى ما رجعت عن ديني، ويُنزل الله في ذلك: ( ووصينا الإنسان بوالديه حُسْناً، وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ) [ العنكبوت: 8، وراجع القصة في تفسير ابن كثير (3/445 ].
ويضطر عليه الصلاة والسلام أن يترك مكة وهي أحب البقاع إليه، فيولي وجهه شطر المدينة وهو يلتفت إلى البلد الأمين، فيسلِّيه ربه، ويَعدُه بالعودة إلى بلده الحبيب: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد، قُل ربّي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين) [ القصص: 85 ].
ويخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة مضطرين وهي حبيبة إلى نفوسهم، خائفين مما ينتظرهم بعد تركهم بلادهم، تاركين منازلهم التي ألفوا الراحة فيها، وأموالهم التي كانوا يتنعمون بها، فيسلِّيهم ربهم أن الأرض أرض الله والمهم أن يقوموا بعبادته في أي أرض كانت، وأن الموت آت لا محالة لا يؤخره البقاء في المنزل ولا يقدمه الخروج من البلد، وأن المنازل الحقيقية هي منازل الجنة التي أعدها الله لعباده العاملين الصابرين، وأن الرزق مضمون لدواب الأرض كلها حتى التي لا قدرة لها على حمل رزقها:
( يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون، كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون، والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنّهم من الجنة غُرَفاً، تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نِعْم أجر العاملين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون، وكأين من دابة لا تحمل رزقها وإياكم وهو السميع العليم ) [ العنكبوت: 56-60 ].
ويؤكد الله للمجاهدين في سبيله – وكان الجهاد آنئذ: جهاد الدعوة والصبر على الأذى والمحنة – ليهديَّنهم السُّبُل الموصلة إلى مرضاته، وهو معهم لأنهم محسنون، ومن كان الله معه فالعاقبة المحمودة له: (والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلنا وإنّ الله لَمَعَ المحسنين) [العنكبوت: 69] .