الطارق
15-09-2001, 07:21 PM
كان سبب رحلتي وخروجي من قرية المثوية بعربتي التي يجرها بغلا فره إلى الحاضرة بغية نقلي من تلك القرية التي أُعلم فيها منذ أكثر من أربع أعوام ، إلى مدينة تقرب من مستقري وأهلي !!
فمنذ ذلك التاريخ وأنا أقبع في قرية المثوى والتي تقع في أقصى الجنوب ، رغم محاولتي المتكررة طلبا للنقل من هذه القرية التي تبعد عن مدينتي ومسكني مئات الأميال !!
إلا أنه وفي هذه المرة ، وجدت واسطة موثوقا بها وبنفوذها ، وهو صديقنا الوجيه مالك بن الريب والذي سألتقيه في مدينة الدميمة والتي تبعد عن الحاضرة 40 ميلا ، و الذي له علاقة صداقة بصديق الحريري كبير الوزراء في مرابع عرب فينييقسطان والمتجنس في مراببع عربسطان والألف ألفي الشهير وصاحب مسرح عرائس الظل والمنتشرة في كل مكان !
بدأت رحلتي في صباح يوم الخميس وذلك بعد استئذاني من رئيس الكُتاب بكُتابنا المستأجر والذي أصاب الزمن جدرانه بالتصدع والشروخ أو كما يقول جحا مستظرفا أصاب جدرانه حمى الوادي المشروخ !!
وصلت بعد سويعات إلى قرية الدروب حيث يسكن صديقي الظريف جحا ، وقد وعدته بصحبتي لحاجته لزيارة الحاضرة ، وليخفف عني ثقل الرحلة ويؤنس من رحلتي !!!
وبعد المستراح في دار جحا لعدة ساعات وقد حكى لي سبب هجرته التعليم فقال : أهدي إلي بقلاوة من ولي أمر أحد الطلاب وكان ذلك في وقت درس فشغلت بأمر وخفت أن يأكل الطلاب في الكُتاب البقلاوة فقلت لهم : أحذروا أن تأكل هذه البقلاوة ، لأني لا أمن أن تكون مهداه من عدو قد وضع فيها بعض السم ! وأخذت أؤكد لهم هذا حتى أيقنت باقتناعهم فذهبت ، وكان من بين هؤلاء الطلاب ولدا عفريت علم أن هذا الكلام دسيسة وخدعة مني !
فما أن خرجت من الكتاب حتى أخذ يقنع صحبه ويدعوهم لأكل البقلاوة وهم ممتعين ، حتى أقنعهم أن قولي خدعة لكنهم خافوا جريرة سخطي عليهم فقال لهم هذا العفريت : لا تخافوا ودعوا الأمر لي !
فلتهموا جميع البقلاوة ولم يبقوا من شيء وهم في ضحك ولعب !
ثم قام هذى الصبي العفريت بالجلوس في مكاني وكسر مبراتي !
وعندما عودتي وجدت المبراة قد كسرت فسألت من كسرها ؟! فأشار الجميع إلا هذه العفريت ! فأخذت أهدد وأتوعد فأخذ هذا الصبي يبكي ويصخب وقال : أنكسر قلمي وأردت بريه فانكسرت المبراة فغبت ما أصابني وقلت بأي وجه أقابل معلمي ! وبماذا أجيبه ! وقلت أن حضر فسيضربني ويكسر عظامي ، ففضلت الموت على هذا العذاب ! وفكرت في وسيلة أموت فيها وأخير خطر في بالي أن آكل من البقلاوة المسمومة فتشهدت وأغمضت عيني وأخذت ألتهم البقلاوة قطعة بعد أخرى لكن مع الأسف ولسوء حظي لم أمت بعد !!
فكدت أموت من الغيظ بسبب هذا الصبي ، وأصبحت نادرة الكُتاب ومسخرة المعلمين ، فقدمت استقالتي من هذا الكتاب !!
واعتمدت على راتب زوجتي المعلمة ، ونقلي للمعلمات في قريتي منذ ذلك اليوم !
أكملنا رحلتنا في صباح اليوم التالي ، و بعد أن ودع جحا زوجه وولده وحماره وموصيا ولده أن يأخذ مكانه في العمل!!
حتى وصلنا لمدينة الغيث في عصر اليوم الثاني من رحلتي ! وقد دخلنا تلك المدينة العامرة ، وحدث قبل وصولنا لهذه المدينة وفي يوم الأربعاء حادث مروع كثير ما تكرر في هذه المدينة ، فقد اصطدمت عربة تجرها بعض الخيل وتحمل سبع من المعلمات من مدينة أخرى تبعد 40 ميلا ، اصطدمت بعربة يقلها بغل يحمل الزيت فتوفي جميع من فيها يرحمهم الله .
فصلينا عليهم صلاة الميت بعد صلاة الجمعة في هذا اليوم وبعد أن وصل ذويهم إلى هذه المدينة ..
وقد كانت موضوع خطبة الجمعة في مسجد الغيث عن السمع والطاعة لولي الأمر ودرء الفتنة !
بقينا في مدينة الغيث بقية هذا اليوم وقد سكنا في خان في طرف المدينة ، نجهز نفسنا لعبور درب الساحلية غير الممهد !! والذي قيل فيه أن الذاهب عبره مفقود والخرج منه مولود !
وفي الصباح الباكر خرجنا من هذه المدينة وعبرنا درب الساحلية وأيدينا على قلوبنا خوفا من أي حادث ، بسبب سوء الطريق ووعورته ، حتى عبرنا هذا الطريق ولله الحمد ، ووصلنا إلى مدينة الطاهرية ..
ومن عجيب ما رأينا في هذه المدينة آنا التقينا برجلين من زملاءنا المعلمين كان أحدهما يسكن في أقصى الشمال ويدرس في أقصى الجنوب والآخر يسكن أقصى الجنوب ويدرس في الشمال ، وقد التقيناهم في أحد المقاهي ونحن جلوس على النرجيلة فعجبنا من أمرهم و سألهم جحا عن أمرهم ؟! وكيف عين الشمالي في الجنوب وعين الجنوبي في الشمال ؟!
فقال الشمالي : لا تعجبوا من هذا فهي سياسة متخبطة ! يوظف فيها المعلمون بالهبل ! وليس فيها من العقل من شيء !
فقال جحا : وكيف تعرفتم على بعض فقال الجنوبي : لنا ثلاثة سنين ونحن نلتقي في هذا المقهى !
فقلت لهم : ولما لم تطلبوا التبادل في الوظيفة ، بحيث يعلم الجنوبي في الجنوب ، والشمال في الشمال ؟!
فضحكا الاثنين وقال الشمالي : لقد طلبنا ذلك منذ سنة ، وبعد عدة لجان لدراسة هذا الطلب ! رفض هذا الطلب بدعوا أن هذا بدعة مستحدثة في التعليم ، وقد يسبب القبول بهذا الطلب فوضى في التعليم فيطمع من في قلوبهم مرض بنهج هذا الأمر ويفتح على الديوان عدد مهول من المعلمين من من يطلب المبادلة فيشغل الديوان عن عمله !!
فعجبنا من هذا الأمر !! وعجبنا من هذه السياسة !
بقينا في مدينة الطاهرية يوم السبت ، وفي عصر يوم الأحد غادرناها إلى الإقليم الأوسط حتى وصلنا إلى مدينة الدميمة التي تبعد عن الحاضرة 40 ميلا حيث التقينا بمالك بن الريب في قصره المنيف والذي أحسن إضافتنا بكرمه المعهود ، وأخبرنا أنه عرض على الوجيه صدبق الحريري بأمري وطلبي النقل فكتب جزاه الله خيرا رسالة وتوصية لحملها للمسؤولين عن ديوان التعليم بتسهيل نقلي ، فشكرت لصديقنا الفاضل تعطفه هذا ، وفضله..
كما طلبت من صديقي الفاضل مالك بن الريب إيصال عميق شكري للوجيه الفاضل ، وإعجابي بمسرح الظل ومتابعتي له والذي كان مؤنسي في وحدتي طوال الأربع سنوات الماضية ! وإعجابي بالقائمين به وخاصة الجارية مُنه والجارية لولا والمهرج الكبير ميشوب ومسرحه الظل الجديد عين !
وفي صباح اليوم التالي – أي في يوم الاثنين - غادرنا بمعية الفاضل مالك بن الريب - والذي حلف علينا بمصاحبتنا رغم مشاغله جزاه الله خيرا - فغادرنا مدينة الدميمة إلى الحاضرة ووصلنا في عصر ذلك اليوم ، وإذ بجمع كبير من الحريم والنساء متظاهرين بجوار ديوان تعليم البنات فقال جحا : لا أدري لما لا يتظاهر في هذه البلاد إلا الحريم !!!
فسألنا عن الأمر فقيل أن كثير من المعلمات الذين يعلمن بعيدا عن أهلهن جئنا يطلبن نقلهن للتدريس قريب من أهلهن !!
وصرخت إحداهن قائلة : لقد حلف علينا أزواجنا بالطلاق إن لم يتم نقلنا !!
وعانينا الكثير من المشاكل في حياتنا بسبب هذه المشاوير التي نقطعها ، هذا غير الحوادث التي تحصد الكثير من المعلمات !!
ألا يتفهم المسؤولين وضع المرأة في بلادنا ، أليس من خطة لحل هذه المشكلة ، وتوظيفنا قريبا من أهلنا !!!
وأخذت صيحات التأييد من النساء تصدح في الأرجاء !
وفجأة قطع هذه الصيحات خروج رئيس ديوان تعليم البنات هو يهدد ويتوعد ، ويزمجر ويرعد ، وألقى خطب طويلة قال فيها :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني
أني لأرى رؤسا قد أينعت وحان قطافها وإني لقاطفها !
يا حريم إني والله ما أغمز كتغماز التين ولا يقعقع لي بالشنان ولقد فررت عن ذكاء وجربت إلى الغاية القصوى ، وإن السلطان أطال الله في عمره نثر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فوضعني عليكم .
أما والله لأمرمط بكم ولأقرفكن في عملكن ، ولأشتتكن في كل مكان وأشغلكن عن أهلكن ..
أو تعودن إلا صوبكن وتؤمن بقدركن … )
فأزداد صخب النساء وصاحت إحداهن : يا أخوات ألقمن هذا بمداسكن !!
فقال جحا : والله ما أبعد هذا الرجل عن الرشد والرشاد !!!!!
وقال متمثلا :
مما يزهدني في أرض عربسطان *** أسماء الرشيد والمرشد
أسماء رئاسة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخ صورة أسد
وأثناء تلك الخطبة خرج مالك بن الريب ليعمل النصيحة لرئيس الديوان !!
وعاد إلينا مالك بن الريب وقال لنا : أنه همس في إذن الرئيس بالروية في الأمر والعمل بالمسايسة والحيلة وأن يعدهم خيرا فإن انفض جمعهن وعدنا إلى ديارهن حذر أولياء أمورهن أن كررن هذا من فصلهن واعتقالهم !
ويبدوا أن رئيس الديوان قد أخذ النصيحة فبدأ يخفف من لهجته يعدهم مواعيد عرقوبية !!
فمنذ ذلك التاريخ وأنا أقبع في قرية المثوى والتي تقع في أقصى الجنوب ، رغم محاولتي المتكررة طلبا للنقل من هذه القرية التي تبعد عن مدينتي ومسكني مئات الأميال !!
إلا أنه وفي هذه المرة ، وجدت واسطة موثوقا بها وبنفوذها ، وهو صديقنا الوجيه مالك بن الريب والذي سألتقيه في مدينة الدميمة والتي تبعد عن الحاضرة 40 ميلا ، و الذي له علاقة صداقة بصديق الحريري كبير الوزراء في مرابع عرب فينييقسطان والمتجنس في مراببع عربسطان والألف ألفي الشهير وصاحب مسرح عرائس الظل والمنتشرة في كل مكان !
بدأت رحلتي في صباح يوم الخميس وذلك بعد استئذاني من رئيس الكُتاب بكُتابنا المستأجر والذي أصاب الزمن جدرانه بالتصدع والشروخ أو كما يقول جحا مستظرفا أصاب جدرانه حمى الوادي المشروخ !!
وصلت بعد سويعات إلى قرية الدروب حيث يسكن صديقي الظريف جحا ، وقد وعدته بصحبتي لحاجته لزيارة الحاضرة ، وليخفف عني ثقل الرحلة ويؤنس من رحلتي !!!
وبعد المستراح في دار جحا لعدة ساعات وقد حكى لي سبب هجرته التعليم فقال : أهدي إلي بقلاوة من ولي أمر أحد الطلاب وكان ذلك في وقت درس فشغلت بأمر وخفت أن يأكل الطلاب في الكُتاب البقلاوة فقلت لهم : أحذروا أن تأكل هذه البقلاوة ، لأني لا أمن أن تكون مهداه من عدو قد وضع فيها بعض السم ! وأخذت أؤكد لهم هذا حتى أيقنت باقتناعهم فذهبت ، وكان من بين هؤلاء الطلاب ولدا عفريت علم أن هذا الكلام دسيسة وخدعة مني !
فما أن خرجت من الكتاب حتى أخذ يقنع صحبه ويدعوهم لأكل البقلاوة وهم ممتعين ، حتى أقنعهم أن قولي خدعة لكنهم خافوا جريرة سخطي عليهم فقال لهم هذا العفريت : لا تخافوا ودعوا الأمر لي !
فلتهموا جميع البقلاوة ولم يبقوا من شيء وهم في ضحك ولعب !
ثم قام هذى الصبي العفريت بالجلوس في مكاني وكسر مبراتي !
وعندما عودتي وجدت المبراة قد كسرت فسألت من كسرها ؟! فأشار الجميع إلا هذه العفريت ! فأخذت أهدد وأتوعد فأخذ هذا الصبي يبكي ويصخب وقال : أنكسر قلمي وأردت بريه فانكسرت المبراة فغبت ما أصابني وقلت بأي وجه أقابل معلمي ! وبماذا أجيبه ! وقلت أن حضر فسيضربني ويكسر عظامي ، ففضلت الموت على هذا العذاب ! وفكرت في وسيلة أموت فيها وأخير خطر في بالي أن آكل من البقلاوة المسمومة فتشهدت وأغمضت عيني وأخذت ألتهم البقلاوة قطعة بعد أخرى لكن مع الأسف ولسوء حظي لم أمت بعد !!
فكدت أموت من الغيظ بسبب هذا الصبي ، وأصبحت نادرة الكُتاب ومسخرة المعلمين ، فقدمت استقالتي من هذا الكتاب !!
واعتمدت على راتب زوجتي المعلمة ، ونقلي للمعلمات في قريتي منذ ذلك اليوم !
أكملنا رحلتنا في صباح اليوم التالي ، و بعد أن ودع جحا زوجه وولده وحماره وموصيا ولده أن يأخذ مكانه في العمل!!
حتى وصلنا لمدينة الغيث في عصر اليوم الثاني من رحلتي ! وقد دخلنا تلك المدينة العامرة ، وحدث قبل وصولنا لهذه المدينة وفي يوم الأربعاء حادث مروع كثير ما تكرر في هذه المدينة ، فقد اصطدمت عربة تجرها بعض الخيل وتحمل سبع من المعلمات من مدينة أخرى تبعد 40 ميلا ، اصطدمت بعربة يقلها بغل يحمل الزيت فتوفي جميع من فيها يرحمهم الله .
فصلينا عليهم صلاة الميت بعد صلاة الجمعة في هذا اليوم وبعد أن وصل ذويهم إلى هذه المدينة ..
وقد كانت موضوع خطبة الجمعة في مسجد الغيث عن السمع والطاعة لولي الأمر ودرء الفتنة !
بقينا في مدينة الغيث بقية هذا اليوم وقد سكنا في خان في طرف المدينة ، نجهز نفسنا لعبور درب الساحلية غير الممهد !! والذي قيل فيه أن الذاهب عبره مفقود والخرج منه مولود !
وفي الصباح الباكر خرجنا من هذه المدينة وعبرنا درب الساحلية وأيدينا على قلوبنا خوفا من أي حادث ، بسبب سوء الطريق ووعورته ، حتى عبرنا هذا الطريق ولله الحمد ، ووصلنا إلى مدينة الطاهرية ..
ومن عجيب ما رأينا في هذه المدينة آنا التقينا برجلين من زملاءنا المعلمين كان أحدهما يسكن في أقصى الشمال ويدرس في أقصى الجنوب والآخر يسكن أقصى الجنوب ويدرس في الشمال ، وقد التقيناهم في أحد المقاهي ونحن جلوس على النرجيلة فعجبنا من أمرهم و سألهم جحا عن أمرهم ؟! وكيف عين الشمالي في الجنوب وعين الجنوبي في الشمال ؟!
فقال الشمالي : لا تعجبوا من هذا فهي سياسة متخبطة ! يوظف فيها المعلمون بالهبل ! وليس فيها من العقل من شيء !
فقال جحا : وكيف تعرفتم على بعض فقال الجنوبي : لنا ثلاثة سنين ونحن نلتقي في هذا المقهى !
فقلت لهم : ولما لم تطلبوا التبادل في الوظيفة ، بحيث يعلم الجنوبي في الجنوب ، والشمال في الشمال ؟!
فضحكا الاثنين وقال الشمالي : لقد طلبنا ذلك منذ سنة ، وبعد عدة لجان لدراسة هذا الطلب ! رفض هذا الطلب بدعوا أن هذا بدعة مستحدثة في التعليم ، وقد يسبب القبول بهذا الطلب فوضى في التعليم فيطمع من في قلوبهم مرض بنهج هذا الأمر ويفتح على الديوان عدد مهول من المعلمين من من يطلب المبادلة فيشغل الديوان عن عمله !!
فعجبنا من هذا الأمر !! وعجبنا من هذه السياسة !
بقينا في مدينة الطاهرية يوم السبت ، وفي عصر يوم الأحد غادرناها إلى الإقليم الأوسط حتى وصلنا إلى مدينة الدميمة التي تبعد عن الحاضرة 40 ميلا حيث التقينا بمالك بن الريب في قصره المنيف والذي أحسن إضافتنا بكرمه المعهود ، وأخبرنا أنه عرض على الوجيه صدبق الحريري بأمري وطلبي النقل فكتب جزاه الله خيرا رسالة وتوصية لحملها للمسؤولين عن ديوان التعليم بتسهيل نقلي ، فشكرت لصديقنا الفاضل تعطفه هذا ، وفضله..
كما طلبت من صديقي الفاضل مالك بن الريب إيصال عميق شكري للوجيه الفاضل ، وإعجابي بمسرح الظل ومتابعتي له والذي كان مؤنسي في وحدتي طوال الأربع سنوات الماضية ! وإعجابي بالقائمين به وخاصة الجارية مُنه والجارية لولا والمهرج الكبير ميشوب ومسرحه الظل الجديد عين !
وفي صباح اليوم التالي – أي في يوم الاثنين - غادرنا بمعية الفاضل مالك بن الريب - والذي حلف علينا بمصاحبتنا رغم مشاغله جزاه الله خيرا - فغادرنا مدينة الدميمة إلى الحاضرة ووصلنا في عصر ذلك اليوم ، وإذ بجمع كبير من الحريم والنساء متظاهرين بجوار ديوان تعليم البنات فقال جحا : لا أدري لما لا يتظاهر في هذه البلاد إلا الحريم !!!
فسألنا عن الأمر فقيل أن كثير من المعلمات الذين يعلمن بعيدا عن أهلهن جئنا يطلبن نقلهن للتدريس قريب من أهلهن !!
وصرخت إحداهن قائلة : لقد حلف علينا أزواجنا بالطلاق إن لم يتم نقلنا !!
وعانينا الكثير من المشاكل في حياتنا بسبب هذه المشاوير التي نقطعها ، هذا غير الحوادث التي تحصد الكثير من المعلمات !!
ألا يتفهم المسؤولين وضع المرأة في بلادنا ، أليس من خطة لحل هذه المشكلة ، وتوظيفنا قريبا من أهلنا !!!
وأخذت صيحات التأييد من النساء تصدح في الأرجاء !
وفجأة قطع هذه الصيحات خروج رئيس ديوان تعليم البنات هو يهدد ويتوعد ، ويزمجر ويرعد ، وألقى خطب طويلة قال فيها :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني
أني لأرى رؤسا قد أينعت وحان قطافها وإني لقاطفها !
يا حريم إني والله ما أغمز كتغماز التين ولا يقعقع لي بالشنان ولقد فررت عن ذكاء وجربت إلى الغاية القصوى ، وإن السلطان أطال الله في عمره نثر كنانته ثم عجم عيدانها فوجدني أمرها عودا وأصلبها مكسرا فوضعني عليكم .
أما والله لأمرمط بكم ولأقرفكن في عملكن ، ولأشتتكن في كل مكان وأشغلكن عن أهلكن ..
أو تعودن إلا صوبكن وتؤمن بقدركن … )
فأزداد صخب النساء وصاحت إحداهن : يا أخوات ألقمن هذا بمداسكن !!
فقال جحا : والله ما أبعد هذا الرجل عن الرشد والرشاد !!!!!
وقال متمثلا :
مما يزهدني في أرض عربسطان *** أسماء الرشيد والمرشد
أسماء رئاسة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاخ صورة أسد
وأثناء تلك الخطبة خرج مالك بن الريب ليعمل النصيحة لرئيس الديوان !!
وعاد إلينا مالك بن الريب وقال لنا : أنه همس في إذن الرئيس بالروية في الأمر والعمل بالمسايسة والحيلة وأن يعدهم خيرا فإن انفض جمعهن وعدنا إلى ديارهن حذر أولياء أمورهن أن كررن هذا من فصلهن واعتقالهم !
ويبدوا أن رئيس الديوان قد أخذ النصيحة فبدأ يخفف من لهجته يعدهم مواعيد عرقوبية !!