الامير الاحمر
09-11-2004, 10:04 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
مرحبا...
كنت ابحث في شبكة البحث العالمية جوجل عن مواضيع عدة ... فجأة لفت انتباهي موضوع احد الكتاب المصرين وهو...(عبدالستار خليف) يكتب فيه عن منطقة قديمة عاش فيها في سلطنةعمان ..
فتحت الموضوع ورأيته قد كتب عن حارتنا القديمة ... فتفاجئت لما رأي ... وفرحت كثيرا
وقررت ان اضع الموضوع في منتدى سوالف للجميع لكي يراها الجميع
وكاتب المقال الاستاذ: عبد الستار خليف قد كتب القصة بأسلوب بلاغي جميل ...
جمع فيه عدة معالم في حارتنا منا نجلس فيها منذ الصغر ولازلت اتذكرها ليومنا هذا..!!!
اترككم مع المقال واتمنى ان تنال اعجابكم انشاء الله
ملاحضة ...
المنزل الكبير الذي اشتهر في الوادي بكثرة السيارات .... الخ هو منزلنا ...
وخميس المسافر هو خالي ...
في الطريق الى مدينة السيب ،في ذلك الزمن البعيد ـ في الثمانينيات ـ القريب من قلبي . كأنه كان بالامس القريب . الزمان غير الان . والمكان تحول وتبدل وتغير عن الان . وسبحان من له الدوام ... السيب سكر وحليب.
ولكنني اشاهد نفسي بعين الخيال . اشاهد الصورة الاولى، البكر .. الخالية من الرتوش ، من الصبغة والتجميل او التحفظات والقيود..
إعطني لحظة من البكارة ، اعطك رحلة تقترب من ربع قرن من الزمان . رحلة مرت في غمضة عين الايام كرت وفرت كلمحة البرق !!
هل ما زالت شجرة الغاف العجوز في مكانها عند المدخل الغربي بوادي البحائص ؟!
هل ما زالت تظلل المكان حولها مذ شاهدتها لاول مرة من سنوات وسنوات خلت ؟!.
كانت الغافة الكبيرة تتوسط الساحة الواسعة المترامية الاطراف عند مدخل الوادي . الفروع الكثيفة تلقي بظلالها حول الجذع في شبه دائرة. حلقة تحفيظ القرآن الكريم تعقد حول جذعها الضخم . الاطفال الصغار من الصبيان والبنات يلتفون حولها في حلقة محكمة.
معالم المكان ما زالت قائمة في ذهني . برغم مرور هذه السنوات الطويلة . اشاهد كل شيء الان كانما لم يتغير شيء . الشجرة العتيقة وهي تحنو ـ كالأم ـ بفروعها المتدلية على الصغار وهم يتلون آيات الذكر الحكيم.
وهاهي (شيخة) المعلمة تأتي من بيتها القريب من الساحة ، في يدها عصا رفيعة من جريد النخيل ، كانت هزيلة ، وفي مشيتها الثقيلة تبدو كالعليلة . بجوار الجذع تجلس وتريح ظهرها على ساق الغافة.
يأتي طفل ويعقد امامها على مقربة منها ، يتلو ما حفظه من الايات وهي تنصت بخشوع واهتمام وتصحح له الاخطاء في التلاوة.
على مدى سنوات ، كنت اشاهد هذا المشهد المألوف . كل يوم في الصباح اوفي ايام العطلات ، او يوم الجمعة ، وانا في طريقي الى سوق السيب ، امر بالقرب من الحلقة . كنت مقيما في اعلى الوادي ، على مقربة من بيت احد الاصدقاء المرحوم احمد بن سليمان الكندي ـ رحمه الله ـ والحديث عن مجلسي معه في بيته الريفي الجميل البسيط يطول والنقاش معه في الادب والفكر والفن لا يتوقف طوال جلستنا التي كانت تمتد لساعات.
كان ينشر مقالاته في مجلة العقيدة . ووصل قبل وفاته الى مدير الادارة التعليمية بالباطنة . وكنت اتمنى له ان يصل الى اعلى من هذا ، لان من امثاله قليلون في الزمن العقيم!!
لا ادري لماذا تذكرته الآن؟! خاصة وانا اود ان اكتب عن الزمان وعن المكان وعن تحولات الازمنة في الامكنة وعن حلقة (شيخة) لتحفيظ القرآن الكريم.
اذكر ايضا ان شيخ الوادي كان احمد الفوري وله شقيق اكبر منه اسمه الشيخ عيسى وشقيق يصغره اسمه (موسى). وقد جاورت الشيخ عيسى في المسكن وقصة حياته اشبه بالروايات.
اعرف بالوادي ايضا خميس المسافر ومنزله وحديقة المنزل التي كانت اشبه بحديقة مصغرة للطيور والحيوانات البرية..
مدخل البيت كان مشهورا ومعروفا في الوادي بكثرة عدد السيارات التي تقف بالقرب من المدخل في صف واحد. والبيت من اعلى بيوت الوادي وفوق السطح (إيريال) يشبه برج باريس لالتقاط الارسال الاذاعي فقط.
احد البيوت القريبة منه اردت سكناها ،فقال لي ناصحا، عندما يهبط الوادي ، فانه يغرق كل مايحيط بالبيت وربما يدخل في الداخل فتراجعت بالرغم من موقع البيت المطل على الطريق ومزارع النخيل شرق الوادي.
وغادرت الوادي ، ولكن ايام الوادي لم تغادرني ، ما زالت السنوات في داخلي ، لم انس المعلم بهيج الفلسطيني وثورته المعهودة ونقاشه الحاد معي حول القضية بعد كامب ديفيد ، ونصيحة الزميل عبد المطلب ـ رحمة الله عليه ـ الا اتدخل في نقاش معه مطلقا ، وخير شيء هو الصمت وان اتركه ليقول ما يود قوله ، ما زلت اذكر ابو عدنان صاحب البيت الذي رفض ان ياخذ ايجار الشهر الاخير عند مغادرتي للوادي ..
عندما غادرت الوادي ، لم يغادرني هؤلاء . وكل واحد منهم لي معه قصة او حكاية او موقف طريف او ثقيل ، وهناك العديد من الاسماء والشخصيات عرفتها وعايشتها وما زلت اذكرها.
لكنني الان ، اردت ان اتحدث عن حلقة (شيخة) فقط . هل ما زالت الحلقة هي ، هي لم تتغير ، كلما مررت عليها وانا في طريقي الى مدينة السيب لشراء الاسماك اجدها . وعلى ما اتذكر كانت على مقربة من الغافة بئر قديمة (طوي) قال لي شيخ الوادي كانت ماؤها عذبة حلوة كالعسل ..
مع مرور الايام والسنوات تهدمت وردمت ومحت كل اثارها ، وكأن شيئا لم يكن في هذا المكان يبعث الحياة في البشر ويحيل الارض الجرداء الى بساتين مخضرة . وتذكرت الشيخ عيسى الفوري عندما صاح علي ذات يوم قائلا : ماء البئر عندي اهم من الزراعة . وكنت قد زرعت الملفوف ونبات الليف والخروع . فتوقفت عن الزراعة في الحوش حفاظا على المياه التي هي اغلى من هذه المزروعات !!
هل الصبيان والبنات ما زالوا يلتفون حول الساق في دائرة كبيرة ؟! فيما مضى من الزمان البعيد ، كان يحيط بالشجرة حاجز بسيط بواسطة الحصي الكبيرة والاحجار البيض الصغيرة . حتى اصبحت دائرة او حلقة محكمة البناء والاستدارة .
في صباح الايام الخوالي الطيبة ، عندما كنت بالوادي ، كانت المعلمة (شيخة) تحضر اولا ، ترشد بعض الصغار في تهيئة المكان وفرشه بقطع من الحصير القديم حتى يصير المكان ـ الحلقة ـ صالحا للجلوس ، ويتوافد عليها الاطفال من انحاء الوادي ، من مختلف الاعمار ، كل واحد يحمل في يده الكتاب.
عند حافة الحلقة الدائرية يتوقف الصغار حتى يكتمل الجميع في طابورين ، احدهما للصبيان والاخر للبنات يدخلون الحلقة في هدوء ونظام . على الجانب الايمن يجلس الصبيان وعلى الجانب الايسر تقعد البنات ، وشيخة تجلس في الوسط ، امام الجميع ، وخلفها جذع الشجرة العتيق ، وتبدأ شيخة في القراءة ويردد وراءها الصغار في صوت واحد .
ذات يوم ، تذكرت هذا المشهد. حلقة الاطفال ، الطوي القديم، الغافة ، عندما التقيت مع خميس المسافر في مطعم العوفي بالخوير ، سألته اثناء تناولنا الدجاج المشوي عن شيخة والغافة والحلقة .
قال البقاء لله. قلت وكل من عليها فان. سألته عن بيتهم الكبير الشهير . قال : لقد انتقلت من الوادي . وقبل ان نفترق أصر هو على ان يدفع الحساب لي وله.
اتمنى ان تكون المقالة قد نالت على اعجابكم ...
وشكرا ...
تـــحـــيـــاتـــــــــــــــــي
الامير الاحمر
مرحبا...
كنت ابحث في شبكة البحث العالمية جوجل عن مواضيع عدة ... فجأة لفت انتباهي موضوع احد الكتاب المصرين وهو...(عبدالستار خليف) يكتب فيه عن منطقة قديمة عاش فيها في سلطنةعمان ..
فتحت الموضوع ورأيته قد كتب عن حارتنا القديمة ... فتفاجئت لما رأي ... وفرحت كثيرا
وقررت ان اضع الموضوع في منتدى سوالف للجميع لكي يراها الجميع
وكاتب المقال الاستاذ: عبد الستار خليف قد كتب القصة بأسلوب بلاغي جميل ...
جمع فيه عدة معالم في حارتنا منا نجلس فيها منذ الصغر ولازلت اتذكرها ليومنا هذا..!!!
اترككم مع المقال واتمنى ان تنال اعجابكم انشاء الله
ملاحضة ...
المنزل الكبير الذي اشتهر في الوادي بكثرة السيارات .... الخ هو منزلنا ...
وخميس المسافر هو خالي ...
في الطريق الى مدينة السيب ،في ذلك الزمن البعيد ـ في الثمانينيات ـ القريب من قلبي . كأنه كان بالامس القريب . الزمان غير الان . والمكان تحول وتبدل وتغير عن الان . وسبحان من له الدوام ... السيب سكر وحليب.
ولكنني اشاهد نفسي بعين الخيال . اشاهد الصورة الاولى، البكر .. الخالية من الرتوش ، من الصبغة والتجميل او التحفظات والقيود..
إعطني لحظة من البكارة ، اعطك رحلة تقترب من ربع قرن من الزمان . رحلة مرت في غمضة عين الايام كرت وفرت كلمحة البرق !!
هل ما زالت شجرة الغاف العجوز في مكانها عند المدخل الغربي بوادي البحائص ؟!
هل ما زالت تظلل المكان حولها مذ شاهدتها لاول مرة من سنوات وسنوات خلت ؟!.
كانت الغافة الكبيرة تتوسط الساحة الواسعة المترامية الاطراف عند مدخل الوادي . الفروع الكثيفة تلقي بظلالها حول الجذع في شبه دائرة. حلقة تحفيظ القرآن الكريم تعقد حول جذعها الضخم . الاطفال الصغار من الصبيان والبنات يلتفون حولها في حلقة محكمة.
معالم المكان ما زالت قائمة في ذهني . برغم مرور هذه السنوات الطويلة . اشاهد كل شيء الان كانما لم يتغير شيء . الشجرة العتيقة وهي تحنو ـ كالأم ـ بفروعها المتدلية على الصغار وهم يتلون آيات الذكر الحكيم.
وهاهي (شيخة) المعلمة تأتي من بيتها القريب من الساحة ، في يدها عصا رفيعة من جريد النخيل ، كانت هزيلة ، وفي مشيتها الثقيلة تبدو كالعليلة . بجوار الجذع تجلس وتريح ظهرها على ساق الغافة.
يأتي طفل ويعقد امامها على مقربة منها ، يتلو ما حفظه من الايات وهي تنصت بخشوع واهتمام وتصحح له الاخطاء في التلاوة.
على مدى سنوات ، كنت اشاهد هذا المشهد المألوف . كل يوم في الصباح اوفي ايام العطلات ، او يوم الجمعة ، وانا في طريقي الى سوق السيب ، امر بالقرب من الحلقة . كنت مقيما في اعلى الوادي ، على مقربة من بيت احد الاصدقاء المرحوم احمد بن سليمان الكندي ـ رحمه الله ـ والحديث عن مجلسي معه في بيته الريفي الجميل البسيط يطول والنقاش معه في الادب والفكر والفن لا يتوقف طوال جلستنا التي كانت تمتد لساعات.
كان ينشر مقالاته في مجلة العقيدة . ووصل قبل وفاته الى مدير الادارة التعليمية بالباطنة . وكنت اتمنى له ان يصل الى اعلى من هذا ، لان من امثاله قليلون في الزمن العقيم!!
لا ادري لماذا تذكرته الآن؟! خاصة وانا اود ان اكتب عن الزمان وعن المكان وعن تحولات الازمنة في الامكنة وعن حلقة (شيخة) لتحفيظ القرآن الكريم.
اذكر ايضا ان شيخ الوادي كان احمد الفوري وله شقيق اكبر منه اسمه الشيخ عيسى وشقيق يصغره اسمه (موسى). وقد جاورت الشيخ عيسى في المسكن وقصة حياته اشبه بالروايات.
اعرف بالوادي ايضا خميس المسافر ومنزله وحديقة المنزل التي كانت اشبه بحديقة مصغرة للطيور والحيوانات البرية..
مدخل البيت كان مشهورا ومعروفا في الوادي بكثرة عدد السيارات التي تقف بالقرب من المدخل في صف واحد. والبيت من اعلى بيوت الوادي وفوق السطح (إيريال) يشبه برج باريس لالتقاط الارسال الاذاعي فقط.
احد البيوت القريبة منه اردت سكناها ،فقال لي ناصحا، عندما يهبط الوادي ، فانه يغرق كل مايحيط بالبيت وربما يدخل في الداخل فتراجعت بالرغم من موقع البيت المطل على الطريق ومزارع النخيل شرق الوادي.
وغادرت الوادي ، ولكن ايام الوادي لم تغادرني ، ما زالت السنوات في داخلي ، لم انس المعلم بهيج الفلسطيني وثورته المعهودة ونقاشه الحاد معي حول القضية بعد كامب ديفيد ، ونصيحة الزميل عبد المطلب ـ رحمة الله عليه ـ الا اتدخل في نقاش معه مطلقا ، وخير شيء هو الصمت وان اتركه ليقول ما يود قوله ، ما زلت اذكر ابو عدنان صاحب البيت الذي رفض ان ياخذ ايجار الشهر الاخير عند مغادرتي للوادي ..
عندما غادرت الوادي ، لم يغادرني هؤلاء . وكل واحد منهم لي معه قصة او حكاية او موقف طريف او ثقيل ، وهناك العديد من الاسماء والشخصيات عرفتها وعايشتها وما زلت اذكرها.
لكنني الان ، اردت ان اتحدث عن حلقة (شيخة) فقط . هل ما زالت الحلقة هي ، هي لم تتغير ، كلما مررت عليها وانا في طريقي الى مدينة السيب لشراء الاسماك اجدها . وعلى ما اتذكر كانت على مقربة من الغافة بئر قديمة (طوي) قال لي شيخ الوادي كانت ماؤها عذبة حلوة كالعسل ..
مع مرور الايام والسنوات تهدمت وردمت ومحت كل اثارها ، وكأن شيئا لم يكن في هذا المكان يبعث الحياة في البشر ويحيل الارض الجرداء الى بساتين مخضرة . وتذكرت الشيخ عيسى الفوري عندما صاح علي ذات يوم قائلا : ماء البئر عندي اهم من الزراعة . وكنت قد زرعت الملفوف ونبات الليف والخروع . فتوقفت عن الزراعة في الحوش حفاظا على المياه التي هي اغلى من هذه المزروعات !!
هل الصبيان والبنات ما زالوا يلتفون حول الساق في دائرة كبيرة ؟! فيما مضى من الزمان البعيد ، كان يحيط بالشجرة حاجز بسيط بواسطة الحصي الكبيرة والاحجار البيض الصغيرة . حتى اصبحت دائرة او حلقة محكمة البناء والاستدارة .
في صباح الايام الخوالي الطيبة ، عندما كنت بالوادي ، كانت المعلمة (شيخة) تحضر اولا ، ترشد بعض الصغار في تهيئة المكان وفرشه بقطع من الحصير القديم حتى يصير المكان ـ الحلقة ـ صالحا للجلوس ، ويتوافد عليها الاطفال من انحاء الوادي ، من مختلف الاعمار ، كل واحد يحمل في يده الكتاب.
عند حافة الحلقة الدائرية يتوقف الصغار حتى يكتمل الجميع في طابورين ، احدهما للصبيان والاخر للبنات يدخلون الحلقة في هدوء ونظام . على الجانب الايمن يجلس الصبيان وعلى الجانب الايسر تقعد البنات ، وشيخة تجلس في الوسط ، امام الجميع ، وخلفها جذع الشجرة العتيق ، وتبدأ شيخة في القراءة ويردد وراءها الصغار في صوت واحد .
ذات يوم ، تذكرت هذا المشهد. حلقة الاطفال ، الطوي القديم، الغافة ، عندما التقيت مع خميس المسافر في مطعم العوفي بالخوير ، سألته اثناء تناولنا الدجاج المشوي عن شيخة والغافة والحلقة .
قال البقاء لله. قلت وكل من عليها فان. سألته عن بيتهم الكبير الشهير . قال : لقد انتقلت من الوادي . وقبل ان نفترق أصر هو على ان يدفع الحساب لي وله.
اتمنى ان تكون المقالة قد نالت على اعجابكم ...
وشكرا ...
تـــحـــيـــاتـــــــــــــــــي
الامير الاحمر