أبو لـُجين ابراهيم
10-07-2001, 07:06 AM
تقييم الشخصية والحكم عليها ) من كان جبهته عظيمة فهو كسلان غضوب ! )
كثيراً ما نحتاج إلى معرفة طباع الآخرين وشخصياتهم لأسباب عديدة ، لعل من أهمها أن نتمكن من التعامل معهم بطريقة مناسبة .
هناك عدة طرق خاطئة يستخدمها كثير من الناس عند تقييمهم لشخصيات الآخرين وطباعهم كثيراً ما تكون نتائجها ذات مردود سلبي .
أهم الطرق الخاطئة :
1- تقييم الصفات والطباع من خلال بنية الجسم وملامح الوجه وشكل الرأس ونحو ذلك ، وهذا ما كان يعرف بعلم الفراسة قديماً ، ويرجع تاريخ هذه الطريقة إلى عهد اليونانيين .
وقد ألف الرازي في ذلك كتاباً أسمه " الفراسة " وأكثره ترجمه لما في كتب اليونانيين ومما جاء فيه :
- " من كان جبهته عظيمة فهو كسلان غضوب " .
- " الحاجب الكثير الشعر يكون صاحبه كثير الهم والحزن غث الكلام " .
- " من كانت عيناه جاحظتين فهو جاهل مهزار ، وهذه الدلالة مأخوذة من مشابهة الحمار " .
- " من عظمت أذانه فهو جاهل طويل العمر ، أما الجهل فلمشابهة الحمار وأما طول العمر فلأجل استيلاء اليبس على المزاج " .
وهكذا إلى آخر ما جاء في الكتاب من هذه المقارنات مع الحيوانات ونحو ذلك من استنتاجات مضحكة ، والغريب أن البعض لا يزال يستخدم هذه الطريقة ويعول على هذا الكتاب وأمثاله .
2- التأمل الذاتي والتأثر بالعوامل العاطفية والأهواء الشخصية عند تقييم طباع الناس وصفاتهم فتجد الواحد من هؤلاء الذين يستخدمون هذه الطريقة يخرج بأحكام وتصورات واستنتاجات عن طباع الناس وصفاتهم وشخصياتهم بعيداً عن الواقع وليس لها أدلة ولا قرائن كافية والمقياس فيها هو ما وافق المزاج والهوى من الصفات والطباع ، وهذه الطريقة موجودة بكثرة لدى كثير من أفراد مجتمعنا وأثر ما توجد لدى أولئك الذين فيهم علل شخصية فيميلون لاستخدامها بكثرة بطريقة لا شعورية كحيلة نفسية ودفاعية تخفف عنهم بعض ما يجدون من قلق داخلي ناشئ من خوفهم من رؤية الناس لعيوبهم وعللهم .
فيبالغون بإصدار أحكامهم على شخصيات الناس وطباعهم وكأنهم متفرسون مهرة في معرفة الشخصيات وطباع الناس وأكثر ما يحرصون عليه ويبحثون عنه الصفات السلبية في الناس ويبالغون في عرضها وتكرارها .
تجد الواحد مثلاً يصف غيره بالغباء والسذاجة وطيبة القلب الزائدة مع الناس والثقة بهم ، فإذا تتبعت أحوال الواصف والموصوف بإنصاف لم تجد في الموصوف ما ذكره الواصف وإنما تجد الواصف شخصاً مرتاباً شاكاً في الناس لا يثق بهم ويعد من ذلك من الفطنة والحزم ويضجره إذا رأى مثل ذلك والمعتدل في تعامله مع الآخرين فلا ترتاح نفسه لذلك ولا تهدأ إلا بإصدار تلك الأحكام الذاتية الجائرة .
ومثل ذلك يقال في الشخص الانفعالي سريع التأثر بالإنتقاد ، سريع الأنفة للأمور التافهة .
وهذه الطريقة الذاتية البحتة في تقييم الآخرين أكثر أحكامها جائرة صائبة ، وكثيراً ما يكون صاحبها متأثراً بالخبرات والمواقف الشخصية السيئة السابقة التي مر بها في الماضي ، كما يؤثر في ذلك المنافسة والحسد بين الأقران المتنافسين على مصالح مشتركة " سواء في الدراسة أو العمل أو التجارة أو غير ذلك " وقلما تجد منافساً يثني على منافسه ويقيمه بطريقة منصفة خالية من الأهواء الذاتية ، مهما كان صلاحه وروعه ، وهذا ما جعل علماء الحديث لا يقبلون كلام بعض الرواة في بعض عند الجرح والتعديل إذا كانوا من الأقران كما قل الذهبي في ميزان الاعتدال : " كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به " .
وما أجمل ما قاله ابن حبان في " روضة العقلاء " وأكثر ما يوجد الحسد بين الأقران من تقارب الشكل ، لأن الكتبة لا يحسدها إلا الكتبة ، كما أن الحجبة لا يحسدها إلا الحجبة ، ولن يبلغ المرء مرتبة من مراتب هذه الدنيا إلا وجد فيها من يبغضه عليها أو يحسده فيها … " .
وقال ابن الوردي :
لا يلم المرء من ضد ولو 0000 حاول العزلة في رأس الجبل
فلا يسلم الإنسان من حاسد والحاسد لا يؤخذ بكلامه في محسوده .
3- طريقة التأثر بالهالة :
الهالة هي دارة القمر وما يكون حول الكواكب من شعاع دائري يجعل الكوكب في أعين الناظرين وكأنه أكثر إنارة وأشد إضاءة .
والمراد بتأثير الهالة في الحكم على شخصيات الآخرين تأثير بعض الصفات التي تبرز في شخص ما فتعم وينظر لشخصيته كلها من خلال تلك الصفات الجزئية .
مثال ذلك الذكاء والفطنة والنباهة صفات محمودة قد تتوافر في شخص فتجعله في أعين كثيرين ممن حوله محموداً من كل وجه " كالهالة حول الكوكب " بينما قد يكون في الشخص صفات سلبية كثيرة " كالكبر والبخل والانحراف الأخلاقي ونحو ذلك " .
وهذه الطريقة تحصل عندما نحكم على الأشخاص عن بعد ، من خلال الناس أو وسائل الإعلام ، دون أن نحتك معهم ونخالطهم ونعرف صفاتهم ، أو عندما نقتصر على جزئية وجانب محدود من جوانب الشخصية ونجعله المقياس والميزان الأهم للشخصية ، كالذكاء في المثال السابق .
لو اقتربنا من تلك الكواكب التي تبدو مشعة بهالاتها لوجدنا فيها مناطق مظلمة كثيرة ومناطق ضعيفة الإنارة .
ولذا قال بعض السلف لشخص امتدح رجلاً : هل سافرت معه ؟ قال : لا ، قال : هل عاملته في تجارة ؟ قال : لا .. إلى أن قال : فإنك لا تعرف الرجل .
ويشهد لذلك قول الشاعر
لا تمدحن امرءاً حتى تجربه 00000 ولا تذمنه من غير تجريب
المرجع : مجلة الدعوة
كثيراً ما نحتاج إلى معرفة طباع الآخرين وشخصياتهم لأسباب عديدة ، لعل من أهمها أن نتمكن من التعامل معهم بطريقة مناسبة .
هناك عدة طرق خاطئة يستخدمها كثير من الناس عند تقييمهم لشخصيات الآخرين وطباعهم كثيراً ما تكون نتائجها ذات مردود سلبي .
أهم الطرق الخاطئة :
1- تقييم الصفات والطباع من خلال بنية الجسم وملامح الوجه وشكل الرأس ونحو ذلك ، وهذا ما كان يعرف بعلم الفراسة قديماً ، ويرجع تاريخ هذه الطريقة إلى عهد اليونانيين .
وقد ألف الرازي في ذلك كتاباً أسمه " الفراسة " وأكثره ترجمه لما في كتب اليونانيين ومما جاء فيه :
- " من كان جبهته عظيمة فهو كسلان غضوب " .
- " الحاجب الكثير الشعر يكون صاحبه كثير الهم والحزن غث الكلام " .
- " من كانت عيناه جاحظتين فهو جاهل مهزار ، وهذه الدلالة مأخوذة من مشابهة الحمار " .
- " من عظمت أذانه فهو جاهل طويل العمر ، أما الجهل فلمشابهة الحمار وأما طول العمر فلأجل استيلاء اليبس على المزاج " .
وهكذا إلى آخر ما جاء في الكتاب من هذه المقارنات مع الحيوانات ونحو ذلك من استنتاجات مضحكة ، والغريب أن البعض لا يزال يستخدم هذه الطريقة ويعول على هذا الكتاب وأمثاله .
2- التأمل الذاتي والتأثر بالعوامل العاطفية والأهواء الشخصية عند تقييم طباع الناس وصفاتهم فتجد الواحد من هؤلاء الذين يستخدمون هذه الطريقة يخرج بأحكام وتصورات واستنتاجات عن طباع الناس وصفاتهم وشخصياتهم بعيداً عن الواقع وليس لها أدلة ولا قرائن كافية والمقياس فيها هو ما وافق المزاج والهوى من الصفات والطباع ، وهذه الطريقة موجودة بكثرة لدى كثير من أفراد مجتمعنا وأثر ما توجد لدى أولئك الذين فيهم علل شخصية فيميلون لاستخدامها بكثرة بطريقة لا شعورية كحيلة نفسية ودفاعية تخفف عنهم بعض ما يجدون من قلق داخلي ناشئ من خوفهم من رؤية الناس لعيوبهم وعللهم .
فيبالغون بإصدار أحكامهم على شخصيات الناس وطباعهم وكأنهم متفرسون مهرة في معرفة الشخصيات وطباع الناس وأكثر ما يحرصون عليه ويبحثون عنه الصفات السلبية في الناس ويبالغون في عرضها وتكرارها .
تجد الواحد مثلاً يصف غيره بالغباء والسذاجة وطيبة القلب الزائدة مع الناس والثقة بهم ، فإذا تتبعت أحوال الواصف والموصوف بإنصاف لم تجد في الموصوف ما ذكره الواصف وإنما تجد الواصف شخصاً مرتاباً شاكاً في الناس لا يثق بهم ويعد من ذلك من الفطنة والحزم ويضجره إذا رأى مثل ذلك والمعتدل في تعامله مع الآخرين فلا ترتاح نفسه لذلك ولا تهدأ إلا بإصدار تلك الأحكام الذاتية الجائرة .
ومثل ذلك يقال في الشخص الانفعالي سريع التأثر بالإنتقاد ، سريع الأنفة للأمور التافهة .
وهذه الطريقة الذاتية البحتة في تقييم الآخرين أكثر أحكامها جائرة صائبة ، وكثيراً ما يكون صاحبها متأثراً بالخبرات والمواقف الشخصية السيئة السابقة التي مر بها في الماضي ، كما يؤثر في ذلك المنافسة والحسد بين الأقران المتنافسين على مصالح مشتركة " سواء في الدراسة أو العمل أو التجارة أو غير ذلك " وقلما تجد منافساً يثني على منافسه ويقيمه بطريقة منصفة خالية من الأهواء الذاتية ، مهما كان صلاحه وروعه ، وهذا ما جعل علماء الحديث لا يقبلون كلام بعض الرواة في بعض عند الجرح والتعديل إذا كانوا من الأقران كما قل الذهبي في ميزان الاعتدال : " كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به " .
وما أجمل ما قاله ابن حبان في " روضة العقلاء " وأكثر ما يوجد الحسد بين الأقران من تقارب الشكل ، لأن الكتبة لا يحسدها إلا الكتبة ، كما أن الحجبة لا يحسدها إلا الحجبة ، ولن يبلغ المرء مرتبة من مراتب هذه الدنيا إلا وجد فيها من يبغضه عليها أو يحسده فيها … " .
وقال ابن الوردي :
لا يلم المرء من ضد ولو 0000 حاول العزلة في رأس الجبل
فلا يسلم الإنسان من حاسد والحاسد لا يؤخذ بكلامه في محسوده .
3- طريقة التأثر بالهالة :
الهالة هي دارة القمر وما يكون حول الكواكب من شعاع دائري يجعل الكوكب في أعين الناظرين وكأنه أكثر إنارة وأشد إضاءة .
والمراد بتأثير الهالة في الحكم على شخصيات الآخرين تأثير بعض الصفات التي تبرز في شخص ما فتعم وينظر لشخصيته كلها من خلال تلك الصفات الجزئية .
مثال ذلك الذكاء والفطنة والنباهة صفات محمودة قد تتوافر في شخص فتجعله في أعين كثيرين ممن حوله محموداً من كل وجه " كالهالة حول الكوكب " بينما قد يكون في الشخص صفات سلبية كثيرة " كالكبر والبخل والانحراف الأخلاقي ونحو ذلك " .
وهذه الطريقة تحصل عندما نحكم على الأشخاص عن بعد ، من خلال الناس أو وسائل الإعلام ، دون أن نحتك معهم ونخالطهم ونعرف صفاتهم ، أو عندما نقتصر على جزئية وجانب محدود من جوانب الشخصية ونجعله المقياس والميزان الأهم للشخصية ، كالذكاء في المثال السابق .
لو اقتربنا من تلك الكواكب التي تبدو مشعة بهالاتها لوجدنا فيها مناطق مظلمة كثيرة ومناطق ضعيفة الإنارة .
ولذا قال بعض السلف لشخص امتدح رجلاً : هل سافرت معه ؟ قال : لا ، قال : هل عاملته في تجارة ؟ قال : لا .. إلى أن قال : فإنك لا تعرف الرجل .
ويشهد لذلك قول الشاعر
لا تمدحن امرءاً حتى تجربه 00000 ولا تذمنه من غير تجريب
المرجع : مجلة الدعوة