PDA

View Full Version : شجــــــــــــــــــــــــرة التيــــــــــــــــــــــــن


يعسوب
12-07-2001, 07:39 PM
قدماه النحيلتان كانتا تحكيان لكل من رآهما حياة البؤس والعوز التي كان يعيش فيهما الشاب صالح ذو الخمسة عشر ربيعا ..
والوجه ذو السحنةالقروية البسيطة..الهادئة.. التي لم تكن سوى قناع مزيف لا يوحي بصدق عن ذلك الطموح الوثاب .. والنفس الابية
التي لاتعترف بحدود الواقع او ظروف الزمن ابدا بداخل جسده الهزيل ....
خطواته الصغيرة كانتا تعرفان جيدا طريقهما الى حقله القابع عند نهاية منحدر جبلي كان يرسم النموذج الحقيقي ...
للطابع التضاريسي لتلك الضاحية القروية الضاربة بجذورها العميقة بعمق التاريخ ذاته بمحاذاة الحدود الجنوبية للمدينة
الكبيرة التي كانت تمثل الحلم الاكبر لكل شباب وابناء القرية المتطلع بشغف لاحدود له للعيش بشكل اكثر مدنية وحضارة ورقي كما كان يردد دوما على اسماعهم عبر تلك القصص الواهية التي كان لايكل ان يرويها بداب مستمر ابناء المدينة ذو الاصول المتحدرة ..
من هذه البقعة الخضراء الصغيرة وكانهم يتحدثون عن الجنةالموعودة ...

فقد اصبحت المدينة شغلهم الشاغل وهاجسهم الاكبر الذي يرنوا اليه الجميع كي ينفضوا عنهم كما يظنون كل تراكمات الزمن التي فرضها عليهم اسلوب الحياة القروي القاسي ..والشاق.. والرتيب احيانا في بلدتهم الصغيرة ...

ولكن صالح كان يختلف تماما عن الجميع باحلامه الكبيرة التي طالما طغى عليها اللون الوردي معظم الاحيان بل وفي معظم الاوقات.

كان صالح يالف يوميا المكوث لساعات طويلة تحت ظلال شجرة التين التي كانت تقف بشموخ في طرف بستان ابيه حيث احب منذ صغره المبكر الذهاب اليها وجمع اوراقها المتساقطة هنا وهناك لتبسط رداء اخضر على قارعة الطريق لكي يكتب على صفحات تلك الوريقات كل ماكان يطرا على قريحته من ابيات شعر او خواطر او نحو ذلك حتى اذا ما نتصف النهار حملها في جعبته الى بيته حيث يعيد صياغتها ونسخها من جديد على مذكراته الورقية ..

ولكن لم يكن ذلك فقط ماكان يستهوي صالح للبقاء طويلا تحت ظلال شجرة التين تلك ..
بل كان يحرص على ممارسة هوايته المحببة اليه عندما كانت انامله الصغيرة تداعب سكينه ذات المقبض العاجي الجميل والتي اهداها له خاله تقدريا لتفوقه على ابناء صفه وحصوله على اعلىالدرجات ...
فكان يصنع بسكينه تلك لوحته الجميلة على جذع شجرة التين ..
فقد كان يرسم فتاة احلامه التي لم يكن لها وجودا علىالاطلاق الا في مخيلته فقط ...
فتاته التي طالما تمنى في قرارة نفسه ان يلتقي بها يوما ليصنع معها ميثاق حب ابدي يربطهما سويا في دنيا السعادة والامل ..
كانت تلك اللوحة الغائرة على جذع شجرة التين مصدر الهام تداعب افكاره بايحائات تثير مخيلته لكي تصدح باجمل الجمل واحلى الخواطر التي كانت تنساب كالشهد الرقراق على ورق شجر اتين...

ولكن جاء اليوم الذي فرض على صالح ان يغادر احلامه خلفه .. وان يهاجر حيث لابد عليه ان يكمل تعليمه الجامعي في المدينة كحقيقة مرة طالما كان يخشاها ولكن ماذا يفعل ؟؟ فما باليد حيلة ..

استسلم صالح للامر الواقع وغادر بمعية اهله ليبتعد عن وطنه الروحي الذي صنع من كل نسمة هوائية فيه لحنا جميلا يغرد بالحب والامل .. غادر كسرب طائر ازف عليه الوقت وابى عليه الزمن الا الرحيل....

قضى صالح بالمدينة السنة تلو السنة وتخرج ليلتحق بوظيفة مرموقة لم يكن مستغربا عليه ان يشغلها لما كان يتمتع به من جد ومثابرة وعقل كبير ونضوج فكري قلما اتصف به اقرانه ..

ولكن ضريبة النجاح هذه كانت اقسى عليه مما تصوره سلفا .. فقد سلب الروتين والحياة العملية احلام صالح الوردية وقذفت به في معمعة الحياة الصاخبة بكل مافيها من التزامات وفروض طالما ازدحم بها جدوله اليومي فانسته صالح ابن القرية اليافع وابن شجرة التين الرقيق ايضا....

حتى التقى ذات يوم بفتاة كانت بالنسبة له كالفجر يزف ركب الضوء لتبدد عتمة سوداء غابت في دلجتها معالم صالح الحقيقية..
ولم تذر منه الا رتوش كان يصعب عليه ان يتعرف على ذاته من خلالها...
فقد اعادت ليلى الى نفس صالح امسياته الجميلة الحالمة في فضاء حياة عطرة بعبيق الحب والشوق والوله الكبير ...
فطالما اشتاق صالح الى مثل ذلك الشعور دوما ولكن انشغاله المتكرر والروتين الممل كان يخنق تلك الاصوات كلما انبعثت من داخلة لتموت في مهدها وتطفا لهيب الاشواق قبل ان تشتعل ويتطاير شررها ...
فقد كانت ليلى بالنسبة له كالنبتة الخضراء التي نبتت على قلبه الصخري ومددت جذورها اليانعة بداخله باحثة عن بصيص امل يعيد الحب الضائع الى اصحابه ويصدع تلك الصخرة لتنشطر ويتلاشى بالعراء بعيدا قسوتها المصطنعة وتحرر ما كان يحبسه من عواطف جياشة واحاسيس رائعة ... انبثقت فجاة من تلك الصخرة الصماء ..

فكان لليلى ما ارادت وتزوج بها صالح وانجب منها مولوده الاول الذي ذكره ببداياته ووطنه الحقيقي الذي تربى فيه وعاش عليه اجمل ايامه واحلى سنينه ..
فعاد ادراجه من جديد الى قريته بصحبة رفيقة دربه وونيس روحه ليلى وطفلهما الصغير ...

وعندما لامست قدماه اول ذرة رمل من تراب قريته تبادر الى ذهنه شجرة التين فاسرع اليها ليعانقها بحرارة عناق صاحب له قد سلى طويلا ..ونظر الى لوحته تلك فهاله ما راى ...!!!!!

فقد كانت ليلى هي ذاتها من كان يرسمها منذ كان يافعا وكانما ولد حبها بداخله قبل ان يراها ليملي ذلك الحب على خياله صنع صورتها على قلبه قبل ان تصنعها سكينه على جذع الشجرة ..
فقد احبها قبل ان يراها وتشبث بحبها بعد ان راها كتشبث شجرة التين بارضها الخضراء .....................................





مع تحياتي اليعسوبية للجميع

تنويه :
كل الاسماء الواردة بالقصة ليس لها اساس من الواقع والقصة خياليه من وحي الاحساس ..........

توتة
12-07-2001, 07:53 PM
قصة خيطت بخيوط من ابداع و تميّز ....
و قعهاقلم يعسوب المتألق ...

أشيد بمشاركتك ايما اشادة ... فهي متكاملة من حيث التسلسل
و التعبير و التصوير و كأننا أمام لوحة .. قد فككت رموزها
بوصف مبدع ...

يعطيك الف عافية ... :)

و نحن دائما بانتظار ابداعك ...

aziz2000
13-07-2001, 08:03 AM
إبداع قصصي ولفظي :)

أسلوبك مميز في السرد وخيالك واسع ماشاء الله :)

مارأيك أن نعمل مسلسل في سوالف من كتاباتك :) وتكون شخصيات القصة من الأعضاء :)

ستنجح نجاحا باهرا إذا صيغت بأسلوب يعسوب :)

تقبل تحياتي ياصاحب القلم السيال :)

متاهه
13-07-2001, 12:51 PM
خطواته الصغيرة..
حلم المدينة..
حياة القرية القاسية..
سكينه ذو المقبض العاجي..
اللون الوردي..
صفحات وريقات التين..
الشعر والخواطر..
ظلال شجرة التين..

لعلي أشاهد كل ذلك..لا أقرأه..
أحسست بلفحات هواء القرية..
وبهمسات أبنائها..
تأملت تلك اللوحة..
واختفيت بعيدا خلف الأحداث..
أرقب النهاية..

رائعة..
ذات(حبكة)متقنة..
أسلوب راقي جدا جدا جدا..
ومن يزكي سيد الكلمة..

همسة..
أضم صوتي لعزيز..
من غيرك يستحقها..
والفكرة رائعة..

مع خالص احترامي..
أختك
متاهــه

الدكتور ريان
13-07-2001, 02:59 PM
يسعد اوقاتك بكل خير ...صديقي ابو اليعاسيب صاحب القلم الرقيق الحساس ...
قصة رااائعة من اولها لااخرها رقيقة مثلك ,ابحرت مع حروفها وكلماتها حرفا حرفا ..انها حياة جميلة جدا لهذا الصالح ..تمنيت ان تكون حياتي ببساطة حياته وجمالها ..دوما رائع يايعسوب :)

يعسوب
13-07-2001, 07:34 PM
اشكرك على متابعة ما اكتب رغم تواضعه مستواه ..
ولكن انا ممتن لتشجيعك لي وثناءك الذي اثلج صدري
تحياتي اليعسوبية لمامتنا الشعنونه توته (الحلوة سابقا ) :):)

يعسوب
13-07-2001, 07:39 PM
اولا تحياتي لك
ثانيا شكري وتقديري على كلامك الحلو
ثالثا فكرت بنفس هالفكرة وبدا سلفا في نسج بداياتها من خلالي
ولكن كلما اهم بالتفكير بها ياتي مايشغلني
ولكني موافق ....

يعسوب
13-07-2001, 07:44 PM
اشكرك جدا على كلامك الكبير في حقي

ولكن طالما اصبغتوا علي بمديحكم لي ..

واكثر ما اسعدني انك عشت احداث القصة ولم تقرايها فقط
هذا ما اريد من اصدقائي ان يفعلوه
امن يعيشوا معي مثل هذه الاحاسيس التي عشتها ان في لحظات..

تحياتي لك متاهة

يعسوب
13-07-2001, 07:47 PM
والله لك وحشة وينك ياغالي
راقني كثيرا احساسك بطابع البساطة في القصة
فهو دليل على سلاسة روحك وابتعادها عن التعقيد
اذ انك استشعرت ببساطة صالح واحببتها

وكما يقال ( كل يرى الناس بعين طبعه )


تحياتي لك ياصديقي

الطارق
14-07-2001, 02:41 AM
يعسوب ،

الحقيقة قصتك رائعة وممتعة ،،

مايعجبني طريقة السرد هذه فهي في

غاية الروعة ،،

عزيزي

وتستحق هذ القصة وغيرهاأن تنشر عبر الصحف أو أن تجمع في مؤلف

فهي تنبئ بكاتب رائع في فن القصة القصيرة ..

.
.

تحياتي ،،

يعسوب
14-07-2001, 06:15 PM
رايك هذا دليل على ثقتك في كلماتي
وهي ثقة اعتز بها من رجل ادهشني كثيرا بما يكتب دائما


تحياتي اليعسوبية لك