PDA

View Full Version : سلسلة الدروس المكثفة ..... سياسة قلب الطاولة ..!! )


بو عبدالرحمن
14-09-2001, 11:13 AM
-
هذا درس في غاية الروعة ..فإذا كنت حريصا على الخير .. فتابع
فإني أحسبك ستجد عجبا في هذا الدرس .. وستدعو لي بحرارة ..
وما توفيقي إلا بالله .
- - --

ما سمي القلب قلبا إلا لتقلبه *** فاحذر على القلب من قلبٍ وتقليبِ
تارة يملؤه الإيمان ويشف ويرف ويرق .. وتارة ويتكدر بسبب الغفلات والزلات والهفوات ..
ولكن علينا أن نثق تماما أن :
القلب المتقلب إذا بقي صاحبه يراقبه ويجاهد نفسه ، فإنه يوشك أن يستقر على خير ان شاء الله المهم أن تبقى المحاولة مستمرة ..وان يبقى العزم متوهجا .. بلا يأس ، ولا ملل ..
وان تبقى النية _ مع العمل _ ثم علينا أن نثق :

أن الله لن يضيعنا حاشاه سبحانه
من ذا الذي أقبل عليه فرده ؟
ومن ذا الذي طرق بابه فطرده ؟
ومن ذا الذي رفع يديه إليه ، فردهما صفرا عليه ؟
بل من اذ الذي أقبل عليه ، فلم يقبل عليه إقبالا مضاعفا
كما وعد بذلك ففي الحديث القدسي : (من أتاني يمشي أتيته هرولة )
بل وكما جاء في كتابه الكريم :
( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)


فما دمت في جهاد مع نفسك الأمارة من أجل أن تستقيم .. فثق أنه سيهديك
علينا أن نثق ثقة كبيرة بربنا ومولانا جل جلاله
فإنه عند حسن ظن عبده به
علينا أن نتحلى بلسان ذاكر ... وقلب شاكر
وعقل نديره في التفكر الصحيح في ملكوته وفي اسمائه الحسنى ..
وبدن نوجهه إلى دوائر الطاعات وبذل ما نستطيع
وعند ذلك نثق أننا أقرب مما نتصور .. أقرب إلى كل خير ..


فإذا حدثت زلة بسبب غفلة عارضة .. وهفونا .. وتعثرنا ..
فلا يضحكن عليك الشيطان الرجيم
ويوسوس لك أنه لا أمل مما تقوم به لأنك لست مقبولا بدليل أنك تعثر !!
اصبح الشيطان ناصحا ..:)
إياك وإياه .. بل أن نخزيه .. وأن نقهره .. وأن نغيظه ..وذلك :


بسرعة العودة إلى الله في ندم متضرعين دامعة أعيننا ..
مستغفرين ذاكرين .. ثم نعزم ان نعوض فترة انقطاعنا عن ربنا
بمزيد من عمل الطاعات .. لعل هذه تغطي تلك ..
( .. إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ )
بهذا سيتعب معك الشيطان .. ولقد ورد في الحديث أن شيطان المؤمن الصادق مهزول !


صحيح هو لن يتركك .. وسيظل يتربص بك الدوائر
لكن أثره سيكون عابرا وهجماته عليك ستكون قليلة ، ووظأته تكون أخف بعون الله .. ..لماذا ..؟
أولا : لأنك محصن من قِبل الرحمن بما تتقرب به إليه من اذكار وطاعات ..
هذه واحدة . ولكن هناك شيء أعجب من هذا

وبالمثال يتضح المقال :
بس بشرط .. شرط يدفعكم إلى الخير ويقربكم من الله ..
شرطي يسيط وسهل وميسور ولن يكلفك الشيء الكثير
فقط يريد همة وعزيمة وشيء من الجرأة
شرطي هو وان تعيد قراءة هذا الموضوع عدة مرات .. ثم تبادر بنقله إلى أكبر عدد ممن حولك أو ممن تتصل به فالدال على الخير كفاعله ..
ثم أن تكرار حديثك حول هذه القضية سيقررها في قلبك مع الأيام حتى تستقر في قلبك ، فإذا استقرت سترى ثمراتها وبركاتها عليك بوضوح ..


وإليك الآن هذا المثال ، فأعرني سمع قلبك وتابع بتركيز :
ثلاثة أشخاص خرجوا من أماكن مختلفة يتجهون إلى المسجد للصلاة
بينما كان الأول يمشي .... سمع صوتا ينادي عليه
فالتفت فرأى شخصا يعرف أنه شرير ، فأجابه ، ثم دار بينهما حديثا
ثم تشعب الحديث ثم اشتبكا بالأيدي ..
لأن قاطع الطريق أراد أن يحول بين هذا وبين المسجد
انتصر صاحبنا في النهاية .. ثم اتجه إلى المسجد لكنه وجد أن الناس قد خرجوا .. ولم يجد حتى جماعة ثانية فصلى منفردا ..!!!


وبينما كان الثاني متجها إلى المسجد سمع صوتا ،فكان قاطع طريق يتربص به ..
فأجابه فدار بينهما حديثا ثم تشعب . ولما حاول قاطع الطريق أن يستفزه ليشتبك معه بالأيدي أعرض عنه صاحبنا ومضى إلى المسجد
لكنه وصل فإذا الجماعة انتهت من الصلاة _ بسبب حديثه مع قاطع الطريق _
ولكنه وجد جماعة أخرى يصلي معها


والآن جئنا إلى المهم :
بينما كان الثالث متجها إلى المسجد يمشي بهدوء وتريث ..
سمع صوتا ، فالتفت فرأى قاطع الطريق وهو يشير إليه ليتوقف كي يكلمه
لكن صاحبنا بمجرد أن وقع نظره عليه ، شمر وركض جهة المسجد ،
ولم يسمح لنفسه أن يتكلم معه ، لأنه يعرف غايته ..
ومن ثم وصل إلى المسجد ، فإذا المؤذن يشرع للتو في الأذان
فتابع المؤذن .. وصلى النافلة .. وجلس يذكر الله ويتلو القرآن ويدعو ويتفكر .. ثم صلى مع الجماعة في الصف الأول خاشعا يلهج بالثناء والشكر لله ..
والآن .


في اليوم التالي ماذا سيكون موقف قاطع الطريق ؟ سيركز على من وسيترك من ؟؟ غاية قاطع الطريق أن يحول بين هؤلاء وبين الصلاة
ولكن الثالث انقلب الأمر معه
وبدلا من أن يمشي هوينا هوينا إلى المسجد تسبب صوت قاطع الطريق في أنه يهرول إلى المسجد ومن ثم لم يتحقق هدف قاطع الطريق بل انقلب السحر على الساحر !!!
فأصبح كأنه عامل مساعد لهذا الذكي
وكأنه دفعه دفعا ليهرول إلى المسجد وقد كان يمشي ببطء
إذن سيركز على الأول والثاني.. وخاصة الخائب الأول
الذي أصغى إليه وناقشه ودخل معه في صراع الأيدي والأضراس !!
فضاعت عليه الصلاة بكلها ولم يتحصل حتى على جماعة أخرى


قال بعض العلماء هذه القصة الإشارة إليها في قوله تعالى
( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)
بمجرد أن مسهم طائف من الشيطان .......
تذكروا أنه الشيطان وأنه لا يريد بهم الخير ..... فإذا هم مبصرون فيشمرون لعمل خير أكبر .. وهذه أهم صفة للمتقين

والآن ... نخرج بالفائدة العملية
التي نرغب أن نحققها ونجاهد أنفسنا على تحقيقيها
الشيطان ( قاطع طريق ) يتربص بنا عند مفارق الطرق ، وعلينا أن نحذر ..
فإذا أحسسنا بوسوسته .. واتضحت لنا فعلينا أن نقلب الأمر
فنعمل بعكس ما يشير به علينا ونزيد من نشاطنا في الطاعات


ولا أقل من أن نفزع للصلاة ولو ركعتين
أو نفزع للصدقة لو كنا نمشي في شارع
أو نفزع إلى القرآن لو كنا في مقر عملنا
أو نفزع إلى التضرع والمناجاة والدعاء
ونحو هذا من الطاعات المتنوعة ..وهذا ما اسميه ( بسياسة قلب الطاولة ! )
بل علينا أن كنا أذكياء أن نبحث عن عمل له مردوده الأكبر وأجره الأعظم وليس أول عمل يخطر على أذهاننا ، ونحن قادرون على غيره .. وان كان أي عمل أيضا طيب ولا حرج فيه ..
ولكن تعلمنا من سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسألونه دائما عن ( أحب العمل إلى الله ) و ( أفض العمل )
لاحظ : أحب _ أفضل


هذا الكلام يُعتبر خطوة متقدمة على الطريق ..
ومن استوعبه وجاهد نفسه عليه فإنه يكون قد قطع أشواطا في الطريق
وإلا فإن الحديث عن الخطأ والزلة والوقوع في المعصية .
حديث طويل والكلام فيه ذو شجون .. ( ولعل لنا عودة إليه بعون الله )

أما هذا الكلام فهو ( كيف تصبح وسوسة الشيطان ) عامل دفع إلى الخير ؟؟
أو بعبارة أخرى:
كيف تصبح الزلة .. عامل إصرار على مزيد من العمل للتعويض ..

ولهذا قال بعض العلماء كلاما عجيبا وهو يبحث عن حكمة خلق الشيطان
طبعا هناك حكم كثيرة ...ولكنه التفت إلى حكمة في غاية الروعة
وهي حكمة عجيبة للغاية كلامنا يدندن حولها ..
قال : إنما سلط الله الشيطان عليك ... ليحوشك به إليه !!!
تأملوا هذه العبارة فإنها في غاية الروعة
لشدة خوفك من الشيطان .. اجعله وسيلة لفرارك إلى الله ( ففروا إلى الله )

فكلما وسوس إليك بمعصية ، بادر أنت بعمل طاعة
وحتى لو تمكن منك فوقعت في تلك المعصية وتلطخت بها ..
قل لنفسك " طيييييييييييب غلبك الشيطان أيتها الغبية في هذه الجولة ... يا خيبتك ..!!
ثم شمر لعمل طاعة مضاعفة تعوض بها ما فاتك أثناء زلتك ..

وابق على هذا الحال .. مجاهدا لنفسك :
تحذر وتخاف وترجو .. فإذا وسوس لك الشيطان بمعصية :
فافزع إلى طاعة
وبادر بعمل خير مما يتيسر بين يديك ..
فإذا نجح اللعين فأوقعك في وحل المعصية .. فلا تيأس ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)
بل صمم وشمر لعمل طاعة مضاعفة لتعوض ما فاتك ..
وبالله التوفيق .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

البحاري
14-09-2001, 06:46 PM
مساء الخير .. بو عبدالرحمن

فعلا موضوع جميل ..

مجاهدة النفس من أعظم الجهاد .. وافضله .

في هذ الزمن مجاهدتنا لأنفسنا ضعيفة .. فقد تهنا في هذه الحياة ..رغم نفورها منا .. فلا نحن أخذنا حقنا منها ..ولاهي أعطتنا .. كالمعلقين .

نسأل الله أن يهدينا .. وأن يجعل الحق طريقنا

تحياتي لك ..

بو عبدالرحمن
15-09-2001, 05:04 PM
-
أخي العزيز / البحاري
........ رعاك الله وحفظك

شكر الله لك هذه المتابعة الواعية
اسأل الله أن ينفعك بما تقرأ وأن يبارك فيك
جزاك الله خير الجزاء على هذه الكلمات الطيبة .
=

هايدي
20-09-2001, 09:23 AM
أخي وأستاذي الفاضل ... بو عبد الرحمن


جزاك الله عنا خير الجزاء ... وثقل الله بما كتبت أثقال الجبال حسنات ...
فبارك الله فيك ..

أستاذي الفاضل ..

كما قال أخي المبارك البحاري ... ( جهاد النفس ) أعظم أنواع الجهاد .. وأدومها ... تعيش مع الفرد منذ خليقته وحتى يسلم الروح إلى باريها ..

أعاننا الله على أنفسنا .. وعلى الشيطان ..


( اللهم أعني على ذكرك .. وشكرك .. وحسن عبادتك )

بو عبدالرحمن
21-09-2001, 09:49 AM
-
الأخت الفاضلة / هايدي
............ رحم الله والديك

حياك الله وبياك وجعل الجنة مأواك
من غير سابقة عذاب ولا مناقشة حساب

بارك الله فيك وأحسن الله إليك ..
اسأل الله أن ينفعك بما تقرأين
وأن يجعلك نافعة لغيرك حيثما كنت ..
دعواتي لك بالتوفيق
= =

Shamma
22-09-2001, 11:02 PM
أخي الكريم بوعبدالرحمن
بارك الله فيك دائما وابدا على ماتخطه وماتسطره
نفعنا الله تعالى بما تكتب أخي الكريم
واسعدك الله وأكرمك بكرامة الصالحين ..

أستاذي الفاضل
والله لتعجز الكلمات وتتوارى خجلة من أن ترد على مقالك من شدة روعته وتميزة ....
وماذا عسانا أن نكتب بعد ما كتبت :) وماأشد الحيرة التي تعترينا أثناء تسطير الرد :(
ولكن لم أشأ أن يختفي نور هذا الموضوع وبريقه بهذه السرعة من الصفحة الأولى وتمنيت لو لا يزول أبدا من عظم فائدته وأجره :)

ما أجمل الأسلوب وما أجله ... ففكرة الموضوع في غاية الأهمية ... والاستشهاد بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والأمثلة الرائعة زادت من جمال الموضوع وتألقة ...
ثم ما أروع طريقة الحث والنصح والإرشاد ... أسلوب مشوق ولطيف
لا نملك إلا أن نقول " ما شاء الله تعالى "

" اللهم إني أسالك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك ... "
اللهم أعنا على مجاهدة النفس وشياطينها.. وباعد بيننا وبين من أراد بناسوء كما باعدت بين المشرق والمغرب واشغله بنفسه وحل بيننا وبينه ياكريم
اللهم آمين
اللهم آمين
اللهم آمين

أختك في الله
شما

بو عبدالرحمن
23-09-2001, 10:27 PM
-
الأخت الفاضلة الجليلة / Shamma
................. حماك الله من شر كل ذي شر

ما شاء الله لا قوة إلا بالله
كم هي رائعة ومؤثرة هذه الكلمات الطيبة التي انبعثت من قلبك الطيب ..
جزاك الله عني خير الجزاء ..
وبارك الله فيك وجعلك مباركة حيثما كنت ..
أسأل الله أن يجعلني خيرا مما تظنون ..
وأن لا يؤاخذني بما تقولون . وأن يغفر لي ما لا تعلمون ..
وشكرا على رفع الموضوع فكم يؤلمني والله
أن أرى موضوعا قيما ( لي أو لغيري ) يختفي في غضون ساعات أو يوم ) في الوقت الذي تبقى فيه موضوعات دون ذلك تتصدر الواجهة لفترة طويلة ..
ولكن إلى الله وحده المشتكى ..
على كل حال .. جزاك الله خير الجزاء .. وبارك الله فيك .
-

بو عبدالرحمن
25-09-2001, 10:23 PM
-
معذرة لو أني اضطررت أن ارفع الموضوع
ولكن موضوعا كهذا يجب أن نعيد التذكير به مرات مثيرة
فإنه تضمن قضية مهمة جدا جدا يحتاجها كل واحد منا حيثما كان
وفي كل زمان ومكان ..
ولقد قال ربنا في محكم كتابه
( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا )
وكل منا يرغب ويتمنى أن يهديه الله إلى سبال الخير كلها ..
وطريق ذلك المجاهدة الصحيحة الصادقة
وهذا الموضوع يعين على ذلك بتوفيق الله ..
وبالله التوفيق ..
= ==