يعسوب
27-12-2001, 11:14 AM
على قارعة ذلك الطريق كانت تقف اشجار النخيل الشامخة بعلوها وروعتها وهي تعانق سماء تلك القرية ..
المكتضة بسحائب رعدية التصقت ببعضها البعض لتحجب شعاع الشمس ان يلامس حبات الرمل الصغيرة ذات اللون المائل للصفرة ..
وهي تكسوا سطح ذلك الطريق الطويل والضيق جدا كالزقاق وهو يشق سوق البلدة الى نصفين ..
في جين ازدحمت جنباته بالمارة والمتسوقين الذين غص بهم السوق وهم يتوافدون اليه بعد انقضاء صلاة العصر ..
لشراء حاجاتهم من البضائع التي امتلأت بها رفوف الكاكين المتناثرة كحبات الرز هنا وهناك ..
ورغم ذلك الزحام الذي تجسد في كل شئ حوله الا ان ذلك الشيخ الستيني ذو العمة البيضاء والسحنة البدوية الصارمة واللحية البيضاء الكثة على وجنتيه ...
والاهداب الطويلة المزدحمة على محجريه ..
قد اختار ان يهجر ذلك الصخبوالضجيج من حوله .. ويهرب الى داخله حيث يتقوقع في عالم خياله وذكرياته وافكاره...
معتزلا بذلك كل شئ حوله ... ملقيا بنظره الى ذلك الباب الخشبي امامه .. بينما كان متكأ على عصاه الطويلة الضاربة للسواد والمزينة بمقبض عاجي ابيض ...
وكانه بنظراته تلك على موعد مع قادم يخرج من هناك .. لفت انتباهي هيئته التي اخذت من كل شيء جزءا ..
فمن الباب الخشبي صدوعه الغائرة على محياه.. ومن ذرات الرمل لونها الباهت .. ومن اشجار النخيل شموخها وانفتها ..
ومن تلك الغيمات البارقة فوقه رعودها وكانها تزمجر في صدره مع كل حشرجة تأن بداخله ....
اقتربت منه كثيرا .. والقيت عليه التحية.. وجلست بجواره واستشعرت حينها بدفئ غريب يكتنفني وكاني اعرفه من قبل ... ولكنه رغم ذلك لم يحرك ساكنا لمجيئ ولم يتفوه حتى بكلمة واحده البته ...
ولكن الفضول جعلني اتمسك اكثر بالبقاء قربه والتحدث اليه ومعرفة ماهية امره .. ولكن على النقيض الآخر كان الخوف والتردد يمنعاني من الاقدام على ذلك ...
ففضلت الجلوس صامتا مترقبا لما سيسفر عنه الوضع ..
ومع حلول المغيب بلون الاصيل الذهبي معلنا مقدم ليلا بهيم .. بدأ الطريق يخلوا من المارة ..المغادرون الى مهاجعهم .. وبدأت انا اشعر بالكلل والملل يدبان ببطئ في جسدي الرفيع .. فعزمت على الرحيل ايضا .. وعندما مشيت بضع خطوات احسست بالالم يعتصرني على ذلك الشيخ الستيني ..
وخشيت ان اتركه وحيدا فريسة للسعات البرد وهوام الليل .. فقفيت راجعا اليه ..
ولكن لم اجده مكانه .. فنظرت دذات اليمين تارة وذات الشمال تارة اخرى فلم اجد له اثر البته .. فعدت ادراجي الى البيت واحما ارطال من الحيرة وعلامات الستعجاب والاستفهام حتى اصبح ذلك مرئيا على وجهي الشارد لكل من رآني ....
ولما انتصف الليل وهجع الناس كلهم .. سواي .. حيث سكن السهاد عيني وغادر النوم مقلتي .. قررت الذهاب الى ذات المكان حيث كان العجوز متواجدا طيلة النهار ...
فرديت ردائي وما لزم من ملابسي لتقيني من زمهرير الشتاء .. فحرجت خلسة لكي لا يشعر احد من اهل البيت فيستيقظ على وقع اقدامي ويصدني عن الخروج ...
وما ان اصبحت خارج البيت حتى اسرعت الخطى الى السوق .. ورغم ان دلجة الليل كانت تحول بيني وبين رؤية الاشياء بوضوح ..
الا ان الفضول زاد من عزيمتي ورباطة جأشي .. ولما وصلت الى مشارف السوقلمحت ضوءا خافتا منبعثا من احدى اركانه ..
فتابعت المسير نحوه وفرائصي كلها ترتعد هلعا وخوفا مما يخبأه الليل لي في دلجته من احداث ليست لي بالحسبان ..
ولكن شيئا واحدا كان يسيطر على عقلي في تلك اللحظة وهو اني اقحمت نفسي في امر لا بد ان اكمله حتى النهاية ..
وشيئا آخر بداخلي يشعرني بحاجة ذلك الشيخ الستيني لي ...لذلك شحذت كل همة وشجاعه بداخلي ودنوت حيث مصدر الضوء..
ففوجئت بمنظر ذلك العجوز وهو جالسا على الارض وعكازه بجانبه وبيده سكينا صغيرة .. عكف على حفر ذلك الباب الخشبي بها ..
بينما هو يتمتم بكلمات لم استطع تبين معناها ... فحرصت ان اكون بعيدا مختفيا عن ناظريه كي لا اتسبب في افزاعه ..
او صرفه عن عمله .. فمر الوقت سريعا ..وبدأ الضوء المشتعل قربه يخفت شيئا فشيئا حتى اختفى تماما ...
فقلت في قرارة نفسي ان الوقت اتى لانتهز الفرصة واتدخل لاشعل له الضوء ليكمل عمله ..
وحينها لابد انه سيقدر لي صنيعي هذا وينصت لاستفساراتي ..وعندئذ.. سأحصل على كل الاجوبة فتتبدد حيرتي بشأنه ...
فامسكت بجذوة نار قريبةتستخدم لانارة الطريق .. ودنوت منه فلم اجده .. فقد اختفى ثانية ... فدهشت لأمره ..
كيف يستطيع ان يأتي فجأة ويختفي فجأة بسرعة لا تناسب كبر سنه وشيخوخته .... فناديت عليه لعله يكون بالجوار..
ولكن محاولاتي ذهبت ادراج الرياح فلم يظهر له اثر البته .. وكأن الارض انشقت وبلعته ..
تحركت باتجاه الباب الخشبي وغي يدي جذوة النار تلك ..
فرأيت ما كاد يذهب عقلي ويجن جنوني ..
فقد نقش عليها رسالة موجهة لي بالتحديد يقول فيها .:
لقد علمت انك ستأتي للبحث عني لأن ما يربطك بي اقوى بكثير مما تظن .. وستظل تبحث عني ..
وربما تجدني روربما لن تجدني .. وربما تلقاني ولكن اخشى حينها ان لا تستطيع التعرف علي ...
اعلم ان علامات الدهشة والاستغراب علت محياك الآن وانت تعرج بين سطوري ولكن سأريحك ولن اجعلك تحتار اكثر من ذلك ...
فهاهو عقلك الباطني يناديك لترجع لنفسك ويدق ناقوس الخطر الذي صنعته بيديك .. وليقول لك اني جزءا منك .. نعم انها الحقيقة ..
بل احملك مسؤلية وجودي هنا كي اعاني وأتالم بسببك .. فمنذ الوهلة الاولى التي خفق فيها قلبك للحب والجمال والحياة..
كانت ولادتي .. وبداية رحلتي الشاقة والطويلة معك .. هل عرفتني الآن ؟؟
انا روح مشاعرك التي القيت بها على قارعة الطريق لتغوص في وسط زوبعة كبيرة من متاعبك وهمومك ذات الطابع الروتيني ..
لاظل انا وحيدا صارع من اجلك حتى انهك قواي واصبحت فريسة للضياع والتشويه ... فهرمت سريعا وفقدت الاحساس بجمال الاشياء
بل حتى ضعفت من الولوج الى قلبك الذي احاطت به اغلال كثيرة ..
واصبح بابا صبا يصعب اختراقه او الولوج من خلاله ..
لكن ساكون اكرم وافضل منك ..وامنحك المزيد من الوقت وانتظرك حتى تجد مفتاحك الضال ..
لتفك قيود قلبك واعود اليك مرة اخرى .. اما الآن فألى اللقاء ...
يعســــــــــــــــــــــــــــــــوب
انشاءالله تعجبكم
المكتضة بسحائب رعدية التصقت ببعضها البعض لتحجب شعاع الشمس ان يلامس حبات الرمل الصغيرة ذات اللون المائل للصفرة ..
وهي تكسوا سطح ذلك الطريق الطويل والضيق جدا كالزقاق وهو يشق سوق البلدة الى نصفين ..
في جين ازدحمت جنباته بالمارة والمتسوقين الذين غص بهم السوق وهم يتوافدون اليه بعد انقضاء صلاة العصر ..
لشراء حاجاتهم من البضائع التي امتلأت بها رفوف الكاكين المتناثرة كحبات الرز هنا وهناك ..
ورغم ذلك الزحام الذي تجسد في كل شئ حوله الا ان ذلك الشيخ الستيني ذو العمة البيضاء والسحنة البدوية الصارمة واللحية البيضاء الكثة على وجنتيه ...
والاهداب الطويلة المزدحمة على محجريه ..
قد اختار ان يهجر ذلك الصخبوالضجيج من حوله .. ويهرب الى داخله حيث يتقوقع في عالم خياله وذكرياته وافكاره...
معتزلا بذلك كل شئ حوله ... ملقيا بنظره الى ذلك الباب الخشبي امامه .. بينما كان متكأ على عصاه الطويلة الضاربة للسواد والمزينة بمقبض عاجي ابيض ...
وكانه بنظراته تلك على موعد مع قادم يخرج من هناك .. لفت انتباهي هيئته التي اخذت من كل شيء جزءا ..
فمن الباب الخشبي صدوعه الغائرة على محياه.. ومن ذرات الرمل لونها الباهت .. ومن اشجار النخيل شموخها وانفتها ..
ومن تلك الغيمات البارقة فوقه رعودها وكانها تزمجر في صدره مع كل حشرجة تأن بداخله ....
اقتربت منه كثيرا .. والقيت عليه التحية.. وجلست بجواره واستشعرت حينها بدفئ غريب يكتنفني وكاني اعرفه من قبل ... ولكنه رغم ذلك لم يحرك ساكنا لمجيئ ولم يتفوه حتى بكلمة واحده البته ...
ولكن الفضول جعلني اتمسك اكثر بالبقاء قربه والتحدث اليه ومعرفة ماهية امره .. ولكن على النقيض الآخر كان الخوف والتردد يمنعاني من الاقدام على ذلك ...
ففضلت الجلوس صامتا مترقبا لما سيسفر عنه الوضع ..
ومع حلول المغيب بلون الاصيل الذهبي معلنا مقدم ليلا بهيم .. بدأ الطريق يخلوا من المارة ..المغادرون الى مهاجعهم .. وبدأت انا اشعر بالكلل والملل يدبان ببطئ في جسدي الرفيع .. فعزمت على الرحيل ايضا .. وعندما مشيت بضع خطوات احسست بالالم يعتصرني على ذلك الشيخ الستيني ..
وخشيت ان اتركه وحيدا فريسة للسعات البرد وهوام الليل .. فقفيت راجعا اليه ..
ولكن لم اجده مكانه .. فنظرت دذات اليمين تارة وذات الشمال تارة اخرى فلم اجد له اثر البته .. فعدت ادراجي الى البيت واحما ارطال من الحيرة وعلامات الستعجاب والاستفهام حتى اصبح ذلك مرئيا على وجهي الشارد لكل من رآني ....
ولما انتصف الليل وهجع الناس كلهم .. سواي .. حيث سكن السهاد عيني وغادر النوم مقلتي .. قررت الذهاب الى ذات المكان حيث كان العجوز متواجدا طيلة النهار ...
فرديت ردائي وما لزم من ملابسي لتقيني من زمهرير الشتاء .. فحرجت خلسة لكي لا يشعر احد من اهل البيت فيستيقظ على وقع اقدامي ويصدني عن الخروج ...
وما ان اصبحت خارج البيت حتى اسرعت الخطى الى السوق .. ورغم ان دلجة الليل كانت تحول بيني وبين رؤية الاشياء بوضوح ..
الا ان الفضول زاد من عزيمتي ورباطة جأشي .. ولما وصلت الى مشارف السوقلمحت ضوءا خافتا منبعثا من احدى اركانه ..
فتابعت المسير نحوه وفرائصي كلها ترتعد هلعا وخوفا مما يخبأه الليل لي في دلجته من احداث ليست لي بالحسبان ..
ولكن شيئا واحدا كان يسيطر على عقلي في تلك اللحظة وهو اني اقحمت نفسي في امر لا بد ان اكمله حتى النهاية ..
وشيئا آخر بداخلي يشعرني بحاجة ذلك الشيخ الستيني لي ...لذلك شحذت كل همة وشجاعه بداخلي ودنوت حيث مصدر الضوء..
ففوجئت بمنظر ذلك العجوز وهو جالسا على الارض وعكازه بجانبه وبيده سكينا صغيرة .. عكف على حفر ذلك الباب الخشبي بها ..
بينما هو يتمتم بكلمات لم استطع تبين معناها ... فحرصت ان اكون بعيدا مختفيا عن ناظريه كي لا اتسبب في افزاعه ..
او صرفه عن عمله .. فمر الوقت سريعا ..وبدأ الضوء المشتعل قربه يخفت شيئا فشيئا حتى اختفى تماما ...
فقلت في قرارة نفسي ان الوقت اتى لانتهز الفرصة واتدخل لاشعل له الضوء ليكمل عمله ..
وحينها لابد انه سيقدر لي صنيعي هذا وينصت لاستفساراتي ..وعندئذ.. سأحصل على كل الاجوبة فتتبدد حيرتي بشأنه ...
فامسكت بجذوة نار قريبةتستخدم لانارة الطريق .. ودنوت منه فلم اجده .. فقد اختفى ثانية ... فدهشت لأمره ..
كيف يستطيع ان يأتي فجأة ويختفي فجأة بسرعة لا تناسب كبر سنه وشيخوخته .... فناديت عليه لعله يكون بالجوار..
ولكن محاولاتي ذهبت ادراج الرياح فلم يظهر له اثر البته .. وكأن الارض انشقت وبلعته ..
تحركت باتجاه الباب الخشبي وغي يدي جذوة النار تلك ..
فرأيت ما كاد يذهب عقلي ويجن جنوني ..
فقد نقش عليها رسالة موجهة لي بالتحديد يقول فيها .:
لقد علمت انك ستأتي للبحث عني لأن ما يربطك بي اقوى بكثير مما تظن .. وستظل تبحث عني ..
وربما تجدني روربما لن تجدني .. وربما تلقاني ولكن اخشى حينها ان لا تستطيع التعرف علي ...
اعلم ان علامات الدهشة والاستغراب علت محياك الآن وانت تعرج بين سطوري ولكن سأريحك ولن اجعلك تحتار اكثر من ذلك ...
فهاهو عقلك الباطني يناديك لترجع لنفسك ويدق ناقوس الخطر الذي صنعته بيديك .. وليقول لك اني جزءا منك .. نعم انها الحقيقة ..
بل احملك مسؤلية وجودي هنا كي اعاني وأتالم بسببك .. فمنذ الوهلة الاولى التي خفق فيها قلبك للحب والجمال والحياة..
كانت ولادتي .. وبداية رحلتي الشاقة والطويلة معك .. هل عرفتني الآن ؟؟
انا روح مشاعرك التي القيت بها على قارعة الطريق لتغوص في وسط زوبعة كبيرة من متاعبك وهمومك ذات الطابع الروتيني ..
لاظل انا وحيدا صارع من اجلك حتى انهك قواي واصبحت فريسة للضياع والتشويه ... فهرمت سريعا وفقدت الاحساس بجمال الاشياء
بل حتى ضعفت من الولوج الى قلبك الذي احاطت به اغلال كثيرة ..
واصبح بابا صبا يصعب اختراقه او الولوج من خلاله ..
لكن ساكون اكرم وافضل منك ..وامنحك المزيد من الوقت وانتظرك حتى تجد مفتاحك الضال ..
لتفك قيود قلبك واعود اليك مرة اخرى .. اما الآن فألى اللقاء ...
يعســــــــــــــــــــــــــــــــوب
انشاءالله تعجبكم