PDA

View Full Version : ( مشهد مهيب .. ودروس وعبر .. )


بو عبدالرحمن
28-12-2001, 07:23 AM
-
في لحظةٍ من لحظاتِ تفتحِ الروحِ ، وأنتَ تشهدُ جموعاً هائلةً من النملِ تتدافعُ في قريتها ، وتتداخلُ وتتمازجُ ، وتحتشدُ في منظرٍ مهيبٍ ، بأعدادٍ لا يحصيها إلا الله وحدهُ ..
في لحظةٍ روحيةٍ صافيةٍ وأنتَ تتابعُ هذا المشهدَ ..
تتمثلُ على الفورِ في ذهنكَ مباشرةً صورة المحشرِ وأهوالهِ ، وتدفق الناسِ في ساحةِ العرضِ بأعدادٍ هائلةٍ لا يحصيها إلا الله خالقها .. على اختلافِ ألوانهم ، ومشاربهم وألسنتهم وأحجامهم ...
ثم تحاولُ جاهداً أن تبحثَ عن نفسكَ وسطَ هذا الطوفانِ من جموعِ الناسِ ، وهم يتدافعونَ في رعبٍ كأنهم أمواج البحر العاتيةِ.. تبحثُ عن نفسكَ فلا ترى شيئاً ...! لعلك تكون ساعتها تحت أقدام تلك الجموع الهائجة ..!؟

ألا يهتزُ قلبكَ لمثلِ هذا المشهدِ ، وهذه الذكرى ..؟؟
إن كنتَ كذلكَ . فاحمدِ اللهَ كثيراً .. ولكن تبقى أمامكَ خطوةٌ هي الأهمُ ..
يبقى أمامك _ بعد اهتزازِ قلبكَ _ أن تترجمَ هذا الاهتزازَ عملياً ..
أعني أن تشمرَ وتتهيأ كي يستخلصكَ الله لتكونَ في ذلك اليومِ العصيبِ مع الذين اصطفاهمُ اللهُ فجعلهمْ في ظلهِ يومَ لا ظلَ إلا ظله ..
ومن هنا ..
عليكَ أن تسألَ نفسكَ كثيراً عن صفاتِ هؤلاء الذين اصطفاهمُ اللهُ ، ثم تجهد جهدكَ لتتحلى بهذه الصفاتِ ،
وفي المقابلِ تتخلى وتخلص عن أضدادها من الصفاتِ الذميمةِ ..
بدون هذه الخطوةِ العملية ، إنما تكونُ واهماً في رغبتكَ الخلاص من هولِ ذلكَ اليومِ ..

تأملْ قولَ حبيبكَ ومعلمكَ وقدوتكَ ورسولكَ الكريم محمدٍ صلى اله عليهِ وسلمَ:
سبعةٌ يظلهمْ اللهُ بظلهِ يومَ لا ظلَ إلا ظلهُ :
إمامٌ عادلٌ .. وشابٌ نشأَ في عبادةِ اللهِ .. ورجلٌ قلبهُ معلقٌ بالمساجدِ ..
ورجلانِ تحابا في اللهِ ، اجتمعا عليهِ وتفرقا عليهِ ..
ورجلٌ دعتهُ امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ ، فقالَ : إني أخافُ الله ..
ورجلٌ تصدقَ بصدقةٍ فأخفاها ، حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تنفقُ يمينهُ ..
ورجلٌ ذكرَ اللهَ خالياً ففاضتْ عيناه.. )

أكثر هذه الصفات تستطيعُ أن تجاهدَ نفسكَ لتتحلى بها ..فاستعن بالله ولا تعجزْ ..
وثقْ أنك عندما تحيا مع الله ، ولله ، وبالله .. ستعيش في دنياكَ كريماً عزيزاً
ولن تخسرَ شيئاً في الحقيقةِ ، بل أنت الكاسب الرابح ..
إن اللهَ سبحانه سيعوضكَ عما تركتهُ من أجلهِ .. سيغمر قلبكَ بفيضٍ من أنوارِ السماء ، تجدُ معها لذةً وأنساً يعجزُ عن تحصيلهِ أغنى أغنياء العالم ..
وهذه حقيقةٌ لا مجرد كلامٍ إنشائي ..

شابٌ نشأ في طاعة الله ..
إن كنتَ لا تزالُ شاباً .. فما الذي يحول بينكَ وبين هذا الطريقِ الذي يصلكَ بالسماء مباشرة ..؟!
لماذا تفضلُ الذي هو أدنى على الذي هو خيرٌ ..؟!
لماذا تؤثر طريقَ الوحلِ تتمرغُ فيه ، بدلا من العروج في طريق النور والإشراق؟
أي شيطانٍ خبيثٍ ضحكَ عليك ، وأغراك بأن العيشَ مع إبليس ، أسعد وأفضل من العيش مع الله جل ربنا وتبارك وتقدس ؟!

ورجلُ قلبهُ معلقٌ بالمساجد..
وهذه أخرى .. ما الذي يحولُ بينك وبينها ، وهي أيسرُ عليكَ من شربةِ الماء لو كان في قلبكَ حياةٌ ؟؟!
المساجدُ هي أكرمُ وأحبَ وأفضلُ بقاعِ الدنيا إلى اللهِ عز وجل .. يحبها ويحب أهلها .. ويكرمها ويكرم زوارها.. والمتردد عليها لهُ خصوصيةٌ عند الله ليست لغيره من الناسِ ..
المساجدُ هي مظنة تواجدُ الملائكةِ الكرامِ ، فهي إذن بقعةٌ مملوءةٌ بالنورِ الخالصِ .. وزوراها زوار لله جل جلاله ، وحقٌ على المزورِ أن يُكرمَ زائرهُ .
ألا تكفيكَ هذه الصورةِ لتطيرَ إلى هذه الرحابِ مع النداء ، وأنتَ تتذكرُ أنكَ ستكونُ بعد قليل في ضيافةِ ملكِ الملوك جل في علاه ، وحاشاهُ أن يردك خائباً وقد أقبلتَ عليهِ ..

وتتذكر مع هذا أن من إكرامهِ لكَ :
أنك بمجردِ أن تتوضأ ، فإنكَ تغسلُ خطاياك غسلا عجيباً ..
ثم كل خطواتك إلى المسجدِ لها حسابٌ خاص .. هذه خطوةٌ تكتب لك بها حسنة .. وخطوةٌ يمحو بها عنكَ سيئة .. وخطوةٌ يرفعك بها درجة .. وهكذا حتى تصلَ إلى المسجد حيث تجد الملائكة في انتظارك مرحبة مهللة ..!
وفي أجواء المسجد تتعلم دروساً كثيرة وعبرا متعددة.. ليس هذا موضع ذكرها ..منها أن تصل إلى أن تشتاقَ إلى الدارِ الآخرة لأنها وطنكَ الأصلي .
وباختصار أنت في المسجد تخوضُ في النورِ لأنكَ مع النورِ تعيشُ ..

فإذا استشعرت هذا كله :
انتشت روحكَ.. وصفا قلبكَ . وتزكتَ نفسك .. وطابتَ لك الحياة ..
وحين تكونَ حقاً كذلك .. يسهلُ عليكَ أن تتحلى بالصفاتِ الأخرى التي وردت في الحديثِ ..
حين يكون الإنسانُ شفافَ الروحِ ، صافي القلب ، نقي السريرة ..
فإنه بفضلٍ من الله : يمرُ بفتنِ الدنيا _ ومنها فتنة المرأة _ مستعلياً عليها ، ينظرُ إليها من علٍ عالٍ
نظرةَ إشفاقٍ أو رثاءٍ .. أو نظرة تقززٍ منها ، واستخفافاً بها ..
تقعُ عينه في النظرةِ الأولى عليها ، فكأنما يرى الشيطانَ يطلق من حولها البخورَ ، ليزينها في عيونِ المناكيدِ ، أما صاحبِ القلبِ الموصول باللهِ .. فما أيسر أن يعرضَ عنها ، لأنه يتذكرُ على الفورِ أنه موعود بما هو أجمل من هذه وأرقى وأحلى وأزكى ..!!

ويتذكرُ على الفور أنّ النظرةَ سهمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليس ، فيتحاشاه ..
ذلك لا يعني أنه يصبحُ معصوما لا يقعُ أبداً ..
كلا .. ولكنه حينَ يقعُ يعرفُ كيفَ يعودُ سريعا جدا إلى الله نادما تائبا مستغفرا عازما على أن يكون في المرات القادمةِ أكثر حذرا.. ونحو هذا ..
والأصل : أن القلب الموصول بالله يسهلُ عليهِ أن يتسامى فوق فخاخِ الشيطانِ .. فإذا مرتْ بهِ فتنةٌ مزخرفةٌ يزينها إبليس في عيونِ الخلقِ ..
هتف في أعماقهِ هاتفٌ : ( إني أخافُ اللهَ رب العالمين )
ويذكّـرُ نفسهُ على الفورِ بقولِ يوسف عليه السلام:
( معاذَ اللهُ إنهُ ربي أحسنَ مثواي ، إنه لا يفلحُ الظالمون )
وبمثل هذه التربيةِ المسجديةِ النورانية يعيدُ الإسلامُ صياغةَ الشخصيةِ
حتى تكونَ على أروعِ ما تكون ُ ..

قومٌ همومهمْ باللهِ قد علقت~ *** فما لهمْ هممٌ تسمو إلى أحدِ
فمطلبُ القومِ : مولاهمْ وسيدهم *** يا حُسنَ مطلبهمْ للواحدِ الأحدِ

بحر الحنان
28-12-2001, 07:45 AM
اخي الفاضل بوعبد الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

انه الايمان ..نور القلوب ..يزيد بالطاعه والطاعة تزيد به...
فاللهم املأ قلوبنا نورا ..وايمانا واملأها طاعة وغفرانا ..

جزاك الله خير ا اخي ..كلماتك تزيدنا اصرارا على السير نحو دروب الخير ..نمضي فيها لانعلم ..متى ينتهي بنا الدرب في اي لحظه وفي اي ساعة..فلنستعد لهذا اليوم ويوم الحشر..

سلمت اخي الكريم ..ثم سلمت ..والسلام..

البحاري
28-12-2001, 07:48 AM
جمعة مباركة ..

كثيرة هي المشاهد واللحظات .. التي تصفو بها أنفسنا ونتذكر واقعنا وعملنا ..

لكن المشكلة تكمن في أننا ننسى سريعا :(:(

في لحظات .. اقرر تغير كل مسار حياتي .. وفي نفس اللحظة ينتهى هذا الشعور :(

نسأل الله أن يمن علينا بالهداية .. وأن يرزقنا الجنة ..

تحياتي لك ..

بو عبدالرحمن
28-12-2001, 04:13 PM
-
الأخت الفاضلة الجليلة / ام الحنان
..................... حماك الله من شر كل ذي شر

شكر الله لك هذه المتابعة الواعية ..
وأسأله سبحانه أن يكرمك بكرامة أوليائه المقربين إليه
فتصبحين مباركة اينما كنت .
حزاك الله خير الجزاء .
متابعتك تسرني .. وتعقيباتك تهمني ..
دعواتي لك بدوام التوفيق
= =

زمردة
28-12-2001, 09:23 PM
جزاك الله خيراً على هذا البيان ..

نسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا .. وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان .. وأن يجعلنا من الراشدين ..

اللهم اجعلنا هداة مهتدين .. غير ضالين ولا مضلين .. سلماً لأوليائك .. حرباً على أعدائك .. نحب بحبك من أحبك .. ونعادي بعداوتك من خالفك ..

Huda76
29-12-2001, 12:28 AM
أخي الفاضل بو عبد الرحمن

أسعد الله كل أوقاتك بالخيـر ..

جزاك الله خير على هذا الطرح القيم الرائع ..

إن للإيمان والطاعة لذة لما تبعثه في النفس من نور وبشر وطمأنينة واستقرار ..

تحياتي لك

بو عبدالرحمن
29-12-2001, 07:59 PM
-
أخي الحبيب / البحاري
................ رعاك الله وحفظك

شكر الله لك هذه المتابعة الواعية
أسأل الله أن يبارك فيك ..
وأن يجعلك مباركا حيثما كنت
تسرني متابعتك ايها الفاضل المتألق..
تحياتي إليك
ولا تنسني من دعواتك الطيبة
= =

بو عبدالرحمن
30-12-2001, 07:57 AM
-
الأخت الفاضلة الجليلة / زمردة
.................... رحم الله والديك

حياك الله وبياك وجعل الجنة مأواك
من غير سابقة عذاب ولا مناقشة حساب
اللهم آمين

شكر الله لك هذه المتابعة ، وجعلها في ميزان حسناتك
ونفعك بها ، وجعلك نافعة هادية مهتدية
=

بو عبدالرحمن
31-12-2001, 12:00 AM
-
الأخت الفاضلة الجليلة / Huda76
............. يرحم الله والديك

شكر الله لك هذه المتابعة الواعية
اسأل الله أن تكون سببا في زيادة تنوير قلبك بأنوار الإيمان واليقين
جزاك الله خير الجزاء
واسأله سبحانه أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا
ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان ويجعلنا من الراشدين
فضلا منه ومنه ونعمة ...
اللهم آمين
= =