صقر المدينة
17-01-2002, 12:27 PM
مستقبل القنبلة النووية الباكستانية
«هذه هي الأمور بلا لف ولا دوران: سنقيم تحالفاً (هندياً ـ إسرائيلياً) بقيادتنا وسندمر ترسانتكم النووية».
هذا جزء من حديث السفيرة الأمريكية لبرويز مشرف الحاكم العسكري لباكستان بعد تفجيرات نيويورك بأيام قليلة، وتوارد الأنباء عن ضلوع القاعدة في هذه التفجيرات، وبدء الولايات المتحدة في تشكيل تحالف دولي لضرب حركة طالبان. وكانت أولى الدول المرشحة لهذا التحالف هي باكستان باعتبارها الحليف الأقوى إن لم يكن الوحيد لطالبان، ويُذكر أن مشرف في البداية قد تمنع عن تأييد الولايات المتحدة، واجتمعت السفيرة الأمريكية مع مشرف، وفي أثناء ذلك اللقاء قالت بعض الأنباء إن طائرات أمريكية وإسرائيلية حلقت في سماء باكستان وعجزت الدفاعات الباكستانية عن رصدها، وفي ظل هذه الأجواء ألقت السفيرة بكلامها هذا، وأضافت: «الديون ستبقى، وسنسرع في طلب استيفائها، قضية كشمير ستخسرونها، هذا إذا امتنعتم عن التعاون معنا ورفضتم فتح سمائكم وأرضكم وملفاتكم التي تحتفظون بها عن الطالبان وابن لادن أمام هجومنا الذي نزمع شنه على أفغانستان.
بخلافـه، إليكـم المكاسـب التي ستحصلـون عليهـا: الديـون أولاً ـ وهي بين ثلاثين إلى أربعين مليار دولار ـ ستلغى، وستحصلون على مساعدات من البنك الدولي، ستظل ترسانتكم النووية بحوزتكم وسنحميها، سيكون لنا موقف يرضيكم من قضية كشمير».
هذه جزء من الضغوط التي مارستها أمريكا على باكستان لكي تذعن لمطالبها بشأن حرب أفغانستان، ولمحت فيها إلى ورقة الأسلحة النووية الباكستانية ليس بالأقوال فحسب ولكن أيضاً بالأفعال، ولكن كيف ظهرت القنبلة النووية الباكستانية؟ وما هي الظروف التي أحاطت بذلك الظهور؟ وما مستقبل هذه القوة على ضوء التحديات التي تواجهها؟
تاريخ ظهور القوة النووية الباكستانية:
مع بدايات السبعينيات كانت باكستان تلعق جراحها بعد أن خرجت مهزومة من حربها مع الهند التي أدت إلى فصل باكستان الشرقية وتكوُّن دولة بنجلاديش، ومما زاد من مرارة الهزيمة التجربة النووية الهندية في عام 1974م.
هذه الهزيمة حفزت عزيمة باكستان لتصعيد جهودها لامتلاك القدرات النووية العسكرية، وكان ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء حينئذ هو الذي بدأ هذه الجهود في يناير 1972م، وأدارها رئيس مفوضية الطاقة النووية منير أحمد خان، المهندس النووي الباكستاني الذي تلقى تعليمه في أمريكا، واكتسب خبرة واسعة من خلال عمله في فيينا في الوكالة الدولية للطاقة النووية. وقد سعى هذا العالم الباكستاني إلى تنفيذ برنامج نووي كبير وشامل؛ ليوفر لباكستان ما تحتاجه بشدة من الكهرباء والمنافع الطبية والزراعية، وفي الوقت نفسه يوفر التدريب والتقنية والتغطية السياسية التي تسمح بإنتاج الأسلحة النووية، وسعت باكستان إلى الحصول على مساعدة فرنسا لتحقيق هذه الغاية.
وبنهاية عام 1975م ازداد القلق من المطامح النووية الباكستانية، وذلك في دول الغرب على الأقل. وقامت واشنطن بالضغط على فرنسا لوقف إمداداتها للبرنامج النووي الباكتساني، وفي شهر ديسمبر من ذلك العام حدث تطور بالغ الأهمية؛ فقد كان العالم الدكتور عبد القادر خان الخبير في علم المعادن يقوم بزيارة لوطنه باكستان في عطلة من عمله في شركة هولندية كبيرة، هي شركة (إف. دي. أو)، وكانت هذه الشركة المقاول الرئيس من الباطن للشركة الأوروبية لإخصاب اليورانيوم في مشروع بناء مصنع متقدم فائق السرعة لإخصاب اليورانيوم بالطرد المركزي؛ لتوفير خدمات الإخصاب للبرامج الأوروبية للطاقة النووية. وكان عبد القادر خان قد بعث في وقت سابق من عام 1974م رسالة إلى رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو يعرض عليه خدماته من أجل البرنامج النووي الباكستاني وبشكل خاص في حقل إخصاب اليورانيوم، ورد عليه بوتو طالباً منه أن يتصل به في زيارته التالية لباكستان. ولما عاد هذا العالم إلى وطنه ضغط عليه بوتو بشدة للبقاء، فوافق على عدم العودة إلى هولندا، وعلى أن يتولى الإشراف على جهود إخصاب اليورانيوم، ثم توجه رئيس الوزراء الباكستاني بعد ذلك إلى الصين سعياً إلى مساعدتها لتقديم المواد النووية اللازمة. لقد كان يلزم لصنع هذه القنبلة ثلاثة شروط أساسية: المواد الأولية القابلة للانشطار من يورانيوم أو بولتونيوم، والقاعدة العلمية من علماء وفنيين، ثم الإرادة السياسية. ويقول عبد القادر خان: «كان أمامنا هدف أنه لا بد من النجاح بسرعة ودقة؛ ذلك أن أمامنا عدواً يتربص بنا ويهدد بلادنا كل يوم... لقد كانت المعركة قاسية للغاية وليست سهلة».
وبرغم أن الفترة الزمنية التي حُددت للمشروع كانت خمس سنوات فإنه نظراً لتسرب أنباء المفاعل النووي بدأت الدول تأخذ حذرها من باكستان في تصدير المواد اللازمة للمشروع؛ مما أدى إلى الانتهاء منه بعد عشر سنوات في عام 1984م.
وظل الوضع هادئاً حتى عام 1998م؛ ففي 17 مايو من ذلك العام في مدينة نيودلهي عقد علماء الذرة الهنود مؤتمراً صحفياً أعلنوا فيه قيام الهند بإجراء خمسة اختبارات نووية. وقبل ذلك كان قد ذكر أن التفجيرات الأخرى التي وقعت يوم 11 مايو تضمنت متفجرة انشطارية تبلغ 12 كيلو طناً، وهي أخف وأكثر إحكاماً من متفجرة عام 1974م، ومتفجرة تبلغ 00.2 كيلو طناً، ولم يشر إلى مكوناتها. أما التفجيران الآخران اللذان وقعا في 13 مايو فقد كان أحدهما 0.2 كيلو طناً، والآخر 0.6 كيلو طناً. ولم يذكر العلماء شيئاً عن المواد الانشطارية المستخدمة في التفجيرات أو عن العمق الذي دفنت فيه قبل إطلاقها. وقد شكك كثير من علماء الغرب في قوة التفجيرات الهندية، ورجحوا ضعف المستوى النووي الهندي.
وفي يوم 28 مايو فعلت باكستان ما كان متوقعاً، فقد قامت بإجراء خمسة تفجيرات نووية في وقت واحد في نفق تحت سلسلة جبال راس كوه بالقرب من شاجاي في بوشستان، وتحول لون الجبل إلى اللون الأبيض. وعلى الفور تساءل المحللون في الولايات المتحدة عن عدد القنابل التي جربت وقوتها. وكان الدكتور عبد القادر خان قد أعلن أن أكبر هذه التفجيرات بلغ ما يتراوح بين 30 إلى 35 كيلو طناً، وذكر الدكتور سمر مباركماند، الفيزيائي الباكستاني الذي تدرب في أكسفورد، والذي تولى رئاسة برنامج المفوضية الباكستانية للطاقة النووية أن مجموع اختبارات ذلك اليوم بلغ من 40 إلى 45 كيلو طناً، غير أن المحللين الأمريكيين شكوا في هذه التقديرات، ورجحوا أنها أقل من ذلك؛ ولذلك قامت باكستان في يوم 30 مايو بتفجير قنبلة نووية أخرى بعد يومين فقط من التجارب الأولى، وبذلك أصبحت التجارب النووية الباكستانية ست تجارب في مقابل خمس أجرتها الهند.
وبعد أحد عشر شهراً من التجارب النووية الهندية في الحادي عشر من مايو من عام 1999م، والتي أتبعتها باكستان بست تجارب مماثلة قامت الهند بإطلاق صاروخ بالستي متوسط المدى (اجني ـ 2)، هذا الصاروخ جاء ليحفز سباقاً نووياً من نوع آخر وهو القدرة على إيصال القوة النووية إلى مدى أبعد بواسطة الصواريخ البالستية، وحرمان الطرف الآخر من قدرات الضربة الثانية. ومن هنا كانـت تجـارب إطــلاق صاروخــــي (غــوري ــ 2) و (شاهين ــ 1) الباكستانيين نتيجة طبيعية ومنطقية؛ وبذلك أضحت القدرات النووية لا تقاس بعدد التفجيرات أو قوتها ولكن تقاس بحجم الصواريخ، والطائرات، ومداها لإيصال الشحنة النووية.
ولقياس القدرات الباكستانية في هذا المجال نقارنها بنظيراتها الهندية والإسرائيلية في الجدول الآتي:
التحدي الهندي:
ترسم الهند أدواراً لنفسها ليس على الصعيد الإقليمي فحسب ولكن أيضاً على الساحة العالمية، ومن وجهة نظر الهند؛ فإن قيام باكستان أثَّر في مستقبلها الاستراتيجي من نواح متعددة. وبداية أخل بالوحدة الجغرافية الطبيعية لشبه القارة بخلق تهديد عسكري جديد نابع الآن من داخلها، إضافة إلى الأخطار التي تعدُّ تقليدياً نابعة من الخارج. كذلك عقَّد من جهود الهند لتوحيد الجماعات الفرعية المتفاوتة إقليمياً، ولغوياً، وثقافياً، من خلال تحول باكستان إلى مصدر لكل من المعونة المادية والإلهام العقائدي لمختلف المطالبات الانفصالية. وأخيراً فإن قيام باكستان قد أجبر الهند على توظيف الموارد الاقتصادية والعسكرية في صراع على الهيمنة السياسية داخل منطقة جنوب آسيا، في الوقت الذي كان من الممكن جداً أن تخصص فيه هذه الموارد لتأدية دور أكبر خارج المنطقة، وربما على المستوى العالمي.
ولهذه الأسباب، تمثل باكستان العائق الرئيس أمام الهدف الاستراتيجي الأساسي الكبير للهند، وهو التحول إلى قوة عظمى مزدهرة مع التمتع بكل الأمن المتأتي من تبوؤ هذه المنزلة.
إن الهند تملك عدداً هائلاً من السكان، ومساحة جغرافية واسعة مديدة، وإمكانيات اقتصادية وتقنية وعسكرية ضخمة. انتهجت الهند استراتيجية متعددة المحاور للحفاظ على موقع قوتها النسبية:
أولاً: باشرت بتنفيذ استراتيجية اقتصادية للاكتفاء الذاتي، تهدف إلى اكتساب الإمكانيات الصناعية والتقنية اللازمة لمساندة الأهداف الدفاعية والتنموية، مع الحد الأدنى من المعونة الخارجية؛ إذ تم توجيه اهتمام خاص بقطاعات التقنية المتطورة، والطاقة الذرية، والفضاء التي أعطيت مكانة بارزة خدمة لسياسة القوة.
«هذه هي الأمور بلا لف ولا دوران: سنقيم تحالفاً (هندياً ـ إسرائيلياً) بقيادتنا وسندمر ترسانتكم النووية».
هذا جزء من حديث السفيرة الأمريكية لبرويز مشرف الحاكم العسكري لباكستان بعد تفجيرات نيويورك بأيام قليلة، وتوارد الأنباء عن ضلوع القاعدة في هذه التفجيرات، وبدء الولايات المتحدة في تشكيل تحالف دولي لضرب حركة طالبان. وكانت أولى الدول المرشحة لهذا التحالف هي باكستان باعتبارها الحليف الأقوى إن لم يكن الوحيد لطالبان، ويُذكر أن مشرف في البداية قد تمنع عن تأييد الولايات المتحدة، واجتمعت السفيرة الأمريكية مع مشرف، وفي أثناء ذلك اللقاء قالت بعض الأنباء إن طائرات أمريكية وإسرائيلية حلقت في سماء باكستان وعجزت الدفاعات الباكستانية عن رصدها، وفي ظل هذه الأجواء ألقت السفيرة بكلامها هذا، وأضافت: «الديون ستبقى، وسنسرع في طلب استيفائها، قضية كشمير ستخسرونها، هذا إذا امتنعتم عن التعاون معنا ورفضتم فتح سمائكم وأرضكم وملفاتكم التي تحتفظون بها عن الطالبان وابن لادن أمام هجومنا الذي نزمع شنه على أفغانستان.
بخلافـه، إليكـم المكاسـب التي ستحصلـون عليهـا: الديـون أولاً ـ وهي بين ثلاثين إلى أربعين مليار دولار ـ ستلغى، وستحصلون على مساعدات من البنك الدولي، ستظل ترسانتكم النووية بحوزتكم وسنحميها، سيكون لنا موقف يرضيكم من قضية كشمير».
هذه جزء من الضغوط التي مارستها أمريكا على باكستان لكي تذعن لمطالبها بشأن حرب أفغانستان، ولمحت فيها إلى ورقة الأسلحة النووية الباكستانية ليس بالأقوال فحسب ولكن أيضاً بالأفعال، ولكن كيف ظهرت القنبلة النووية الباكستانية؟ وما هي الظروف التي أحاطت بذلك الظهور؟ وما مستقبل هذه القوة على ضوء التحديات التي تواجهها؟
تاريخ ظهور القوة النووية الباكستانية:
مع بدايات السبعينيات كانت باكستان تلعق جراحها بعد أن خرجت مهزومة من حربها مع الهند التي أدت إلى فصل باكستان الشرقية وتكوُّن دولة بنجلاديش، ومما زاد من مرارة الهزيمة التجربة النووية الهندية في عام 1974م.
هذه الهزيمة حفزت عزيمة باكستان لتصعيد جهودها لامتلاك القدرات النووية العسكرية، وكان ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء حينئذ هو الذي بدأ هذه الجهود في يناير 1972م، وأدارها رئيس مفوضية الطاقة النووية منير أحمد خان، المهندس النووي الباكستاني الذي تلقى تعليمه في أمريكا، واكتسب خبرة واسعة من خلال عمله في فيينا في الوكالة الدولية للطاقة النووية. وقد سعى هذا العالم الباكستاني إلى تنفيذ برنامج نووي كبير وشامل؛ ليوفر لباكستان ما تحتاجه بشدة من الكهرباء والمنافع الطبية والزراعية، وفي الوقت نفسه يوفر التدريب والتقنية والتغطية السياسية التي تسمح بإنتاج الأسلحة النووية، وسعت باكستان إلى الحصول على مساعدة فرنسا لتحقيق هذه الغاية.
وبنهاية عام 1975م ازداد القلق من المطامح النووية الباكستانية، وذلك في دول الغرب على الأقل. وقامت واشنطن بالضغط على فرنسا لوقف إمداداتها للبرنامج النووي الباكتساني، وفي شهر ديسمبر من ذلك العام حدث تطور بالغ الأهمية؛ فقد كان العالم الدكتور عبد القادر خان الخبير في علم المعادن يقوم بزيارة لوطنه باكستان في عطلة من عمله في شركة هولندية كبيرة، هي شركة (إف. دي. أو)، وكانت هذه الشركة المقاول الرئيس من الباطن للشركة الأوروبية لإخصاب اليورانيوم في مشروع بناء مصنع متقدم فائق السرعة لإخصاب اليورانيوم بالطرد المركزي؛ لتوفير خدمات الإخصاب للبرامج الأوروبية للطاقة النووية. وكان عبد القادر خان قد بعث في وقت سابق من عام 1974م رسالة إلى رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو يعرض عليه خدماته من أجل البرنامج النووي الباكستاني وبشكل خاص في حقل إخصاب اليورانيوم، ورد عليه بوتو طالباً منه أن يتصل به في زيارته التالية لباكستان. ولما عاد هذا العالم إلى وطنه ضغط عليه بوتو بشدة للبقاء، فوافق على عدم العودة إلى هولندا، وعلى أن يتولى الإشراف على جهود إخصاب اليورانيوم، ثم توجه رئيس الوزراء الباكستاني بعد ذلك إلى الصين سعياً إلى مساعدتها لتقديم المواد النووية اللازمة. لقد كان يلزم لصنع هذه القنبلة ثلاثة شروط أساسية: المواد الأولية القابلة للانشطار من يورانيوم أو بولتونيوم، والقاعدة العلمية من علماء وفنيين، ثم الإرادة السياسية. ويقول عبد القادر خان: «كان أمامنا هدف أنه لا بد من النجاح بسرعة ودقة؛ ذلك أن أمامنا عدواً يتربص بنا ويهدد بلادنا كل يوم... لقد كانت المعركة قاسية للغاية وليست سهلة».
وبرغم أن الفترة الزمنية التي حُددت للمشروع كانت خمس سنوات فإنه نظراً لتسرب أنباء المفاعل النووي بدأت الدول تأخذ حذرها من باكستان في تصدير المواد اللازمة للمشروع؛ مما أدى إلى الانتهاء منه بعد عشر سنوات في عام 1984م.
وظل الوضع هادئاً حتى عام 1998م؛ ففي 17 مايو من ذلك العام في مدينة نيودلهي عقد علماء الذرة الهنود مؤتمراً صحفياً أعلنوا فيه قيام الهند بإجراء خمسة اختبارات نووية. وقبل ذلك كان قد ذكر أن التفجيرات الأخرى التي وقعت يوم 11 مايو تضمنت متفجرة انشطارية تبلغ 12 كيلو طناً، وهي أخف وأكثر إحكاماً من متفجرة عام 1974م، ومتفجرة تبلغ 00.2 كيلو طناً، ولم يشر إلى مكوناتها. أما التفجيران الآخران اللذان وقعا في 13 مايو فقد كان أحدهما 0.2 كيلو طناً، والآخر 0.6 كيلو طناً. ولم يذكر العلماء شيئاً عن المواد الانشطارية المستخدمة في التفجيرات أو عن العمق الذي دفنت فيه قبل إطلاقها. وقد شكك كثير من علماء الغرب في قوة التفجيرات الهندية، ورجحوا ضعف المستوى النووي الهندي.
وفي يوم 28 مايو فعلت باكستان ما كان متوقعاً، فقد قامت بإجراء خمسة تفجيرات نووية في وقت واحد في نفق تحت سلسلة جبال راس كوه بالقرب من شاجاي في بوشستان، وتحول لون الجبل إلى اللون الأبيض. وعلى الفور تساءل المحللون في الولايات المتحدة عن عدد القنابل التي جربت وقوتها. وكان الدكتور عبد القادر خان قد أعلن أن أكبر هذه التفجيرات بلغ ما يتراوح بين 30 إلى 35 كيلو طناً، وذكر الدكتور سمر مباركماند، الفيزيائي الباكستاني الذي تدرب في أكسفورد، والذي تولى رئاسة برنامج المفوضية الباكستانية للطاقة النووية أن مجموع اختبارات ذلك اليوم بلغ من 40 إلى 45 كيلو طناً، غير أن المحللين الأمريكيين شكوا في هذه التقديرات، ورجحوا أنها أقل من ذلك؛ ولذلك قامت باكستان في يوم 30 مايو بتفجير قنبلة نووية أخرى بعد يومين فقط من التجارب الأولى، وبذلك أصبحت التجارب النووية الباكستانية ست تجارب في مقابل خمس أجرتها الهند.
وبعد أحد عشر شهراً من التجارب النووية الهندية في الحادي عشر من مايو من عام 1999م، والتي أتبعتها باكستان بست تجارب مماثلة قامت الهند بإطلاق صاروخ بالستي متوسط المدى (اجني ـ 2)، هذا الصاروخ جاء ليحفز سباقاً نووياً من نوع آخر وهو القدرة على إيصال القوة النووية إلى مدى أبعد بواسطة الصواريخ البالستية، وحرمان الطرف الآخر من قدرات الضربة الثانية. ومن هنا كانـت تجـارب إطــلاق صاروخــــي (غــوري ــ 2) و (شاهين ــ 1) الباكستانيين نتيجة طبيعية ومنطقية؛ وبذلك أضحت القدرات النووية لا تقاس بعدد التفجيرات أو قوتها ولكن تقاس بحجم الصواريخ، والطائرات، ومداها لإيصال الشحنة النووية.
ولقياس القدرات الباكستانية في هذا المجال نقارنها بنظيراتها الهندية والإسرائيلية في الجدول الآتي:
التحدي الهندي:
ترسم الهند أدواراً لنفسها ليس على الصعيد الإقليمي فحسب ولكن أيضاً على الساحة العالمية، ومن وجهة نظر الهند؛ فإن قيام باكستان أثَّر في مستقبلها الاستراتيجي من نواح متعددة. وبداية أخل بالوحدة الجغرافية الطبيعية لشبه القارة بخلق تهديد عسكري جديد نابع الآن من داخلها، إضافة إلى الأخطار التي تعدُّ تقليدياً نابعة من الخارج. كذلك عقَّد من جهود الهند لتوحيد الجماعات الفرعية المتفاوتة إقليمياً، ولغوياً، وثقافياً، من خلال تحول باكستان إلى مصدر لكل من المعونة المادية والإلهام العقائدي لمختلف المطالبات الانفصالية. وأخيراً فإن قيام باكستان قد أجبر الهند على توظيف الموارد الاقتصادية والعسكرية في صراع على الهيمنة السياسية داخل منطقة جنوب آسيا، في الوقت الذي كان من الممكن جداً أن تخصص فيه هذه الموارد لتأدية دور أكبر خارج المنطقة، وربما على المستوى العالمي.
ولهذه الأسباب، تمثل باكستان العائق الرئيس أمام الهدف الاستراتيجي الأساسي الكبير للهند، وهو التحول إلى قوة عظمى مزدهرة مع التمتع بكل الأمن المتأتي من تبوؤ هذه المنزلة.
إن الهند تملك عدداً هائلاً من السكان، ومساحة جغرافية واسعة مديدة، وإمكانيات اقتصادية وتقنية وعسكرية ضخمة. انتهجت الهند استراتيجية متعددة المحاور للحفاظ على موقع قوتها النسبية:
أولاً: باشرت بتنفيذ استراتيجية اقتصادية للاكتفاء الذاتي، تهدف إلى اكتساب الإمكانيات الصناعية والتقنية اللازمة لمساندة الأهداف الدفاعية والتنموية، مع الحد الأدنى من المعونة الخارجية؛ إذ تم توجيه اهتمام خاص بقطاعات التقنية المتطورة، والطاقة الذرية، والفضاء التي أعطيت مكانة بارزة خدمة لسياسة القوة.