تسجيل الدخول

View Full Version : التشدد و كيف نتعامل معه ؟؟


مساعد بن عبدالسلام
30-03-2002, 01:57 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص محاضرة : التطرف و كيفية التعامل معه

للدكتور صلاح الراشد (*)

مقدمة : في مسائل الاعتقاد و السلوك نجد دائما طرفان و وسط ، هذه القاعدة التي وضعها الإمام ابن الجوزية _ رحمه الله _ فعندنا ثلاثة أجزاء في هذه القاعدة

أولا : المتطرف : يكون صاحبه مغالي و مبالغ في اعتناق فكرة أو سلوك ولا يقبل تغيير آرائه أبدا

ثانيا : المتسيّب: المتهاون في أمور معينة أو سلوكيات ضرورية أو المتنازل عن حقه دائما بشكل متكرر

ثالثا : الوسط : هو المعتدل الذي يتصف بالمرونة في طريقة تفكيره و الذي يتقبل آراء الآخرين

و لم ينشأ التطرف في هذا العصر و لكنها مسألة قديمة منذ أن بدأت الحياة و أول ما أنزل الله آدم _ عليه السلام _ و زوجته حواء حدث التطرف منذ بداية الأمر حيث قتل قابيل هابيل و هذا يعد قمة التطرف حيث يختلف شخص مع آخر فيقتله

_ من الأسوأ المتطرف أم المتسيب ؟ المتطرف أسوأ من المتسيب لأنه يعتقد أن فكرته أو سلوكه من الدين و لذلك هو لا يعود عن اعتقاده ، أما المتسيب فيمكن أن يعدل من تسيبه و يعدل سلوكه و تصرفه

مثال على المتسيب : عن ابي أمامة قال إن فتى اتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا فأقبل القوم عليه فزجروه قالوا مه مه فقال : ادنه ( أي اقترب ) فدنا منه قريبا قال فجلس قال اتحبه لأمك قال لا و الله جعلني فداءك قال و لا الناس يحبون لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك، قال : لا و الله جعلني فداءك و لا الناس يحبونه لأخواتهم ……… إلى آخر الحديث ، ( رواه مسلم ) ..حيث اقتنع الشاب و عدل عن رغبته تلك و هذا دليل ان المتسيب يمكن أن يعود عن تسيبه

مثال على المتطرف : أتى رجل الى رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث لم يرض بعدم عطاء الرسول له و قال للرسول صلى الله عليه و سلم : اتق الله يا محمد ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم فمن يطع الله عن عصيته أيأمنني على أهل الأرض و لا تأمنوني قال ثم أدبر الرجل فاستأذن رجل من القوم في قتله فقال رسول

الله صلى الله عليه : إن من ضئضئ هذا قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يقتلون أهل الإسلام و يدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية …)

فمن هذا الحديث يتضح ان هذا الرجل ظل على سلوكه المتطرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و فعلا خرج الخوارج بعد ذلك و عرفهم على بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ و قال : هؤلاء من وصفهم الرسول بتلك الصفات السالفة الذكر في الحديث الشريف و لذلك كثرة الصلاة و العبادة شيء محمود و لكن لا ننغر بكثرة الصلاة و العبادة إذا رافقها تطرفا و خللا في الاعتقاد مثل تكفير الناس و عدم الاعتراف بهم.

و لذلك العلماء لهم سياسة معينة فهم يشددون على أنفسهم على سلوك معين او عيادة معينة و لكنهم لا يأمرون الناس بذلك لعلمهم ان ما يستطيعونه لا يستطيعه غيرهم .. فما تستطيع فعله انت لا يستطيعه الآخرون بالضرورة

و أيضا نجد ان الشخص المبتدع يكون عنده اعتقاد جزمي و يقيني يعتقد ان هذه البدعة من الدين . و هناك أناس يمكن أن يسبوا و يقتلوا او يسبوا ظنا منهم أن هذا من الدين

قاعدة أصلها الإمام الشافعي : حين قال : رأيي صواب يقبل الخطأ ..و اشار على انه الجميع آراءهم يمكن ان ترد إلا صاحب هذا القبر ويقضد الرسول صلى الله عليه و سلم و الإنسان الإيجابي مع مرور الأيام يراجع آراءه و يفكر و يغير و هذا هو الوضع الطبيعي

الفتوى يمكن أن تتغير : يمكن ان تنطبق على مكان و لا تنطبق على مكان آخر فكيف بالسلوكيات و التصرفات و الاجتهادات الشخصية ..فالأولى أنها تتغير فهي ليست قرآنا منزلا من السماء القرآن لا يتغير .. لكن كل اجتهادات الناس و تصرفاتهم و سلوكياتهم و آرائهم يمكن أن يتغير المكان و الزمان و الظرف خطر الفكرة اليقينية : من أمثلتهم أهل البدعة .. فالعلماء لهم مقولة و هي ان صاحب البدعة لا يترك بدعته ابدا .. و السبب النفسي وراء ذلك ان الشخص المبتدع الذي عنده اعتقاد جزمي ديني و لا يعودون عنها أيضا مرضى الفصام .. فمشكلة مريض الفصام ان عنده فكرة يقينية لا يريد تغييرها فقمة التشدد و التطرف أن تكون عند الشخص فكرة يقينية لا تقبل التغيير .

الناس في اتخاذ قراراتهم ثلاثة : 1 _ شخص يقيني : مرجعياته داخلية لا يشاور أحد و لا ياخذ برأي احد .. يمضي في طريقه غير مبال بأحد ..و عندما يكتشف خطأيكون وصل الى طريق مسدود لا يستطع العود لأن خطأه يكون عادة ضخما . 2 _ شخص مشاور : و هو المعتدل الذي يتخذ قراره بعد اخذ المشورة و الاستماع و النقاش مع الناس فإذا عزم توكل على الله 3- شخص متشكك :ليس له رأي و لا قرار يمضي وقته بدون أن يتخذ قرارا.

احذر التصنيف : لا يوجد تصنيف معين لا بد أن نلتزم به في مشاعرنا و مواقفنا .. الناس تختلف في آرائها و تصرفاتها و تأثرها و لكن و ضع النفس في تصنيف معين هذا هو الذي يوقع الناس في مشكلات كثيرة .. و أن أبني سلوكياتي و تصرفاتي و مشاعري و أحاسيسي و فقا لما يحبه الآخرين .. و فقا لما يريده الآخرون و ليس وفقا لما اقتنع انا به

عظمة الإسلام : عظمة الإسلام استمدها من سماحة صدره و تقبله .. لقد قبل الأبيض و الأسود و العربي و الأعجمي و الفقيرو الغني قال تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .. استطاع أن يجمع ابوبكر العربي القريشي مع سلمان الفارسي مع صهيب الرومي مع بلال الحبشي مع ابي ذر الغفاري في مجلس واحد و الإسلام استطاع بسعة صدره ان يتقبل و يحتوي الشعوب .. فمن سمع عن خراسان مثلا قبل الإسلا م ؟ استطاع الإسلام ان يجعل من هذه الشعوب قائدة .. خرج منها الإمام البخاري و الإمام مسلم و الترمذي و ابن ماجةو القزويني و غيرهم من العلماء و الأئمة الأجلاء .. و هنا تكمن عظمة الاسلام باحتوائه للجميع و تقبله للجميع .

كيف نتعامل مع التشدد : الأكثر ليونة أكثر تحكما .. نعم و الأكثر ليونة أكثر سعادة و نجاحا في الحياة..عكس ما يظن كثير من الناس .. يظنون انه كل ما كان الانسان اكثر صلابة و تشددا كل ما كان نجاحه أكيدا .. و لو بحثنا في حياة الناجحين لوجدنا اهم يشتركون في الليونة و المرونة .. و الرسول صلى الله عليه و سلم ما خير بين امرين إلا و اختار أيسرهما .

سعة الصدر : لا بد ان يكون عندنا سعة صدر .. لكي تكون في الوسط بين التطرف و التسيب .. معنى ذلك أن يكون عندك مساحة للقبول اكثر من غيرك .. تقبل الآراء و السلوكيات و التصرفات و المشاعر و الأحاسيس بتنوعها و اختلافها و تقبلها .. بعض الناس عنده تقبل لللآخرين حسب تصنيف خاص به .. فيتقبل من يختارهم مسبقا من أقربائه و أهله فقط ..و لكن القبول المطلوب هو حسب تنوع الناس الآخرين و ليس حسب تصنيف خاص بالفرد.

لا يصح في النهاية إلا الصحيح : اسلك مسلكك .. افعل ما تراه صحيحا .. بعد الدراسة و التشاور ..و استبشر خيرا .. إن كان رأيك صحيحا .. سيصح في النهاية .. لأن القاعدة العربية تقول : ( لا يصح في النهاية إلا الصحيح ) و أذا كان خطا فأنت بمجرد اكتشافك للخطأ ستغيره .. لأننا اتفقنا أنك إنسان مرن .. و للمجتهد أجر

الطرف الآخر : عند تعاملك مع انسان متطرف في رأيه أو سلوكه .. _ اذا تعاملت مع احد الناس الذين يؤمنون بآرائهم و اجتهاداتهم ايمانا جازما لا يتغير .. فيصبح النقاش معهم بمرور الوقت لا يجدي و لا يفيد و الحديث مع هؤلاء مضيعة للوقت .. قال تعالى : ( لو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم و لو أسمعهم لتولوا و هم معرضون ) .. اذا كان التطرف بسيطا .. في مسألة من المسائل و قبل الطرف الآخر النقاش يمكن ذلك ..و لكن اذا لم يقتنع برأينا فليس من الضروري أن يقتنع .. فالله سبحانه و تعالى : ( فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ) و كل شيء ينضوي تحت الايما ن ..

من يترك العمل أصيب بالجدل : دعي الإمام احمد الى المناظرة فرفض ذلك قائلا : لست بشاك في ديني حتى اناظر .. فلا حاجة لنا الى الجدال .. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : ( ما ترك قوم العمل إلا استبدلوا بالجدل )

إلى ماذا نحتاج اليوم : نحن اليوم نحتاج الى التجمع لا التفرق .. و امتنا تحتاج الى التجمع و البعد عن الجدال

أين يكمن التميز ؟ التكيف و القبول ليس مع المشابه لنا .. انما يكون مع المعارض و المعاكس و ليس في قبول المثل و المشابه.. فهذا من الطبيعي .. التميز في تقبل و التكيف مع المعارض

**********************************************************
جانب من المحاظرة : أحدى الأخوات تسأل : س : إذا رأيت واحدة تدعو ا الناس الى بدعة .. هل أكون متشددة إذا دعوتها و الأخريات الى ترك هذا الشيء ؟ الدكتور : ج : النصيحة ليس لها دخل بالتطرف . يمكننا ان ننصح أي انسان و نوجه له النصيحة .. و نعطيه مما أعطانا الله ..و اذا صادفنا الخطأ نحاول تغييره ..و لكن علينا اختيار الاسلوب المناسب .. و أبين الادلة التي لدي .. اما النتائج لا اكون مسؤولا عنها .. فأنصح و أرشد و أبلغ .. و لكن بهدوء و لطف …. يقول عز و جل : ( فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك ..) صدق الله العظيم

أشرف_ سؤال _ يلاحظ في غرف البالتوك و المنتديات لأتفه الأسباب التعصب و عدم قبول وجهة النظر الأخرىفما هو الأسلوب الأمثل لمواجهة او الرد على هؤلاء خاصة انهم يقدحون في الدين بطريقة كبيرة و شديدة ؟

ادكتور : ج : لا ينفع الجلوس مع أناس يشتمون الله و رسوله .. و أي شخص يجلس في غرفة أو مكان يشتم لفيه الله و رسوله ..و لو بحجة الدين فهو يكون مثلهم .. فتواجدنا معهم لا يحمي الدين .. قال تعالى : (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها و يستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين و الكافرين في حهنم جميعا ) و العياذ بالله .. و على الجانب الآخر لا بد من تشجيع القنوات الإيجابية ..و بالفعل هناك اناس مجرد ما ينتقد الاسلام يثورون .. الصحيح أن يتقبلوا و يتحملوا .. فالرسول صلى الله عليه و سلم استمع من الكفار و المنافقين إلى أشياء عظيمة ..يمكن أن تعلق بكلمتين .. فالله سبحانه و تعالى يقول : ( و ذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين ) و لكن ليس بالضروري أن تقنعه برأيك ..و يقول تعالى : (ليس عليك هداهم ) ..

__________________________________________

(*) د. صلاح الراشد : داعية كويتي و إمام مسجد .. له العديد من الألبومات الإسلامية و المحاظرات مثل مجددوا الإسلام و آداب إسلامية و البشارات العجاب في صحف أهل الكتاب