فتى الإيمان
06-08-2002, 05:55 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الألم ليس مذموماً دائماً ولا مكروهاً أبداً فقد يكون خيراً للعبد أن يتألّم .
إن الدعاء الحار يأتي مع الألم ، والتسبيح الصادق يصاحب الألم ، وتألُم الطالب زمن التحصيل وحمله لأعباء الطلب يُثمر عالماً جهبذاً ، لأنه احترق في البداية فأشرق في النهاية .
وتألم الشاعر ومعاناتُه لما يقول تُنتج أدباً مؤثراً خلاّباً ، لأنه انقدح مع الألم من القلب والعصب والدم فهزَّ المشاعر وحرَّك الأفئدة .
ومعاناة الكاتب تُخرج نٍتاجاً حيَّاً جذَّاباً يمور بالعِبر والصور والذكريات .
إنّ الطالب الذي عاش حياة الدَّعَة والراحة ولم تلذَعه الأزمات ولم تكوه المُلِمَّات ، إن هذا الطالب يبقى كسولاً مترهِّلاً فاتراً .
وإن الشاعر الذي ما عرف الألم ولا ذاق المرّ ولا تجرَّع الغُصَص ، تبقى قصائده رُكاماً من رخيص الحديث وكُتلاً من زبد القول ، لأن قصائده خرجت من لسانه ولم تخرج من وجدانه ، وتلفَّظ بها فهمه ولم يعشها قلبه وجوانحه .
وأسمى هذه الأمثلة وأرفع : حياة المؤمنين الأوّلين الذين عاشوا فجر الرسالة ومولد الملَّة وبداية البعث ، فإنَّهم أغظم إيماناً وأبرُّ قلوباً وأصدقُ لهجة وأعمق علماً ، لأنهم عاشوا الألم والمعاناة : ألم الجوع والفقر والتشريد والأذى والطرد والإبعاد وفراق المألوفات وهجر المرغوبات وألم الجراح والقتل والتعذيب ، فكانوا بحقٍّ الصفوة الصافية والثلَّة المجتباة ، آيات في الطهر وأعلاماً في النبل ورموزاً في التضحية ، {ذَلِكَ بأنَّهُم لا يُصيبَهُم ظمأٌ ولاَ نَصَبٌ ولاَ مخمَصَةٌ في سَبِيل اللهِ ولاَ يَطَئون مَوطِئاَ يَغيظُ الكُفَّارَ ولاَ يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ نَّيلاً إلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّه لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنينَ } .
وفي عالم الدنيا أناس قدّموا أروع نتاجهم لأنهم تألَّموا فالمتنبي وعَكَتهُ الحمّى فأنشد رائعته :
وزائراتي كأنَّ بها حياءً **** فليس تزور إلاَّ في الظلامِ
والنابغة خوّفه النعمان بن منذر بالقتل فقدَّم للناس :
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ **** إذا طلعت لم يَبدُ منهنَّ كَوكبُ
وكثيراً أولئك الذين أثروا الحياة لأنهم تألموا .
إذن فلا تجزع من الألم ولا تخف من المعاناة فربما كانت قوة لك ومتاعاً إلى حين ، فإنك ‘ن تعش مشبوب الفؤاد ، محروق الجَوَى ، ملذوع النفس أرقى وأصفى من أن تعش بارد المشاعر ، فاتر الهمة ، خامد النفس ، { ولَكِن كَرهَ الّلهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُم و قِيِلَ اقعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ } .
إن الواعظ المحترق تصل كلماته إلى شغاف القلوب وتغوص في أعماق الروح ، لأنه يعيش الألم والمعاناة ، {فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وأثَابَهُم فَتحَاً قَريِبَاً }
فإذا أردت أن تؤثِّر بكلامك أو بِشِعرك ، فاحترق به أنت قبل ، وتأثَّر به وذقه وتفاعل معه وسوف ترى أنك تؤثِّر في الناس ، { فإذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَ أنبَتَت مِن كُل زَوجٍ بَهِيِجٍ} .
من كتاب لا تحزن د. عائض القرني
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الألم ليس مذموماً دائماً ولا مكروهاً أبداً فقد يكون خيراً للعبد أن يتألّم .
إن الدعاء الحار يأتي مع الألم ، والتسبيح الصادق يصاحب الألم ، وتألُم الطالب زمن التحصيل وحمله لأعباء الطلب يُثمر عالماً جهبذاً ، لأنه احترق في البداية فأشرق في النهاية .
وتألم الشاعر ومعاناتُه لما يقول تُنتج أدباً مؤثراً خلاّباً ، لأنه انقدح مع الألم من القلب والعصب والدم فهزَّ المشاعر وحرَّك الأفئدة .
ومعاناة الكاتب تُخرج نٍتاجاً حيَّاً جذَّاباً يمور بالعِبر والصور والذكريات .
إنّ الطالب الذي عاش حياة الدَّعَة والراحة ولم تلذَعه الأزمات ولم تكوه المُلِمَّات ، إن هذا الطالب يبقى كسولاً مترهِّلاً فاتراً .
وإن الشاعر الذي ما عرف الألم ولا ذاق المرّ ولا تجرَّع الغُصَص ، تبقى قصائده رُكاماً من رخيص الحديث وكُتلاً من زبد القول ، لأن قصائده خرجت من لسانه ولم تخرج من وجدانه ، وتلفَّظ بها فهمه ولم يعشها قلبه وجوانحه .
وأسمى هذه الأمثلة وأرفع : حياة المؤمنين الأوّلين الذين عاشوا فجر الرسالة ومولد الملَّة وبداية البعث ، فإنَّهم أغظم إيماناً وأبرُّ قلوباً وأصدقُ لهجة وأعمق علماً ، لأنهم عاشوا الألم والمعاناة : ألم الجوع والفقر والتشريد والأذى والطرد والإبعاد وفراق المألوفات وهجر المرغوبات وألم الجراح والقتل والتعذيب ، فكانوا بحقٍّ الصفوة الصافية والثلَّة المجتباة ، آيات في الطهر وأعلاماً في النبل ورموزاً في التضحية ، {ذَلِكَ بأنَّهُم لا يُصيبَهُم ظمأٌ ولاَ نَصَبٌ ولاَ مخمَصَةٌ في سَبِيل اللهِ ولاَ يَطَئون مَوطِئاَ يَغيظُ الكُفَّارَ ولاَ يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ نَّيلاً إلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إنَّ اللَّه لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنينَ } .
وفي عالم الدنيا أناس قدّموا أروع نتاجهم لأنهم تألَّموا فالمتنبي وعَكَتهُ الحمّى فأنشد رائعته :
وزائراتي كأنَّ بها حياءً **** فليس تزور إلاَّ في الظلامِ
والنابغة خوّفه النعمان بن منذر بالقتل فقدَّم للناس :
فإنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ **** إذا طلعت لم يَبدُ منهنَّ كَوكبُ
وكثيراً أولئك الذين أثروا الحياة لأنهم تألموا .
إذن فلا تجزع من الألم ولا تخف من المعاناة فربما كانت قوة لك ومتاعاً إلى حين ، فإنك ‘ن تعش مشبوب الفؤاد ، محروق الجَوَى ، ملذوع النفس أرقى وأصفى من أن تعش بارد المشاعر ، فاتر الهمة ، خامد النفس ، { ولَكِن كَرهَ الّلهُ انبِعَاثَهُم فَثَبَّطَهُم و قِيِلَ اقعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ } .
إن الواعظ المحترق تصل كلماته إلى شغاف القلوب وتغوص في أعماق الروح ، لأنه يعيش الألم والمعاناة ، {فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِم فَأنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وأثَابَهُم فَتحَاً قَريِبَاً }
فإذا أردت أن تؤثِّر بكلامك أو بِشِعرك ، فاحترق به أنت قبل ، وتأثَّر به وذقه وتفاعل معه وسوف ترى أنك تؤثِّر في الناس ، { فإذَا أَنزَلنَا عَلَيهَا المَاءَ اهتَزَّت وَرَبَت وَ أنبَتَت مِن كُل زَوجٍ بَهِيِجٍ} .
من كتاب لا تحزن د. عائض القرني
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته