PDA

View Full Version : قصة ضياع ........لعلنا نحذر


منى
24-01-2003, 10:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين...... والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعرض عليكم هذه القصة لعلها تنفعنا ونعتبر منها وارجو ان تدعوا لصاحبها بالهداية فعلا


لا أعتبر نفسى قد اهتديت حتى أقص عليكم قصتى . . ولا يجب أن يعتبر أحدنا نفسه أنه قد اهتدى ، فالهداية الحقيقية هى فى : دوام الإستقامة أولاً ، ثم فى حسن الخاتمة ثانياً ، ثم فى الهداية على الصراط ثالثاً إلى أن ندخل الجنة بإذن الله تعالى .
وكلما إرتقى المرء درجة من درجات الطاعة فإنها تسلمه إلى مرحلة أخرى أصعب وأخطر ، فإن المرء كلما صعد السلم فإن سقوطه بعد ذلك يكون أقوى وإصابته تكون أشد . . لهذا فلا يظن أحدنا أبداً أنه أهتدى . . وأنه قد وصل إلى ما يرنو إليه من قرب الله تعالى ومن رضاه .
...... ولعلنى لم أمر فى حياتى بأحداث واضحة الملامح . . ولكنها حياة عادية ، فى أسرة متوسطة . . الأب أستاذ جامعى مثقف ، عقلانى ، يؤدى الصلوات والفروض وينزه نفسه عن الكبائر وملتزم بواجباته الإجتماعية ولكن ثقافته الدينية عادية ، وغالباً ما يحكّم عقله المجرد فى بعض ما يسمعه من قضايا خلافية ومن سلوك لبعض المتدينين ....... والأم ربة منزل طيبة ، نقية ، تتمتع بعاطفة جياشة ، وبشفقة جارفة على من حولها ، لدرجة أنها إذا رأت طائرة فى السماء فإنها تظل تدعو لركابها بالسلامة وكأن قلبها طائر معهم حتى تختفىعن عينيها .... وإننى على الرغم من تربيتى بين هذين الأبوين قد أثرت فى شخصيتى إلا أنه كان هناك التأثير الأوسع للعائلة الكبيرة التى كنا نلتقى بهم فى كافة المناسبات ونتبادل معهم الزيارات بشكل دائم ، والتى كانت طبيعة أفرادها وطبيعة لقاءاتها تدور بين التدين ، والتعالى ، والمادية ، والتنافس بين الكبار والصغار على أمور دنيوية ، ولغو الحديث واللهو والإختلاط ، والقليل أحياناً من قراءة القرآن والذكر على النمط الصوفى الذى كان يحبذه جدى وبعض أعمامى . .
وعلى الرغم من أننى نشأت ملتزماً فى أسرتى بقيم دينية كثيرة كالصدق والأمانة والحفاظ على الصلاة وإحترام الكبير وإكرام الضيف وصلة الرحم . . . . . إلا أننى بدأت منذ مرحلة مبكرة أقترب من بعض الأمور فى الدين لم تكن معتادة على مستوى الأسرة وعلى مستوى العائلة ككل ، مثل الصلاة فى المسجد الذى كان نادراً ما يصلون فيه فى غير يوم الجمعة . . وكذلك حضور بعض جلسات العلم والتى كانوا فى الغالب يشكون فى محتواها وفى من يقومون بها . . وإحضار شرائط دينية إلى البيت وهذا كان غريب لأن الشريط كان يعنى لديهم إما الغناء والموسيقى أو القرآن ، أما أن تكون هناك شرائط يتم تداولها عليها خطب ودروس وأحاديث لدعاة غير معروفين لديهم ويتكلمون بطريقة غير التى تعودوا عليها من دعاة الإذاعة والتليفزيون فهذا كان أمر يثير الشك والريبة فى هدفها ومضمونها . . ثم أخيراً إقدامى على ترك اللحية فهذا كان لديهم تطرفاً (وكذلك نقاب المرأة ) ........
لذلك فقد واجهوا هذا السلوك منى بالإستنكار تارة والسخرية تارة ، ومنذ بدأت هذا الإتجاه فقد كنت مادة أساسية فى معظم جلساتهم ، وكلهم يتبادلون الكلام إلىّ ، لنصحى وإرشادى ، للإبتعاد عن مثل هذه الأمور ، وكلام من نوع . . الدين يسر . . التشدد غير مطلوب فى الدين . . هؤلاء الناس متطرفين . . وهو كان كلاماً مرسلاً يصفون به كل من هو متدين غير التدين الذى عرفوه ، وكل من يفهم الدين فهماً غير الذى ألفوه . . ولكن يبدوا أن أجهزة الإعلام كان لها تأثير كبير على الناس فى تشويه صورة المتدينين وإخافة الناس منهم وإطلاق أشنع الأوصاف عليهم وخلط المتطرف بغير المتطرف والإرهابى بغير الإرهابى ...... ووجدت نفسى محاطاً بكل أشكال المقاومة .
....... وبدأت منذ وقت مبكر أقع فى الأخطاء التى كلفتنى الكثير . . وأبتعدت مع الوقت عن قضيتى الأساسية وهى رضى الله تعالى . . ولم يعد الإخلاص لله تعالى هو محرك سلوكى المتدين فى كثير من الأحيان . . ودخلت فى طور من العناد المكتوم وشئ من تزكية النفس ومحاولة الحفاظ على صورتى المتدينة حتى لا أظهر أمامهم أننى أنهزمت ورضخت لضغوطهم . . ولكن فى الحقيقة لم تكن عزيمتى بنفس قدر ما ألزمت به نفسى من أمور الدين ولا بنفس قدر الصورة التى أردت أن أكون عليها ، وإختلطت لدى أعراض التدين بأعراض مرحلة المراهقة . . وعندما تجتمع هذه الأمور لدى شخص ما فإن حفاظه على الشكل يكون أكثر من حفاظه على الجوهر ، وإهتمامه بظاهر سلوكه أكثر من باطن إيمانه .........
وبينما كان الكثير من أهلى الذين أجادلهم فى قضايا الدين ، وأصدقائى بالمسجد والجامعة يعتبروننى مجداً فى طاعة الله مجتهداً فى العبادة وقراءة القرآن وكتب العلم ، إلا أننى فى الحقيقة لم أكن أحضر من جلسات العلم إلا القليل ولم أكن أختم القرآن إلا فى رمضان ، ولم أكن أقوم الليل بل إننى كنت غير منتظم فى صلاة النوافل . . وأكثر ما كنت أحافظ عليه هو أذكار الصباح والمساء .......
وكنت وقتها فريسة سهلة للشيطان . . ووقعت فى كثير من المعاصى التى يقع فيها الشباب ، بل أسرفت على نفسى فيها ، ولكننى لم أكن أفضح نفسى ولم أكن أجعل أحد يلاحظنى ، وكان الله تعالى يسترنى بستره الجميل . . ولكننى رغم كل ذلك كنت أحب الدين حقاً ، وأرغب فى أن أعيش الحياة الإسلامية كما ينبغى ، وكنت أقضى ليال أخرى وحيداً أبكى خوفاً من الله وأدعوه حتى تتحجر رقبتى ، وكنت أختلس من الشيطان إختلاساً حتى أعود إلى ربى وأدعوه حتى يغفر لى . . حتى أشعر بغيظ الشيطان منى عندما يرى أن ليلة واحدة أخلصتها لله أضاعت عليه مجهود أسابيع تمكن فيها منى
....... وظننت أننى بالزواج سوف ينصلح أمرى وسوف أتخلص من الشهوات التى تكبلنى ، وبحثت فى نطاق ضيق عن زوجة متدينة حق التدين تأخذ بيدى وتعيننى على أمر الدين ، ولكننى كنت متعجلاً ومستسلماً ، وفى النهاية تزوجت زواجاً تقليدياً من فتاة عادية لاتعرف من الدين بأكثر مما يعرفه أفراد عائلتى الذين قاوموا فكرة الزواج من فتاة لن تشاركهم فى جلساتهم ولن تنسجم مع نمطهم وأسلوبهم . . وبدأت بعد الزواج مرحلة جديدة من المعاصى التى لم تكن فى متناول يدى فى ظل البيئة المحافظة التى تربيت فيها والتى لم أكن أضر بها أحد سوى نفسى . . فأسرفت على نفسى مرة أخرى أشد من سابقتها ، ولكن كان الله تعالى يسترنى ولا يفضحنى حتى أمام زوجتى . . وكم من الليال سهرت أمام التلفزيون وأمام الإنترنت أشاهد ما حرمه الله وهو يسترنى .......
وعندما كنت أسمع قول الشاعر :
(لو يعلم الناس قبح سريرتى * لأبى السلام علىّ من يلقانى........
ولأعرضوا عنى وملوا صحبتى * ولبؤت بعد كرامة بهوان)
كنت أعتبر أن هذا البيت لم يقصد به إلا أنا .

....... وقول الشاعر :
(يظن الناس بى خيراً وإنى * لشر الناس إن لم تعف عنى)
كان هو أصدق تعبير عن حالى .

....... إلا أننى كنت كما يقول الشاعر :
(أحب الصالحين ولست منهم * لعلى أن أنال بهم شفاعة .....
وأكره من بضاعته المعاصى * وإن كنا سواءً فى البضاعة )

....... ولعل النفس اللوامة التى كانت دائماً توقظنى وتعاتبنى وتعنفنى هى التى جعلتنى إلى اليوم مازلت لم أقنط من رحمة ربى ولم أتخل عما بدأته فى طريقى إلى الله تعالى مهما وقعت فيه من كبوات وذلات خطيرة . . وعلى الرغم من أننى إبتعدت كثيراً كثيراً عن الله . . إلا أننى لم أترك الصلاة أو الفروض . . وكنت أشعر أن ما أنا فيه ما هو إلا كابوس ثقيل سوف يأتى اليوم الذى أتخلص فيه منه لأعود لطبيعتى ، وأعود إلى ربى الذى أحبه وأرجو رضاه حقاً ....... والفائدة الوحيدة التى عادت على من تلك المعاصى . . هى أنها أفقدتنى "العُجب" الذى تملك منى فى فترة من الفترات ، وأفقدتنى حسن ظنى بنفسى عندما ظننت أننى قد وصلت وأننى أفضل من كثير من الناس . .
((إن ذل المعصية هو أداه يؤدب الله بها عباده الذين يحسنون الظن بأنفسهم ويعجبون بها)) . .
ولعل مثالاً ذلك ( والقياس مع الفارق ) عندما أحسن المسلمون الظن بأنفسهم وقالوا لن نهزم اليوم من قلة فذاقوا مرارة الهزيمة والفرار يوم "حنين" قبل أن يحيل الله هزيمتهم نصراً . .
....... وعندما أجلس اليوم إلى نفسى ، أدرك أن حياتى كان من الممكن أن تكون أفضل من ذلك ، فقد بدأت بداية مبكرة فى طريق الدين ، وأتيحت أمامى الفرصة لأتعلم القرآن والفقه والدين ، وأرتقى فى سلم التقوى والعمل الصالح . . ولكن الأخطاء التى وقعت فيها ، جعلتنى ما زلت اليوم أحاول أن أفتح صفحة جديدة وأبدأ بداية جديدة ، وقد صار عندى من المسئوليات والأعباء بعد الزواج والإنجاب ما لم يكن لدى وقت أن كنت طالباً لدى الفراغ والطاقة .
...... لذلك أقول لمن هم فى بداية الطريق من الشباب المتدين :
-(( إغتنم فراغك قبل شغلك )) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ................
-إحرص على الأخوة فى الله والصحبة الصالحة كما تحرص على عينيك ................
-لا تنفرد وتنطوى على نفسك ((فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ..................
-حافظ على وردك من القرآن والأذكار دائماً كما تحرص على الطعام والشراب كل يوم .............
-إياك والجدال فى الدين مع الناس ((رحم الله إمرأ ترك المراء ولو كان محقاً)) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم ................
-لا تجعل أى شئ يبعدك عن هدفك الأساسى الذى هو رضى الله (( إحرص على ما ينفعك وإستعن بالله ولا تعجز )) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .................
-لا تحمل نفسك أكثر مما تحتمل ولا تبدأ بما يجب أن تنتهى به (( فإن المنبت لا أرض قطع ولا ظهر أبقى )) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ................
-راقب قلبك ، وأنزع منه العُجب ، وأزرع فيه الإخلاص فى السر والعلن ................

هذه بعض الأمور التى أدركتها متأخراً ، وهى حجة علىّ أمام الله تعالى ، ولكن لعل فى العمر بقية يوفقنى الله تعالى فيها لتدارك ما فات ، واللحاق بركب المؤمنين المهتدين . . اللهم آمين .