تسجيل الدخول

View Full Version : البدون لا إعراب لهم


البدوني
31-08-2003, 11:29 AM
لم يُسمح لهم بالمشاركة في شيء سوى " البقاء في البلاد بصورة غير مشروعة "

في حصة النحو طلب الأستاذ من تلاميذه إعراب "البدون" فقال أنجب التلاميذ: البدون شيء لا إعراب له، فهو ليس من اللغة العربية، ولا يعتبر كلمة من الكلمات. قال الأستاذ: بالتأكيد "البدون" ليست كلمة، بل هي تاريخ طويل من المعاناة التي ضرب الناس والمسؤولون عنها صفحاً فلم يعودوا يذكرونها، وصارت نسياً منسياً.


لكن حتى نتمكن من مواصلة البحث يجب أن نعتبرها كلمة من الكلمات، والكلمات في اللغة العربية تنقسم كما تعلمون إلى: اسم، وفعل، وحرف.

قال أحد التلاميذ: الاسم هو ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بزمان كقلم مثلاً، والشطر الأول من التعريف ينطبق على "البدون"، فكلمة بدون تكفي لتدل على معنى في نفسه ولكنه مقترن بزمان. قال الأستاذ: وكيف هو مقترن بالزمان؟ قال التلميذ: أكثر "البدون" الذين نعنيهم داسوا تراب هذه الدولة قبل أن تصبح دولة ذات سيادة ونظام، أي حينما كانت عبارة عن إمارات متصالحة تعاني الفقر والقحط والشقاء والويلات، فهم لم يحطّوا فيها طمعاً في بترول أو ثراء، بل هي عادة في القبائل والناس أن ترحل من مكان إلى آخر تبعاً للظروف والأحداث. فشاركوا أصحاب الأرض الحقيقيين في كل شيء قبل قيام الدولة وقبل اكتشاف البترول ولكن لم يُسمح لهم بالمشاركة بعد ذلك في شيء سوى "البقاء في البلاد بصورة غير مشروعة". قال الأستاذ: أحسنت، وإذا لم تتفق كلمة " بدون" مع معنى الاسم، فلنحاول أن نعتبرها فعلاً، والفعل هو ما دلّ على معنى في نفسه واقترن بالزمان كما تعرفون.

قال تلميذ يجلس في مؤخرة الفصل: رغم أن "البدون" مقترن بالزمان كما قيل آنفاً، لكنه لا ينطبق هنا على الشطر الأول من التعريف، لأنه لا يمكن أن يدل "البدون" على معنى في نفسه، بل هو مرتبط ولا يتجزأ عن الأشخاص الذين هم سبب لوجود "البدون"، فـ"البدون" ليسوا نبتة شيطانية أطلت بأوراقها من قعر جهنم، بل إن تقاعس وإهمال ولامبالاة بعض المسؤولين هي التي خلقت حالتهم. قال الأستاذ: نعم هذا صحيح مع عدم إغفال دور بعض "البدون" من المهملين في طلب الحصول على الجنسية والسعي الدؤوب للظفر بها حينما كانت الأمور ميسرة وعفوية. بالإضافة إلى هذه الإشكالية في عدم تطابق تعريف الفعل على كلمة "البدون" فإن الفعل ينقسم إلى ماضٍ ومضارع وأمر، و"البدون" من دون ماضٍ ومن دون حاضر، وهم كذلك في ماضيهم وحاضرهم بأمر بعض المسؤولين، فاجتمعت الأقسام الثلاثة في فعل واحد وهذا مخالف لقواعد النحو.

قال أنجب التلاميذ: إذا أسقط في أيدينا ولم ندر إن كانت كلمة "بدون" تعني اسماً أو فعلاً، فليس أمامنا سوى إلصاقها بالحرف، والحرف هو ما دلّ على معنى في غيره، لكن "البدون" يدلّ على نفسه وعلى غيره، ولا يمكن تجزئة مشكلة "البدون"، بل هي كتلة واحدة أو كومة من المشكلات، يمسك كل طرف بجزء منها، وكل صاحب جزء مسؤول عما في يده، مسؤول في الدنيا والآخرة بالطبع، وهو ما لا يتوافق مع معنى الحرف. قال الأستاذ: بالضبط وليس أمامكم سوى سبر غور النحو لعلكم تظفرون بحل لهذه المعضلة، ولتبسيط الأمر أذكركم بأنه بعد الكلمة وأنواعها تأتي الجملة وشبه الجملة في التسلسل النحوي.

قال التلميذ النجيب: ولا نجد يا أستاذ في تعريف الجملة أثراً للـ"بدون"، فهي: الكلام الذي يتركب من كلمتين، أو أكثر، وله معنى مفيد مستقل، وهي إما اسمية وهي التي تبدأ باسم، أو فعلية وهي التي تبدأ بفعل، لكن "البدون" كلمة واحدة وليس لها معنى مفيد وليست مستقلة، وهي اسمية بالفعل لكنها في نفس الوقت فعلية، فلولا فعل بعض المسؤولين لما نشأ أو نشأت "البدون". وأضاف آخر: والجملة إذا لم تكن اسمية ولا فعلية فإنها تصبح شبه جملة، وشبه الجملة تركيب يتكون من واحدة مما يلي:

1- ظرف بعده مضاف إليه، وهذا لا ينطبق على "البدون"، فهم فعلاً ظرف لكن لا يضاف إليهم أحد، بل هم غرباء في هذا الوطن.

2- جار ومجرور، وهذا أيضاً لا ينطبق، لأن "البدون" نسيج واحد بمفرده ولا يمكن للجار "المواطن" أن يشعر بجاره المجرور من دائرة إلى دائرة، ومن وزارة إلى وزارة، ومن مكتب مدير إلى مكتب نائب مدير.

قال الأستاذ: إذن أدخلوا في الإعراب والبناء لعل فيهما المخرج. فقال التلميذ النجيب: نجد المعرب وهو ما يتغير شكل آخره بتغير موقعه في الجملة، بسبب عامل يتقدم عليه، وهذا ليس فيه شيء من "البدون"، لأن "البدون" لا يتغير شكله مهما تغير موقعه، فالحزن والكآبة والقهر التي تظهر آثارها على وجه "البدون" لا تزول إلا حينما يُعتبر شخصاً ذا هوية ووطن.

قال الأستاذ: وماذا تقولون في جمع المذكر السالم؟ قال أحدهم: هو اسم معرب ينوب عن ثلاثة فأكثر، كصادقين مثلاً، لكن لا يمكن إطلاقه على "البدون"، لأن سبب تسميته بالسالم هو بقاء مفرده على حاله بعد الجمع، وعدم دخول أي تغيير على حروفه، لكن "البدون" الواحد كـ"البدون" الألف، فنحن نقول: صادفت رجلاً "بدون" يقف شاحب الوجه أمام أعضاء لجنة "التجنيس"، ونقول في نفس الوقت: صادفت رجالاً "بدون" يقفون شاحبي الوجوه أمام أعضاء لجنة "التجنيس".

قال الأستاذ معقباً: ومن الطبيعي أن لا ينطبق "البدون" على جمع المؤنث السالم، فنحن نقول: كنت على وشك الزواج بفتاة رائعة ذات خلق ودين لكنها "بدون" فصرفت النظر عنها، وفي نفس الوقت نقول: الذين تزوجوا بفتيات "بدون" حرموا أنفسهم من التمتع بشهر العسل خارج البلاد.

قال التلميذ النجيب: وحتى الممنوع من الصرف يا أستاذ لا ينطبق على "البدون" لأن تعريف الممنوع من الصرف هو اسم معرب لا يلحقه تنوين ولا كسرة، وإن كان "البدون" شخص ممنوع من الصرف، فكل شيء في طريقه مسدود وممنوع، وإن كان التنوين لا يلحقه، بل هو الذي يحلق التنوين، لكن – للأسف – فإن الكسرة تلحق "البدون"، بل وحتى الظلم والمعاناة والآلام والآهات، كلها تلحق "البدون" وتطارده، ولولا تلك الكسرة الملعونة لكان "البدون" جزءاً من الممنوع من الصرف. قال الأستاذ: كلام جميل، وسأقوم بنفسي بإعراب "البدون"، فـ"البدون" يا أولاد نكرة، وتعريف النكرة هي اسم يدل على مُسمىً شائعٍ في جنسه، كرجل وبحر.

قال التلميذ النجيب: لكن المشكلة تكمن في أن النكرة نوعان: واحدة تقبل "أل" وواحدة لا تقبله، وهؤلاء الذين لا جنسية لهم يمكن أن يقبلوا "أل" فنقول عنهم "البدون" ويمكن في نفس الوقت أن لا يقبلوه فنقول "بدون" وهذا يخرجهم من النكرة يا أستاذ. قال الأستاذ: غابت عن بالي هذه الإشكالية، ولكن هل يمكن إعراب "البدون" بأنهم ضمائر؟ أرى أنها لا تتلاءم مع "البدون"، لأنه لو كانت هنالك ضمائر في بعض المسؤولين لما وُجد "البدون" أصلاً، فالضمير بكل أنواعه: البارز والمستتر والمتصل والمنفصل والوجوبي والجوازي والمرفوع والمجرور والمنصوب والملعون، كلها معدومة في هؤلاء المسؤولين.

قال أحد التلاميذ: ولا يمكن أن نعرّب "البدون" بأنه عَلَم، لأن العَلَم هو الاسم الذي يعين المسمى بحسب وضعه بلا قرينة ولا قيد، كالمدرسة مثلاً، لكن كلما ذكرنا "البدون" تذكرنا القرائن المحيطة بهم، كالمسؤولين واللجان والإجراءات، وكذلك تذكرنا مئات القيود المفروضة عليهم في شتى مناحي الحياة.

قال الأستاذ: وهل جربتم مع المبتدأ والخبر؟ وهنا انتبه أحد الجالسين في الصفوف الخلفية، فقال ساخراً: يا أستاذ لا يوجد شيء اسمه "بدون" حتى يكون له إعراب. قال الأستاذ: صدقت ونحن حينما نقول فلان ليس له محل من الإعراب فإننا نقولها على سبيل المَجاز، لكننا في حالة "البدون" نقولها على سبيل الحقيقة، فهم حقاً لا إعراب لهم. ولكن أتمنى أن لا تعمل بعد تخرجك في الجوازات ولجان التجنيس.