دموع تائبة
03-11-2003, 03:12 PM
الحمد لله الذي أسرى في دم الخلق حب الإكرام من قبل بزوغ فجر الإسلام ثم جعله من بعده حقًا واجبًا للضيفان ، ومنحه من القدر وعلو الشأن ما جعله حتمية لا تستهان إذ جعله من مكملات الإيمان كما نطق بذلك من أوتي جوامع الكلم وسحر البيان حيث قال عليه أفضل الصلاة وأتم السلام:
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)
إنها كلمات جامعة تقرر حقًا أصبح اليوم من الأعراف السائدة في مجتمعاتنا المعاصرة على اختلاف في فهم حقيقة الإكرام المعنية ، فلعل الإكرام في عصرنا الحاضر ضرورة اجتماعية تفرضها التقاليد والعادات ولا تعدو عن كونها مجاملات…وهي في المقام الأول والأخير مصروفه إلى الإقراء بأنواع من الأطباق على تعدد في الأصناف مع افتقارها إلى حسن الوفادة بما يتناسب مع مقام الوافد وحاله ، وبما تطيب به نفسه ويهنأ به باله ، وإن كان ذاك الاعتبار هو الأولى والأهم إذ بحسن الوفادة يحصل الأنس وتتم السعادة ، ويزول الحرج ويوصد بابه فلا تكلف ولا تكليف إنما حسن خلق ومحبه وتأليف .
لكن وللأسف تلك اعتبارات لم يعد لها اعتبار في عرف الضيافة المعاصرة فهي الشق الذي تتغافى عنه أعين المضيفين فلا ترى سوى المبالغة في الإقراء بالأطعمة والأشربة وكأنما ذاك هو المعنى الأوحد للإكرام في الغالب العام .
إن هذا الفهم القاصر قد آذن بالبلابل وفي ظله اختلط الحابل بالنابل فلم نعد نراعي في الإكرام ما يناسب المقام بالنسبة للضيفان.
وإن شئت إدراك معنى الكلام فلك أن توسع الدائرة ولا تقصرها على بني الإنسان إذ اللفظة في معناها العام مصروفة إلى كل وافد سواء أكان من الإنس أو الجان أو ملائكة الرحمن وفي خبر ضيف إبراهيم عليه السلام ما يصدق الكلام إذ قال الرب تبارك وتعالى على لسانه :
(إن هؤلاء ضيفي)
يعني ملائكة الرحمن ، وعلى ذلك قس فكل وافد على غيره إنما هو ضيف يجب له حق الإكرام … وفي الأمر دعوة إلى التفكر وإعادة النظر والإمعان.
فمنذ أيام وفد علينا شهر الصيام … ألا فعز من وافد منتظر ، وضيف حبيب مرتقب ، تاقت القلوب لمقدمه ،وتطلعت النفوس لمغنمه،وتنافس الناس في قراه، وانبروا ينظمون لوفادته شوقًا إلى لقياه… فما الذي جرى ؟ وما الذي حل يا ترى ؟
أترى القوم قد أحسنوا وفادته وأقروه حق القرى أم دافعتهم رياح الهوى… فما أحسنوا الوفادة ولا أحسنوا القرى؟!!!
أما قرى القوم فحدث ولا حرج إذ فاضت الموائد بالمطاعم وازدحمت بالمشارب بما لم يدع مجالا لمستزيد فهي إن نظرت تبلغ الصائم بغيته وتزيد … وما ذاك بإكرام وإنما هو تجاوز في التبذير وإسراف في الطعام وكأنما ليس للصيام من غاية سوى التلذذ بما يرص على الموائد .
ألا إن كان هذا الهدف من الصيام فما صامت نفوس الأتقياء !!!!
وأما حسن الوفادة فلك أن تطلق العنان لمخيلتك إذ ظهر ما لم يكن بالحسبان مما لا يتناسب مع المقام ….
فمقام الشهر الكريم تلاوة وتعبد .. صلاة وتهجد .. إنابة واستغفار .. محاضرات و استذكار .. دموع تراق في الأسحار .. وصدقات تبذل في وضح النهار .. طاعة و قربات .. بذل وصدقات .. إنها والله لآيات جليلات !!! فما بال القوم قلبوا الآيات ؟
فمن التعبد إلى التسكع ، ومن التهجد إلى العربدة ، ومن الاستذكار إلى جلسات الطرب والمزمار ، وربما أسلمهم الأمر إلى معاقرة الخمر والزنا والقمار … نعوذ بالله من تلك الحال ، وإنما يستباح ذاك في حمى أرباب الوفادة وهم طائفة من أصحاب القلوب البوار الذين أداروا رحاهم على من أسرتهم الشهوات فسحنت ذخيرتهم من الحسنات وحرمتهم الباقيات الصالحات في شهر النفحات والرحمات..
لقد تباروا في تنظيم المخيمات والسهرات فظهرت على ساحة الشهر الفضيل الخيام الرمضانية على حد قول تلك الفئات .. وفي تلك الخيام تحيا الليالي الرمضانية بجوقات من الفرق الموسيقية ، وطائفة من ذوي الحناجر الذهبية كما يصفهم الجاهلون ، وقد يتخلل تلك الوصلات الغنائية رقص ومشاهد استعراضية لراقصات ساقطات يستعرضن مفاتن الأجساد ، ويدعون إلى الفساد في قاعات فندقية تعج بالعاهرات وتضج بالمنكرات .. خمور ودخان .. وفتيات وشبان .. أموال تنفق .. ومحارم تستباح وتزهق..وشياطين الإنس تلهو وتصفق !!!!
ولا تحلو لهم المسامرات والعكوف على المنكرات إلا في ساعات الخير والبركات التي يتنزل فيها قيوم السماوات !!
أفي ليالي رمضان ؟! أو مجاهرة بالعصيان في ساعات تنزل الرحمن؟!!
أي وربي إنها لليال بها النفوس تدان في يوم تشيب له الولدان..أصيام في وضح النهار وفسوق في ظلمة الأسحار ؟
خسئوا والله وجاروا حين أضافوها إلى رمضان وأصل نسبتها إلى الشيطان…فما صدقت التسمية ولا صحت النسبة ، فإن شئت فقل خيام شيطانية إذ هي مرتع لشياطين الإنس الذين أسدلوا على بصائرهم السجف فليسوا إلا مواش ترعى العلف…نعم لقد أركسوا في الفتنة وسقطوا في الوحل.
تلك معادلة كثرت رموزها ، وتضاربت حدودها ، معلومها رضا الرحمن و مجهولها السبيل إلى الرضوان..لا تفك رموزها ولا تنجح في التوفيق بين ما ظاهره التضارب في حدودها ، ولا تعلم مجهولها إلا نفس مؤمنة أدركت أفضلية شهر الصيام على سائر شهور العام ، عرفت له فضله فحفظت له قدره ، نهارها صيام وصدقات ، وليلها قيام وتضرعات ، ترفعت عن مخيمات الشياطين وجنحت إلى مخيمات الصالحين حيث الوعظ والتذكير، والدعوة والتفطير .تلك الخيام التي تعج بالصالحين ، وتضج بدوي المرتلين ، تسودها النفحات الإيمانية ، وتخيم عليها الأجواء الروحانية ، وتحل بها الرحمات الربانية…تلك وربي الخيام الرمضانية…فإليها فلنهرع ومن الأخرى فلنهرب.
وما دار أحدنا إلا نواة لمخيم رمضاني أو آخر شيطاني…فليت شعري هل تبصرنا و أعدنا النظر وتفكرنا ؟
فالبون بين الصنفين بعيد ، والفرق بينهما شاسع وشديد ، فلأولاهما وعد وللأخرى وعيد…
فانظر أي الصنفين تبتغي لدارك ؟ وأيهما تريد ؟ !!!
التوقيع :
قال البخاري ، عن عبد الله بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلًا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون)
بقلم أختكم في الله
دموع تائبة
(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)
إنها كلمات جامعة تقرر حقًا أصبح اليوم من الأعراف السائدة في مجتمعاتنا المعاصرة على اختلاف في فهم حقيقة الإكرام المعنية ، فلعل الإكرام في عصرنا الحاضر ضرورة اجتماعية تفرضها التقاليد والعادات ولا تعدو عن كونها مجاملات…وهي في المقام الأول والأخير مصروفه إلى الإقراء بأنواع من الأطباق على تعدد في الأصناف مع افتقارها إلى حسن الوفادة بما يتناسب مع مقام الوافد وحاله ، وبما تطيب به نفسه ويهنأ به باله ، وإن كان ذاك الاعتبار هو الأولى والأهم إذ بحسن الوفادة يحصل الأنس وتتم السعادة ، ويزول الحرج ويوصد بابه فلا تكلف ولا تكليف إنما حسن خلق ومحبه وتأليف .
لكن وللأسف تلك اعتبارات لم يعد لها اعتبار في عرف الضيافة المعاصرة فهي الشق الذي تتغافى عنه أعين المضيفين فلا ترى سوى المبالغة في الإقراء بالأطعمة والأشربة وكأنما ذاك هو المعنى الأوحد للإكرام في الغالب العام .
إن هذا الفهم القاصر قد آذن بالبلابل وفي ظله اختلط الحابل بالنابل فلم نعد نراعي في الإكرام ما يناسب المقام بالنسبة للضيفان.
وإن شئت إدراك معنى الكلام فلك أن توسع الدائرة ولا تقصرها على بني الإنسان إذ اللفظة في معناها العام مصروفة إلى كل وافد سواء أكان من الإنس أو الجان أو ملائكة الرحمن وفي خبر ضيف إبراهيم عليه السلام ما يصدق الكلام إذ قال الرب تبارك وتعالى على لسانه :
(إن هؤلاء ضيفي)
يعني ملائكة الرحمن ، وعلى ذلك قس فكل وافد على غيره إنما هو ضيف يجب له حق الإكرام … وفي الأمر دعوة إلى التفكر وإعادة النظر والإمعان.
فمنذ أيام وفد علينا شهر الصيام … ألا فعز من وافد منتظر ، وضيف حبيب مرتقب ، تاقت القلوب لمقدمه ،وتطلعت النفوس لمغنمه،وتنافس الناس في قراه، وانبروا ينظمون لوفادته شوقًا إلى لقياه… فما الذي جرى ؟ وما الذي حل يا ترى ؟
أترى القوم قد أحسنوا وفادته وأقروه حق القرى أم دافعتهم رياح الهوى… فما أحسنوا الوفادة ولا أحسنوا القرى؟!!!
أما قرى القوم فحدث ولا حرج إذ فاضت الموائد بالمطاعم وازدحمت بالمشارب بما لم يدع مجالا لمستزيد فهي إن نظرت تبلغ الصائم بغيته وتزيد … وما ذاك بإكرام وإنما هو تجاوز في التبذير وإسراف في الطعام وكأنما ليس للصيام من غاية سوى التلذذ بما يرص على الموائد .
ألا إن كان هذا الهدف من الصيام فما صامت نفوس الأتقياء !!!!
وأما حسن الوفادة فلك أن تطلق العنان لمخيلتك إذ ظهر ما لم يكن بالحسبان مما لا يتناسب مع المقام ….
فمقام الشهر الكريم تلاوة وتعبد .. صلاة وتهجد .. إنابة واستغفار .. محاضرات و استذكار .. دموع تراق في الأسحار .. وصدقات تبذل في وضح النهار .. طاعة و قربات .. بذل وصدقات .. إنها والله لآيات جليلات !!! فما بال القوم قلبوا الآيات ؟
فمن التعبد إلى التسكع ، ومن التهجد إلى العربدة ، ومن الاستذكار إلى جلسات الطرب والمزمار ، وربما أسلمهم الأمر إلى معاقرة الخمر والزنا والقمار … نعوذ بالله من تلك الحال ، وإنما يستباح ذاك في حمى أرباب الوفادة وهم طائفة من أصحاب القلوب البوار الذين أداروا رحاهم على من أسرتهم الشهوات فسحنت ذخيرتهم من الحسنات وحرمتهم الباقيات الصالحات في شهر النفحات والرحمات..
لقد تباروا في تنظيم المخيمات والسهرات فظهرت على ساحة الشهر الفضيل الخيام الرمضانية على حد قول تلك الفئات .. وفي تلك الخيام تحيا الليالي الرمضانية بجوقات من الفرق الموسيقية ، وطائفة من ذوي الحناجر الذهبية كما يصفهم الجاهلون ، وقد يتخلل تلك الوصلات الغنائية رقص ومشاهد استعراضية لراقصات ساقطات يستعرضن مفاتن الأجساد ، ويدعون إلى الفساد في قاعات فندقية تعج بالعاهرات وتضج بالمنكرات .. خمور ودخان .. وفتيات وشبان .. أموال تنفق .. ومحارم تستباح وتزهق..وشياطين الإنس تلهو وتصفق !!!!
ولا تحلو لهم المسامرات والعكوف على المنكرات إلا في ساعات الخير والبركات التي يتنزل فيها قيوم السماوات !!
أفي ليالي رمضان ؟! أو مجاهرة بالعصيان في ساعات تنزل الرحمن؟!!
أي وربي إنها لليال بها النفوس تدان في يوم تشيب له الولدان..أصيام في وضح النهار وفسوق في ظلمة الأسحار ؟
خسئوا والله وجاروا حين أضافوها إلى رمضان وأصل نسبتها إلى الشيطان…فما صدقت التسمية ولا صحت النسبة ، فإن شئت فقل خيام شيطانية إذ هي مرتع لشياطين الإنس الذين أسدلوا على بصائرهم السجف فليسوا إلا مواش ترعى العلف…نعم لقد أركسوا في الفتنة وسقطوا في الوحل.
تلك معادلة كثرت رموزها ، وتضاربت حدودها ، معلومها رضا الرحمن و مجهولها السبيل إلى الرضوان..لا تفك رموزها ولا تنجح في التوفيق بين ما ظاهره التضارب في حدودها ، ولا تعلم مجهولها إلا نفس مؤمنة أدركت أفضلية شهر الصيام على سائر شهور العام ، عرفت له فضله فحفظت له قدره ، نهارها صيام وصدقات ، وليلها قيام وتضرعات ، ترفعت عن مخيمات الشياطين وجنحت إلى مخيمات الصالحين حيث الوعظ والتذكير، والدعوة والتفطير .تلك الخيام التي تعج بالصالحين ، وتضج بدوي المرتلين ، تسودها النفحات الإيمانية ، وتخيم عليها الأجواء الروحانية ، وتحل بها الرحمات الربانية…تلك وربي الخيام الرمضانية…فإليها فلنهرع ومن الأخرى فلنهرب.
وما دار أحدنا إلا نواة لمخيم رمضاني أو آخر شيطاني…فليت شعري هل تبصرنا و أعدنا النظر وتفكرنا ؟
فالبون بين الصنفين بعيد ، والفرق بينهما شاسع وشديد ، فلأولاهما وعد وللأخرى وعيد…
فانظر أي الصنفين تبتغي لدارك ؟ وأيهما تريد ؟ !!!
التوقيع :
قال البخاري ، عن عبد الله بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة عرضها ستون ميلًا في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمنون)
بقلم أختكم في الله
دموع تائبة