دموع تائبة
22-11-2003, 10:49 AM
الحمد لله فرض الصيام، وجعل شهره موردًا لكل ظمآن، ومغنمًا لكل راغب في الجنان، وموسمًا لتجارة رابحة مع الرحمن.
نحمده حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه عدد ما صام صائم وأفطر، وعدد ما قام قائم بالليل واستغفر، وعدد ما أذرف خاشع بالدمع وتعبر…
اللهم لك الحمد أن بلغتنا رمضان، فصامت منا البطون والمآقي والآذان، وكبحنا جماح الشهوة وأمسكنا بزمام اللسان، فتهذبت منا الجوارح وصحت الأبدان، وجاهدت نفوسنا الهوى والشيطان، فعمرت قلوبنا بالطاعة ونبضت بصريح الإيمان..فليس إلا ذكر وصدقة وإحسان…وليس إلا صيام وصلاة وقرآن…اللهم ربنا لك الحمد…ولئن كان حمدنا قولا ربنا فما حمدناك…ولئن كان اجتهادنا أوله فحسب ربنا فما صدقناك.
فليكن الحمد منا قولا وفعلا ، والاجتهاد أولا وآخرا…فلئن أدركنا رمضان هذا العام فلا ندري أيطول بنا العمر إلى رمضان قادم أم يطوينا الردى ويعلونا الركام ؟!!
(اللهم أعد رمضان علينا أعوامًا عديدة ، وأزمنة مديدة )
لقد آذن شهرنا بالرحيل … فما هي إلا أيام قلائل وينقضي …وما هي إلا ليالٍ يسيرة وينتهي …
فما أقرب عهد الفراق من عهد اللقاء !!! وصدق رافع السماء إذ قال فيه : (أياما معدودات)
وإن العين لتدمع والقلب ليحزن ، وليس بمستنكر فإنما يفتضح العاشق في وقت الرحيل ..
فيا نفوسًا عشقت الشهر وفاض دمعها حين تقاصر به العمر…دونك هذه العشر فهي قلبه النابض بالأجر..وإنها لفردوس رمضان إذ هو جنة شهور العام. .المحروم منا من أدركها وحرم نفسه لذة إحيائها بالقيام وتمريغ الجبين لله في جنح الظلام حيث سحائب الغفران ونسائم الجنان وغنيمة العتق من النيران..والسعيد منا من اقتفى هدي سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام فأحيا ليله وأيقظ أهله..ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله)
إنها ليالٍ عشر..يعظم الأجر في عمومها بلا استثناء ولاحصر..وإنما يتأكد ذاك في ليالي الوتر..إذ فيها ليلة خير من ألف شهر..إنها ليلة القدر..(وما أدراك ما ليلة القدر)؟!!
إنها ليلة النفحات..ليلة العطايا والهبات..ليلة تنزل الملائكة بالرحمات..ليلة أخفاها قيوم الأرض والسماوات ليشعل في قلوب الصالحين العزم ويوقظ الهمات ، وليعلم من يشري لذيذ الكرم بنعيم الجنات فيوجب له العتق ودخول الجنات..من وفق لقيامها فقد غفرله ما تقدم من الذنوب والزلات فقد ثبت عن النبي عليه أفضل الصلوات أنه قال : (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفرله ما تقدم من ذنبه) ومن عمرها بالطاعات فقد أضاف إلى رصيده من الأجر والحسنات ما يعدل نيفا وثمانين من السنوات ..الله أكبر !
إنها مكرمة رب البرية لأمة نبي الرحمة فمن الثابت أن متوسط أعمار أمته عليه أتم السلام وأفضل الصلاة ما بين الستين إلى السبعين كما أخبر بقوله : (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين) رواه الترمذي وابن ماجه وهم بذلك أقصر أعمارا من الأمم السابقة فكان من تفضله سبحانه على هذه الأمة أن جعل لها من مواسم الخيرات ما يعظم فيه الأجر وتجزل المثوبات فمن اغتنمها فكأنما أضاف إلى عمره عبادة المزيد من السنوات..وفي ذلك يقول الرازي : (اعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله نيفا وثمانين سنة ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارا كثيرة)
إن المحروم حقا من فاتته هذه الليلة وهو غارق في الملذات..إذ حرم نفسه كل الخيرات كما أخبر بذلك عليه أتم السلام وأفضل الصلاة : (من حرمها فقد حرم الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلا محروم) رواه ابن ماجه ، فمن منا يطيق ذلك الحرمان ؟!!
ألا فلنجاهد النفس..ولنهجر الفرش لندرك ركب السالفين إذ كانوا في هذه الليالي يشمرون عن ساعد الجد ويحدوهم حادي الود فوجدوا للقيام مذاقا أحلى من الشهد ، ووجدوا للمناجاة في الأسحار ما يجلب السعد ، ثم وجدوا من بشائر الإجابة ما يطمئن له الفؤاد فيغمره الرضا والحمد ..
وها قد مضى الثلثان وبقي الثلث..ألا إن الخيل إذا قاربت الوصول جدت في المسير..وإنها والله لمضمار الصالحين (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهده في غيرها من سائر أيام وليالي الشهر..وما ذاك إلا لما فيها من الخير والبركات..
فلا تضن على نفسك وتحرمها نفحات العفو و الرحمات ، و إنما جاهد النفس..و اصبر..واستزد..ورغم ما قدمت فاستحقر..(ولا تمنن تستكثر)..ألا إن سلعة الله غالية..ألا إن سلعة الله الجنة..ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر !!
فنفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية..فلا يشغلك الاستعداد للعيد عن غنيمة العمر المديد ولا تشغلك الأسواق والمجمعات والملاهي والمخيمات فتحرمك هذه النفحات .
اللهم اجعلنا ممن صام الشهر ، و اغتنم العشر ، وأدرك ليلة القدر ، واستكمل الأجر ففاز بالرضوان أبد الدهر اللهم آمين...
التوقيع :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع .
بقلم أختكم في الله
دموع تائبة
نحمده حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه عدد ما صام صائم وأفطر، وعدد ما قام قائم بالليل واستغفر، وعدد ما أذرف خاشع بالدمع وتعبر…
اللهم لك الحمد أن بلغتنا رمضان، فصامت منا البطون والمآقي والآذان، وكبحنا جماح الشهوة وأمسكنا بزمام اللسان، فتهذبت منا الجوارح وصحت الأبدان، وجاهدت نفوسنا الهوى والشيطان، فعمرت قلوبنا بالطاعة ونبضت بصريح الإيمان..فليس إلا ذكر وصدقة وإحسان…وليس إلا صيام وصلاة وقرآن…اللهم ربنا لك الحمد…ولئن كان حمدنا قولا ربنا فما حمدناك…ولئن كان اجتهادنا أوله فحسب ربنا فما صدقناك.
فليكن الحمد منا قولا وفعلا ، والاجتهاد أولا وآخرا…فلئن أدركنا رمضان هذا العام فلا ندري أيطول بنا العمر إلى رمضان قادم أم يطوينا الردى ويعلونا الركام ؟!!
(اللهم أعد رمضان علينا أعوامًا عديدة ، وأزمنة مديدة )
لقد آذن شهرنا بالرحيل … فما هي إلا أيام قلائل وينقضي …وما هي إلا ليالٍ يسيرة وينتهي …
فما أقرب عهد الفراق من عهد اللقاء !!! وصدق رافع السماء إذ قال فيه : (أياما معدودات)
وإن العين لتدمع والقلب ليحزن ، وليس بمستنكر فإنما يفتضح العاشق في وقت الرحيل ..
فيا نفوسًا عشقت الشهر وفاض دمعها حين تقاصر به العمر…دونك هذه العشر فهي قلبه النابض بالأجر..وإنها لفردوس رمضان إذ هو جنة شهور العام. .المحروم منا من أدركها وحرم نفسه لذة إحيائها بالقيام وتمريغ الجبين لله في جنح الظلام حيث سحائب الغفران ونسائم الجنان وغنيمة العتق من النيران..والسعيد منا من اقتفى هدي سيد الأنام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام فأحيا ليله وأيقظ أهله..ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله)
إنها ليالٍ عشر..يعظم الأجر في عمومها بلا استثناء ولاحصر..وإنما يتأكد ذاك في ليالي الوتر..إذ فيها ليلة خير من ألف شهر..إنها ليلة القدر..(وما أدراك ما ليلة القدر)؟!!
إنها ليلة النفحات..ليلة العطايا والهبات..ليلة تنزل الملائكة بالرحمات..ليلة أخفاها قيوم الأرض والسماوات ليشعل في قلوب الصالحين العزم ويوقظ الهمات ، وليعلم من يشري لذيذ الكرم بنعيم الجنات فيوجب له العتق ودخول الجنات..من وفق لقيامها فقد غفرله ما تقدم من الذنوب والزلات فقد ثبت عن النبي عليه أفضل الصلوات أنه قال : (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفرله ما تقدم من ذنبه) ومن عمرها بالطاعات فقد أضاف إلى رصيده من الأجر والحسنات ما يعدل نيفا وثمانين من السنوات ..الله أكبر !
إنها مكرمة رب البرية لأمة نبي الرحمة فمن الثابت أن متوسط أعمار أمته عليه أتم السلام وأفضل الصلاة ما بين الستين إلى السبعين كما أخبر بقوله : (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين) رواه الترمذي وابن ماجه وهم بذلك أقصر أعمارا من الأمم السابقة فكان من تفضله سبحانه على هذه الأمة أن جعل لها من مواسم الخيرات ما يعظم فيه الأجر وتجزل المثوبات فمن اغتنمها فكأنما أضاف إلى عمره عبادة المزيد من السنوات..وفي ذلك يقول الرازي : (اعلم أن من أحياها فكأنما عبد الله نيفا وثمانين سنة ومن أحياها كل سنة فكأنما رزق أعمارا كثيرة)
إن المحروم حقا من فاتته هذه الليلة وهو غارق في الملذات..إذ حرم نفسه كل الخيرات كما أخبر بذلك عليه أتم السلام وأفضل الصلاة : (من حرمها فقد حرم الخير كله ، ولا يحرم خيرها إلا محروم) رواه ابن ماجه ، فمن منا يطيق ذلك الحرمان ؟!!
ألا فلنجاهد النفس..ولنهجر الفرش لندرك ركب السالفين إذ كانوا في هذه الليالي يشمرون عن ساعد الجد ويحدوهم حادي الود فوجدوا للقيام مذاقا أحلى من الشهد ، ووجدوا للمناجاة في الأسحار ما يجلب السعد ، ثم وجدوا من بشائر الإجابة ما يطمئن له الفؤاد فيغمره الرضا والحمد ..
وها قد مضى الثلثان وبقي الثلث..ألا إن الخيل إذا قاربت الوصول جدت في المسير..وإنها والله لمضمار الصالحين (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهده في غيرها من سائر أيام وليالي الشهر..وما ذاك إلا لما فيها من الخير والبركات..
فلا تضن على نفسك وتحرمها نفحات العفو و الرحمات ، و إنما جاهد النفس..و اصبر..واستزد..ورغم ما قدمت فاستحقر..(ولا تمنن تستكثر)..ألا إن سلعة الله غالية..ألا إن سلعة الله الجنة..ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر !!
فنفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية..فلا يشغلك الاستعداد للعيد عن غنيمة العمر المديد ولا تشغلك الأسواق والمجمعات والملاهي والمخيمات فتحرمك هذه النفحات .
اللهم اجعلنا ممن صام الشهر ، و اغتنم العشر ، وأدرك ليلة القدر ، واستكمل الأجر ففاز بالرضوان أبد الدهر اللهم آمين...
التوقيع :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له) رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الجامع .
بقلم أختكم في الله
دموع تائبة