PDA

View Full Version : أمتع الأوقات، وأجمل اللحظات، مع الــقـرضـاوي فقيه المدلهمّات


Misrمصر
01-07-2004, 01:55 AM
السلام عليكم ورحمة الـله وبركاته..
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله..
لقاؤنا هذا الصباح مع فقيه متبحر، وأديب بارع، وشيخ ورع، ذي الأيادي البيضاء وصاحب الحجة الواضحة، أحد ورثة الأنبياء في هذا الزمان _ولا نزكي على الله أحدا_..

أيها الأحبة، كثيرا ما يلمز الأفّاكون في الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، وكثيرا ما انتقلت هذه العدوى إلى بعض السفهاء فرأيناهم يهرفون بما لا يعرفون عن رجل بحجم فضيلة الشيخ القرضاوي، وأعني بهؤلاء السفهاء فئاما من الشباب المتدين الذين غرّتهم بعض الأقاويل فطفقوا يجرّحون ويحقّرون من شأن من انعقد الإجماع _أو كاد_ على تفقههم وورعهم وطول باعهم في العلم الشرعي.
مناسبة الكلام في هذا التوقيت بالذات، هو نشر موقع (إسلام أون لاين) لمذكرات قيّمة لفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، العالم المصري ولادة، الهاشمي نسبا_على ما ذكر بعض أقاربه له_، السني مذهبا، الأزهري تفقها، القطريّ جنسيةً، وهي مذكرات تنبع قيمتها ليس فقط لأنها بقلم القرضاوي _الشاعر الأديب والفقيه المتبحر_، وإنما لسبب أكثر أهمية، هو أنها تغطي فترة تاريخية حرجة من تاريخ أمتنا الإسلامية، خصوصا وأن الدكتور القرضاوي –نفع الـله بعلمه- عاصر شخصيات هامة وسافر إلى عدة دول منها فلسطين التي ألقى محاضرات في درتها القدس الشريف وذلك قبيل اغتصابه في 5يونيو1967م.
ومعلوم أنّ النفوس تهفو إلى قراءة السير الذاتية والذكريات التاريخية للشخصيات المرموقة، فهي تدلّك على جوانب في شخصية الكاتب فضلا عن أنّها تكشف لك عن تفاصيل أحداث ووقائع يهم الجميع معرفة تفاصيلها وملابساتها خصوصا إن كان صاحبها من ورثة الأنبياء، ولكم أعجبت وأنا في طفولتي بمذكرات الشيخ محمد ناصر العبودي في رحلاته التي جاب فيها قارات العالم يتفقد أحوال المسلمين مبعوثا من رابطة العالم الإسلامي.
ولم يفت الشيخَ أن يتناول بقلمه عددا من الشخصيات والجماعات والحكومات والزعامات، كما تعرض في مذكراته إلى ما يحصى كثرة من الأعلام المعاصرين والراحلين خصوصا من دول كمصر والخليج والشام من كافة الديانات والاتجاهات الفكرية.

Misrمصر
01-07-2004, 01:56 AM
تنقسم مذكرات الشيخ إلى ثلاثة أقسام، نُـشـر كل واحد منها بـخلفية مختلفة، ومقدمة مستقلة على النحو الآتي:
القسم الأول: يحمل اسم (سيرة ومسيرة): وفيه يتناول شيخنا حفظه اللـه نشأته وقريته وأسرته ودراسته بالكتاب ثم بالأزهر وتفوقه فيها، كما تناول بالتحليل والنقد مناهج التعليم الأزهري حينئذ وانضمامه للإخوان ورحلته إلى الشام.

فلسطين البداية، ودور الإخوان، ثم صدامهم مع حزب الوفد
http://www.islamonline.net/Arabic/p.../article6.SHTML

التيسير مبدأي منذ البواكير
http://www.islamonline.net/Arabic/p.../article5.SHTML

في المعتقل، وشتان ما بينه وبين معتقلات العهد الناصري
http://www.islamonline.net/Arabic/p...article10.SHTML

وقفات قيمة مع مناهج المرحلة الثانوية
http://www.islamonline.net/Arabic/p...rticle4.SHTML#4

القسم الثاني: بعنوان (بين منح ومحن) وفيه يتحدث الشيخ عن الصدام مع الثورة واعتقاله _كغيره من الإخوان_ ثم الإفراج عنه وزواجه وتأليفه لكتاب (الحلال والحرام) ورحلة الحجّ وابتعاثه إلى قطر.

الصدام الأول بين الإخوان والثورة
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article03.SHTML

الصدام الثاني
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article04.SHTML

حياة الإخوان في المعتقل
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article08.SHTML

محاكمة القرضاوي (ضمن الإخوان) وحديث مهم عن الجهاز السري للإخوان
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article07.SHTML

ذكريات مريرة في السجن
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article09.SHTML

البحث عن بنت الحلال
http://www.islamonline.net/Arabic/k...ticle14.SHTML#1

مع كتابه (الحلال والحرام) وتعليقات العلماء عليه
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article15.SHTML

جانب من حياة الشيخ في قطر، وموقف لا ينسى مع أميرها، وحديث عن نشيد (مسلمون)
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article18.SHTML

القسم الثالث: يتناول فيه الشيخ إرهاصات أحداث الخامس من يونيو/حزيران 1967م التي انتهت بـضياع القدس ومعظم أجزاء فلسطين، فضلا عن سيناء المصرية والجولان السورية، ثم يتطرق الشيخ بإسهاب إلى شخصية عبد الناصر، معرجا على تفاصيل حصوله على الدكتوراه سنة 1973م من الأزهر الشريف، وقبلُ تحدث الشيخ حفظه الـله عن سيد قطب رحمه الـله ومحنة الإخوان 1955 التي نجّى الله منها شيخنا، وفيما يلي بعض المواضيع التي تناولها الشيخ بالحديث والتعليق في الجزء الثالث من مذكراته:

أبناء الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
http://www.islamonline.net/Arabic/K...03/12/article03

عبد الناصر في الميزان
http://www.islamonline.net/Arabic/K...article01.shtml

الإخوان يعرضون عليه الإرشاد وهو يرفض
http://www.islamonline.net/Arabic/K...article09.shtml

البنوك الإسلامية
http://www.islamonline.net/Arabic/K...article07.shtml

أول رحلة إلى أمريكا، ورسالة من الشيخ ابن باز رحمه الـله
http://www.islamonline.net/Arabic/K...rticle08.shtml#

حادثة المنشية
http://www.islamonline.net/Arabic/k...article05.SHTML

رحلة إلى الشرق الأقصى وبعض دول جنوب شرق آسيا
http://www.islamonline.net/Arabic/K.../2004/article06

Misrمصر
01-07-2004, 01:58 AM
وعلى كلّ حال، فـأحمد الـله أن يسر لي العثور على هذه المذكرات في الإجازة الصيفية، فهي ماتعة حقا، وتحتاج إلى تفرغ وهدوء أثناء قراءتها لتحقيق الاستفادة القصوى منها، خصوصا وأن بعض الطرائف فيها تجعل جسد القارئ يهتز ضحكا وإن كان هذا لا ينفي أنّ الدموع مهيئة للانسياب بغزارة خصوصا حين يتعرض الشيخ حفظه الله لفترة اعتقاله وإخوانه في معتقلات التعذيب والمهانة في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.


وفيما يلي عرض لقبسات مما ورد في المذكرات بأقسامها الثلاث دون ترتيب:


الشيخ القرضاوي وشيخه الراحل حسن البنا رحمه الـله
فلم يبق لي سبيل إلى لقاء الشيخ حسن البنا والاستمتاع بحديثه وتوجيهه وفكره إلا بحضوره هو إلى طنطا، أو بعض المدن الأخرى القريبة.
ومن المرات التي حضرها إلى طنطا، وألقى فيها أكثر من حديث، منها حديث مع المعلمين، وحديث مع الطلاب، وقد أوصانا في هذا اللقاء بوصايا ثلاث: الاجتهاد في العلم، والاستقامة في الدين، والمحبة بيننا.
ومن المرات التي زار فيها طنطا، حين اشتعال قضية فلسطين، والتنادي بالجهاد، وتخاذل الحكومات العربية، وقال: ليتهم يمدون أهل فلسطين بالمال والسلاح والمتطوعين، ويكفون أيديهم عنهم.
وفي هذه الزيارة ألقيت قصيدة بين يديه في مدحه، وما مدحت أحدا من الأحياء غيره، وقد وقعت منه موقع الرضا والاستحسان، وأحسبه قال: إنه لشاعر فحل، أو شاعر مطبوع، لا أذكر تماما.

من قصيدة للشيخ كتبها بمناسبة مرور 20عاما على دعوة الإخوان المسلمين وذلك في أواخر الأربعينيات من القرن المنصرم
ظنوا وراء اللحى بُلْهًا ودروشة مهلا، فخلف اللحى أسد مغاوير
للغرب هم أجل، للشرق هم أمل للدين نصر، وللأوطان تحرير

الشيخ القرضاوي حفظه الـله والشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الـله
جاء الشيخ الشعراوي إلى معهد طنطا الثانوي، وأنا في القسم الابتدائي، واستمر يدرس فيه (علم البلاغة) لطلاب الثانوي، إلى أن وصلت إلى السنة الرابعة الثانوية، التي يدرس فيها الشيخ البلاغة من كتاب (تهذيب السعد) قسم (علم المعاني).
ولم يكن الشيخ الشعراوي قد عرف بالدعوة الدينية في ذلك الوقت، كل ما عرف به هو الشعر.
وكان الشيخ الشعراوي من الناحية السياسية محسوبا على حزب الوفد، ومعدودا من رجاله، ولكنه ـ والحق يقال ـ لم يكن من الحزبيين المتفلتين، فقد كان رجلا ملتزما بشعائر الدين، محافظا على الصلوات في أوقاتها، هو وزميله وصديقه الذي كان يدرسنا (تاريخ الأدب العربي) الشيخ المنوفي.
ثم تلاقينا بعد ذلك في مناسبات شتى، قد يأتي الحديث عن بعضها، آخرها حين اختارت لجنة دبي الدولية للقرآن الكريم الشيخ الشعراوي أول شخصية إسلامية تكرمها، وكلمني رئيس الجائزة وعدد من أعضائها يدعونني لحضور حفل تكريم الشيخ بصفته شخصية سنة 1418هـ ـ 1997م، فرحبت بالدعوة، وقلت لهم: إن للشيخ الشعراوي حقا عليّ، ويسرني أن أسهم في تكريمه.
والحق أن الشيخ رحمه الله سُرَّ سرورا بالغا بحضوري ومشاركتي، وذكرته بقصيدته القديمة التي ألقاها في حفل المعهد بمناسبة الهجرة النبوية، والتي ختمها ببيته الشهير:
كل دنيا تبنى على غير دين فبناء على شفير هار!
فقال لي: إن الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله ـ العالم المحقق المعروف ـ قال لي: إن هذا البيت، هو بيت القصيد في هذه القصيدة.
وقد كانت مناسبة لأتحدث عن فضل الشيخ الشعراوي ودوره في تفسير القرآن، وفي تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة، وفي الوقوف في وجه التيارات الهدامة، وإن لم يكن معصوما، فكل بشر يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.

بين القرضاوي حفظه الـله وأحد الصوفية
وكان يدرسني في السنة الخامسة الفقه الحنفي مدرس كفء وإن كان مكفوف البصر، هو الشيخ محمود الدفتار، وهو من آل الدفتار، وهم أسرة معروفة بالانتساب إلى المذهب الحنفي، والاعتزاز به.
كما كان لهم نزعة صوفية ظاهرة تتمثل في الاعتقاد في الأولياء، والمبالغة في إثبات كراماتهم وخوارقهم، وقد كان الذي يدرسنا مادة (العروض والقافية) في السنة الأولى الثانوية، هو الشيخ أمين الدفتار، وكان يختار أمثلته من شعر الصوفية الذي ينزع هذا المنزع، فهو يمثل لنا عن بحر (الكامل) بقول الشاعر:
لذ بالمقام الأحمدي وقل: مدد يا سيد الأقطاب يا نعم السند!
وكذلك كان الشيخ محمود من أحباب السيد البدوي والمدافعين عنه، وقد اجترأت مرة فناقشته في أن الأضرحة التي تقام للأولياء ويدفنون فيها، ليست على منهج السنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور، والصلاة عليها، كما نهى عن إضاءتها وإيقاد السرج عليها، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد. ودخلت مع الشيخ في مناقشة، وقال لي: أيهما أولى: أن تصلي قرب الميضأة أم تصلي بجوار الضريح؟ قلت له بصريح العبارة: أن أصلي قرب الميضأة. فنهرني بشدة، وقال: أنت وهابي تبغض الأولياء. قلت له: أنا أقول ما درسته في هذا المعهد في (صفوة صحيح البخاري). فأسكتني وأغلق المناقشة.
وفي مرة أخرى، كان الشيخ يشرح لنا (باب الأضحية) في الفقه، وما لها من فضل أغفله أكثر الناس، أو قلت قدرتهم عن القيام به. وهنا تدخلت وقلت له: يا فضيلة الشيخ، إن كثيرا من الناس يذبحون بالفعل، ولكنهم يذبحون للبدعة، ولا يذبحون للسنة. قال لي: كيف يذبحون للبدعة؟ قلت: عندنا في قريتنا وفي غيرها من القرى أناس كثيرون ينذرون خرافهم لتذبح في مولد السيد، وهذه بدعة، ولا يذبحون يوم عيد الأضحى، وهي سنة، ولو أن العلماء قاموا بواجبهم، ونبهوا الناس على ذلك، لأحيينا السنة وأمتنا البدعة. فغضب الشيخ، وقال لي: اخرج من الفصل.
وحاولت بعدها أن أعتذر إلى الشيخ ليرضى عني ويدخلني الحصة، وقد كان، وإن لم يطل الأمر كثيرا، فقد وقع حل جماعة الإخوان في 8 ديسمبر 1949 وبعدها توترت الأوضاع، وحمي الوطيس، وقبض عليّ، ورحلت إلى الطور.

القرضاوي _على نفقة الإخوان_ في الشام وعمره لم يتعد الخامسة والعشرين من العمر
وخرجت من الحدود السورية، لأصل إلى الحدود الأردنية، وهناك فاجأتني مشكلة أخرى جديدة لم أحسب لها حسابا، فقد نظر المسؤول في جواز سفري، ثم وجه الخطاب إليّ، وكنت قد خلعت القميص والبنطلون، ولبست العمامة والكاكولة، فقال لي: يا شيخ يوسف، جوازك ليس فيه تأشيرة دخول. قلت: نعم، ليس لكم سفارة في دمشق، (كانت العلاقة مقطوعة بين البلدين).
قال: كان عليك أن تحصل على التأشيرة من القاهرة قبل أن تغادرها.
قلت: ربما لم يكن عندي نية لزيارة الأردن في أول الأمر، ثم وجدت نفسي على مقربة من القدس، وأريد أن أصلي في المسجد الأقصى الذي تُشدّ إليه الرحال، هل تمنعني من ذلك؟
قال: يا أستاذ، أنت رجل جامعي، ورجل مثقف، وتعلم أنه لا يجوز لأحد دخول بلد أجنبي إلا بتأشيرة.
قلت له: إن الثقافة التي يعلمونها لنا في الأزهر، لا تعتبر الأردن بالنسبة لي بلدا أجنبيا، إنهم يعلموننا أن المسلمين أمة واحدة، وأن بلاد المسلمين وطن واحد اسمه (دار الإسلام) وأن ابن بطوطة خرج من طنجة من المغرب وجال في البلاد الإسلامية شرقا وغربا، ولم يوقفه أحد ليسأله: أمعك تأشيرة أم لا؟..
وضحك الرجل، واتصل بأحد كبار المسؤولين في الداخلية، أظنه وكيل الوزارة، وقال له: عندي طالب مصري أزهري لا يحمل معه تأشيرة دخول، وهو يجادلنا، ويقول: كيف تمنعوني من الصلاة في الأقصى؟ ويبدو أن هذا المسؤول كان رجلا سمحا، فقال له: أعطه تأشيرة.

عن محاكمات العهد الملكي قبل ثورة يوليو1952م
كما أثبتت المحاكمات وفق ما جاء في شهادة اللواء "أحمد عبد الهادي" حكمدار القاهرة، الذي قال: "ضباط البوليس السياسي لا يخضعون للحكمدار، وإنهم يكتبون تقاريرهم من ثلاث صور؛ إحداها تُرسل للسفارة البريطانية، والثانية للسراي، والثالثة للوزارة"!

من ذكريات معتقل (الطور) في عهد الملك فاروق
وكانت معظم الأغذية جافة من الفول والعدس والفاصوليا الجافة والبطاطس، والحلاوة الطحينية، وعلب اللحم المجفف (البلوبيف) ونحوها. وقليل منها ما كان طازجا، ولكن الكميات كانت كافية ومشبعة، وخصوصا في يد الإخوان، وما كان يفضل من طعام يوصي الإخوان بالمحافظة عليه نظيفا ليعطى لأهل هذه المنطقة -أهل الطور- الذين كانوا في غاية الفقر والأمية والجهل، حتى إنهم لا يعرفون بديهيات الدين، ولا أن نبيهم محمد، وكأنهم منسيون في هذا الجزء المهم من الوطن من دولتهم، التي لا تعرف عنهم كثيرا ولا قليلا.

من عيوب الإخوان
وهذا ما يعاب على الإخوان: أنهم إذا أحبوا شخصا رفعوه إلى السماء السابعة، وإذا كرهوه هبطوا به إلى الأرض السفلى. والمفروض في الإنسان المؤمن -ولا سيما الداعية- الوسطية والاعتدال في الحكم على الناس، في الرضا والغضب، والمحبة والعداوة، فإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا أحب لم يحابِ من يحب بالكذب، وإذا عادى لم تبعده عداوته عن الصدق.

نقد مهذب من الدكتور القرضاوي لجماعة الإخوان
وكنت أتمنى من الإخوان أن يكون لديهم تفكير (إستراتيجي) فيما يتصل بشبابهم، والانتفاع الأقصى بمواهبهم وقدراتهم الخاصة، ومساعدتهم في التوجه إلى أفضل ما ينفعهم وينفع دعوتهم وأمتهم.
كان يمكنهم أن يوجهوا مثلي إلى تدريب قلمه على الكتابة، بدل أن تستنفد كل طاقته في الخطاب الشفهي، ولم أكن أكتب إلا عناصر الموضوع الذي أتحدث فيه.
وكان يمكنهم أن يوجهوني إلى تعلم (اللغة الإنجليزية)، وأن يساعدوني ماديا عليها، وقد كان لدي قدرة لغوية غير عادية، ولدي وقت فراغ، خصوصا في عطلات الصيف، ولو تم هذا لكان فيه خير كثير، لي وللدعوة التي نذرت حياتي لخدمتها. ولكنهم لم يفعلوا، بل لم يخطر لهم ذلك ببال.
كان يمكنهم أن يرتبوا لقاءات منهجية لشباب الدعاة من الإخوان في الأقاليم بالأستاذ البنا، ليتعلموا منه، ويستمعوا إليه، ويلقوه وجها لوجه، في دروس معدة ومخططة، ولو في أثناء العُطَل، فيقبسوا من علم الأستاذ وثقافته، وحسن تجربته، ويشربوا من روحه.
وكذلك من يرسخهم الأستاذ البنا من الدعاة والعلماء الذين يراهم أهلا لتوجيه الدعاة.
ولكنهم للأسف لم يفعلوا، بل لم يفكروا مجرد تفكير في مثل ذلك، فقد كان الكثيرون تغيب عنهم النظرة الإستراتيجية أو الاستشرافية للمستقبل.
هذا ملاحظة ناقدة سريعة، ولكنها لا تمس جوهر الدعوة وسمو أهدافها، وعظم مجهودها في خدمة الدين والأمة بحال.

ذهبت وأنا يوسف القرضاوي وعدت وأنا كذلك
وذهبت معه إلى هذه البئر الذي سدته بعض الأوساخ والقاذورات، وكان لا بد من تسليكه، وقد وجدت هناك عددا من الإخوة كأنهم انتقوهم انتقاء، كلهم من الأطباء والمهندسين والمحامين، أذكر منهم الأخ أحمد حشاد "الدكتور العالم أحمد حشاد بعد ذلك".
وكنا نؤدي عملنا بهمة ونشاط، ونحن نضحك ونمزح، وماذا جرى؟ ذهبت وأنا يوسف القرضاوي، ورجعت وأنا يوسف القرضاوي!

عندما يتحول السجن إلى جامع
ومما أذكره في تلك الأيام: أني كنت يوما مع مجموعة كبيرة من الإخوة ننتظر الطبيب لنراجعه، في طابور طويل، وكنا نزلنا من زنازيننا قبل العصر، وأوشكت الشمس أن تغرب ولم يجئ دورنا، وخفنا على العصر أن يضيع، فقلت للإخوة: ننتهز هذه الفرصة ونصلي العصر في جماعة، وكنا ننتظر في أحد العنابر، وصليت إماما بالإخوة، ورآنا أحد العساكر القساة المشهورين بالجبروت وشدة الأذى، واسمه (دياب) فلما نظر إلينا من النافذة قال: "يا أولاد الكلب، أنتم قلبتموها جامع"!
وانتظرنا دياب حتى خرجنا من الصلاة، ويعتبر هذا فضلا منه، حيث لم يجبرنا على الخروج من الصلاة، ثم أمرنا نحن المصلين أن نصطف صفين، كل صف في مقابل الآخر، وكل معتقل في مواجهة معتقل آخر. وقال: سأصفِّر بصفارتي ليضرب كل معتقل صاحبه على وجهه، ثم أصفر أخرى، ليرد عليه من يقابله بمثلها.

صلاة لا تنسى
من الوقائع التي أذكرها ولا أنساها صلاة المغرب الوحيدة التي سمح لنا أن نؤديها كلنا جماعة في السجن الحربي، وكان باكورة ذلك أن نودي علينا لنقيم الجماعة في ساحة السجن، ودوى الأذان في ساحة السجن: الله أكبر، الله أكبر، وتجمع كل الإخوان من أدوار السجن الثلاثة، ونحن لا نكاد نصدق ما يجري: أحلم هذا أم حقيقة؟
وقدمني الإخوان لأؤمهم في صلاة المغرب،وتلوت القرآن بصوت مؤثر يكاد يهز أركان السجن الأربعة، قرأت في الركعتين الربع الأخير من سورة آل عمران: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) ومررت بالآيات التي تتضمن دعاء أولي الألباب (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
وسلمت وسلم الإخوان، ووجدت الدموع على الخدود، لا أدري أهي دموع الخشية، أم دموع الرحمة، أم دموع الفرحة؟
يا سبحان الله، كيف أصبحت ساحة السجن التي طالما كانت ساحة للتعذيب والتكدير، والتي عوقبنا فيها ليلة المحاكمة المشهودة، والتي كُم نصبت فيها "العروسة" (صليب خشبي يحتضنه المعذب موثوق الأيدي والأرجل، ويجلد عليه) لعقاب المتمردين، والتي جُمعت فيها المصاحف وحُرقت… وغيرها وغيرها، كيف تحولت إلى جامع كبير لمثل هذه الصلاة التاريخية؟! لا نقول إلا: سبحان مغير الأحوال.
ووقف جنود السجن مشدوهين متأثرين من هذه الصلاة.
وطلب إليّ الإخوان بعد الصلاة أن ألقي كلمة، فاعتذرت، فلم تكن عندي رغبة في الكلام بعد هذه الصلاة. فتقدم الأخ الأستاذ فريد عبد الخالق، فقال: إنها والله فرصة تُغتنم، وإنما لكل امرئ ما نوى. وألقى كلمة توجيهية، بعث بها الأمل في النفوس، وأن الفجر قريب، وأنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
ولكن هذه الصلاة الحلوة التي قرت بها الأعين، واطمأنت بها القلوب، لم تتكرر بعد ذلك؛ فكانت هي الأولى والأخيرة، ويبدو أنهم شاهدوا بأعينهم أثر هذه الصلاة الجماعية في تثبيت الأفئدة، وشد العزائم؛ فلم يسمحوا لنا بصلاة أخرى على غرارها.
ولما كانت هذه المحنة سببا في إحياء الجماعة ـ فكرا وشعورا ـ داخل مصر، فقد كانت سببا في إحياء الإخوان كذلك خارج مصر، وتحرك الإخوة هنا وهناك للمّ الشمل، وجمع المساعدات المالية، ومحاولة توصيلها لعائلات المعتقلين، رغم وعورة الطريق، وخطر المحاولة، ويقظة رجال المباحث، لأي طارق يطرق هذه البيوت المنكوبة، ولم ينس الإخوان ما حصل في محنة 1954 من محاكمات لما سموه (أجهزة التمويل) التي حكم على بعضهم فيها بعشر سنوات، وأكثر من ذلك.

مساعدة أسر المعتقلين من (الإخوان المسلمين)
تجاوب الإخوان مع نداء الواجب، ولم يتخلف عن ذلك إلا المهازيل الذين ترتعد فرائصهم فرقا من الطواغيت، وهم على بعد آلاف الأميال! وهؤلاء كانوا قليلا، أو أقل من القليل.
على أن المهم ليس مجرد جمع الأموال، فالباذلون من الإخوان كثير، والحمد لله، ولكن المهم هو توصيلها إلى الأسر المحتاجة والمستحقة للعون العاجل. وهي محفوفة بالمخاطر، مليئة بالأشواك.
وهذه الأسر ليست مائة ولا ألفا، بل هي ألوف مؤلفة في القاهرة والإسكندرية وسائر محافظات مصر في الصعيد والوجه البحري، حتى العريش والواحات كان منها معتقلون. إنها في حاجة إلى شبكة كبيرة ممن لا يبالون ما يصيبهم في سبيل الله، فإنهم إذا ضبطوا اتهموا بأنهم على صلة بدولة أجنبية، يقبضون منها الأموال، ويوظفونها في تخريب البلاد، وإفساد العباد.
ولم تمنع المخاطرة من الاتصال بالإخوان الذين نجوا من الاعتقال، الذين استطاعوا أن يوظفوا عددا من الأخوات المؤمنات الصادقات في هذا الأمر، فقمن بدورهن خير قيام، على قدر الإمكان.

الشيخ لا يأكل الفاصوليا بعد أن عانى منها طوال سجنه في العهد الملكي وفي عهد عبد الناصر
ومن الطريف هنا أني حينما تزوجت قلت لامرأتي: هناك طعام عندي مخزون منه يكفيني لنصف قرن، فلا أريد أن تطبخيه أبدا؟ قالت: ما هو؟ قلت لها: الفاصوليا الناشفة.
وفعلا، نفذت ما اتفقنا عليه، ولا أحسب أننا طبخنا هذه الفاصولية أو دخلت بيتنا إلى يومنا هذا!

من شروط القرضاوي في بنت الحلال
والرابع: شرط غريب في نظر الكثيرين، وهو: أن يكون لها إخوة أشقاء من الذكور خاصة، وسر ذلك: أني وحيد أبي، فليس لي إخوة، ومعنى هذا: أن أولادي لن يكون لهم أعمام؛ فينبغي أن يكون لهم أخوال.

ماذا يقول القرضاوي عن دبلة الزواج؟
وفي اعتقادي أن هذه العادة "تلبيس الدبل" دخيلة على المسلمين، ولعلها مأخوذة عن النصارى؛ فعندهم خاتم الزواج، وله قدسية خاصة.
على أية حال جاريت أهل العروس في قضية الدبل هذه، ولكني اشترطت أن تكون من فضة لا من ذهب، كما يفعل أكثر الناس للأسف. وبعد مدة خلعت دبلتي الفضية وقلت لزوجتي: إني لا أجد لها أصلاً، ولا ينبغي لمثلي أن يقلد الناس في ذلك. فقبلت ذلك مني، وتفهمت الأمر، جزاها الله خيرا. فإن بعض النساء قد تتطير من ذلك، وتتوجس شرًّا من وراء خلع الدبلة.

زوجة د.القرضاوي تبثه ذكرياتها أثناء اعتقاله عقب عودته من قطر لأول مرة، وكان اعتقالا قصيرا مدته 50يوما
وكان شقيقي سامي يزورني ما بين الحين والحين، وسرعان ما جاء لزيارتي، وعرف بما كان، واتفق معي على أن يبلغ والدته أن حكومة قطر انتدبت الأستاذ يوسف في مهمة، وأني في حاجة إلى أخي أحمد يقيم معي حتى عودته. وانطلت عليها الحيلة، وصدقت المقولة، وأرسلت أحمد للعيش معي.
وتعلم أن جيراننا فضوليون، وكثيرًا ما سألوني: أين الأستاذ يوسف؟ لماذا لم يظهر منذ أول الإجازة؟ وأقول لهم: هو موجود، ولكنه مشغول في بعض مهام مكلف بها من قطر.
وقد جاء صديقك الشيخ محمد سيد طنطاوي (شيخ الأزهر الآن) يسأل عنك، وفتح جيراننا الباب ليروا ويسمعوا ماذا أقول له، فاضطررت أن أدخله، وأقول له الحقيقة في الداخل، حتى لا يعرف الجيران شيئًا. وقد كان الرجل كريمًا، وقال لي: أي مساعدة أو خدمة تطلبينها فأنا تحت أمرك. وشكرت له موقفه.. جزاه الله خيرًا.

الثورة: لا قوانين تحترم
ومن دلائل إهدار القانون ما يذكره الأستاذ جلال الحمامصي بقوله: وقد تكررت ظاهرة إغفال نشر بعض القوانين، أو التراخي في نشرها، أو إعطاء تاريخ للنشر مغاير للتاريخ الحقيقي، أو النشر في عدد رمزي من الوقائع المصرية لا تطبع منه إلا نسخ قليلة جدًّا.. وفي هذا مخاطرة بحقوق المواطنين، وإهدار لسيادة القانون، ومجافاة لروح بيان 30 مارس

مع عبد الناصر
والحق أن عبد الناصر لم يُعرَف بشرب الخمر، كما لم تعرف عنه علاقات نسائية محرمة، ولكنه لم يشتهر عنه إقامة الصلوات، التي فرضها الله على المسلمين خمس مرات في اليوم والليلة. لم يقل أحد ممن كتبوا عنه: إنه دخل عليه فوجده يقيم الصلاة، أو إنه دعا زواره يوما ليقيم معهم الصلاة، أو إنه في مجلس من المجالس التي كان يعقدها توقف مرة ليصلي وحده، أو مع زملائه.
ولم يحك مؤرخ عبد الناصر الملازم له ـ أعني الأستاذ هيكل ـ شيئا من ذلك، على كثرة ما حكى من تفصيلات حياته، في الحضر والسفر، والخلوة والجلوة.
حتى صلاة الجمعة لم يعرف أين كان يصليها عبد الناصر، ولقد حكم عبد الناصر ثمانية عشر عاما، كل سنة فيها 52 جمعة، فأين كان يصلي هذه الجمع؟.
لقد كان للملك فاروق ـ ولأبيه الملك فؤاد قبله ـ إمام خاص، تعينه وزارة الأوقاف، ليصلي به في مسجده في قصره، في الجمع خاصة، وفي الصلوات الأخرى في بعض الأوقات. فمن إمام عبد الناصر؟ وهل له مسجد في منزله في منشية البكري؟ أو بجوار منزله؟!!
هناك جمع معروفة ومعلنة في مناسبات معينة، أو لزيارة بعض الضيوف، رآه الناس فيها مصليا للجمعة، ولكن ما عدا ذلك لم يعرف أين صلى عبد الناصر نحو 900 جمعة أمر الله الناس إذا سمعوا النداء أن يستجيبوا لداعي الله، ويسعوا إلى ذكر الله ويذروا البيع.
كان الرئيس أنور السادات حريصا على أداء الشعائر، فلهذا قالوا عنه: الرئيس المؤمن.
وظهر هذا في سياسة كل منهما، فالسادات حين خاض معركة العاشر من رمضان 1393هـ ـ 6 أكتوبر 1973م، تجلى فيها أثر التدين في الضباط والجنود، وفي الشعارات، فقد كان شعار المعركة: الله أكبر. في حين كانت كلمة السر في حرب يونيو 1967 "برّ بحر جوّ". وللأسف لم ينتصروا في بر ولا بحر ولا جو.

الشيخ القرضاوي يبحث عن الجبْن
بحثت عن "الجبنة" فلم أجد لها عند الباكستانيين أثرا، ولم أسمع لها عندهم خبرا؛ فهم لا يعرفون إلا اللبن الحليب، أو اللبن الرايب أو الزبادي، يتناولونه محلى بالسكر. وقلت لمرافقي الباكستاني: ألا تعرف باكستان "الجبن" أبدا؟ فقال: باكستان لا تعرف "الجبن" لكن تعرف الشجاعة! قلت له: إنما نبحث عن الجبن لنقضي عليه!

لا تشتر مع السفراء
بتنا بـكراتشي، واستقبلنا هناك سفير قطر في باكستان وقد صحبنا إلى بعض المحلات لنشتري منها بعض التحف والهدايا، وفعلاً اشترينا بعض الأشياء، ورآها معنا بعض الإخوة الباكستانيين، فقالوا: إنكم اشتريتموها بضعف ثمنها أو أكثر، ولو نزلتم (السوق) لوجدتموها رخيصة جدًّا، فتعلمنا أن لا نمشي مع (السفراء) في قضية الشراء؛ لأنهم يشترون من المحلات (الفاخرة) والأولى أن نذهب مع أهل البلد، فأهل مكة أدرى بشعابها وأسواقها.

القرضاوي هو الذي أنشأ أبيات الأنشودة الشهيرة (مسلمون)
لهذا كتبت نشيد (مسلمون)؛ لأؤكد فيه معنى (الانتماء) الإسلامي، والولاء لأمة الإسلام، والاعتزاز بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، وأتم به النعمة علينا.
قلت في هذا النشيد:
مسلمون، مسلمون، مسلـمونْ حيث كان الحق والعدل نكونْ
نرتضي الموت ونأبى أن نهونْ في سبيل الله ما أحلى المنونْ


فقه المقاصد
لكن عيب الجماعات الكبيرة أن فيها أناسا تغلب عليهم النزعة "الظاهرية" في قراءة الوقائع، وفي تحليل الأمور؛ فيحكمون على الأمور بظواهرها القريبة، دون النظر إلى آفاقها البعيدة، لا يعرفون ما يسميه الفقهاء فقه المقاصد، ولا فقه المآلات. هذا الفقه الذي جعل الرسول يبقي على المنافقين وهم يكيدون له ويمكرون به. وقد أشار عليه المخلصون من أصحابه بقتلهم والاستراحة من شرهم. فكان رده: "أخشى أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".

خاطرة عن الظالمين
ولهذا حذر السلف من التعاون مع الظالمين أو الاقتراب منهم، والركون إليهم، حتى قال الحسن: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يُعصى الله في أرضه.
ولهذا كان مما أزعجنا في لقاء صلاح نصر: عرضه علينا أن نتعاون معهم، ونحن لا نشاركهم في الأهداف ولا في الوسائل. فهم لا يتورعون عن استخدام وسائل غير أخلاقية وإن كان الهدف نفسه مشروعًا.
واتفقنا على أن نتهرب من لقاء جويفل إذا اتصل بنا، ولو ترتب على ذلك ألا ننزل إلى مصر في المستقبل، ولا نتورط في أن نحطب في حبل هؤلاء.

إزالة لبس منتشر بخصوص السادات والصحوة
ومن هنا لا أجد معنى للذين يزعمون أن الصحوة الإسلامية إنما نشأت بفعل فاعل، وصنع صانع، وأن الذي صنعها هو السادات الذي أرخى العنان للإسلاميين ليضرب بهم الشيوعيين.
وقد رددنا على هذا الكلام المتهافت في كتابنا "الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه" وبيّنا ما فيه من وهن وخلل، وأنه عارٍ عن كل حجة. وإن صحوة الشعوب لا يصنعها غير الشعوب، ولو كان السادات صانعها لأمكنه أن يلغيها عندما رأى خطرها عليه.

مع مبارك
سُئل الرئيس حسني مبارك، عندما كان نائبا للرئيس السادات في 27-9-1975، سأله بعض الصحفيين: ماذا أخذنا من دروس 67 في الإعداد لقتال 6 أكتوبر؟ قال: باختصار.. في 67.. لا تخطيط.. لا إعداد.. لا تدريب.. لا تنسيق بين العمل السياسي، والعسكري. اهـ.

حضارتنا
وكان الرأي الذي تبنيته وأعلنته: أن حضارتنا عربية وإسلامية معا، فهي عربية بحكم أن آثارها مكتوبة باللغة العربية، وأن أهم عنصر في تأسيسها وإقامتها كان هو العنصر العربي، وهي كذلك حضارة إسلامية، بحكم الدوافع والبواعث والفلسفة التي دفعت إلى إنشائها وإعلائها، فهي بواعث إسلامية لأهداف إسلامية، منبثقة عن تصور إسلامي ونظرة إسلامية للإنسان والعالم والدين والدنيا.

الشيخ في المدينة المنورة يخشى العقارب
وكان الذين حجوا قبلنا يخوفوننا من شيء واحد في بيوت المدينة، هو: العقارب! وخصوصا في حر الصيف الذي يهيج هذه الحشرات. وأنا شخصيا لا أدعي الشجاعة، فأنا أخاف من هذه المخلوقات التي لا نعرفها في الوجه البحري من مصر، والتي يشبهون بها بعض الناس من المؤذين لخلق الله، فيقولون: إنه كالعقرب، يلدغ ويختفي.
ولهذا استأجرت الحجرة، ولم أكن أنام بها إلا قليلا، خوفا من حمة العقرب، وكثيرا ما كنت أذهب إلى الشارع، أو إلى المسجد أول ما يفتح.

لست متساهلا (بين القرضاوي والشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية)
قلت: يا فضيلة الشيخ، أنا لست متساهلا في أمر تارك الصلاة، وقد ذكرت حكمه في كتابي "العبادة في الإسلام" ولكني أتحرى وأتثبت في قضية التكفير.
وأنا مع جمهور الأئمة (أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم) في تفسيق تارك الصلاة لا تكفيره، إذا كان تركها على سبيل الكسل، أما من تركها منكرا لفرضيتها أو مستخفا بأمرها؛ فهو كافر ولا شك.
والأحاديث التي تكفر تارك الصلاة مؤوّلة، كما أُوِّل غيرها؛ حتى لا تتناقض مع أحاديث وآيات أخرى، حتى إن ابن حزم -وهو رجل ظاهري كما تعرف فضيلتك- لا يكفِّر تارك الصلاة، وابن قدامة الحنبلي يقول: لم ينقل في بلد من بلدان المسلمين أنهم تركوا صلاة الجنازة على تارك للصلاة، أو لم يدفنوه في مقابر المسلمين.
على أن الحنابلة أنفسهم لا يحكمون عليه بالكفر إلا بعد أن يدعوه الإمام أو القاضي إلى الصلاة، فيرفض ويأبى.
قال الشيخ: إنك تقول: إن المطر ينزل من السحاب، وليس من السماء، والقرآن يخبرنا أن الله أنزل من السماء ماء. ونقل الشيخ كلاما عن ابن القيم في بعض كتبه حول نزول المطر من السماء.
قلت للشيخ: يا مولانا، ابن القيم على أعيننا ورؤوسنا، وهو حجة في الشرعيات، وليس حجة في العلوم الطبيعية والكونية، وكل علم يؤخذ من أهله، كما قال تعالى: "فاسأل به خبيرا" [الفرقان: 59]، "ولا ينبئك مثل خبير" [فاطر: 14].
والعلوم الطبيعية التي اقتبسها الغربيون منا ثم تفوقوا فيها اليوم -كما نرى- حتى أمسى الإنسان يطير في الهواء، ويغوص في الماء.. هذه العلوم تقول: إن المطر ينزل من السحاب، والسحاب يتكوّن من البخار الذي يتكون من ماء البحار والمحيطات، حتى إذا وصل إلى درجة معينة من البرودة سقط مطرا.
والقرآن يشير إلى أن أصل الماء كله من الأرض، كما قال تعالى: "والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها" [النازعات: 30-31].
والعرب في شعرهم الجاهلي أشاروا إلى هذه الحقيقة الطبيعية، فقال شاعرهم أبو ذؤيب الهُذلي في وصف عن السحب: شربن بماء البحر ثم ترفّعت متى لجج خضر لهن نئيج
والنئيج: الصوت المرتفع، وهو صوت أمواج البحر وهي تتلاطم.
وقال آخر في موقفه من ممدوحه: كالبحر يمطره السحاب وما له فضل عليه لأنه من مائه!
وهذه حقيقة أصبحنا نشاهدها بأعيننا حين نركب الطائرات؛ فتعلو بنا فوق السحاب، فربما تكون الأرض ممطرة، ونحن نشاهد الشمس ساطعة مشرقة فوق السحاب، فإذا أردنا الهبوط اخترقنا السحاب لننزل إلى الأرض.
وأما قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء طهورا" [الفرقان: 48] وأمثالها من الآيات فلها تأويلان:
أحدهما: أن معنى من السماء: من جهة السماء.
وثانيهما: أن السماء يُقصَد بها السحاب، بناء على أن السماء عند العرب: كل ما علاك، وفيه جاء قوله تعالى: "فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ" [الحج: 15]، فالمراد بالسماء هنا: السقف.
وسكت الشيخ رحمه الله، ويبدو لي أنه لم يقتنع بما قلته. فهذه أفكار جديدة تصطدم بما استقر عنده من معلومات راسخة تلقاها عن مشايخه الثقات، وعن كتبه ومصادره التي يعتز بها.

أول مولود ذكر للشيخ حفظه الله
في منتصف شهر أكتوبر من عام 1967م ولد ابني محمد الذكر الأكبر من أبنائي، وكان لولادته فرحة عارمة، لا في قلب أسرتنا فقط، ولكن في الدوحة كلها؛ فقد كان الناس مهمومين بأمري، ويدعون لي أن يرزقني الله بإخوة لبناتي الأربع، ولقد استجاب الله الدعاء.

منحة أرض ومنزل من الحكومة القطرية
قابلت الأمير، وقلت له: تعلم أني أحرم الفوائد، فأرجو أن تعفيني من هذا الأمر، قال: سآمر البنك أن لا يطالبك بأية فوائد.
وكانت هذه المنحة تأكيدًا لجنسيتي القطرية التي اكتسبتها بجوازي القطري.

القرضاوي والشيعي المرموق موسى الصدر
وكان مما تذاكرنا فيه الشهادة الثالثة في الأذان: (وأشهد أن عليا أمير المؤمنين ولي الله) فمن المؤكد أن هذه الشهادة لم تكن من جملة الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على عهد الخلفاء الراشدين، حتى في عهد علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه.
وقد أقرني على ذلك، وقال: إن هذا هو المعروف عند علمائنا، ولكن هناك أمور تصطدم بعواطف العامة، وتحتاج معالجتها إلى الرفق والأناة والحكمة.
ومما تناقشنا فيه: (الحصاة) التي يضعها الشيعة في قبلتهم عند كل صلاة، ويتحرون السجود عليها، ويشيع أنها من (طينة كربلاء). وفي هذا رائحة تقديس للحجارة والحصى، وهو من رشحات الوثنية التي يرفضها الإسلام، ويسد الذرائع إليها.
وكان من جوابه: أن تحري وجود هذه الحصاة أو الطوبة ونحوها في موضع السجود مبنيّ على حكم شرعي عند الشيعة من أحكام الصلاة، وهو أن السجود لا يجوز إلا أن يكون على الأرض أو شيء من جنسها، فلا يجوز السجود على منسوج كالسجاجيد، أو ملبوس كالثياب، ونظرا لأن معظم المساجد اليوم مفروشة بالسجاد أو الموكيت ونحوها، يجتهد الشيعة في حمل الحصاة معهم، ليسجدوا عليها، وليس من اللازم أن تكون من كربلاء ولا من غيرها.

القرضاوي في لبنان
وبقيت وحدي في لبنان، متنقلا بين جبالها في الشمال والجنوب؛ فقد ذهبت فترة إلى منطقة "الضِّنّية" بالقرب من طرابلس، ولكن للأسف رأيت المناطق الإسلامية غير معنيّ بها، مثل المناطق المسيحية والدرزية.

كتاب فقه الزكاة
وأثنى عليه الشيخ علي الطنطاوي في برنامجه في إذاعة السعودية، وفي برنامجه التليفزيوني "على مائدة الإفطار" في رمضان أكثر من مرة.

القرضاوي والقذافي
وقد أثار القذافي موضوعات شتى، كان من أهمها كلام حول أمرين خطيرين: "السنة" وإن لم يفصح تمامًا عن أفكاره حولها، ولكن أوحت عباراته وتعليقاته، بأن لديه شكوكًا وشبهات حول ثبوت السنة، وحول حجيتها.
والثاني حول "الردة" ولماذا يقتل المرتد؟ وتكلم العلماء يدافعون عن حد الردة، وعقوبة المرتد، وأثار الصادق نيهوم (احد مرافقي القذافي وكان علمانيا) سؤالين: هل الردة موقف عقلي أو هي جريمة ضد الجماعة؟ وأجاب هو عن سؤاله، فقال: إن الردة موقف عقلي، إنسان اقتنع بدين، ثم تغير فكره وتحول اقتناعه، فلم يَعُد يؤمن به.. فلماذا يعاقب؟
قلت له: إن الردة ليست مجرد موقف عقلي، إنها تغيير للولاء من أمة إلى أخرى، هل يباح للإنسان أن يغير ولاءه لوطنه إلى أعداء وطنه بدعوى أنه حر في ولائه؟ إن أحدًا لا يقبل منه ذلك، ويعتبر كل الناس ذلك منه خيانة وطنية، يعاقب عليها بالإعدام، والردة هي تغيير الولاء من أمة الإسلام إلى أعدائها؛ فهو بردته أصبح عدوًّا لأمته، مواليًا لأعدائها.
وتطرق الحديث إلى العلماء ودور العلماء، وعزلة العلماء عن المشاركة في توجيه المجتمع، وتحدث الإخوة المشايخ: أن العلماء لا يتأخرون عن القيام بواجبهم، إذا فتح الباب لهم، وأتيح لهم أن يبينوا للناس شرع الله.
وقلت في ذلك: إن العلماء مستعدون أن يكونوا خدمًا لمن يخدم الشريعة.
وهنا قال الشيخ أبو زهرة: إننا لسنا خدمًا لأحد كائنًا من كان.
قلت: يا مولانا، إننا خدم لمن يخدم الشريعة؛ فخدمتنا في الحقيقة إنما هي للشريعة.
قال: نحن سادة ولسنا خدمًا!

أمر ملكي برقم أ/233 في 29/9/1395هـ بتعيين د.القرضاوي عضوا بالمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية -بالمدينة المنورة- لمدة ثلاث سنوات
ومع الخطاب الأمر الملكي الصادر من الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود بتعيين ثلاثة عشرة عضوا، بعضهم بشخصه، مثل الشيخ الندوي، والشيخ الغزالي، والشيخ الألباني، والشيخ ابن الخوجة، والشيخ غوشة، ود.كامل الباقر، ود.أحمد الكبيسي، والشيخ صالح الحصين، والفقير إليه تعالى، وبعضهم لوصفه، مثل مدير جامعة الأزهر، ومدير جامعة الرياض، ومدير جامعة الملك عبد العزيز.

موقف مع الشيخ القرضاوي في الظهران –شرق السعودية
فنظر المسئول عن الجوازات في الجواز الذي معي، وهو جواز قطري، وقال: أين جوازك الأصلي؟
قلت له: هذا جوازي الأصلي!
قال: ألست أنت الشيخ يوسف القرضاوي الذي نشاهده في التلفزيون ونترقب برنامجه بشغف؟قلت: بلى، أنا هو.
قال: ألست مصريا؟قلت: أنا الآن قطري.
قال: ولكنك مصري، ونريد جوازك الأصلي. قلت: يا أخي، فلأكن مصريا أو أستراليا أو من أي جنس كان!! أنت تتعامل مع الأوراق. أمامك ورقة رسمية صادرة من قطر، ومن صاحب العظمة حاكم قطر. ودعك من أنك تعرفني أحمل جنسية أخرى من قبل. وهذا جواز زرت به بلاد العالم كلها، ولم يوقفني أحد كما أوقفتني أنت، لأنك تعرفني وتشاهدني في التلفزيون!
قال: وهل دخلت به المملكة من قبل؟ توقفت قليلا، ثم تذكرت، وقلت: نعم، دخلت به المملكة من قبل، ومن هذا المطار نفسه! وفعلا نظروا في الجواز فوجدوا فيه ختم دخول المملكة من الظهران. وقال الرجل: أنا آسف. أنا والله من المعجبين بك، والمتابعين لبرنامجك.
قلت له: متابعتك هذه ضرتني ولم تنفعني، وكادت تعطلني بلا مبرر، ولو كنت شخصا عاديا لمر بسلام.
وكانت الطائرة قد كادت تطير، وتدعني، ولكن الله سلَّم.

عن الشيخ الحصين رئيس مركز الحوار الوطني السعودي
وكان يدرس معي عدد من أبناء البلاد العربية النابهين المتميزين، بعضهم كانوا مبعوثين من بلدانهم، منهم:الشاب المتألق صالح الحصين في قسم القانون، وهو مبعوث من المملكة السعودية (معالي الأستاذ صالح الحصين بعد ذلك). وكان الدكتور السنهوري معنيًّا به، راجيًا أن يكون له شأن في المملكة، وقد كان.



بلّغ المشرف عن هذه المشاركة | IP: مسجل

30-06-2004 08:44 ص



Misrمصر
عضو

عضو منذ » May 2004
المدينة »
المشاركات » 26
وعلى كلّ حال، فـأحمد الـله أن يسر لي العثور على هذه المذكرات في الإجازة الصيفية، فهي ماتعة حقا، وتحتاج إلى تفرغ وهدوء أثناء قراءتها لتحقيق الاستفادة القصوى منها، خصوصا وأن بعض الطرائف فيها تجعل جسد القارئ يهتز ضحكا. وفيما يلي عرض لقبسات مما ورد في المذكرات بأقسامها الثلاث دون ترتيب:


الشيخ القرضاوي وشيخه الراحل حسن البنا رحمه الـله

فلم يبق لي سبيل إلى لقاء الشيخ حسن البنا والاستمتاع بحديثه وتوجيهه وفكره إلا بحضوره هو إلى طنطا، أو بعض المدن الأخرى القريبة.
ومن المرات التي حضرها إلى طنطا، وألقى فيها أكثر من حديث، منها حديث مع المعلمين، وحديث مع الطلاب، وقد أوصانا في هذا اللقاء بوصايا ثلاث: الاجتهاد في العلم، والاستقامة في الدين، والمحبة بيننا.
ومن المرات التي زار فيها طنطا، حين اشتعال قضية فلسطين، والتنادي بالجهاد، وتخاذل الحكومات العربية، وقال: ليتهم يمدون أهل فلسطين بالمال والسلاح والمتطوعين، ويكفون أيديهم عنهم.
وفي هذه الزيارة ألقيت قصيدة بين يديه في مدحه، وما مدحت أحدا من الأحياء غيره، وقد وقعت منه موقع الرضا والاستحسان، وأحسبه قال: إنه لشاعر فحل، أو شاعر مطبوع، لا أذكر تماما.

من قصيدة للشيخ كتبها بمناسبة مرور 20عاما على دعوة الإخوان المسلمين وذلك في أواخر الأربعينيات من القرن المنصرم


ظنوا وراء اللحى بُلْهًا ودروشة مهلا، فخلف اللحى أسد مغاوير
للغرب هم أجل، للشرق هم أمل للدين نصر، وللأوطان تحرير


الشيخ القرضاوي حفظه الـله والشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الـله
جاء الشيخ الشعراوي إلى معهد طنطا الثانوي، وأنا في القسم الابتدائي، واستمر يدرس فيه (علم البلاغة) لطلاب الثانوي، إلى أن وصلت إلى السنة الرابعة الثانوية، التي يدرس فيها الشيخ البلاغة من كتاب (تهذيب السعد) قسم (علم المعاني).
ولم يكن الشيخ الشعراوي قد عرف بالدعوة الدينية في ذلك الوقت، كل ما عرف به هو الشعر.
وكان الشيخ الشعراوي من الناحية السياسية محسوبا على حزب الوفد، ومعدودا من رجاله، ولكنه ـ والحق يقال ـ لم يكن من الحزبيين المتفلتين، فقد كان رجلا ملتزما بشعائر الدين، محافظا على الصلوات في أوقاتها، هو وزميله وصديقه الذي كان يدرسنا (تاريخ الأدب العربي) الشيخ المنوفي.
ثم تلاقينا بعد ذلك في مناسبات شتى، قد يأتي الحديث عن بعضها، آخرها حين اختارت لجنة دبي الدولية للقرآن الكريم الشيخ الشعراوي أول شخصية إسلامية تكرمها، وكلمني رئيس الجائزة وعدد من أعضائها يدعونني لحضور حفل تكريم الشيخ بصفته شخصية سنة 1418هـ ـ 1997م، فرحبت بالدعوة، وقلت لهم: إن للشيخ الشعراوي حقا عليّ، ويسرني أن أسهم في تكريمه.
والحق أن الشيخ رحمه الله سُرَّ سرورا بالغا بحضوري ومشاركتي، وذكرته بقصيدته القديمة التي ألقاها في حفل المعهد بمناسبة الهجرة النبوية، والتي ختمها ببيته الشهير:
كل دنيا تبنى على غير دين فبناء على شفير هار!
فقال لي: إن الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله ـ العالم المحقق المعروف ـ قال لي: إن هذا البيت، هو بيت القصيد في هذه القصيدة.
وقد كانت مناسبة لأتحدث عن فضل الشيخ الشعراوي ودوره في تفسير القرآن، وفي تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة، وفي الوقوف في وجه التيارات الهدامة، وإن لم يكن معصوما، فكل بشر يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.

بين الشيخ القرضاوي حفظه الـله وأحد الصوفية
وكان يدرسني في السنة الخامسة الفقه الحنفي مدرس كفء وإن كان مكفوف البصر، هو الشيخ محمود الدفتار، وهو من آل الدفتار، وهم أسرة معروفة بالانتساب إلى المذهب الحنفي، والاعتزاز به.
كما كان لهم نزعة صوفية ظاهرة تتمثل في الاعتقاد في الأولياء، والمبالغة في إثبات كراماتهم وخوارقهم، وقد كان الذي يدرسنا مادة (العروض والقافية) في السنة الأولى الثانوية، هو الشيخ أمين الدفتار، وكان يختار أمثلته من شعر الصوفية الذي ينزع هذا المنزع، فهو يمثل لنا عن بحر (الكامل) بقول الشاعر:
لذ بالمقام الأحمدي وقل: مدد يا سيد الأقطاب يا نعم السند!
وكذلك كان الشيخ محمود من أحباب السيد البدوي والمدافعين عنه، وقد اجترأت مرة فناقشته في أن الأضرحة التي تقام للأولياء ويدفنون فيها، ليست على منهج السنة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور، والصلاة عليها، كما نهى عن إضاءتها وإيقاد السرج عليها، ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد. ودخلت مع الشيخ في مناقشة، وقال لي: أيهما أولى: أن تصلي قرب الميضأة أم تصلي بجوار الضريح؟ قلت له بصريح العبارة: أن أصلي قرب الميضأة. فنهرني بشدة، وقال: أنت وهابي تبغض الأولياء. قلت له: أنا أقول ما درسته في هذا المعهد في (صفوة صحيح البخاري). فأسكتني وأغلق المناقشة.
وفي مرة أخرى، كان الشيخ يشرح لنا (باب الأضحية) في الفقه، وما لها من فضل أغفله أكثر الناس، أو قلت قدرتهم عن القيام به. وهنا تدخلت وقلت له: يا فضيلة الشيخ، إن كثيرا من الناس يذبحون بالفعل، ولكنهم يذبحون للبدعة، ولا يذبحون للسنة. قال لي: كيف يذبحون للبدعة؟ قلت: عندنا في قريتنا وفي غيرها من القرى أناس كثيرون ينذرون خرافهم لتذبح في مولد السيد، وهذه بدعة، ولا يذبحون يوم عيد الأضحى، وهي سنة، ولو أن العلماء قاموا بواجبهم، ونبهوا الناس على ذلك، لأحيينا السنة وأمتنا البدعة. فغضب الشيخ، وقال لي: اخرج من الفصل.
وحاولت بعدها أن أعتذر إلى الشيخ ليرضى عني ويدخلني الحصة، وقد كان، وإن لم يطل الأمر كثيرا، فقد وقع حل جماعة الإخوان في 8 ديسمبر 1949 وبعدها توترت الأوضاع، وحمي الوطيس، وقبض عليّ، ورحلت إلى الطور.

القرضاوي _على نفقة الإخوان_ في الشام وعمره لم يتعد الخامسة والعشرين من العمر
وخرجت من الحدود السورية، لأصل إلى الحدود الأردنية، وهناك فاجأتني مشكلة أخرى جديدة لم أحسب لها حسابا، فقد نظر المسؤول في جواز سفري، ثم وجه الخطاب إليّ، وكنت قد خلعت القميص والبنطلون، ولبست العمامة والكاكولة، فقال لي: يا شيخ يوسف، جوازك ليس فيه تأشيرة دخول. قلت: نعم، ليس لكم سفارة في دمشق، (كانت العلاقة مقطوعة بين البلدين).
قال: كان عليك أن تحصل على التأشيرة من القاهرة قبل أن تغادرها.
قلت: ربما لم يكن عندي نية لزيارة الأردن في أول الأمر، ثم وجدت نفسي على مقربة من القدس، وأريد أن أصلي في المسجد الأقصى الذي تُشدّ إليه الرحال، هل تمنعني من ذلك؟
قال: يا أستاذ، أنت رجل جامعي، ورجل مثقف، وتعلم أنه لا يجوز لأحد دخول بلد أجنبي إلا بتأشيرة.
قلت له: إن الثقافة التي يعلمونها لنا في الأزهر، لا تعتبر الأردن بالنسبة لي بلدا أجنبيا، إنهم يعلموننا أن المسلمين أمة واحدة، وأن بلاد المسلمين وطن واحد اسمه (دار الإسلام) وأن ابن بطوطة خرج من طنجة من المغرب وجال في البلاد الإسلامية شرقا وغربا، ولم يوقفه أحد ليسأله: أمعك تأشيرة أم لا؟..
وضحك الرجل، واتصل بأحد كبار المسؤولين في الداخلية، أظنه وكيل الوزارة، وقال له: عندي طالب مصري أزهري لا يحمل معه تأشيرة دخول، وهو يجادلنا، ويقول: كيف تمنعوني من الصلاة في الأقصى؟ ويبدو أن هذا المسؤول كان رجلا سمحا، فقال له: أعطه تأشيرة.

عن محاكمات العهد الملكي قبل ثورة يوليو1952م والبوليس السياسي (أمن الدولة حاليا)
كما أثبتت المحاكمات وفق ما جاء في شهادة اللواء "أحمد عبد الهادي" حكمدار القاهرة، الذي قال: "ضباط البوليس السياسي لا يخضعون للحكمدار، وإنهم يكتبون تقاريرهم من ثلاث صور؛ إحداها تُرسل للسفارة البريطانية، والثانية للسراي، والثالثة للوزارة"!

من ذكريات معتقل (الطور) في عهد الملك فاروق
وكانت معظم الأغذية جافة من الفول والعدس والفاصوليا الجافة والبطاطس، والحلاوة الطحينية، وعلب اللحم المجفف (البلوبيف) ونحوها. وقليل منها ما كان طازجا، ولكن الكميات كانت كافية ومشبعة، وخصوصا في يد الإخوان، وما كان يفضل من طعام يوصي الإخوان بالمحافظة عليه نظيفا ليعطى لأهل هذه المنطقة -أهل الطور- الذين كانوا في غاية الفقر والأمية والجهل، حتى إنهم لا يعرفون بديهيات الدين، ولا أن نبيهم محمد، وكأنهم منسيون في هذا الجزء المهم من الوطن من دولتهم، التي لا تعرف عنهم كثيرا ولا قليلا.

من عيوب الإخوان
وهذا ما يعاب على الإخوان: أنهم إذا أحبوا شخصا رفعوه إلى السماء السابعة، وإذا كرهوه هبطوا به إلى الأرض السفلى. والمفروض في الإنسان المؤمن -ولا سيما الداعية- الوسطية والاعتدال في الحكم على الناس، في الرضا والغضب، والمحبة والعداوة، فإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا أحب لم يحابِ من يحب بالكذب، وإذا عادى لم تبعده عداوته عن الصدق.

نقد مهذب من الدكتور القرضاوي لجماعة الإخوان

وكنت أتمنى من الإخوان أن يكون لديهم تفكير (إستراتيجي) فيما يتصل بشبابهم، والانتفاع الأقصى بمواهبهم وقدراتهم الخاصة، ومساعدتهم في التوجه إلى أفضل ما ينفعهم وينفع دعوتهم وأمتهم.
كان يمكنهم أن يوجهوا مثلي إلى تدريب قلمه على الكتابة، بدل أن تستنفد كل طاقته في الخطاب الشفهي، ولم أكن أكتب إلا عناصر الموضوع الذي أتحدث فيه.
وكان يمكنهم أن يوجهوني إلى تعلم (اللغة الإنجليزية)، وأن يساعدوني ماديا عليها، وقد كان لدي قدرة لغوية غير عادية، ولدي وقت فراغ، خصوصا في عطلات الصيف، ولو تم هذا لكان فيه خير كثير، لي وللدعوة التي نذرت حياتي لخدمتها. ولكنهم لم يفعلوا، بل لم يخطر لهم ذلك ببال.
كان يمكنهم أن يرتبوا لقاءات منهجية لشباب الدعاة من الإخوان في الأقاليم بالأستاذ البنا، ليتعلموا منه، ويستمعوا إليه، ويلقوه وجها لوجه، في دروس معدة ومخططة، ولو في أثناء العُطَل، فيقبسوا من علم الأستاذ وثقافته، وحسن تجربته، ويشربوا من روحه.
وكذلك من يرسخهم الأستاذ البنا من الدعاة والعلماء الذين يراهم أهلا لتوجيه الدعاة.
ولكنهم للأسف لم يفعلوا، بل لم يفكروا مجرد تفكير في مثل ذلك، فقد كان الكثيرون تغيب عنهم النظرة الإستراتيجية أو الاستشرافية للمستقبل.
هذا ملاحظة ناقدة سريعة، ولكنها لا تمس جوهر الدعوة وسمو أهدافها، وعظم مجهودها في خدمة الدين والأمة بحال.


ذهبت وأنا يوسف القرضاوي وعدت وأنا كذلك


وذهبت معه إلى هذه البئر الذي سدته بعض الأوساخ والقاذورات، وكان لا بد من تسليكه، وقد وجدت هناك عددا من الإخوة كأنهم انتقوهم انتقاء، كلهم من الأطباء والمهندسين والمحامين، أذكر منهم الأخ أحمد حشاد "الدكتور العالم أحمد حشاد بعد ذلك".
وكنا نؤدي عملنا بهمة ونشاط، ونحن نضحك ونمزح، وماذا جرى؟ ذهبت وأنا يوسف القرضاوي، ورجعت وأنا يوسف القرضاوي!

عندما يتحول السجن إلى جامع
ومما أذكره في تلك الأيام: أني كنت يوما مع مجموعة كبيرة من الإخوة ننتظر الطبيب لنراجعه، في طابور طويل، وكنا نزلنا من زنازيننا قبل العصر، وأوشكت الشمس أن تغرب ولم يجئ دورنا، وخفنا على العصر أن يضيع، فقلت للإخوة: ننتهز هذه الفرصة ونصلي العصر في جماعة، وكنا ننتظر في أحد العنابر، وصليت إماما بالإخوة، ورآنا أحد العساكر القساة المشهورين بالجبروت وشدة الأذى، واسمه (دياب) فلما نظر إلينا من النافذة قال: "يا أولاد الكلب، أنتم قلبتموها جامع"!
وانتظرنا دياب حتى خرجنا من الصلاة، ويعتبر هذا فضلا منه، حيث لم يجبرنا على الخروج من الصلاة، ثم أمرنا نحن المصلين أن نصطف صفين، كل صف في مقابل الآخر، وكل معتقل في مواجهة معتقل آخر. وقال: سأصفِّر بصفارتي ليضرب كل معتقل صاحبه على وجهه، ثم أصفر أخرى، ليرد عليه من يقابله بمثلها.

صلاة لا تنسى
من الوقائع التي أذكرها ولا أنساها صلاة المغرب الوحيدة التي سمح لنا أن نؤديها كلنا جماعة في السجن الحربي، وكان باكورة ذلك أن نودي علينا لنقيم الجماعة في ساحة السجن، ودوى الأذان في ساحة السجن: الله أكبر، الله أكبر، وتجمع كل الإخوان من أدوار السجن الثلاثة، ونحن لا نكاد نصدق ما يجري: أحلم هذا أم حقيقة؟
وقدمني الإخوان لأؤمهم في صلاة المغرب،وتلوت القرآن بصوت مؤثر يكاد يهز أركان السجن الأربعة، قرأت في الركعتين الربع الأخير من سورة آل عمران: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) ومررت بالآيات التي تتضمن دعاء أولي الألباب (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
وسلمت وسلم الإخوان، ووجدت الدموع على الخدود، لا أدري أهي دموع الخشية، أم دموع الرحمة، أم دموع الفرحة؟
يا سبحان الله، كيف أصبحت ساحة السجن التي طالما كانت ساحة للتعذيب والتكدير، والتي عوقبنا فيها ليلة المحاكمة المشهودة، والتي كُم نصبت فيها "العروسة" (صليب خشبي يحتضنه المعذب موثوق الأيدي والأرجل، ويجلد عليه) لعقاب المتمردين، والتي جُمعت فيها المصاحف وحُرقت… وغيرها وغيرها، كيف تحولت إلى جامع كبير لمثل هذه الصلاة التاريخية؟! لا نقول إلا: سبحان مغير الأحوال.
ووقف جنود السجن مشدوهين متأثرين من هذه الصلاة وطلب إليّ الإخوان بعد الصلاة أن ألقي كلمة، فاعتذرت، فلم تكن عندي رغبة في الكلام بعد هذه الصلاة. فتقدم الأخ الأستاذ فريد عبد الخالق، فقال: إنها والله فرصة تُغتنم، وإنما لكل امرئ ما نوى. وألقى كلمة توجيهية، بعث بها الأمل في النفوس، وأن الفجر قريب، وأنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون.
ولكن هذه الصلاة الحلوة التي قرت بها الأعين، واطمأنت بها القلوب، لم تتكرر بعد ذلك؛ فكانت هي الأولى والأخيرة، ويبدو أنهم شاهدوا بأعينهم أثر هذه الصلاة الجماعية في تثبيت الأفئدة، وشد العزائم؛ فلم يسمحوا لنا بصلاة أخرى على غرارها.
ولما كانت هذه المحنة سببا في إحياء الجماعة ـ فكرا وشعورا ـ داخل مصر، فقد كانت سببا في إحياء الإخوان كذلك خارج مصر، وتحرك الإخوة هنا وهناك للمّ الشمل، وجمع المساعدات المالية، ومحاولة توصيلها لعائلات المعتقلين، رغم وعورة الطريق، وخطر المحاولة، ويقظة رجال المباحث، لأي طارق يطرق هذه البيوت المنكوبة، ولم ينس الإخوان ما حصل في محنة 1954 من محاكمات لما سموه (أجهزة التمويل) التي حكم على بعضهم فيها بعشر سنوات، وأكثر من ذلك.

مساعدة أسر المعتقلين من (الإخوان المسلمين)
تجاوب الإخوان مع نداء الواجب، ولم يتخلف عن ذلك إلا المهازيل الذين ترتعد فرائصهم فرقا من الطواغيت، وهم على بعد آلاف الأميال! وهؤلاء كانوا قليلا، أو أقل من القليل.
على أن المهم ليس مجرد جمع الأموال، فالباذلون من الإخوان كثير، والحمد لله، ولكن المهم هو توصيلها إلى الأسر المحتاجة والمستحقة للعون العاجل. وهي محفوفة بالمخاطر، مليئة بالأشواك.
وهذه الأسر ليست مائة ولا ألفا، بل هي ألوف مؤلفة في القاهرة والإسكندرية وسائر محافظات مصر في الصعيد والوجه البحري، حتى العريش والواحات كان منها معتقلون. إنها في حاجة إلى شبكة كبيرة ممن لا يبالون ما يصيبهم في سبيل الله، فإنهم إذا ضبطوا اتهموا بأنهم على صلة بدولة أجنبية، يقبضون منها الأموال، ويوظفونها في تخريب البلاد، وإفساد العباد.
ولم تمنع المخاطرة من الاتصال بالإخوان الذين نجوا من الاعتقال، الذين استطاعوا أن يوظفوا عددا من الأخوات المؤمنات الصادقات في هذا الأمر، فقمن بدورهن خير قيام، على قدر الإمكان.

لا للفاصوليا
ومن الطريف هنا أني حينما تزوجت قلت لامرأتي: هناك طعام عندي مخزون منه يكفيني لنصف قرن، فلا أريد أن تطبخيه أبدا؟ قالت: ما هو؟ قلت لها: الفاصوليا الناشفة.
وفعلا، نفذت ما اتفقنا عليه، ولا أحسب أننا طبخنا هذه الفاصولية أو دخلت بيتنا إلى يومنا هذا!

من شروط القرضاوي حفظه الله في بنت الحلال
والرابع: شرط غريب في نظر الكثيرين، وهو: أن يكون لها إخوة أشقاء من الذكور خاصة، وسر ذلك: أني وحيد أبي، فليس لي إخوة، ومعنى هذا: أن أولادي لن يكون لهم أعمام؛ فينبغي أن يكون لهم أخوال.

ماذا يقول القرضاوي عن دبلة الزواج؟
وفي اعتقادي أن هذه العادة "تلبيس الدبل" دخيلة على المسلمين، ولعلها مأخوذة عن النصارى؛ فعندهم خاتم الزواج، وله قدسية خاصة.
على أية حال جاريت أهل العروس في قضية الدبل هذه، ولكني اشترطت أن تكون من فضة لا من ذهب، كما يفعل أكثر الناس للأسف. وبعد مدة خلعت دبلتي الفضية وقلت لزوجتي: إني لا أجد لها أصلاً، ولا ينبغي لمثلي أن يقلد الناس في ذلك. فقبلت ذلك مني، وتفهمت الأمر، جزاها الله خيرا. فإن بعض النساء قد تتطير من ذلك، وتتوجس شرًّا من وراء خلع الدبلة.

زوجة د.القرضاوي تبثه ذكرياتها أثناء اعتقاله عقب عودته من قطر لأول مرة، وكان اعتقالا قصيرا مدته 50يوما


وكان شقيقي سامي يزورني ما بين الحين والحين، وسرعان ما جاء لزيارتي، وعرف بما كان، واتفق معي على أن يبلغ والدته أن حكومة قطر انتدبت الأستاذ يوسف في مهمة، وأني في حاجة إلى أخي أحمد يقيم معي حتى عودته. وانطلت عليها الحيلة، وصدقت المقولة، وأرسلت أحمد للعيش معي.
وتعلم أن جيراننا فضوليون، وكثيرًا ما سألوني: أين الأستاذ يوسف؟ لماذا لم يظهر منذ أول الإجازة؟ وأقول لهم: هو موجود، ولكنه مشغول في بعض مهام مكلف بها من قطر.
وقد جاء صديقك الشيخ محمد سيد طنطاوي (شيخ الأزهر الآن) يسأل عنك، وفتح جيراننا الباب ليروا ويسمعوا ماذا أقول له، فاضطررت أن أدخله، وأقول له الحقيقة في الداخل، حتى لا يعرف الجيران شيئًا. وقد كان الرجل كريمًا، وقال لي: أي مساعدة أو خدمة تطلبينها فأنا تحت أمرك. وشكرت له موقفه.. جزاه الله خيرًا.

الثورة: لا قوانين تحترم
ومن دلائل إهدار القانون ما يذكره الأستاذ جلال الحمامصي بقوله: وقد تكررت ظاهرة إغفال نشر بعض القوانين، أو التراخي في نشرها، أو إعطاء تاريخ للنشر مغاير للتاريخ الحقيقي، أو النشر في عدد رمزي من الوقائع المصرية لا تطبع منه إلا نسخ قليلة جدًّا.. وفي هذا مخاطرة بحقوق المواطنين، وإهدار لسيادة القانون، ومجافاة لروح بيان 30 مارس

مع عبد الناصر
والحق أن عبد الناصر لم يُعرَف بشرب الخمر، كما لم تعرف عنه علاقات نسائية محرمة، ولكنه لم يشتهر عنه إقامة الصلوات، التي فرضها الله على المسلمين خمس مرات في اليوم والليلة. لم يقل أحد ممن كتبوا عنه: إنه دخل عليه فوجده يقيم الصلاة، أو إنه دعا زواره يوما ليقيم معهم الصلاة، أو إنه في مجلس من المجالس التي كان يعقدها توقف مرة ليصلي وحده، أو مع زملائه.
ولم يحك مؤرخ عبد الناصر الملازم له ـ أعني الأستاذ هيكل ـ شيئا من ذلك، على كثرة ما حكى من تفصيلات حياته، في الحضر والسفر، والخلوة والجلوة.
حتى صلاة الجمعة لم يعرف أين كان يصليها عبد الناصر، ولقد حكم عبد الناصر ثمانية عشر عاما، كل سنة فيها 52 جمعة، فأين كان يصلي هذه الجمع؟.
لقد كان للملك فاروق ـ ولأبيه الملك فؤاد قبله ـ إمام خاص، تعينه وزارة الأوقاف، ليصلي به في مسجده في قصره، في الجمع خاصة، وفي الصلوات الأخرى في بعض الأوقات. فمن إمام عبد الناصر؟ وهل له مسجد في منزله في منشية البكري؟ أو بجوار منزله؟!!
هناك جمع معروفة ومعلنة في مناسبات معينة، أو لزيارة بعض الضيوف، رآه الناس فيها مصليا للجمعة، ولكن ما عدا ذلك لم يعرف أين صلى عبد الناصر نحو 900 جمعة أمر الله الناس إذا سمعوا النداء أن يستجيبوا لداعي الله، ويسعوا إلى ذكر الله ويذروا البيع.
كان الرئيس أنور السادات حريصا على أداء الشعائر، فلهذا قالوا عنه: الرئيس المؤمن.
وظهر هذا في سياسة كل منهما، فالسادات حين خاض معركة العاشر من رمضان 1393هـ ـ 6 أكتوبر 1973م، تجلى فيها أثر التدين في الضباط والجنود، وفي الشعارات، فقد كان شعار المعركة: الله أكبر. في حين كانت كلمة السر في حرب يونيو 1967 "برّ بحر جوّ". وللأسف لم ينتصروا في بر ولا بحر ولا جو.

في باكستان يبحث عن الجبن
بحثت عن "الجبنة" فلم أجد لها عند الباكستانيين أثرا، ولم أسمع لها عندهم خبرا؛ فهم لا يعرفون إلا اللبن الحليب، أو اللبن الرايب أو الزبادي، يتناولونه محلى بالسكر. وقلت لمرافقي الباكستاني: ألا تعرف باكستان "الجبن" أبدا؟ فقال: باكستان لا تعرف "الجبن" لكن تعرف الشجاعة! قلت له: إنما نبحث عن الجبن لنقضي عليه!

لا تشتر بصحبة سفير
بتنا بـكراتشي، واستقبلنا هناك سفير قطر في باكستان وقد صحبنا إلى بعض المحلات لنشتري منها بعض التحف والهدايا، وفعلاً اشترينا بعض الأشياء، ورآها معنا بعض الإخوة الباكستانيين، فقالوا: إنكم اشتريتموها بضعف ثمنها أو أكثر، ولو نزلتم (السوق) لوجدتموها رخيصة جدًّا، فتعلمنا أن لا نمشي مع (السفراء) في قضية الشراء؛ لأنهم يشترون من المحلات (الفاخرة) والأولى أن نذهب مع أهل البلد، فأهل مكة أدرى بشعابها وأسواقها.

القرضاوي هو الذي أنشأ أبيات الأنشودة الشهيرة (مسلمون)

لهذا كتبت نشيد (مسلمون)؛ لأؤكد فيه معنى (الانتماء) الإسلامي، والولاء لأمة الإسلام، والاعتزاز بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، وأتم به النعمة علينا.
قلت في هذا النشيد:
مسلمون، مسلمون، مسلـمونْ حيث كان الحق والعدل نكونْ
نرتضي الموت ونأبى أن نهونْ في سبيل الله ما أحلى المنونْ

فقه المقاصد
لكن عيب الجماعات الكبيرة أن فيها أناسا تغلب عليهم النزعة "الظاهرية" في قراءة الوقائع، وفي تحليل الأمور؛ فيحكمون على الأمور بظواهرها القريبة، دون النظر إلى آفاقها البعيدة، لا يعرفون ما يسميه الفقهاء فقه المقاصد، ولا فقه المآلات. هذا الفقه الذي جعل الرسول يبقي على المنافقين وهم يكيدون له ويمكرون به. وقد أشار عليه المخلصون من أصحابه بقتلهم والاستراحة من شرهم. فكان رده: "أخشى أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".

خاطرة عن الظالمين
ولهذا حذر السلف من التعاون مع الظالمين أو الاقتراب منهم، والركون إليهم، حتى قال الحسن: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يُعصى الله في أرضه.
ولهذا كان مما أزعجنا في لقاء صلاح نصر: عرضه علينا أن نتعاون معهم، ونحن لا نشاركهم في الأهداف ولا في الوسائل. فهم لا يتورعون عن استخدام وسائل غير أخلاقية وإن كان الهدف نفسه مشروعًا.
واتفقنا على أن نتهرب من لقاء جويفل إذا اتصل بنا، ولو ترتب على ذلك ألا ننزل إلى مصر في المستقبل، ولا نتورط في أن نحطب في حبل هؤلاء.

إزالة لبس منتشر بخصوص السادات والصحوة
ومن هنا لا أجد معنى للذين يزعمون أن الصحوة الإسلامية إنما نشأت بفعل فاعل، وصنع صانع، وأن الذي صنعها هو السادات الذي أرخى العنان للإسلاميين ليضرب بهم الشيوعيين.
وقد رددنا على هذا الكلام المتهافت في كتابنا "الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه" وبيّنا ما فيه من وهن وخلل، وأنه عارٍ عن كل حجة. وإن صحوة الشعوب لا يصنعها غير الشعوب، ولو كان السادات صانعها لأمكنه أن يلغيها عندما رأى خطرها عليه.

مع مبارك
سُئل الرئيس حسني مبارك، عندما كان نائبا للرئيس السادات في 27-9-1975، سأله بعض الصحفيين: ماذا أخذنا من دروس 67 في الإعداد لقتال 6 أكتوبر؟ قال: باختصار.. في 67.. لا تخطيط.. لا إعداد.. لا تدريب.. لا تنسيق بين العمل السياسي، والعسكري. اهـ.

حضارتنا
وكان الرأي الذي تبنيته وأعلنته: أن حضارتنا عربية وإسلامية معا، فهي عربية بحكم أن آثارها مكتوبة باللغة العربية، وأن أهم عنصر في تأسيسها وإقامتها كان هو العنصر العربي، وهي كذلك حضارة إسلامية، بحكم الدوافع والبواعث والفلسفة التي دفعت إلى إنشائها وإعلائها، فهي بواعث إسلامية لأهداف إسلامية، منبثقة عن تصور إسلامي ونظرة إسلامية للإنسان والعالم والدين والدنيا.

الشيخ في المدينة المنورة يخشى العقارب
وكان الذين حجوا قبلنا يخوفوننا من شيء واحد في بيوت المدينة، هو: العقارب! وخصوصا في حر الصيف الذي يهيج هذه الحشرات. وأنا شخصيا لا أدعي الشجاعة، فأنا أخاف من هذه المخلوقات التي لا نعرفها في الوجه البحري من مصر، والتي يشبهون بها بعض الناس من المؤذين لخلق الله، فيقولون: إنه كالعقرب، يلدغ ويختفي.
ولهذا استأجرت الحجرة، ولم أكن أنام بها إلا قليلا، خوفا من حمة العقرب، وكثيرا ما كنت أذهب إلى الشارع، أو إلى المسجد أول ما يفتح.

لست متساهلا (بين القرضاوي والشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية)
قلت: يا فضيلة الشيخ، أنا لست متساهلا في أمر تارك الصلاة، وقد ذكرت حكمه في كتابي "العبادة في الإسلام" ولكني أتحرى وأتثبت في قضية التكفير.
وأنا مع جمهور الأئمة (أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم) في تفسيق تارك الصلاة لا تكفيره، إذا كان تركها على سبيل الكسل، أما من تركها منكرا لفرضيتها أو مستخفا بأمرها؛ فهو كافر ولا شك.
والأحاديث التي تكفر تارك الصلاة مؤوّلة، كما أُوِّل غيرها؛ حتى لا تتناقض مع أحاديث وآيات أخرى، حتى إن ابن حزم -وهو رجل ظاهري كما تعرف فضيلتك- لا يكفِّر تارك الصلاة، وابن قدامة الحنبلي يقول: لم ينقل في بلد من بلدان المسلمين أنهم تركوا صلاة الجنازة على تارك للصلاة، أو لم يدفنوه في مقابر المسلمين.
على أن الحنابلة أنفسهم لا يحكمون عليه بالكفر إلا بعد أن يدعوه الإمام أو القاضي إلى الصلاة، فيرفض ويأبى.
قال الشيخ: إنك تقول: إن المطر ينزل من السحاب، وليس من السماء، والقرآن يخبرنا أن الله أنزل من السماء ماء. ونقل الشيخ كلاما عن ابن القيم في بعض كتبه حول نزول المطر من السماء.
قلت للشيخ: يا مولانا، ابن القيم على أعيننا ورؤوسنا، وهو حجة في الشرعيات، وليس حجة في العلوم الطبيعية والكونية، وكل علم يؤخذ من أهله، كما قال تعالى: "فاسأل به خبيرا" [الفرقان: 59]، "ولا ينبئك مثل خبير" [فاطر: 14].
والعلوم الطبيعية التي اقتبسها الغربيون منا ثم تفوقوا فيها اليوم -كما نرى- حتى أمسى الإنسان يطير في الهواء، ويغوص في الماء.. هذه العلوم تقول: إن المطر ينزل من السحاب، والسحاب يتكوّن من البخار الذي يتكون من ماء البحار والمحيطات، حتى إذا وصل إلى درجة معينة من البرودة سقط مطرا.
والقرآن يشير إلى أن أصل الماء كله من الأرض، كما قال تعالى: "والأرض بعد ذلك دحاها * أخرج منها ماءها ومرعاها" [النازعات: 30-31].
والعرب في شعرهم الجاهلي أشاروا إلى هذه الحقيقة الطبيعية، فقال شاعرهم أبو ذؤيب الهُذلي في وصف عن السحب: شربن بماء البحر ثم ترفّعت متى لجج خضر لهن نئيج
والنئيج: الصوت المرتفع، وهو صوت أمواج البحر وهي تتلاطم.
وقال آخر في موقفه من ممدوحه: كالبحر يمطره السحاب وما له فضل عليه لأنه من مائه!
وهذه حقيقة أصبحنا نشاهدها بأعيننا حين نركب الطائرات؛ فتعلو بنا فوق السحاب، فربما تكون الأرض ممطرة، ونحن نشاهد الشمس ساطعة مشرقة فوق السحاب، فإذا أردنا الهبوط اخترقنا السحاب لننزل إلى الأرض.
وأما قوله تعالى: "وأنزلنا من السماء ماء طهورا" [الفرقان: 48] وأمثالها من الآيات فلها تأويلان:
أحدهما: أن معنى من السماء: من جهة السماء.
وثانيهما: أن السماء يُقصَد بها السحاب، بناء على أن السماء عند العرب: كل ما علاك، وفيه جاء قوله تعالى: "فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ" [الحج: 15]، فالمراد بالسماء هنا: السقف.
وسكت الشيخ رحمه الله، ويبدو لي أنه لم يقتنع بما قلته. فهذه أفكار جديدة تصطدم بما استقر عنده من معلومات راسخة تلقاها عن مشايخه الثقات، وعن كتبه ومصادره التي يعتز بها.

أول مولود ذكر للشيخ حفظه الله
في منتصف شهر أكتوبر من عام 1967م ولد ابني محمد الذكر الأكبر من أبنائي، وكان لولادته فرحة عارمة، لا في قلب أسرتنا فقط، ولكن في الدوحة كلها؛ فقد كان الناس مهمومين بأمري، ويدعون لي أن يرزقني الله بإخوة لبناتي الأربع، ولقد استجاب الله الدعاء.

منحة أرض ومنزل من الحكومة القطرية
قابلت الأمير، وقلت له: تعلم أني أحرم الفوائد، فأرجو أن تعفيني من هذا الأمر، قال: سآمر البنك أن لا يطالبك بأية فوائد.
وكانت هذه المنحة تأكيدًا لجنسيتي القطرية التي اكتسبتها بجوازي القطري.

القرضاوي والشيعي المرموق موسى الصدر
وكان مما تذاكرنا فيه الشهادة الثالثة في الأذان: (وأشهد أن عليا أمير المؤمنين ولي الله) فمن المؤكد أن هذه الشهادة لم تكن من جملة الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا على عهد الخلفاء الراشدين، حتى في عهد علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه.
وقد أقرني على ذلك، وقال: إن هذا هو المعروف عند علمائنا، ولكن هناك أمور تصطدم بعواطف العامة، وتحتاج معالجتها إلى الرفق والأناة والحكمة.
ومما تناقشنا فيه: (الحصاة) التي يضعها الشيعة في قبلتهم عند كل صلاة، ويتحرون السجود عليها، ويشيع أنها من (طينة كربلاء). وفي هذا رائحة تقديس للحجارة والحصى، وهو من رشحات الوثنية التي يرفضها الإسلام، ويسد الذرائع إليها.
وكان من جوابه: أن تحري وجود هذه الحصاة أو الطوبة ونحوها في موضع السجود مبنيّ على حكم شرعي عند الشيعة من أحكام الصلاة، وهو أن السجود لا يجوز إلا أن يكون على الأرض أو شيء من جنسها، فلا يجوز السجود على منسوج كالسجاجيد، أو ملبوس كالثياب، ونظرا لأن معظم المساجد اليوم مفروشة بالسجاد أو الموكيت ونحوها، يجتهد الشيعة في حمل الحصاة معهم، ليسجدوا عليها، وليس من اللازم أن تكون من كربلاء ولا من غيرها.

القرضاوي في لبنان
وبقيت وحدي في لبنان، متنقلا بين جبالها في الشمال والجنوب؛ فقد ذهبت فترة إلى منطقة "الضِّنّية" بالقرب من طرابلس، ولكن للأسف رأيت المناطق الإسلامية غير معنيّ بها، مثل المناطق المسيحية والدرزية.

كتاب فقه الزكاة
وأثنى عليه الشيخ علي الطنطاوي في برنامجه في إذاعة السعودية، وفي برنامجه التليفزيوني "على مائدة الإفطار" في رمضان أكثر من مرة.

القرضاوي والقذافي
وقد أثار القذافي موضوعات شتى، كان من أهمها كلام حول أمرين خطيرين: "السنة" وإن لم يفصح تمامًا عن أفكاره حولها، ولكن أوحت عباراته وتعليقاته، بأن لديه شكوكًا وشبهات حول ثبوت السنة، وحول حجيتها.
والثاني حول "الردة" ولماذا يقتل المرتد؟ وتكلم العلماء يدافعون عن حد الردة، وعقوبة المرتد، وأثار الصادق نيهوم (احد مرافقي القذافي وكان علمانيا) سؤالين: هل الردة موقف عقلي أو هي جريمة ضد الجماعة؟ وأجاب هو عن سؤاله، فقال: إن الردة موقف عقلي، إنسان اقتنع بدين، ثم تغير فكره وتحول اقتناعه، فلم يَعُد يؤمن به.. فلماذا يعاقب؟
قلت له: إن الردة ليست مجرد موقف عقلي، إنها تغيير للولاء من أمة إلى أخرى، هل يباح للإنسان أن يغير ولاءه لوطنه إلى أعداء وطنه بدعوى أنه حر في ولائه؟ إن أحدًا لا يقبل منه ذلك، ويعتبر كل الناس ذلك منه خيانة وطنية، يعاقب عليها بالإعدام، والردة هي تغيير الولاء من أمة الإسلام إلى أعدائها؛ فهو بردته أصبح عدوًّا لأمته، مواليًا لأعدائها.
وتطرق الحديث إلى العلماء ودور العلماء، وعزلة العلماء عن المشاركة في توجيه المجتمع، وتحدث الإخوة المشايخ: أن العلماء لا يتأخرون عن القيام بواجبهم، إذا فتح الباب لهم، وأتيح لهم أن يبينوا للناس شرع الله.
وقلت في ذلك: إن العلماء مستعدون أن يكونوا خدمًا لمن يخدم الشريعة.
وهنا قال الشيخ أبو زهرة: إننا لسنا خدمًا لأحد كائنًا من كان.
قلت: يا مولانا، إننا خدم لمن يخدم الشريعة؛ فخدمتنا في الحقيقة إنما هي للشريعة.
قال: نحن سادة ولسنا خدمًا!

أمر ملكي برقم أ/233 في 29/9/1395هـ بتعيين د.القرضاوي عضوا بالمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية -بالمدينة المنورة- لمدة ثلاث سنوات
ومع الخطاب الأمر الملكي الصادر من الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود بتعيين ثلاثة عشرة عضوا، بعضهم بشخصه، مثل الشيخ الندوي، والشيخ الغزالي، والشيخ الألباني، والشيخ ابن الخوجة، والشيخ غوشة، ود.كامل الباقر، ود.أحمد الكبيسي، والشيخ صالح الحصين، والفقير إليه تعالى، وبعضهم لوصفه، مثل مدير جامعة الأزهر، ومدير جامعة الرياض، ومدير جامعة الملك عبد العزيز.

موقف مع الشيخ القرضاوي في الظهران –شرق السعودية
فنظر المسئول عن الجوازات في الجواز الذي معي، وهو جواز قطري، وقال: أين جوازك الأصلي؟
قلت له: هذا جوازي الأصلي!
قال: ألست أنت الشيخ يوسف القرضاوي الذي نشاهده في التلفزيون ونترقب برنامجه بشغف؟قلت: بلى، أنا هو.
قال: ألست مصريا؟قلت: أنا الآن قطري.
قال: ولكنك مصري، ونريد جوازك الأصلي. قلت: يا أخي، فلأكن مصريا أو أستراليا أو من أي جنس كان!! أنت تتعامل مع الأوراق. أمامك ورقة رسمية صادرة من قطر، ومن صاحب العظمة حاكم قطر. ودعك من أنك تعرفني أحمل جنسية أخرى من قبل. وهذا جواز زرت به بلاد العالم كلها، ولم يوقفني أحد كما أوقفتني أنت، لأنك تعرفني وتشاهدني في التلفزيون!
قال: وهل دخلت به المملكة من قبل؟ توقفت قليلا، ثم تذكرت، وقلت: نعم، دخلت به المملكة من قبل، ومن هذا المطار نفسه! وفعلا نظروا في الجواز فوجدوا فيه ختم دخول المملكة من الظهران. وقال الرجل: أنا آسف. أنا والله من المعجبين بك، والمتابعين لبرنامجك.
قلت له: متابعتك هذه ضرتني ولم تنفعني، وكادت تعطلني بلا مبرر، ولو كنت شخصا عاديا لمر بسلام.
وكانت الطائرة قد كادت تطير، وتدعني، ولكن الله سلَّم.

عن الشيخ الحصين رئيس مركز الحوار الوطني السعودي
وكان يدرس معي عدد من أبناء البلاد العربية النابهين المتميزين، بعضهم كانوا مبعوثين من بلدانهم، منهم:الشاب المتألق صالح الحصين في قسم القانون، وهو مبعوث من المملكة السعودية (معالي الأستاذ صالح الحصين بعد ذلك). وكان الدكتور السنهوري معنيًّا به، راجيًا أن يكون له شأن في المملكة، وقد كان.

Misrمصر
01-07-2004, 02:00 AM
أخيرا،
فإن هذه المذكرات الممتعة والشيقة بها من الفوائد الجمّة ما لا يحصى كثرة، وأترك لكل قارئ استخلاص العبر والفوائد التي كشفت عن جانب من حياة أمتنا الإسلامية في فترة من أشد فترات التاريخ الحديث سوادا، نسأل الله العافية من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

ومطلوب من الإخوة والأخوات أن يفيدونا بملاحظاتهم واستفاداتهم، فمثل هذه المذكرات جدير بأن نستفيد مما ورد فيها من أحداث ووقائع ومواقف (والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها).

ملحوظة: ارتأيت تنزيل الموضوع هنا لأنه أقرب إلى الفوائد وثمار الكتب أقرب منه إلى موضوع ديني إسلامي بحت، وإن رأى المشرفون نقله إلى سوالف إسلامية فلا حرج.