PDA

View Full Version : قراءة في أوراق أمريكية عن المملكة


غير شكل
09-07-2004, 07:52 PM
تعود السعودية مجددا لواجهة الأحداث. فكلما وقع تفجير أو صدر بيان للقاعدة أو اختطفت رهينة، تقوم وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الغربية بتلاوة قائمة من التحذيرات مما يحدث في المملكة وتطرح تساؤلات روتينية عمن يحكم المملكة الآن ومصير حكم آل سعود، وتعيد قراءة الشراكة المضطربة بين "السوبر باور" وبين آل سعود، حتى إن بعضا منها راح يفتش في تاريخ المملكة السابق عما يمكنه أن يفسر ما يحدث الآن. والغرب مهووس بمحاولة الإجابة عن سؤال واحد: هل ستظل منابع النفط آمنة؟ وهل سيظل الغرب قادرا علي الوصول إليها، مثلما ظل الحال لمدة ستين عاما هي عمر العلاقة التي ربطت البيت السعودي الحاكم بالغرب عموما والولايات المتحدة علي وجه الخصوص، إذا تغير حكم آل سعود وأتي من هم أسوأ منهم؟. وبلغ الأمر أن طرح أحد الكتاب الأمريكيين –مقتدر خان- سؤالا يتردد بقوة في الدوائر الأمريكية وهو "ما إذا كانت القاعدة قد اخترقت العائلة المالكة؟ وعما إذا كانت قد حصلت علي دعم لوجيستي ومادي ومخابراتي من مصادر سعودية رسمية؟".

وقد أدى حادث اختطاف الأمريكي بول جونسون وقتله علي أيدي أفرد ينتمون إلى القاعدة إلى إعادة طرح هذه الأسئلة مجددا، وهو طرح في أغلب الأحوال لا يسعى للبحث عن إجابة بقدر ما يحاول إثارة مخاوف مما يحدث في "مملكة الشر" على حد تسمية أحد الكتاب اليمنيين المتطرفين. وثمة سيل متدفق من الكتابات علي وجه الخصوص تتناول بالنقد والتحليل الوضع في المملكة، البعض منها لا يخلو من سطحية تعيد إنتاج الكثير من الصور النمطية ولا تمثل عملا أكاديميا جادا، بينما القليل جدا منها يحاول البحث عن إجابات لأسئلة تشغل الغرب.
أحد أهم الدراسات التي صدرت في مايو الماضي من قبل مركز الدراسات الإستراتيجية والدوليةCentre for Strategic and International Studies (CSIS) وهي عبارة عن مجموعة دراسات أشرف عليها رئيس المركز أنطوني كوردسمان وأرلي بيرك في إطار مشروع عرف باسم "السعودية تتدخل القرن الحادي والعشرين". ويهدف المشروع –على حد تعريف كوردسمان له- إلى "مراجعة التيارات التي تسود المملكة والتي من شأنها أن تحدد مستقبل المملكة وتأثيرات ذلك علي استقرار منطقة الخليج العربي"، ويتم هذا المشروع بالتنسيق مع ما يعرف بـ "مشروع الأمن والطاقة في الشرق الأوسط"، وكلا المشروعين يحاولان النظر في العوامل الرئيسية التي من شأنها التأثير علي الوضع الإستراتيجي والسياسي والاقتصادي والعسكري للملكة، ويرصد كذلك التغييرات الحادثة في الاقتصاد السعودي وصناعة النفط والمشاكل التي تواجه السعودية والعوامل الديموغرافية والاجتماعية في المملكة. كما تشتمل الدراسة أيضا علي تحليل متكامل يقع في 41 صفحة حول الجهاز الأمني السعودي والإنفاقات الدفاعية وواردات السلاح وتحديث الجيش السعودي والجاهزية والاستعداد للقتال.

أما أكثر نقاط المشروع أهمية فتلك التي تتناول المستقبل الإستراتيجي للعائلة المالكة، بينما الهم الرئيس للدراسة، كما يقول كوردسمان، فهو بالأساس رصد ودراسة تأثيرات التغيير داخل المملكة على المدى المتوسط والطويل، وكذا أكثر التغييرات المتوقعة فيما يتعلق بطبيعة سلوك العائلة المالكة الحالية، وتأثيرات هذا الأمر على استقرار الخليج وعلى استقرار –وهو الأهم- وضع الولايات المتحدة في الخليج.
يقول كوردسمان إن البحث مازال في طور التطوير بمعنى أن ثمة تغييرات تطرأ، حسبما ترد المعلومات من صانعي القرار وحسبما يصلهم من تقارير أخرى.

أهم قسمين بالمشروع هو الأول بعنوان "توقعات الاستقرار في المملكة" والثاني بعنوان "الأمن الداخلي السعودي: التحديات والتطورات".
تتصدر الدراسة عبارة تحذيرية للمؤلفين من ضرورة "أن نكون حريصين على ألا نبالغ في ردات الفعل تجاه ما يحدث في المملكة علي صعيدي الإرهاب والاقتصاد"، فالمملكة كما يقول كوردسمان لديها مشاكل قصيرة وطويلة الأمد لابد من مواجهتها وعليها أن تحارب الإرهاب ولكن ليس ثمة تهديد للنظام الحالي. وترصد الدراسة تأثيرات ما يحدث في السعودية على السياسات الغربية وبالأخص الأمريكية، لذا تنصح الإدارة بضرورة مساندة "الإصلاح التدريجي" داخل السعودية الذي هو من وجهة نظر الدراسة "سياسة ذات فعالية"، وهو أيضا منهج لو اتبع، فمن شأنه أن يؤمن أفضل فرص الاستقرار بالمملكة والخليج ولمصدري الطاقة. ويعاود المؤلفان التأكيد علي أنه بإمكان الولايات المتحدة أن تنجز الكثير لو أنها شجعت الإصلاح الداخلي ودعمت فريق الإصلاحيين بدلا من أن تحاول أن تفرض حلولها. ويعتبر المؤلفان أنه مازال أمام السعودية الكثير لعمله لمحاربة الإرهاب وأن المملكة تواجه ضغوطات متوسطة وطويلة الأمد من الناحية الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية مما يجعل عملية التنوع الاقتصادي والإصلاح أمرين هامين لاستقرار المملكة، وهذا الأمر لا يتطلب مساندة نشطة من الغرب فحسب، وإنما تشير الدراسة إلي ضرورة تدفق الاستثمارات الأجنبية التي يمكن أن تأتي من القطاع الخاص، ويحذر المؤلفان بأنه إذا لم تحصل السعودية علي الدعم الغربي وتدفق الاستثمارات الغربية، فإن عدم استقرار النظام السعودي سيكون هو النتيجة التي نتنبأ بها.

وتستعرض الدراسة بشكل تفصيلي كيف أن المملكة طورت جهودها لمكافحة "الإرهاب" وزاد تعاونها مع الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتبمر وذلك بعد أن أصبحت هي ذاتها هدفا لـ"الإرهاب" منذ مايو 2003 ، وكذا تستعرض ما قام به النظام السعودي لمواجهة غسيل الأموال وقضية المؤسسات الخيرية. وتكشف الدراسة عن أنه في أغسطس 2003 أسست السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة فريق عمل مشترك يهدف لمواجهة ما سمي بـ "الإرهاب المصرفي" وكان ذلك بناء على مبادرة من ولي العهد الأمير عبد الله.

وبعد أن يقدم رصد "كرونولوجي" مفصل لكل أنشطة البوليس السعودي من اعتقالات ومداهمات تمت خلال السنة الماضية، يشير التقرير إلي أن هذه المعلومات رغم كونها مستقاة بالأساس من مصادر رسمية سعودية إلا أنه تم التحقق من صحتها من خلال مقارنتها مع أقوال خبراء أمريكيين. ويرى التقرير أن الحكومة السعودية قد قللت من مخاطر تسلل الأسلحة والمتفجرات التي تدخل البلاد في كثير من تقاريرها الرسمية، إلا أنه يعترف بأن المسئولين السعوديين عادة ما يؤثرون الصراحة في الجلسات الخاصة، وأنه في واقع الأمر فإن الحكومة السعودية أكثر نشاطا ضد الجماعات الراديكالية بشكل أكبر مما تريد الاعتراف به في العلن، وأنه رغم قدرتها علي القضاء على العديد من الكوادر "الإرهابية" ومراكز تدريبهم إلا أنها لم تقض على الخطر نهائيا.

إن المملكة، كما يقول التقرير، مازال أمامها عدة سنوات على الأقل قبل أن تستطيع أن تسيطر علي الخطر "الإرهابي"، وإلى جانب الحرب على الإرهاب، فإن السعودية تواجه تهديدا يصفه التقرير بأنه "منخفض المستوى" وسيمتد عبر الأجيال وسيستمر في صورة ما عبر السنوات العشر القادمة. ويحث المؤلفان المملكة علي "ضرورة التحرك بسرعة وأن تحظى بالتأييد الشعبي والإصلاحات التعليمية والاجتماعية اللازمة لمواجهة المشاكل التي أدت لوجود هذه التهديدات بالأساس، وهو أمر سوف يستغرق على الأقل 5 سنوات لمواجهته، وهناك احتمال أن تكون هناك هجمات إرهابية ناجحة. وتشدد الدراسة على أن عملية التغيير التي تبنتها المملكة والتي تعمل علي الاحتواء بدلا من الفعل المباشر من شأنها أن تثير حنق أمريكا.

ومن النقاط المهمة التي تثيرها الدراسة هو النتيجة التي خلصت إليها وهي أنه ليس ثمة تأييد اجتماعي واسع لما أسمته بالتطرف العنيف في أي مكان في المملكة، واعتمدت في هذا على قياسات الرأي العام التي أثبتت أن الشباب السعودي أكثر اهتماما بالتعليم والوظائف منه بالعنف، وأن أكثر الموضوعات أهمية هو الصراع العربي –الإسرائيلي وليس الدين. وتشبه الدراسة هذا الخطر الذي تواجهه المملكة بأنه "مثل خطر الجماعات الإسلامية التي واجهتها مصر، أكثر منه خطرا يسعى لقلب نظام الحكم".

ومن النقاط المهم الإشارة إليها هو كيف تقيم الدراسة هذه التهديدات، وهي تعتبر أنه بينما تشكل التهديدات تحذيرا كبيرا، إلا أن رسالتها الأساسية هي أن الوسائل الأمنية الجيدة والإصلاحات مطلوبة أكثر من كونها علامة على أن النظام السعودي في خطر.

ثم ترصد الدراسة ما أسمته بخمس مشكلات كبرى لابد وأن تواجهها كل من أمريكا والمملكة وهي كالتالي:

1- تحسين مستوى التعاون في مجال مكافحة "الإرهاب"، وتعتبر الدراسة أن المملكة لم تبذل جهودا كافية لتحقيق التقدم وعلى الولايات المتحدة ممارسة ضغوط هادئة لتحقيق الإصلاح ولأن تعيد النظر في نهجها فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية التي تتبناها خارج حدود المملكة.

2- التوتر الشعبي بين البلدين وصل إلى نقطة يتزايد معها العداء السعودي ضد الولايات المتحدة بما يغذي "الإرهاب" والتطرف، ولذا لابد وأن تمد الولايات المتحدة يد المساعدة والعون للمعتدلين في العالم العربي والإسلامي.

3- الصراع العربي الإسرائيلي من شأنه أن يخلق توترا أكبر، وهذا أمر يجب أن يتعايش معه كلا البلدين

4- ضرورة زيادة التعاون بين القطاع الخاص الأمريكي والسعودي في مجال مكافحة "الإرهاب".

5- تقر الدراسة بأن السعودية مازالت تنفق مابين 18-24 بليون دولار على التسلح، وأن التقديرات تشير إلي أن السعودية اشترت بما قيمته 6,6 بليون دولار أسلحة من الولايات المتحدة في الفترة من 1995-1998، ووقعت اتفاقيات شراء أسلحة بما قيمته 4,1 بليون دولار، وإذا كانت هذه الأرقام صحيحة –يقول كوردسمان وبيرك-، فإنها أرقام كبيرة جدا وهي تشير إلى أن الجهود الأمنية السعودية ذات تكلفة عالية جدا حتى إنها لتشكل خطرا على الأمن السعودي، ويتطلب الأمر أن تحث الولايات المتحدة السعودية على أن تركز جهودها على الأمن الداخلي (يتبع).

غير شكل
09-07-2004, 07:54 PM
هنا تأتي أهمية الجزء الثاني من الدراسة والتي قام بها كوردسمان مع نواف عبيد أحد الباحثين السعوديين وتتناول بالتحليل التفصيلي والتشريحي الجهاز الأمني السعودي وقيادته ومشاكل الأمن الداخلي السعودي وتحدياته قبل 11-9 وبعده، وتناول كذلك دور وزارة الداخلية وكذا الأجهزة الأمنية و"البوليس الديني" ثم تناول قضية الإصلاح الداخلي. وتخلص الدراسة لنتيجة مؤداها أن الجهاز الأمني السعودي يمر بتغييرات كبيرة، ذلك أن السعودية لم تعد تواجه تهديدا من العراق ولكن عليها أن تتعامل مع ما أسمته الدراسة "الخطر الذي تمثله قوة طهران النووية"، وكيف أن هذا الأمر يفرض خيارات إستراتيجية صعبة علي المملكة، وتعتبر الدراسة أن أكثر التهديدات إلحاحا أمام الجهاز الأمني السعودية داخليا وخارجيا يتمثل فيما وصفته الدراسة بـ"التطرف والإرهاب الإسلامي" المرتبط بالقاعدة وتحذر الدراسة من أن "الشرعية الدينية للملكة يتم تحديها من قبل هؤلاء".

يرى المؤلفان بأن طبيعة عملية الإصلاح التي تقوم بها المملكة دلالة على إدراك العائلة المالكة و"التكنوقراطيين" السعوديين بأن "الثروة النفطية" إلى انحسار وأنه لابد من تنويع مصادر الاقتصاد لخلق وظائف. إن أجهزة الأمن السعودية بدأت بالكاد تستجيب لهذه التغييرات وهي بدأت تحاول التكيف مع فكرة أن الخطر العراقي قد زال، ولكن خططها –تقول الدراسة- مازالت لم تتبلور بعد.

إن أحد مفاتيح الأمن في السعودية –وفق وجهة نظر الباحثين– يتمثل في إعادة البناء الحالي للجهاز الأمني السعودي. وتطرح الدراسة تساؤلا حول عامل السرعة التي يمكن من خلاله للسعودية أن تحقق التغيير. . وتعتبر الدراسة أنه رغم أن السعودية حققت تقدما في تأسيس قوات عسكرية فعالة وحديثة إلا أنها مازالت تواجه مشاكل في القيادة والتنظيم ولديها مشاكل حقيقية فيما يتعلق بعدد العاملين والإدارة.

وتقول إن القوات العسكرية السعودية تحت إمرة الملك فهد، بينما يسيطر ولي العهد وابنه الأمير متعب نائب قائد الحرس الوطني إلا أن القرارات المؤثرة بيد وزير الدفاع.

ووجهت الدراسة انتقادات عنيفة للسعودية سيما الجهازين الدبلوماسي والمخابراتي بسبب ما أسمته "الفشل في إدراك السرعة والكيفية التي تطور بها خطر تنظيم القاعدة". ثم ترصد الدراسة أيضا الفشل الذي منيت به أجهزة الأمن السعودي في رصد إلى أي درجة أصبحت المخابرات السعودية والأموال السعودية متورطة في دعم القاعدة ( ولكن هذه النتيجة تتعارض مع ما توصل إليه تقرير لجنة 11-9 الذي صدر الأسبوع الماضي والذي يبرئ المملكة وأجهزتها الرسمية من أن تكون قد تورطت في تمويل القاعدة).

وتتبنى الدراسة لهجة أكثر تشددا حينما توجه الاتهام للحكومة السعودية لكونها احتملت أشكالا مغالية من "الوهابية"، ويضيف "لقد كانت الحكومة السعودية حريصة على أن ترصد فقط نشاطات الجماعات الإسلامية التي تنتقد الحكومة السعودية والعائلة المالكة بشكل مباشر، ولكنها فشلت في رصد تدفق المال للجماعات خارج المملكة وهذا الفشل أنعكس سلبا على الأمن الداخلي".

إن إحدى المشاكل الرئيسية التي يراها التقرير هو أن المخابرات السعودية اعتمدت بشكل مكثف علي المخابرات البشرية humanit وكانت ضعيف في التعامل مع النواحي المصرفية ونواحي الأمن الداخلي، مما يفسر لماذا فشلت في تعقب ورصد تدفق الأموال للمنظمات الدينية التي تمول الجماعات "الإرهابية".

ترى الدراسة بأن الفساد هو مشكلة حقيقية وأن المشاكل مع إيران لها علاقة بما يحدث في المنطقة الشرقية، ويقول التقرير إن أحد الأخطار التي تقلصت هي تلك التي واجهها الجهاز الأمني السعودي فيما يتعلق بـ "عملاء المخابرات الإيرانية" وتأييدهم للمتطرفين الشيعة بعد سقوط حكم الشاه 1979 ، وكيف أن إيران دربت بعضا من السعوديين الشيعة لشن حرب وعمليات في لبنان وإيران، وتشير الدراسة بأن المسئولين السعوديين يرون بأن إيران مازالت تعمل على أن يكون لها وجود مخابراتي داخل المملكة، بل ومازالت تزود بعض السعوديين الشيعة بتدريب عسكري وديني وسياسي.

وخصصت الدراسة جزءا لتقييم أداء الأمير نايف وزير الداخلية، وتقول بأن هناك نظريتين داخل المملكة، فهناك مدرسة تراه بأنه شخص محافظ تمكن من درء المخاطر الأمنية وإن كانت استجابته بطيئة تجاه النمو المتزايد لحركات التطرف الإسلامي خارج المملكة، وأنه رأى بأن الضغوط الأمريكية للقضاء على هذه الأنشطة هو أمر مبالغ فيه وهي أيضا ضغوط من إسرائيل. أما النظرية الأخرى فترى بأنه هو العصب الرئيسي بالنسبة لشبكة الأمن المعقدة في السعودية وبالتالي فهو لاعب أساس في حرب السعودية ضد (الإرهاب) بل وتعتبره هذه المدرسة مسئولا عن النجاحات التي تحققت.

أما وجهة النظر الأكثر تطرفا بين منظري الإدراة الحالية فتلك التي قدم لها دانييل بايبس في مقال له نشر على موقعه الأسبوع الماضي بعنوان "التعامل مع الشر الأصغر"، فبعد أن استعرض تاريخ المملكة يصل إلى نتيجة مؤداها أن الغرب في وضع لا يحسد عليه فيما يتعلق بالوضع في المملكة، ويرى بأنه بالنظر للتاريخ السعودي، فإن التاريخ قد يكرر نفسه مثلما حدث في العشرينات، وذلك أن من سيكون له السيادة والنصر هو الذي سيقرر ما إذا كانت المملكة سوف تظل مملكة تنحني أمام عوامل الحداثة أم أنها سوف تتحول لإمارة إسلامية شبيه بحكم الطالبان في أفغانستان. ويعتبر بايبس أنه ليس ثمة خيار أمام الدول الغربية من أن تلتزم مساعدة المملكة بكل أخطائها، "إن خياراتنا السياسية محصورة في أن نساعد المملكة علي هزيمة الخطر الراديكالي في الوقت الذي نضغط فيه باتجاه التطوير في بعض النواحي مثل الفساد وتمويل المنظمات الإسلامية الراديكالية المنتشرة في العالم".

وفي مقال له بعنوان "السعودية ملك من؟"، يرى ستيفن شوارتز وهو كاتب يميني يكتب في "ويكلي ستاندرد والناشيونال ريفيو" وهي مطبوعات لسان حال المحافظين الجدد، يطرح تساؤلا هاما لطالما أرق الغرب وهو: هل لو أن هناك نظاما أكثر راديكالية يحكم في السعودية سيؤثر على حصول الغرب على النفط؟ يجيب شوارتز بالنفي، مضيفا بأنه حتى أكثر الأنظمة العربية تطرفا وراديكالية استمر في تصدير النفط للسوق العالمي. إن أفضل حل للملكة –كما يقول شوارتز- هو أن يأتي عنصر الإصلاح من داخل العائلة المالكة ذاتها (مقارنة بالملك خوان كارلوس في أسبانيا).

وعن مصير العائلة المالكة، يقول شوارتز بأنه بالإمكان أن يحتفظوا بأدوراهم كرؤساء للدولة وكذا ثروتهم علي غرار نموذج العائلة المالكة البريطانية، ولكنه يستدرك ليقول بأن هذا أمرا مشكوك بتحققه، سيما وأن الأمير عبدا لله، الذي أحتفي به حين مجيئه كرمز للإصلاح، يميل نحو تبني "البارانويا الوهابية"، واتهاماته المتواصلة بأن الصهاينة هم من وراء موجة الإرهاب في السعودية دليل علي ذلك. ويتحدث شوارتز الذي ألف كتابا بعنوان "وجهان للإسلام: بيت آل سعود من التقاليد إلى لإرهاب"، عما أسماه بدولة ما بعد الوهابية، ويتساءل عما إذا كانت هذه الدولة بإمكانها عقد سلام مع إسرائيل، إلا أنه ينفي ذلك ولكن على الأقل –كما يقول- فإن سعودية ما بعد الوهابية سيكون بإمكانها أن توقف خطر الاختراق الوهابي من المغرب لماليزيا ومن البوسنة لبوتسوانا وهذا أمر في حد ذاته سوف يؤدى للسلام.

أما آخر هذه الكتابات التي حاولت قراءة ما يحدث في المملكة وتداعياته على العلاقة مع الولايات المتحدة، فكان مقال لتوماس ليبمان المراسل السابق لجريدة "واشنطن بوست" في الشرق الأوسط والذي ألف كتاب بعنوان "داخل السراب: شراكة أمريكا الهشة مع السعودية". والسعودية كما رآها ليبمان الذي زارها لمدة أسبوع خلال الشهر الماضي هي "مجتمع يقع تحت الحصار"، وهو يرى بأن ثمة عوامل قد تؤدي في النهاية إلي "انهيار النظام أو حدوث حرب أهلية"، ومن أهم هذه العوامل هو شراسة (الإرهابيين) وتزايد أعداد الناقمين الذين يعانون البطالة وعدم الحسم الذي يتسم به كبار الأمراء.

غير أن ليبمان يستدرك سريعا ليقول "إن التنبؤ بعملية الانهيار للعائلة المالكة هو أمر مبكر جدا الخوض فيه، بل وقد يكون أمرا خاطئا"، فالأمراء السعوديون ماهرون، وقد يكونون شرسين إذا تطلب الأمر ذلك وهم غير مقيدين بموضوع الحريات المدنية، كما أنهم مرتبطون بعلاقات مصاهرة وأعمال مع نسبة كبيرة من السكان وهو ما يضمن لهم التأييد والولاء، وتاريخ عائلة آل سعود كما يقرأه ليبمان يتأرجح ما بين احتمال الراديكاليين الدينين وبين القضاء عليهم إذا ما حاولوا تحدي السلطة الملكية. وهو يعتبر أن معارضي النظام اليوم هم عبارة عن شريحة كبيرة ممن وصفهم بغير المتعلمين وذوي النظرة الضيقة والذين لديهم استعداد وقابلية لاستخدام العنف، وهم بالأساس نتاج ظروف رعاها النظام بنفسه طيلة العشرين عاما الماضية. بل ويرى أن هؤلاء يتم تغذية تطرفهم من قبل المؤسسة الدينية التي يعتبرها هو "معادية للغرب ولليهود وللنساء" .

ويخلص ليبمان إلى نتيجة بناها على مقابلة أجرتها طبعة الأحد من "واشنطن بوست" ونشرت في قسم outlook مع الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة في واشنطن، والذي قال: "إنه لو تعامل النظام السعودي الحالي مع الإرهابيين بنفس المنطق الذي تعامل به الملك عبد العزيز مع الإخوان-أي القضاء عليهم-، فإن بيت آل سعود سوف يستمر، أما إذا تعامل معهم على اعتبار أنهم شباب مسلمون ضلوا الطريق وسيعودون لرشدهم فإن بيت آل سعود سوف يدمر".
ويرى ليبمان أن المشاكل الحادثة لا تمثل عاملا من عوامل الثورة ضد نظام آل سعود، وإنما هناك ثورة أخرى تدور رحاها، ذلك أن السعوديين باتوا يتحدثون عن موضوعات كانت في الماضي من المحرمات، وأن هذا التغيير -يرجعه الكاتب في معظمه- إلى "جيل جديد من النساء المتعلمات اللائي يسعين لإيجاد مكان في الحياة السياسية والاقتصادية".

ويختتم بقوله إن القوات السعودية سوف تكسب معركة البنادق ضد (الإرهابيين) ولكن التحدي الأكبر أمام آل سعود هو كيفية احتواء طموح الأغلبية؟ وكيف يمكن الحفاظ على الروابط الاقتصادية مع الولايات المتحدة؟ وإذا تبنى النظام السعودي الإصلاحات الاجتماعية التي يمكن أن تصور على أنها معادية للإسلام وذلك لمراضاة أمريكا فقط، فإن هذا أمر من شأنه أن يصعد العنف الذي تشهده المملكة وربما يؤدي لثورة شاملة.

أميمة عبداللطيف

مجلة العصر