PDA

View Full Version : ( افتـقاركَ ..... سـرّ افتخــــاركَ ...!! )


بو عبدالرحمن
23-07-2004, 04:33 AM
كلما استشعرتَ حقيقةَ افتقاركَ إلى اللهِ سبحانه ، وشدةَ حاجتكَ إليهِ ،،
شعوراً يملأُ عليكَ حنايا قلبكَ ، ويصبح هاجساً يشغلك في كل أوقاتك ، وحيثما كنتَ ..
فهناكَ تنهلّ على قلبكَ شوارقُ أنوارٍ تحسها إحساساً واضحاً لا لبسَ فيه ..

ولذا قالوا :
من أرادَ أن يغمرَ اللهُ قلبهُ بألوانِ العطاءِ ، فليتحققْ بالافتقار التام بين يدي الله سبحانه ..فإنما الصدقات للفقراء والمساكين ..!! فافهم ..

وقالوا أيضا :
من أرادَ ورودَ المواهبَ إليهِ .. فليحققِ الفقرَ لديهِ ..

وفي الأثر الإلهي يقولُ الرب جل جلاله : " أنا عند المنكسرة قلوبهم .."
وهو معنى عجيبٌ يلهبُ القلبَ الحيّ ويزلزله ، ليبقى في حالة انكسار مستمرٍ ..

ما دام هذا الانكسار ثمرته : أن يكون اللهُ جلّ في علاه قريبا منه ، حبيبا إليه ، لطيفاً به ..!!

وهناكَ معنى خفي عجيب آخر ..هذا المعنى يكمن في الحقيقة التالية :
كلما حققتَ افتقاركَ لله سبحانه ،، أغناكَ الله سبحانه من واسع كرمه ..!!

وكلما تحققتَ بروحِ الذلِ بينَ يديه ، ملأ قلبكَ بشعورِ العزةِ على الدنيا وما فيها !!

( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) ..
وللهِ در القائل :
... وأستعلي بإيماني على الدنيا وما فيها ..!!

هذه العزة إنما تتجلى بوضوح في كلّ قلبٍ ، استطاع صاحبه أن يذللـه بين يدي الله .

وعلى قدر قوة افتقاركَ وذلّك له سبحانه ، تكونُ قوةُ شعورك بهذه العزة ، المتكسبة من الله جل في علاه ..

وشيء آخر يُضاف إلى كل ما تقدم ..
اعلم رحمك الله ، وبارك الله فيك ..

أن الافتقارَ إلى الله في جوهرهِ ، إنما هو تحقيقٌ لروحِ العبودية لله سبحانه ،
وهل يريدُ الله منكَ ، إلا أن تتحققَ بمعانيَ العبوديةِ بين يديه في كل أوقاتك ..؟!!

وكلما كنتَ متحققاً بعبودتك لهُ سبحانه ، على الوجه الذي يريد :
كانَ لك ، ومعكَ . حافظاً ومؤيداً ونصيرا ومعيناً ..

( قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) ..
( قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ) ..
( فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُم )
( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) ..

والآيات كثيرة في كتاب الله ..
إنما يربيك الله سبحانه بها ، على هذا المعنى وأمثاله :

لتملأ قلبك ثقةً ويقيناً وإشراقاً وأنتَ تواجه طوفانَ فتنِ الحياةِ من حولكَ ..!!

ثم ... وهذه لطيفةٌ أرجو أن لا تفوتكَ ، فاقرأ وتأمل هذا المعنى :

لأن السجودَ أجلى مظهرٍ للافتقارِ بين يدي الله عز وجل :

فإنك في لحظةِ السجودِ تكونُ أقربَ ما تكونُ من الله سبحانه .. فافهم ..
في الحديث الشريف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أقرب ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجدٌ ، فأكثروا الدعاء" .. رواه مسلم

و في هذا تهييجٌ لنا لنكثرَ من السجود بين يدي الله ، لنكون في أكثر أوقاتنا في مقام قربٍ منه سبحانه ..!

بل في هذا تعليم لنا أن نكونَ في حالة سجودٍ دائمٍ بين يدي الله ، لنكونَ في حالة قربٍ من الله مستمر ..
ومن كان مع الله في كل أنفاسه ، فلن يضيعهُ ، ولن يخيبه ..

سئل أحد العارفين : أيسجدُ القلب ؟
قال : نعم ،، سجدة لا يرفعُ رأسه منها أبداً ..!!

ولذا قالوا : من فهمَ سرّ السجود ، وذاقَ قلبهُ حلاوة الأنس فيه :

سحبَ هذا الافتقار الذي تحققَ به في سجودهِ ، وذاقَ حلاوته ، سحبهُ على بقية حياتهِ ،
ليبقى في حالةِ قربٍ من ربه في ليله ونهاره ، وبهذا تهبّ على قلبه نسائمُ سماويةٌ ، ونفحاتٌ ربانية حيثما كان .

ومثل هذا الإنسان يصبحُ ويمسي وهو متميزٌ بلا شك .. أعني يصبحُ مباركاً أينما كان .

فاجهدْ جهدكَ لتتحققَ بفقركَ التام بين يدي الله ، على كل حالٍ تكونُ فيها ،
فمن تحقق بالافتقار إليهِ سبحانه ، أغناهُ الله بغير مال .. وأعزهُ الله بغير جاه ..
وهل هذا قليل ..؟!!

ولقد كان بعض الصالحين يكثر أنْ يقول في مناجاته :
اللهم أغننا بالافتقار إليك ، ولا تفقرنا بالاستغناء عنك ..

فالافتقار إليكَ وحدكَ ، هو عينُ الغنى بكَ .. والاستغناء عنكَ موتٌ محقق.. !!

وختاماً ..

تتمةً للفائدة أذكّر نفسي وإياكَ بحديثٍ أرجو أن تزيده تأملا ، جمعا بينه وبين الحديث السابق ،
لعل قلبكَ ينشطُ في همةٍ إلى الله سبحانه رغبةً ورهبةً .. وشوقاً وأملا ..

سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ربيعة رضي الله عنه : سلني أعطك ..
فقال ربيعة ( وانظر إلى همةِ هذا الإنسانِ المتألق ) قال :
أسألكَ مرافقتك في الجنة .. !!
فقال رسول الله صلى الله علية و سلم : أو غير ذلك يا ربيعة ..
قال : لا و الذي بعثك بالحق لا أريد غيرها ..
قال صلى الله عليه وسلم : فأعني على نفسك بكثرةِ السجود...

فعليك إذن بكثرة السجود بين يدي الله .. مستشعراً تلك المعاني التي مرت بنا .. وغيرها ..

كذلكَ لا يفوتك أن تستشعر المعاني الرائعة في الحديثين التاليين _ وأنت في لحظة السجود _
لعل أبوابَ السماءِ تتفتحُ لكَ ، وحقائقَ الحياةِ تتجلى لبصيرتكَ ، وآفاق الدنيا تنكشف لقلبكَ ..!!

قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:
" عليكَ بكثرةِ السجودِ ، فإنك لن تسجدَ لله سجدة إلا رفعك اللَّه بها درجةً ، وحطّ عنك بها خطيئة ".. رواه مُسْلِمٌ.

والحديث الثاني :
عن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فيما يرويه عن ربه عَزَّ وَجَلَّ قال:

" إذا تقرّب العبدُ إليّ شبراً ، تقرّبتُ إليه ذراعا ، وإذا تقرّب إليّ ذراعاً ، تقرّبتُ منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ." رواه الْبُخَارِيُّ.

وعلى قدر همتكَ في التشمير ، تكونُ قوة التنوير ..!!
( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) .. وبالله التوفيق ..

زمردة
23-07-2004, 07:56 PM
جزاك الله خيراً شيخنا الفاضل بو عبدالرحمن ..

ونفعنا بما كتبت ..

بشاير
26-07-2004, 08:34 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جميلة هي اللحظات الإيمانية

التي تقربك إلى الله

وتسمو بروحك إلى عالم خال من الماديات

يحتاج كل منا إلى التفكر فيما يفعل من عباده

حتى تكون هذه الحركات التي تقربنا إلى الله

متعة ولذة لا تعادلها كنوز الدنيا


جزاك الله خير أخي أبو عبدالرحمن

جعلك الله من الساجدين ومن عباده الصالحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

بو عبدالرحمن
02-08-2004, 08:58 AM
الأخت الفاضلة / زمردة
........ رحم الله والديك ورفع الله قدرك

شكرَ اللهُ لكِ هذه المتابعةَ الواعيةَ ..

وإني أسألُ اللهَ جل في علاهُ أن يباركَ لكِ فيما تقومين بهِ من جهدٍ

وأنْ يتقبلَ منا ومنكِ .. وأن يرضى عنا وعنكِ

وأنْ يغفرَ لنا ولكِ .. وأن يبارك فينا وفيكِ .. حيثما كنا وكنتِ

اللهم آمين ..

وصيتي الدائمة .. أن لا تغفلي عن الدعاء وتلحي عليه ..

لكِ ولأهلكِ خاصة وللمسلمينَ عامة .....

وخلالَ ذلكَ لا تنسي أخاكِ من دعائكِ ..

هايدي
08-08-2004, 07:58 PM
أخي وأستاذي الفاضل ... بو عبدالرحمن


كم يفتقر القلب ويتعطش إلى رحاب الله ..

إلى أنسه وفيض أنواره ..

إلى هديه وهداه ..


الفقير المعدم بحق من فقد هذه الأشياء ..

والجاهل من ظن أن بيده كل وشيء وهو لا يمتلك حقيقة إلا الحطام والرفات ..

ويكفي للمرء فخراً أن يكون في كنف الرحمن .. وان فقد جميع من حوله


------------------


جزاك الله خيراً على طرحك الرائع ..

رااحيل
11-08-2004, 03:19 AM
أستاذي الفاضل
ان استشعار الانكسار والافتقار الى المولى عزوجل يولد القرب منه وهو بذاته يورث اللذة فينسى الانسان من حوله ويطير الى السماء مبتعداً عن كل العلائق التي تربطه بهذا الطين
وما أجمله من انكسار وانذلال حين تكون الجباه ممرغه في موضع وطء الأقدام ذلاً لله تعالى وافتقار له
فكيف لا يكون الله تعالى قريباً منه وهو يمارس هذه العباده ؟؟
بل وكيف لا يكون عندها الافتخار؟؟
إنها لذه ما بعدها لذه
لذة نستشعرها حينما نحس بقرب الله منا يستمع الينا يرعانا ويحفظنا ويجيبنا وتبدأ ممارسة الاحسان فنعبده كأننا نراه فإن لم نكن نراه فإنه يرانا

شيخي الفاضل
كنت دايماً أردد وأقول
يا رب دلني على الصالحين من خلقك ,, دلني على من يدلني عليك فيطعمني من كلامك ويسقيني من كلام نبيك ويكحل عين قربي بنور قربك
ولله الحمد أحس أن الخالق عزوجل استجاب لدعائي بأن دلني عليكم
فجزاكم الرحمن لذة النظر الى وجهه الكريم

بو عبدالرحمن
12-08-2004, 05:34 AM
الأخت الفاضلة / بشاير
............ بشرك الله بالجنة
أسأل الله أن يجازيك خير الجزاء على هذه المتابعة الرائعة

والتي أسأل الله الكريم أن يبارك لك فيها ،

فتجدين صداها واضحا في حياتك .. اللهم آمين

نعم .. ليس هناك على الإطلاق لحظة أروع ولا أحلى ولا أغلى ولا أطيب
من لحظة تزيدك قربا من الله المولى العزيز الكريم سبحانه

وإن من هبت على قلبه مثل تلك اللحظة المشحونة بنعيم أهل السماء

ليلعلم أن كل لذاذات أهل الدنيا ليست سوى وهم .. وعبث .. ولعب أطفال ..!!

نسأل الله الكريم أن يرزقنا مزيدا من القرب منه ، لتتذوق قلوبنا حلاوة الجنة قبل دخول الجنة ..

اللهم آمين ...

جزاك الله خيرا وبارك فيكِ حيثما كنتِ