PDA

View Full Version : الناس في رمضان ... !!!


بياع القلوب
17-10-2004, 01:47 AM
هل اختلفت طقوس شهر الصوم في وقتنا الحاضر عما كان سائداً أيام زمان ؟؟ وأيُّ كفّة يرجّح رجل مسن مثلاً فيما كان شاهداً عليه منذ سنوات خلت وبين ما يراه هذه الأيام من مظاهر اجتماعية ودينية انتشرت حتى أمست عادات متأصلة في مجتمع اليوم ؟؟ هناك فئة في المجتمع تستقبل الشهر الفضيل ويمرون به ولا شيء يتغير بذواتهم ، يقضون ساعاته باستهتار بادٍ فيتسببون بالأذى لمن حولهم أولئك الذين ينشغلون بدينهم عن دنياهم في هذا الشهر وغيره من أشهر السنة ، ولكن يبدو الأذى أعمُّ وأشمل في هذا الشهر لما له من قدسية ومهابة ..

وهناك فئة تستقبل الشهر بحفاوة وتهليل ، وبهمّة عالية لأداء فروضه ، لكن سرعان ما يتسرّب الفتور إلى النفوس ليحيل حرارة اللقاء إلى برودٍ غريب ، وخاصة في الثلث الأخير منه ، وهذا ما يظهر واضحاً ممن يأمّون المساجد أوائل الشهر وفي أواخر أيامه .. فمن رجال يصِلون إلى خارج حرم المسجد إلى فراغ في الصفوف المصلّية ، فترى الإمام يدعو إلى رصّها وعيون حاله تقول : أين هم المصلّون الذين كانوا يتزاحمون على الصلاة .. ؟؟
هذا هو حال البعض في رمضان .. تراهم في الثلثين الأوليين يتزاحمون في الأسواق .. يبتاعون ما يملأ البطون ويتخمها ، وفي الثلث الأخير منه يلوبون بحثاً عن الألبسة التي سوف يرتدونها في العيد ، ويشترون أنواعاً مختلفة من الحلويات الفاخرة ، ومن يرى الأسواق في هذا الشهر يظن أن ليس هناك ثمة فقر ولا عوز .. لدرجة يتساءل فيها المرء عن مصدر المال !! إنهم يسرفون في صرف ما ادّخروه على وجبات دسمة تكاد تعجزهم عن الحركة بعد وجبة إفطار من العيار الثقيل ، وكأنهم يصومون ليأكلوا ويأكلوا ليسرفوا ويسرفوا ليتخموا البطون .. يبذّرون وينسون أو يتناسون أن المبذرين إخوان الشياطين .. حتى يودّعوا الشهر الفضيل وقد أفلسوا أو كادوا يفلسون ( والإفلاس هنا متعدد الوجوه وعظيم ) أما إذا جِلْتَ في الأسواق فإنك ترى العجب من الباعة وأساليب بيعهم والأسعار التي تحلّق دون وازع أخلاقي أو مانع وزاري ، فالهدف هو زيادة الغلّة دون الالتفات إلى الشهر وحرمته .. وعوضاً عن أن يكون هذا الشهر المبارك مناسبة غالية لاستعادة التوازن الروحي لهم وفرصة ثمينة لتدارك ما فاتهم من فرائض وواجبات دينية تراهم يستهوون متابعة المسلسلات وما تجود به عليهم الفضائيات ، فينشغلون بالبرامج الترفيهية والمسابقات البهلوانية والمسلسلات التاريخية والفانتازيا الخيالية والواقعية المريضة ، وكأن شهر رمضان دعاهم إلى التروّض على متابعة التلفزيون ولا شيء سواه .. فقد أمسى سوقاً مفتوحة لما تنتجه الشركات الفنية فيتصارع المنتجون فيما بينهم أي مسلسل سيفوز بفرصة العرض في رمضان .. وأي توقيت أنسب لهم أن يُعرض خلاله .. وفي النهار هم في أعمالهم قاعدون .. يقضون ساعاته متململين .. يعدّون الساعات ويحصون الدقائق إلى أن تحين لحظة الإفطار ، وينسون الصبر فيعصّبون .. وينسون مقولة : " اللهم إني صائم " فلا يمنعهم الصوم عن الشجار .. وينسون واجباتهم اليومية في العمل فينشغلون بالتحادث عن أطباق اليوم .. وكأن الوقت الذي كانوا يقضونه بتناول وجبة الفطور يضاعفونه خلال شهر الصوم بالتحدث عن الطعام والشراب وما قد حصل للزير سالم والعطار وبناته السبع .. فيطيرون مع أطباق الطعام والأطباق الهوائية التي تجلب لهم المتعة في الفرجة وتلك التي تسرّهم في النكهة ، فيتابعون مهرجانات التلفزيونات ويلتهمون ما لذَّ وطاب مما جمعته أطباق الموائد ..
يبدو أن كل شيء قد اختلف .. ونكهة أيام زمان قد انقضت إلى غير رجعة في هذا الشهر الفضيل وغيره من أشهر السنة .. وكثيراً ما يجالس الرجال المسنّون بعضهم البعض يستذكرون شهر رمضان أيام زمان .. والعادات التي كانت سائدة واختفت .. تُجرح الأحاسيس حينما يستعيدون عبق الماضي .. يلوبون بحثاً عن أدق الذكريات الحلوة لعلهم يسترجعونها ولو كانت مخبأة في أعماق ذاكرتهم .. يبعثون فيها الحياة ليشعروا بحلاوة تلك الأيام .. وحنينهم إلى الماضي يزيد استغرابهم فيما يرونه اليوم وعوضاً من أن يقول لسان حالهم ليت الشباب يعود يوماً .. يلوذون بالصمت ، والأسى والحسرة في عيونهم بادٍ على ما يشهدونه هذه الأيام ..
ليس ما قيل من قبيل السوداوية ، أو المبالغة ، أو توصيف الكل بما يقوم به الجزء .. أما الغريب عن واقع الحال فليخلع النظارة السوداء عن مقلتيه ليرى جيداً ، ومن يرى ولا يهتم لهذا الواقع فهو مستنكرٌ ظالم .. فليكن النوم سبيلا له .. فنوم الظالم عبادة .

منقول

ارياف2004
17-10-2004, 09:14 PM
جزاك الله خيرا

بياع القلوب
23-10-2004, 04:24 PM
العفو
وشكرا للمرور