بو عبدالرحمن
29-11-2004, 04:56 PM
قلتُ لصاحبي ونحن على مائدة العشاء في أحد المطاعم :
الضخ الإعلامي الهائل لابد أن يؤتي ثمرته ، حتى مع الذين يرون أنهم في مأمنٍ من تأثيره عليهم ، مع أنهم يرون أنهم أكثر حصانة من أن تغيرهم أفكار الآخرين ،
غير أن الإيحاء المستمر الذي يتدسس عبر الأعصاب ، سيؤتي ثماره ولو بعد حين ، ولذا قال علماؤنا :
أن اعتياد رؤية المنكر توصل الإنسان إلى حالة تبلد ، فلا يكترث معها بعد ذلك أن ينكر هذا المنكر _ ولو بقلبه ! _
بل يسفل به الأمر إلى أن يباركه ، ثم يدافع عنه ، ثم يتلمس له المبررات !!
أما الذين شوههم الإعلام ابتداءً ، فهم على قفا من يشيل !!
أصبح هؤلاء يتحركون في التيار ويندفعون فيه بلا وعي ، منطق النجوم __ الذي تمكن الإعلام من صناعتهم على عينه وبمهارة فائقة _ هذا المنطق نفسه هو الذي يدفع تلك الجماهير في طرق وعرة ، كثيرة المنعرجات ، من حيث يشعرون أو لا يشعرون ،
بل إنك تجد كثيرين من هؤلاء يتحمسون في الاندفاع ويبالغون فيه ، ومع هذا يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، لأن سادة الإعلام ونجومه ، وما يقدمونه من المطبخ الغربي ، قرروا في عقول هؤلاء:
أن هذا هو الطريق ، ولا طريق غيره لتحصيل المال والشهرة والنجومية ، أو على الأقل : الابتهاج والسرور والسعادة و" الفرفشة " ..!!
وفي المقابل يظل الإيحاء يتواصل في أذهان هؤلاء :
أن كل طريق غير هذا الطريق المعروض ، إنما هو طريق نكد وضنك عيش ، وقبوع في القاع ، وانكفاء إلى أسفل الهرم ..!!
لو أنك لملمت نفسك وجمعت أمرك ، وأعددت العدة لتصل إلى إحصائية متكاملة حول عدد الأسر التي انهارت سقوفها فوق رؤوس أهلها ، بسبب هذا الضخ الإعلامي ومفاسده ،
لهالك أن ترى أن العدد فوق ما كان يتصور خيالك الجامح ، خيانات أسرية بين حيطان البيت الذي يبدو متماسكا في ظاهره ، ضياع أطفال وشباب وفتيات من المراهقين وغير المراهقين
بسبب كثافة الدروس التي يتلقونها من هذا المطبخ المبهر في نظرهم ، وهؤلاء النجوم القدوة بالنسبة لهم ، تفكك علاقات الأسرة ، فهاهنا أمهات لاهيات ، وآباء مفرطون ،
وهاهنا صور من الاختلاط الذي تتوالد في أجوائه كثير من المفاسد ،
وهناك حالات طلاق يرتفع مؤشرها بشكل ينذر بالخطر ، وهناك حالات عنوسة تتسع دائرتها ،
وهاهنا تدني في الدراسة بشكل ملفت النظر ، وهنا تتسع دائرة الفوضى سواء في البيوت أو في المدارس أو في الشارع العام ،
وعلى هذا النحو يمكن أن تتفرع بين يديك عشرات بل مئات القضايا المخيفة التي أثمرتها وسائل الإعلام عامة والفضائيات خاصة ..!؟
ولو أنك خرجت قليلاً خارج نطاق الأسرة ، لتتوسع نظرتك إلى دوائر أبعد في ميادين الحياة المختلفة، لهالك أن ترى اللوحة قاتمة حقا حالكة السواد ،
مما قد يصل بك إلى حد الإحباط وربما اليأس من إصلاح هذه الأمة !! فهل بعد هذا بعد يا صاحبي ؟؟!
لقد أهيل على رأس هذه الأمة تراب الأمم الأخرى وزبالاتها ، وعليها أن تلعق !!!
فلمن تُقرع الأجراس ، لمن تُقرعُ الأجراس يا صاحبي ...!!!؟
**
قال الراوي :
وحين وصلت إلى هذه النقطة كان الانفعال قد بلغ بي مبلغه ، فارتفع صوتي بشكل ملفت ، مما حدا بمن حولنا في المطعم ، أن يديروا رؤوسهم إلى حيث نجلس ..!
وابتسم صاحبي ابتسامة واسعة ثم غمزني بعينه أن أهدأ .. !
وحركت يدي في عصبية ، وبلعت لساني أنتظر ما يمكن أن يعلق به صاحبي على كلامي ..
غير أنه سكت هو الآخر لحظات ثم قال :
أعظم من هذا كله في نظري أنهم استطاعوا أن يوصلوك _ وأمثالك من الطيبين _ إلى هذه الحالة من الإحباط ،
بل إني أستشف من كلامك حالة نفسية محطمة ، مظلمة لا ترى إلا ما يراد لها أن ترى !!!!
لقد استطاعوا يا صاحبي أن يعموا بصرك عن رؤية أي بصيص أمل ، في جوف هذه الظلمات ،
نعم هي ظلمات ، لكن من ذا الذي يزعم أنه لا بصيص لضوء فيها !؟..
عندي _ يا عزيزي _ أن كل ما قلته رغم أنه صحيح ولا اختلف معك فيه ، هو دون ما وصلت إليه من نظرة سودواية قد توصلك إلى لعن هذه الأمة ،
وأنها لم تعد تصلح إلا للكنس ، لأن الناس قد هلكوا ، فما هم سوى حصب جهنم !!
يا صاحبي ، ثق ملياً أن الفجر لا يطلع إلا من رحم الظلمة حين تشتد وتحلولك ،
وأن الوردة لا تخرج إلا بعد أن تغرس بذرتها تحت أطباق الثرى زمناً ،
وهذه المظاهر التي تتحدث عنها وغيرها مثلها كثير ، هي هي بعينها نواقس الخطر
الذي سوف تنتفض له القلوب ، وتزعج له النفوس ، وتتنادى له الأصوات ، إن عاجلاً أو آجلاً ..
والحق أن تباشير النور قد لاحت ، وها نحن نرى أن فريقا من هؤلاء النجوم الذين كانوا يملأون الدنيا فسادا ، ويحملون لواء الإفساد ،
قد استيقظوا ، وهالهم ما كانوا عليه ، وأزعجهم ما تكشف لهم ، فقرروا أن ينخلعوا من تلك الحياة ، على أن يستأنفوا حياة جديدة مع النور ، حملة للوائه ، وحرصا على أن يصلحوا ما أفسدوا ، على قدر الطاقة ، وقلة البضاعة ،
ولقد رأينا من ثمرات هؤلاء شيئا مفرحا ، ونسأل الله أن تتنداح الدائرة ، وتتسع رقعة الإصلاح ، فيهم وبسببهم ..وما ذلك على الله بعزيز ..
مشكلتك أيها الحبيب الطيب أنك تنظر إلى الدنيا من خلال منظارٍ اسود قاتم ، يجعلك لا ترى إلا نصف الكأس ..!!
أخي ، أقول لكَ فاسمعني جيداً ،
هذا زمان الفتن التي تدع الحليم حيران ، وكلما جاءت فتنة رققت التي سبقتها ،
ومع هذا فهو زمان يحمل في طياته الخير والنور والهدى ،
زمان رجال _ ونساء _ يصنعون النهار بإذن الله لهذه الأمة ، وأن قلّ عددهم ، وتضاءلت إمكانياتهم ،
لكنهم ماضون ينشرون النور حيثما حملتهم أقدامهم ،
وهم الذين بشرت بهم النصوص أنهم يحملون الحق رغم قلتهم ، لا يضرهم من خالفهم ،
ويجهدون أن يزرعوا ربيع هذه الأمة من جديد ، وقلوبهم ملأى بالثقة بموعود الله أنه سيكون ،
ولهذا فهم ماضون فوق الأشواك ، ورغم قوة الرياح غير المواتية ، وقلوبهم تحترق بالحب لهذه الأمة لأنها أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ..
لسان حال أحدهم يهتف في ثقة :
ماضٍ وأعرفُ ما دربي وما هدفي ** والموتُ يربصُ لي في كل منعطفِ
وحين تلقى أحدهم وتفيض إليه بما يعتمل في صدرك من حريق بسبب ما تراه ،
يبتسم في وجهك وهو يقول :
ومع هذا كله فهذه الأمة موعودة بالنصر !!
ثم يردف إليك سؤاله القنبلة :
غير أن السؤال الكبير هو : ماذا فعلت أنت لدينك !؟
وما الدور الذي قررت أن تقوم به لتشارك في صناعة النهار لهذه الأمة ؟
وبهذا يلجمك حجرا كبيرا لأنك ترى أنك صفر على الشمال ، لا تحسن سوى النقد ، والكلام الكثير ، والطنطنة الفارغة ....!!
قال الراوي :
وشعرت أني أنا المعني بكلامه ، فطأطأت رأسي ، وأنا استغفر الله ..
ثم رفعت عيني في عينيه وقلت بهدوء :
أرجوكَ ، زدني من هذا الفيض ، زادك الله نوراً ، فإني أرى له صدى واضحاً في قلبي الآن ...
.........................للموضوع صلة ..
الضخ الإعلامي الهائل لابد أن يؤتي ثمرته ، حتى مع الذين يرون أنهم في مأمنٍ من تأثيره عليهم ، مع أنهم يرون أنهم أكثر حصانة من أن تغيرهم أفكار الآخرين ،
غير أن الإيحاء المستمر الذي يتدسس عبر الأعصاب ، سيؤتي ثماره ولو بعد حين ، ولذا قال علماؤنا :
أن اعتياد رؤية المنكر توصل الإنسان إلى حالة تبلد ، فلا يكترث معها بعد ذلك أن ينكر هذا المنكر _ ولو بقلبه ! _
بل يسفل به الأمر إلى أن يباركه ، ثم يدافع عنه ، ثم يتلمس له المبررات !!
أما الذين شوههم الإعلام ابتداءً ، فهم على قفا من يشيل !!
أصبح هؤلاء يتحركون في التيار ويندفعون فيه بلا وعي ، منطق النجوم __ الذي تمكن الإعلام من صناعتهم على عينه وبمهارة فائقة _ هذا المنطق نفسه هو الذي يدفع تلك الجماهير في طرق وعرة ، كثيرة المنعرجات ، من حيث يشعرون أو لا يشعرون ،
بل إنك تجد كثيرين من هؤلاء يتحمسون في الاندفاع ويبالغون فيه ، ومع هذا يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، لأن سادة الإعلام ونجومه ، وما يقدمونه من المطبخ الغربي ، قرروا في عقول هؤلاء:
أن هذا هو الطريق ، ولا طريق غيره لتحصيل المال والشهرة والنجومية ، أو على الأقل : الابتهاج والسرور والسعادة و" الفرفشة " ..!!
وفي المقابل يظل الإيحاء يتواصل في أذهان هؤلاء :
أن كل طريق غير هذا الطريق المعروض ، إنما هو طريق نكد وضنك عيش ، وقبوع في القاع ، وانكفاء إلى أسفل الهرم ..!!
لو أنك لملمت نفسك وجمعت أمرك ، وأعددت العدة لتصل إلى إحصائية متكاملة حول عدد الأسر التي انهارت سقوفها فوق رؤوس أهلها ، بسبب هذا الضخ الإعلامي ومفاسده ،
لهالك أن ترى أن العدد فوق ما كان يتصور خيالك الجامح ، خيانات أسرية بين حيطان البيت الذي يبدو متماسكا في ظاهره ، ضياع أطفال وشباب وفتيات من المراهقين وغير المراهقين
بسبب كثافة الدروس التي يتلقونها من هذا المطبخ المبهر في نظرهم ، وهؤلاء النجوم القدوة بالنسبة لهم ، تفكك علاقات الأسرة ، فهاهنا أمهات لاهيات ، وآباء مفرطون ،
وهاهنا صور من الاختلاط الذي تتوالد في أجوائه كثير من المفاسد ،
وهناك حالات طلاق يرتفع مؤشرها بشكل ينذر بالخطر ، وهناك حالات عنوسة تتسع دائرتها ،
وهاهنا تدني في الدراسة بشكل ملفت النظر ، وهنا تتسع دائرة الفوضى سواء في البيوت أو في المدارس أو في الشارع العام ،
وعلى هذا النحو يمكن أن تتفرع بين يديك عشرات بل مئات القضايا المخيفة التي أثمرتها وسائل الإعلام عامة والفضائيات خاصة ..!؟
ولو أنك خرجت قليلاً خارج نطاق الأسرة ، لتتوسع نظرتك إلى دوائر أبعد في ميادين الحياة المختلفة، لهالك أن ترى اللوحة قاتمة حقا حالكة السواد ،
مما قد يصل بك إلى حد الإحباط وربما اليأس من إصلاح هذه الأمة !! فهل بعد هذا بعد يا صاحبي ؟؟!
لقد أهيل على رأس هذه الأمة تراب الأمم الأخرى وزبالاتها ، وعليها أن تلعق !!!
فلمن تُقرع الأجراس ، لمن تُقرعُ الأجراس يا صاحبي ...!!!؟
**
قال الراوي :
وحين وصلت إلى هذه النقطة كان الانفعال قد بلغ بي مبلغه ، فارتفع صوتي بشكل ملفت ، مما حدا بمن حولنا في المطعم ، أن يديروا رؤوسهم إلى حيث نجلس ..!
وابتسم صاحبي ابتسامة واسعة ثم غمزني بعينه أن أهدأ .. !
وحركت يدي في عصبية ، وبلعت لساني أنتظر ما يمكن أن يعلق به صاحبي على كلامي ..
غير أنه سكت هو الآخر لحظات ثم قال :
أعظم من هذا كله في نظري أنهم استطاعوا أن يوصلوك _ وأمثالك من الطيبين _ إلى هذه الحالة من الإحباط ،
بل إني أستشف من كلامك حالة نفسية محطمة ، مظلمة لا ترى إلا ما يراد لها أن ترى !!!!
لقد استطاعوا يا صاحبي أن يعموا بصرك عن رؤية أي بصيص أمل ، في جوف هذه الظلمات ،
نعم هي ظلمات ، لكن من ذا الذي يزعم أنه لا بصيص لضوء فيها !؟..
عندي _ يا عزيزي _ أن كل ما قلته رغم أنه صحيح ولا اختلف معك فيه ، هو دون ما وصلت إليه من نظرة سودواية قد توصلك إلى لعن هذه الأمة ،
وأنها لم تعد تصلح إلا للكنس ، لأن الناس قد هلكوا ، فما هم سوى حصب جهنم !!
يا صاحبي ، ثق ملياً أن الفجر لا يطلع إلا من رحم الظلمة حين تشتد وتحلولك ،
وأن الوردة لا تخرج إلا بعد أن تغرس بذرتها تحت أطباق الثرى زمناً ،
وهذه المظاهر التي تتحدث عنها وغيرها مثلها كثير ، هي هي بعينها نواقس الخطر
الذي سوف تنتفض له القلوب ، وتزعج له النفوس ، وتتنادى له الأصوات ، إن عاجلاً أو آجلاً ..
والحق أن تباشير النور قد لاحت ، وها نحن نرى أن فريقا من هؤلاء النجوم الذين كانوا يملأون الدنيا فسادا ، ويحملون لواء الإفساد ،
قد استيقظوا ، وهالهم ما كانوا عليه ، وأزعجهم ما تكشف لهم ، فقرروا أن ينخلعوا من تلك الحياة ، على أن يستأنفوا حياة جديدة مع النور ، حملة للوائه ، وحرصا على أن يصلحوا ما أفسدوا ، على قدر الطاقة ، وقلة البضاعة ،
ولقد رأينا من ثمرات هؤلاء شيئا مفرحا ، ونسأل الله أن تتنداح الدائرة ، وتتسع رقعة الإصلاح ، فيهم وبسببهم ..وما ذلك على الله بعزيز ..
مشكلتك أيها الحبيب الطيب أنك تنظر إلى الدنيا من خلال منظارٍ اسود قاتم ، يجعلك لا ترى إلا نصف الكأس ..!!
أخي ، أقول لكَ فاسمعني جيداً ،
هذا زمان الفتن التي تدع الحليم حيران ، وكلما جاءت فتنة رققت التي سبقتها ،
ومع هذا فهو زمان يحمل في طياته الخير والنور والهدى ،
زمان رجال _ ونساء _ يصنعون النهار بإذن الله لهذه الأمة ، وأن قلّ عددهم ، وتضاءلت إمكانياتهم ،
لكنهم ماضون ينشرون النور حيثما حملتهم أقدامهم ،
وهم الذين بشرت بهم النصوص أنهم يحملون الحق رغم قلتهم ، لا يضرهم من خالفهم ،
ويجهدون أن يزرعوا ربيع هذه الأمة من جديد ، وقلوبهم ملأى بالثقة بموعود الله أنه سيكون ،
ولهذا فهم ماضون فوق الأشواك ، ورغم قوة الرياح غير المواتية ، وقلوبهم تحترق بالحب لهذه الأمة لأنها أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ..
لسان حال أحدهم يهتف في ثقة :
ماضٍ وأعرفُ ما دربي وما هدفي ** والموتُ يربصُ لي في كل منعطفِ
وحين تلقى أحدهم وتفيض إليه بما يعتمل في صدرك من حريق بسبب ما تراه ،
يبتسم في وجهك وهو يقول :
ومع هذا كله فهذه الأمة موعودة بالنصر !!
ثم يردف إليك سؤاله القنبلة :
غير أن السؤال الكبير هو : ماذا فعلت أنت لدينك !؟
وما الدور الذي قررت أن تقوم به لتشارك في صناعة النهار لهذه الأمة ؟
وبهذا يلجمك حجرا كبيرا لأنك ترى أنك صفر على الشمال ، لا تحسن سوى النقد ، والكلام الكثير ، والطنطنة الفارغة ....!!
قال الراوي :
وشعرت أني أنا المعني بكلامه ، فطأطأت رأسي ، وأنا استغفر الله ..
ثم رفعت عيني في عينيه وقلت بهدوء :
أرجوكَ ، زدني من هذا الفيض ، زادك الله نوراً ، فإني أرى له صدى واضحاً في قلبي الآن ...
.........................للموضوع صلة ..