PDA

View Full Version : ( لكلِ أجلٍ كتـاب ... فاعتبروا .... )


بو عبدالرحمن
13-03-2005, 10:52 PM
كانتْ وفاةُ والدي رحمه الله ، وفاة طبيعية ، قبضه اللهُ على فراشهِ مريضاً ، بعد أن أدى صلاته على سريره ..

وحين خلوتُ إلى نفسي ، أستعرضُ شريطَ الذكرياتِ ، رأيتُ عجباً ..
وتجلى بين عينيّ درسٌ كبيرٌ ، كنتُ قرأت عنهُ مراراً في الكتب ،
وسمعت عنه كثيرا في الدروس والمحاضرات ومجالس الناس ..
لكني اليوم أراه ماثلاً بين عينيّ مترجما ً في سيرة الوالد رحمه الله .!!

ذلك أن الوالدَ كانَ قد تعرضَ للموتِ المحقق _ كما يقولون _ أكثر من ثلاث مرات ،
وكان ينجو _ كما يعبرون _ بأعجوبة ..!!
لكني أقول :
إنما هو لطف الله به ، ينجيه برحمته ، لأن ساعته المقدرة له لم تحن بعد ..!
ولما حانت ، لم ينجه شيء ، ولم ينفعه أحد ..!

وللهِ در الشاعر حيثُ يقول :
أي يوميّ من الموتِ أفرّ ** يومَ لا يُقدرُ أم يومٍ قُدرْ ؟؟!
يوم لا يُقدرُ لا أرهبهُ ** ومن المقدورِ لا ينجي الحذرْ !!؟

وقبل هذا وأجمل من هذا قول الحق تبارك اسمه :
( فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ )

وإليك هذه المشاهد العجيبة ، والقصص الغريبة ، تأملها لعل الله ينفعك بها :
= =


المشهد الأول :
كنتُ أجلسُ بين يديه رحمه الله يوماً ، فأخذَ يحدثني عن بعضِ ذكرياته في أول شبابه
، وفجأة مد إليّ يديه وقال : انظر ..! انظر ..!! سبحان الله ..!
ونظرتُ فإذا شعر ساعديه كله قد تحفز ووقف ..!!
قال :
كلما تذكرتُ هذه الحادثةَ يقشعرُ جسمي كله ، كأنما أعيشُ تلك اللحظات المخيفة ..!
قال : كنتُ أسيرُ في حذرٍ وسط حشائشَ كبيرة ، وأشجار كثيرة ، أبحث عن شيء
( نسيت ما كان يبحث عنه وقد سماه لي ) ..
قال :
وكانت ساعة الغروب قد آذنت وأزفت ، وزحوف الليل بدأت تلوح ،
وكنتُ منهمكاً في البحث ، أقلبُ نظري ، وفجأة سمعتُ حساً من ورائي ،
فالتفتُ التفاتةَ المذعور ، وقد اقشعر جسدي كله ، فإذا بي في مواجهةِ أفعى كبيرة
قد انتصبت واقفةً ، كانت بطول قامتي _ ولم يكن طويلاً _ ..

قال : كانت الأفعى المخيفة لا تبعد عني سوى بضعة أشبار لا غير ،
وكانت في وضعية المتحفز للانقضاض ، ولم أرَ في حياتي أفعى كهذه ،
على كثرة ما رأيت من أفاعٍ ..!

قال : وتجمدتْ الدماءُ في عروقي تماماً ، وتصلبت كل عضلة في جسمي ،
وأخذ العرقُ يتقاطر من جبيني رغم أن الجو كان بارداً ، وأخذت ألهج في جزع
وفزع بذكر الله سبحانه .. فليس لي سواه ..

قال : ولا أدري كيف تجمدتُ بالكلية ، فلم تنبس مني كلمة ولا آهة ولا صرخة ،
ولم أصدر أية حركة ، ولا اهتز فيّ رمش عين .. من هول ما أرى ..!
كنتُ مرعوبا غاية الرعب ، وأنا أحملق في وجه هذه الأفعى المتربصة ،
أترقب متى ستنقض عليّ ، ولا أدري كم مر من الوقت ، وأنفاسي تكاد تختنق ..!

قال : ويشاء الله برحمته أن أراها تتقلص وتتقاصر ثم لا تزال تتقاصر
حتى التصقت بالأرض تماما ، وانسحبت لتتوارى بين تلك الأشجار ..!!
وكدتُ أن أسقط من الإعياء ..
وسحبت نفسي سحبا إلى أهلي ومرضت أياما ، بسبب هذه الحادثة .!
لقد كتب الله لي عمراً جديداً ، وشرعت أقلبُ صفحة جديدة في حياتي ..!

فهل من معتبر ..!!
وظلت هذه الحادثة عالقة في ذهني ، أرجف لها كلما تذكرتها !!
= =


يتبع ... المشهد الثاني والثالث والرابع ....

بو عبدالرحمن
13-03-2005, 10:56 PM
المشهد الثاني :
في إبان الحرب الأهليةِ المروعة التي شبت نيرانها في سنة 1986 ،
وكان القتلى فيها عشرات الآلاف ، لا يعرف المقتول ، لماذا قُتِلَ ؟ ..
فقد كانَ القتلُ على الهوية فحسب ، بل على حسب المنطقة التي أنت منها !!
فكانت حرب مناطقية مروعة ، حصدت أرواح كثيرة من أبناء المسلمين .!

كان الوالد رحمه الله أيامها قد تجاوز الستين من عمره ، وكان الخروج من البيت
مغامرة خطرة للغاية ، لأن القتل يتربص في الطرقات ..!

قال رحمه الله :
اضطررت أن أخرج لحاجة قصوى من حاجات أهل البيت ، على أمل أن أفلح
في العودة سالما ، ولعل وعسى ..
فاستعنت بالله ، وخرجت محاذراً أترقب على وجل ...
واستطعت أن أقطع شوطاً لا بأس به بعيدا عن البيت ، دون أن أتعرض لحادث ..

وما راعني إلا أن سمعتُ من يصيحُ بي يستوقفني ،
وإذا بثلاثةٍ من الشبابِ بأسلحتهم يتراكضون نحوي ، كأنما عثروا على فريسة !!
فأيقنتُ بأن ساعة خروجي من هذه الدنيا قد حان !!
فهؤلاء _ بقسميهم _ لا يتورعون من قتل من يقابلوه ولو كان مسناً ..!

لم يكلفْ هؤلاء أنفسهم بالسؤال عن هويتي ، فقد كان بعضهم يعرفني جيداً ،
وأني محسوبٌ كخصمٍ لهم في هذه الحرب ، مع أنه لا ناقة لي فيها ولا جمل !!
وأمرني شابٌ منهم أن ألزم الحائط القريب ، لتتم عملية الإعدام رمياً بالرصاص !
وشرع أحدهم يهيئ رشاشه السريع الطلقات لعملية الإطلاق .!
انقطعتْ أسباب الدنيا كلها ، ولم يبق سوى سبب السماء ،
فبقيت ألهج بذكر الله وأنا مغمض العينين ، أترقب متى ستستقر الرصاصات في جسدي ، فأخر صريعاً !

وفجأة سمعتُ محركَ سيارةٍ تقبلُ مسرعةً ، ففتحت عيني فإذا هي تتوقف على بعد قريب منا ، ويترجل منها رجلان ..!
حين وقع نظري على الأول منهما ، سقط أخر حبلِ رجاءٍ بالنجاة كنتُ آمل فيه !!


لقد كان هذا القادم أخبث رجل عرفته ،
هو صورة الشيطان يمشي بين الناس على رجلين ،
كان رجلا ملحدا ، يجاهر في إلحاده ، ويجاهر بعدائه لدين الله سبحانه ،
وكنتُ أتقرب إلى الله ببغضه وكراهيته والدعاء عليه !!

وأيقنت بالهلاك بعد رؤية هذا الشيطان ، لاسيما وهو المسئول عن هؤلاء في هذه المنطقة !!
وقرُبَ مني وصاحبه ، وأخذ يحدق فيّ لدقائق وهو يهز رأسه ،

ثم التفت إلى الشبان الثلاثة وقال : أما هذا فدعوه ، لا حاجة لنا به !!!!!
وعاد يلتفتُ إليّ ثم قال : الزم بيتك .. اليوم نجوت ، وغدا قد لا تنجو ..!!

ولم يكتفِ بهذا بل أمر السائق الذي جاء به ، أن يحملني بالسيارة إلى بيتي حتى لا يعترضني أحد !!!!!

وفي السيارة تنفست الصعداء ، وذرفت دموع شكر لله سبحانه ،
وأنا أتفكر فيما حدث لي ، وكيف يسر الله نجاتي على يد هذا الرجل بالذات دون أي إنسان آخر !!

فسبحان الله رب العالمين ... من إذا شاء فلا يعجزه شيء ..!
ومرة أخرى يكتب الله لي عمراً جديداً .... فهل من معتبر ..!؟
= =
يتبع ....

بو عبدالرحمن
13-03-2005, 11:00 PM
المشهد الثالث :
كنتُ وقتها صغير ، ربما لم أتجاوز السادسة من عمري ،
وحين قص الوالد رحمه الله هذه القصة ، كنت أشبه بمن يرى أحداثها من وراء ضباب ،
لأني كنت شاهدا عليها ، مشاركا فيها حين وقعت ، غير أن ذاكرة الطفل لا تسعف ..!

استأجر الوالد سيارةً لنقل الأسرةِ كلها إلى الريف ، لقضاء جزءٍ من عطلة الصيف هناك
لدى بعض الأرحام ، كانت السيارة قديمة ( هشة ! ) تحسبها تمشي وتكح !!

قطعت مسافة ثلاث ساعات تقريبا ، في أكثر من ست ساعات وفي جهد !!

حين وصلتْ بنا إلى عقبة كبيرة كؤود ، طالما تدهورت أعداد من السيارات فيها ، ومات خلق كثير بسببها ،
إذا بهذه السيارة وقد قاربت أن تصل إلى القمة ، تتوقف قليلاً أولا ، ثم أخذت تتراجع إلى الوراء !!!

والسائق الذي يبدو أنه لم يكن متمكناً ، لم يملك سوى الصراخ ، وهو يدوس بكل قواه على الفرامل
، ويمسك المقود بيديه المتشنجتين ، ولا يدري ماذا يفعل ، ولا كيف يتصرف ،
والسيارة في طريقها نحو الهاوية !!

ومن رحمة الله أنه لم تكن هناك سيارات مقبلة ، وإلا لكانت كارثة مروعة !!
بقيت السيارةُ تعود إلى الخلف ، والسائق يصيح كالمجنون ،
والوالد يتلفت في حيرة ، والعائلة بين باكٍ ونائم ، وطفل لا يدري ماذا يحدث !!

ألهم الله سبحانه الوالد رحمه الله أن يرى في عرض الطريق أحجارا وصخورا ،
فما كان منه إلا أن فتح الباب فجأة وقفز خارجا ، وتدحرج وبادر يحمل حجرا كبيرا ،
وأخذ يعدو وراء السيارة المنزلقة ، ثم رمى بنفسه قربها ليضع الحجر أسفل منها ،
فإذا بها تتوقف حيث هي ..!!

وتنفس الجميع الصعداء ...! فكتبت حياة جديدة لكل واحد فيهم ..!
وأقبلت سيارات أخرى ، فتعاون الجميع على سحب هذه السيارة نحو القمة ،
ومعالجة ما بها من عطب ...!!

ولم أذكر أن الوالد ساعتها سب السائق أو شتمه أو صرخ في وجهه ،
لكني أحسب أنه عاتبه على أن يسوق مثل هذه السيارة التي مكانها المتحف ليس غير !!
= =

وهناكَ مشهدٌ رابع .. خلاصته :

أنه رحمه الله تعرّضَ لحادثِ تدهورِ سيارة ،
كلّ من رأى الحادثَ يومها ، ظن أن من بداخلها قد قضى نحبه ولابد ،
غير أن الله سلّمَ ، ولم يُصبِ الوالد سوى بكسور ورضوض فحسب ..!

وعاد ليبني الحياةَ من حوله ، ويرمم ما يمكنُ ترميمه فيها !!

فلما حان أجله ، مات على فراشه ...!
فسبحان الله رب العالمين ...
= =
لقد كان في قصصهم عبرة ..
وهذه قصصٌ فيها عبرة وعظة ودروس لمن كان له قلب وهو شهيد ..
نسأل الله سبحانه
أن يرزقنا إيماناً صادقا ، ويقيناً راسخاً ، وثباتاً حتى الممات ..
اللهم آمين .. اللهم آمين ..

زمردة
14-03-2005, 06:53 AM
اللهم آميــــــــــــــــــن ..

وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)


نسأل الله أن يجعل لنا من كل ضيق مخرجاً ..

وأن يثبتنا على التقوى والإيمان حتى الممات ..



رحم الله والدكم شيخنا الفاضل بو عبدالرحمن ..

قصص قوية أحسنت عرضها ..

فيها تتجلى عظمة الاستقامة على شرع الله (( احفظ الله يحفظك )) ..

جزاك الله خيراً على سردها لنا ..

هايدي
14-03-2005, 01:30 PM
أخي وأستاذي الفاضل ... بو عبدالرحمن

رحم الله والدنا الطيب وجعل مرتبته أعلى مراتب الجنان ..

نعم ..
قصص كلها تنطق بقدرة الله تعالى ..
تنطق بقوة المؤمن المحتسب ( نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا ) ..

تنطق بأن الموت آت ..
سواء كان بحادث ما أو بفراشه ..

فلكل أجل كتاب ..!!

جزاك الله خيراً على ماطرحت ..
وعلى برك بوالدك ..

بو عبدالرحمن
16-03-2005, 06:25 AM
الأخت الفاضلة / زمردة ...
رعاك الله وحفظك وبارك فيك

شكرَ اللهُ لكِ هذهِ المتابعةَ الواعية

وإني أسألُ اللهَ سبحانهُ أن ينيرَ قلبكِ ويزيده نورا بما تقرأين َ

ولا يزال في زيادة نور حتى يتوهجَ..

اللهم آمين ..

جزاك اللهُ خيراً على هذه الدعوات الطيبة لنا ولوالدنا

ولك بمثلِ ما دعوتِ وأضعاف ذلك

اللهم آمين

بو عبدالرحمن
18-03-2005, 10:16 AM
الأخت الفاضلة / هايدي ..
....... رحم الله والديك ورفع الله قدرك

رحم الله موتانا وموتاكم وموتى جميع المسلمين تحت كل سماء ..

نعم إنها لقصص تنطق بالعبرة والدرس

وتعمق اليقين بالله ، والثقة بكلامه في كتابه الكريم

والنصوص تتوالى أن لكل أجلٍ كتاب ،

وأنه لن تقبض نفس إلا بعد أن توفى أجلها المكتوب المحدد لها

فلا يتقدم أجل بسبب شجاعة إنسان

ولن يتأخر أجل بسبب جبن إنسان !

نسأل الله أن يرزقنا اليقين التام ، لنمضي في هذه الحياة في كامل التألق

وحين يوافينا الأجل نلقى ربنا وهو راضٍ عنا

اللهم آمين

جزاك الله خير الجزاء وبارك الله فيك حيثما كنت

ارياف2004
18-03-2005, 03:43 PM
اللهم امين


سبحان الله مواقف عجيبة تدل على حفظ الله ورعايته لمن خافه وتقاه


رحم الله والدك واسكنه الفردوس الاعلى من الجنة


وغفر لنا وثبتنا الى يوم ان نلقاه


وجعلنا ممن يستمع الى القول فيتبع احسنه


وجزاك الله الفردوس الاعلى من الجنة على هذه التذكرة

عقد الياسمين
22-06-2006, 12:54 PM
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
شيخنا الفاضل - بو عبد الرحمن
رحم الله الجميع و غفر لهم و أسكنهم فسيح جناته
وسبحان الله لكل أجل كتاب و وقت إذا حان وكان لن يمنعه أحد
و من حفظ الله حفظه
و السر الأكبر في ما كان يفعل المرء في خلوته و وقت راحته وسعادة
فالكثير منا يعرف الله في الشدة أما الرخاء فالله العالم بالحال
مواقف فيها الكثير من العبر و التي تعلمن أن نعلق هذا القلب بالله في كل وقت
جزاك الله كل خير
وبالله التوفيق