USAMA LADEN
23-03-2005, 04:28 AM
عبد الباري عطوان
قرار الزعماء العرب المشاركين في قمة الجزائر بـ تفعيل مبادرة السلام العربية امر مضحك بكل المقاييس، فهؤلاء يتصرفون وكأنهم مهمون فعلا، والعالم ينتظر قراراتهم ومبادراتهم علي أحر من الجمر، ولا يدرون ان اجتماعا مصغرا لخبراء منظمة اوبك اكثر اهمية من اجتماعهم، وربما بعشرات المرات.
المبادرة الوحيدة التي تنتظرها الولايات المتحدة من العرب وقمتهم هي التخلي عن ما تبقي من كرامتهم وقيمهم، والانتقال علي ظهر طائرة واحدة الي تل ابيب عارضين التطبيع الكامل وغير المشروط، ونسيان كل شيء آخر. وهي مبادرة ليست بعيدة، والمسألة مسألة وقت وتوقيت لا اكثر ولا اقل.
الوفد الاردني عندما طالب بتعديل مبادرة السلام العربية، بحيث تتضمن بندا حول التطبيع الكامل، دون تطبيق قرارات الشرعية الدولية، والانسحاب من الاراضي المحتلة، لم يكن ينطق عن هوي، بل جاء يحمل التعليمات او الاملاءات الامريكية كاملة، ودون اي رتوش، ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه ويستهبل الآخرين.
الخلاف بين الزعماء العرب المشاركين او المقاطعين للقمة لم يكن حول مبدأ التطبيع، وانما كيفية تطبيقه، فالبعض مثل الاردن ومصر والمغرب، يريدونه كاملا وفوريا وغير مشروط، والبعض الآخر يريده تدريجيا، كأن يبدأ بالمصافحات العرضية، ثم اللقاءات السرية، تتلوها اخري شبه علنية، ثم بعد ذلك يتم فتح مكتب دبلوماسي تحت عنوان تجاري، يتحول الي سفارة في نهاية المطاف.
المبادرة العربية للسلام في صيغتها السعودية الاصلية، نصت علي التطبيع، ولكن بعد الانسحاب من الاراضي المحتلة، واسقطت ركنا اساسيا من اركان التسوية وهو حق العودة لستة ملايين فلسطيني، وعندما عملت قمة بيروت علي تصويب ومن ثم تصليب هذه المبادرة، بالتأكيد علي هذا الحق علي اساس قرار الامم المتحدة رقم 194، لم تعرها الولايات المتحدة أي اهتمام، ورد عليها شارون باعادة احتلال الضفة ووضع الرئيس الفلسطيني تحت الاقامة الجبرية في مكتبه في رام الله. والمبادرة الاردنية ارادت اعادة هذه المبادرة الي صيغتها الاولي، التي وضعها الصحافي الامريكي توماس فريدمان، ولهذا حمل وزير الخارجية الاردني تعديلاته الي الرياض اولا.
حكومتا الاردن ومصر بزتا جميع الحكومات العربية الاخري باقامة علاقات تطبيعية كاملة مع الدولة العبرية، ووقعتا اتفاقات اقتصادية، ورسمتا الحدود رسميا، وانهتا حالة العداء، فماذا حققتا للعرب او القضية الفلسطينية مقابل ذلك.. لا شيء علي الاطلاق، غير الحصول علي مساعدات مالية من الولايات المتحدة الامريكية كثمن لهذا التنازل الضخم، والاقتراب امتار اضافية الي قلب اللوبي اليهودي في امريكا.
السيد هاني الملقي، وزير خارجية الاردن، سيخرج الفائز الاكبر من هذه القمة، فقد ادي الدور المطلوب منه علي اكمل وجه، ودافع بحرارة عن التعديلات المطلوبة امريكيا، واثبت لادارة الرئيس بوش انه حليف جيد مستعد لانجاز المهام الصعبة، ونقل الرسائل بكل امانة، مهما كانت فجاجتها، الامر الذي سيرفع اسهم حكومته ويمهد لحصولها علي المزيد من المساعدات المالية السنوية. فاقرار القمة للتعديلات الاردنية ليس هو المهم، وانما الجرأة في العرض، والدفاع عنها. وكلما زادت المعارضة وكلمات الاستهجان، كلما ارتفع الاجر!
انها قمة تعكس حال الهوان، التي وصلت اليها الامة العربية. في الماضي كان الحضور هو القاعدة، اما الان فقد انعكست الصورة، وبات الحضور هو الاستثناء والغياب هو القاعدة. فبعد ان سقطت مؤسسة القمة في اعين الشعوب، ها هي تسقط في اعين اعضائها المخضرمين والجدد.
في الماضي كان السؤال هو من سيتغيب من الزعماء العرب، اما السؤال المطروح الان فهو من سيحضر منهم، ولماذا، فنصف الزعماء العرب يتغيبون دون اي اسباب وجيهة، او غير وجيهة. فحضور مباراة لكرة القدم، او رالي للسيارات، او رحلة صيد باتت اهم، واكثر فائدة ومتعة، من حضور قمة من المفترض انها تبحث ما يسمي بمستقبل الامة وقضاياها المصيرية!
ومن المفارقة انه كلما تراجعت اهمية القمم العربية سياسيا كلما تزايدت احداثها اثارة، ففي قمة القاهرة الطارئة شهدنا فصلا من الردح القممي بين الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي والزعيم الليبي معمر القذافي، وبات الشغل الشاغل للصحافيين والدبلوماسيين والمشاهدين العرب في قمة الجزائر، ليس معرفة البيان الختامي، او القرارات المصيرية، وانما الاستمتاع بالفصل الثاني من هــذه المسرحــية، وما اذا كان الزعــيم الليبي سيثأر لنفسه ويدخل في مواجهة باللكمات، او بالكلمات، مع غريمه السعودي، بعد ان اكتشــف ان فضيــلة الصمت فــي المواجــهة الاولي لم تشف الغليل، واظهــرته بمظهر الضعيف امام عشرات الملايين من العرب، الذين شاهدوا المواجهة الاولي علي الهواء مباشرة، وبعد ان فشلت الخطط والمؤامرة المزعومة في اغتيال الامير عبد الله انتقاما.
في الماضي كنا نسخر من كلمات الشجب والادانة والمبالغة في الهجوم اللفظي علي اسرائيل والولايات المتحدة، التي باتت جزءا اساسيا من قرارات القمم العربية، الان اختفت كل هذه الكلمات، مثلما اختفت معها كلمات اخري مثل الانتفاضة والمقاومة والصمود، والعدوان، والانحياز الامريكي، وحلت محلها مفردات جديدة مثل التطبيع، الحوار، التنسيق، السلام، التعاون الاقتصادي، وخريطة الطريق، والتعايش والتسامح، والمفاوضات دون شروط.
اليوم يوجه العرب الدعوة لارييل شارون لحضور قمة المعلومات في تونس، ولن نفاجأ غدا اذا ما تم توجيه الدعوة له، او لمن ينوب عنه لحضور القمة العربية المقبلة، كممثل لدولة صديقة او شقيقة، لبحث القضايا المشتركة التي تهم جميع ابناء المنطقة!
لهذه الاسباب تتصاعد موجات التطرف في المنطقة، ويصبح زعيم تنظيم القاعدة الاكثر شعبية في معظم الدول العربية والاسلامية، وتصل السيارات المفخخة الي الدوحة بعد الرياض، وربما الي دبي وابو ظبي والقاهرة وغيرها من العواصم العربية في المستقبل القريب. فالرجل، اختلفنا معه او اتفقنا يقول ويفعل اما الزعماء فقالوا ولم يفعلوا في الماضي وتوقفوا حتي عن القول ناهيك عن الفعل في الحاضر.
المصدر: القدس العربي 21/3/2005
سحقا عبيد الغرب إن جباهكم .... لغبار نعل الباذلين مماسحُ
تيهي ضفافَ الرافدينِ وزَمْجري ** فاضَتْ بأشلاءِ الغُزاةِ أباطِحُ
قرار الزعماء العرب المشاركين في قمة الجزائر بـ تفعيل مبادرة السلام العربية امر مضحك بكل المقاييس، فهؤلاء يتصرفون وكأنهم مهمون فعلا، والعالم ينتظر قراراتهم ومبادراتهم علي أحر من الجمر، ولا يدرون ان اجتماعا مصغرا لخبراء منظمة اوبك اكثر اهمية من اجتماعهم، وربما بعشرات المرات.
المبادرة الوحيدة التي تنتظرها الولايات المتحدة من العرب وقمتهم هي التخلي عن ما تبقي من كرامتهم وقيمهم، والانتقال علي ظهر طائرة واحدة الي تل ابيب عارضين التطبيع الكامل وغير المشروط، ونسيان كل شيء آخر. وهي مبادرة ليست بعيدة، والمسألة مسألة وقت وتوقيت لا اكثر ولا اقل.
الوفد الاردني عندما طالب بتعديل مبادرة السلام العربية، بحيث تتضمن بندا حول التطبيع الكامل، دون تطبيق قرارات الشرعية الدولية، والانسحاب من الاراضي المحتلة، لم يكن ينطق عن هوي، بل جاء يحمل التعليمات او الاملاءات الامريكية كاملة، ودون اي رتوش، ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه ويستهبل الآخرين.
الخلاف بين الزعماء العرب المشاركين او المقاطعين للقمة لم يكن حول مبدأ التطبيع، وانما كيفية تطبيقه، فالبعض مثل الاردن ومصر والمغرب، يريدونه كاملا وفوريا وغير مشروط، والبعض الآخر يريده تدريجيا، كأن يبدأ بالمصافحات العرضية، ثم اللقاءات السرية، تتلوها اخري شبه علنية، ثم بعد ذلك يتم فتح مكتب دبلوماسي تحت عنوان تجاري، يتحول الي سفارة في نهاية المطاف.
المبادرة العربية للسلام في صيغتها السعودية الاصلية، نصت علي التطبيع، ولكن بعد الانسحاب من الاراضي المحتلة، واسقطت ركنا اساسيا من اركان التسوية وهو حق العودة لستة ملايين فلسطيني، وعندما عملت قمة بيروت علي تصويب ومن ثم تصليب هذه المبادرة، بالتأكيد علي هذا الحق علي اساس قرار الامم المتحدة رقم 194، لم تعرها الولايات المتحدة أي اهتمام، ورد عليها شارون باعادة احتلال الضفة ووضع الرئيس الفلسطيني تحت الاقامة الجبرية في مكتبه في رام الله. والمبادرة الاردنية ارادت اعادة هذه المبادرة الي صيغتها الاولي، التي وضعها الصحافي الامريكي توماس فريدمان، ولهذا حمل وزير الخارجية الاردني تعديلاته الي الرياض اولا.
حكومتا الاردن ومصر بزتا جميع الحكومات العربية الاخري باقامة علاقات تطبيعية كاملة مع الدولة العبرية، ووقعتا اتفاقات اقتصادية، ورسمتا الحدود رسميا، وانهتا حالة العداء، فماذا حققتا للعرب او القضية الفلسطينية مقابل ذلك.. لا شيء علي الاطلاق، غير الحصول علي مساعدات مالية من الولايات المتحدة الامريكية كثمن لهذا التنازل الضخم، والاقتراب امتار اضافية الي قلب اللوبي اليهودي في امريكا.
السيد هاني الملقي، وزير خارجية الاردن، سيخرج الفائز الاكبر من هذه القمة، فقد ادي الدور المطلوب منه علي اكمل وجه، ودافع بحرارة عن التعديلات المطلوبة امريكيا، واثبت لادارة الرئيس بوش انه حليف جيد مستعد لانجاز المهام الصعبة، ونقل الرسائل بكل امانة، مهما كانت فجاجتها، الامر الذي سيرفع اسهم حكومته ويمهد لحصولها علي المزيد من المساعدات المالية السنوية. فاقرار القمة للتعديلات الاردنية ليس هو المهم، وانما الجرأة في العرض، والدفاع عنها. وكلما زادت المعارضة وكلمات الاستهجان، كلما ارتفع الاجر!
انها قمة تعكس حال الهوان، التي وصلت اليها الامة العربية. في الماضي كان الحضور هو القاعدة، اما الان فقد انعكست الصورة، وبات الحضور هو الاستثناء والغياب هو القاعدة. فبعد ان سقطت مؤسسة القمة في اعين الشعوب، ها هي تسقط في اعين اعضائها المخضرمين والجدد.
في الماضي كان السؤال هو من سيتغيب من الزعماء العرب، اما السؤال المطروح الان فهو من سيحضر منهم، ولماذا، فنصف الزعماء العرب يتغيبون دون اي اسباب وجيهة، او غير وجيهة. فحضور مباراة لكرة القدم، او رالي للسيارات، او رحلة صيد باتت اهم، واكثر فائدة ومتعة، من حضور قمة من المفترض انها تبحث ما يسمي بمستقبل الامة وقضاياها المصيرية!
ومن المفارقة انه كلما تراجعت اهمية القمم العربية سياسيا كلما تزايدت احداثها اثارة، ففي قمة القاهرة الطارئة شهدنا فصلا من الردح القممي بين الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي والزعيم الليبي معمر القذافي، وبات الشغل الشاغل للصحافيين والدبلوماسيين والمشاهدين العرب في قمة الجزائر، ليس معرفة البيان الختامي، او القرارات المصيرية، وانما الاستمتاع بالفصل الثاني من هــذه المسرحــية، وما اذا كان الزعــيم الليبي سيثأر لنفسه ويدخل في مواجهة باللكمات، او بالكلمات، مع غريمه السعودي، بعد ان اكتشــف ان فضيــلة الصمت فــي المواجــهة الاولي لم تشف الغليل، واظهــرته بمظهر الضعيف امام عشرات الملايين من العرب، الذين شاهدوا المواجهة الاولي علي الهواء مباشرة، وبعد ان فشلت الخطط والمؤامرة المزعومة في اغتيال الامير عبد الله انتقاما.
في الماضي كنا نسخر من كلمات الشجب والادانة والمبالغة في الهجوم اللفظي علي اسرائيل والولايات المتحدة، التي باتت جزءا اساسيا من قرارات القمم العربية، الان اختفت كل هذه الكلمات، مثلما اختفت معها كلمات اخري مثل الانتفاضة والمقاومة والصمود، والعدوان، والانحياز الامريكي، وحلت محلها مفردات جديدة مثل التطبيع، الحوار، التنسيق، السلام، التعاون الاقتصادي، وخريطة الطريق، والتعايش والتسامح، والمفاوضات دون شروط.
اليوم يوجه العرب الدعوة لارييل شارون لحضور قمة المعلومات في تونس، ولن نفاجأ غدا اذا ما تم توجيه الدعوة له، او لمن ينوب عنه لحضور القمة العربية المقبلة، كممثل لدولة صديقة او شقيقة، لبحث القضايا المشتركة التي تهم جميع ابناء المنطقة!
لهذه الاسباب تتصاعد موجات التطرف في المنطقة، ويصبح زعيم تنظيم القاعدة الاكثر شعبية في معظم الدول العربية والاسلامية، وتصل السيارات المفخخة الي الدوحة بعد الرياض، وربما الي دبي وابو ظبي والقاهرة وغيرها من العواصم العربية في المستقبل القريب. فالرجل، اختلفنا معه او اتفقنا يقول ويفعل اما الزعماء فقالوا ولم يفعلوا في الماضي وتوقفوا حتي عن القول ناهيك عن الفعل في الحاضر.
المصدر: القدس العربي 21/3/2005
سحقا عبيد الغرب إن جباهكم .... لغبار نعل الباذلين مماسحُ
تيهي ضفافَ الرافدينِ وزَمْجري ** فاضَتْ بأشلاءِ الغُزاةِ أباطِحُ