زمردة
28-07-2006, 12:37 AM
صور من الصمود والإباء
خطبة للشيخ محمد عبد الله الهبدان
أيها المسلمون : لقد شاهدتم ما فعل يهود بغزة الأبية ..طائرات ودبابات .. صواريخ وراجمات..أجسام تمزقت ..وأشلاء تناثرت ..إن غزة الأبية اليوم ..تنطق لو كان لها لسان ، تستصرخ في نفوس المسلمين النخوة الإسلامية ، وتبعث في نفوس المسلمين عزة المسلمين،وتستثير في قلوب البشر عاطفة البشر ، في غزة الأبية الآن أمهات ثاكلات ، و زوجات مفجوعات ، و يتامى من صبية وبنات !! في غزة الأبية الآن .. قلوب متصدعة ، ودموع منهمرة ، وبيوت مخربة!! ومع ذلك فبشائر النصر لائحة ..وميادين العزة قائمة ..وسوق الجهاد رائجة .
أيها المسلمون : طالما تحدثنا عن بطولة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا تملها النفوس ولا تمجها الآذان ، ولكن سأحدثكم اليوم عن بطولات المقاومين الشرفاء . والأبطال الفضلاء من أبناء فلسطين الأبية .. فيا ترى بأي موقف نبدأ رحلتنا ..وبأي حادثة نفتح مسيرتنا .. دعونا نفتحها بالصغار كي يتأدب الكبار من أمثالنا ، ودعونا نستفتح بالبنات الصغيرات كي يفيق أمثالنا من سكرتهم ، ويستيقظوا من غفلتهم ، فهذه طفلة فلسطينية في العاشرة من عمرها ، تدعى ريم الرياشي ، جاءت إلى أحد القادة تطلب منه ماذا ؟ هل تطلب منه لعبة تلعب بها ؟ كلا ؛ هل تطلب منه حلوى تملأ بطنها منها ؟ كلا ؛ لقد طلبت منه أن يسمح لها بإقامة عملية استشهادية تقتل فيها أحفاد القردة والخنازير !! فيا الله ..فتاة صغيرة هذا هو همها .. وتلك هي طلبتها ، فردها الرجل ظناً منه أنه حماس الصغار ..يتلاشى مع مرور الأيام ..كما يحصل معنا نحن الكبار .. فإذ بها تأتيه بعد أسبوع ..مكررة نفس الطلب ..ولا تزال عزيمتها ماضية ..وهمتها عالية ..حتى مرت الأيام ..وأصبحت الصغيرة كبيرة ..وتزوجت وصار لها ولدان وهي لا تزال تصر على تنفيذ حاجتها – حتى احتاج المرابطون فتاة استشهادية ..فقال ذلك القائد ..هي عندي !! فسأل عنها حتى عرف منزلها ..وأخبرها بالأمر ففرحت بذلك أيما فرح ، واستبشرت بذلك أيما استبشار ..وكأنها تُزف في ليلة عرس .. فلا إله إلا الله على تلك النفوس الكريمة !!
جاء الأسبوع الذي حدد لإجراء العملية ..فاستأذنت زوجها للتفرغ للعبادة في أيامها الأخيرة ، فأذن لها .. وفي يوم الأربعاء موعد اللقاء اتُصل بها وتجهزت ..وفي أثناء سيرها لتنفيذ العملية ..حصل ظرف طارئ .. فاعتذر منها إلى الأسبوع الذي بعده – وهي لا تزال على موقفها صموداً واستبسالاً .. وفي آخر أربعاء من حياتها ـ رحمها الله ـ جاءت مع زوجها في سيارته إلى مكان الحادث وهي ترضع جنينها الصغير ؛ الرضعة الأخيرة في هذه الحياة ..وما أصعبها من لحظات ..وما أحرجها من ساعات ..فلما وصلت إلى مكان العملية ودعت زوجها وقبلت صبيانها ..وقالت لزوجها بكل قوة وشجاعة ..اللقاء بيننا في الجنة بإذن الله تعالى ، وانصرفت إلى نقطة تفتيش يهودية ، فما أن دخلت مع جهاز الإنذار إلا وقد ارتفعت أصوات التحذير والإنذار !! فاجتمع ستة نفر من الصهاينة للإمساك بها ، فلما رأتهم قد أقدموا إليها .قالت لأخت لها فلسطينية كبيرة ..اهربي من المكان ، فأسرعت هاربة .. وهنا جاءت ساعة الصفر فأطلقتها ضاربة أروع الأمثلة في الشجاعة والبسالة
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
فرحمك الله يا ريم وجعلك مع زوجك وأولادك في الجنة
قارن يا رعاك الله بين هذه الصورة الرائعة ..وصورة بعض نساء المسلمين اليوم، يا ترى ما هي القضايا التي شغلت بالهن ؟!وما الأمور التي أقضت مضاجعهن ؟!! لا أريد التفصيل فالإجمال هنا مطلوب لأن واقعنا مر مذاقه ولا حول ولا قوة إلا بالله .. فأين نحن من هؤلاء ..
لا تعرضن بذكرهم في ذكرنا **** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وعندما بدأت الانتفاضة الأولى ..شارك فيها الجميع ..الصغار والكبار ..الرجال والنساء ..فهذا رجل فلسطيني تجاوز عمره الستين عاما .. عندما كانت الحجارة سلاحاً لهم ولا تزال ..كان ينقل الماء عبر دراجته ..إلى أبطال الحجارة..الذين لم يجدوا إلا الحجر يقاتلون به يهود ..فليقاتلوا به ..فكان ذاك المسن .. يروح ويغدو ، ذاهباً وراجعاً ، يحضر الماء للأبطال ..يحتسب الأجر والثواب من الله في الإعانة ولو بإحضار الماء للمجاهدين الشرفاء ..فأين نحن من هؤلاء ؟!!
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أيها المسلمون : لقد كنا نسمع عن قصة حنظلة بن عامر غسيل الملائكة ونقرؤها في كتب السير ونحن الآن نسمعها نابعة من أرض فلسطين الأبية .. فهذا شاب في الثامنة عشرة من عمره يدعى بلال بن الشيخ نزار ريان يدخل على زوجته في ليلة عرسه ويبيت معها .. يقول والده فسمعت الصارخ قبل بزوغ الفجر من تلك الليلة ..ينادي.. حيّ على الجهاد ..معلناً اقتحام اليهود على شمال غزة ..فلبست ملابسي وأخذت سلاحي ..وترددت في طرق الباب على ولدي ليخرج للقتال وهو في أول ليلة من زواجه ..ولكني عزمت على ذلك وطرقته ..فردت عليّ زوجته قائلة.. لقد انطلق لعزه وكرامته !! فلا إله إلا الله ..في ليلة عرسه يترك زوجته الحسناء ..يتركها في ليلة تُعد في عرف الناس ..من أجمل ليالي العمر ، ومع ذلك ..يخرج مسرعاً ..دون غسل ..تاركاً خلف ظهره زهرة تفوح عطرا ..لأنه أدرك أن ما عند الله هو خير وأبقى ..وأدرك أن هناك جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
تهون الحياة وُكلٌّ يهوون ولكنَّ إسلامنـا لا يهون !
إذا ما أرادوا لنا أن نميل عن النهج قلنا لهم مستحيل
هو الدين عصمتنا في الحياة وليس لنا من سبيل سواه
فإسلامنا نبضنا والعيون على رَغم ما يمكر الماكرون
إلى الدين فالموت أولى بنا ولسنا نفرط في ديننا
وأقول كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الحمد لله الذي جعل في زماننا مثل حنظلة بن عامر رضي الله عنه !! فأين نحن من هؤلاء ؟!!
أيها المسلمون : هل تعلمون بماذا أوصت نعيمة عابد .. ولدها..وفلذة كبدها ..وريحانة فؤادها ..هل أوصته بأن يغادر فلسطين الأبية ..كي يُساكن الكفار ..للسياحة والدراسة ..كلا ..بل بعثته لليهود ..لا ليكون عميلا لهم ..يبث أفكارهم في صفوف المسلمين ..بل بعثته ليؤدب يهود ..وتقول له ..عندما تقابلهم ..( لا ترتعد أمام العدو ، و لا تهدر الرصاص ..ثم قالت : ( و رسالتي للأمهات الصهيونيات لا ترسلن أبناءكن للموت في معركة خاسرة ) ..لقد ذكرتني نعيمة بالخنساء ..وهي ترسل أبناءها للمعركة وتقول لهم : ( يا بنيّ: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا الله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم أبناء امرأة واحدة ما هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، اعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رسيسها، وتظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة ..وفي الصباح الباكر كانوا في مقدمة الصفوف ينفذون وصية الأم الحكيمة، ولما بلغها خبرهم قالت كلماتها المأثورة التي كتبها التاريخ الإسلامي بحروف من نور، وعاشت على جبين الزمان على مدار الأيام والأعوام ) الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعا في سبيل الله ونصرة دينه وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة ) .
فأين نحن من هؤلاء ..إن إخواننا هناك يضربون أروع الأمثلة في الصبر والمصابرة .. في مجالدة الأعداء ..وقتال الألداء ..يحتسبون الأجر والثواب من الله تعالى ، فأين نحن من هؤلاء ؟!! اشتكت زوجة أحد القادة إلى زوجة أخينا الكريم ..من سوء حال بيتها وأنه لا يوجد فيه من أساسيات المنزل فضلا عن محاسن الدنيا شيء ..وتقول لعل زوجك يؤثر عليه فيكلمه في الاهتمام ببيته وترميمه ..يقول صاحبنا فكلمته استجابة لهذه المرأة..فقال لي يا فلان ..لا أريد أن أحسن بيتي..حتى يكون السجن عندي كأنه قصر بالنسبة لبيتي الذي أسكنه .. فيا لله .. على تلك الأرواح الطاهرة !!
يا أمة الإسلام بشرى *** لن يطول بك الهوان
قد لاح فجرك باسما *** فلترقبي ذاك الزمان
نعم النصر قادم بإذن الله تعالى..ما دام عندنا أناس يعيشون بتلك النفوس العالية .. والهمم السامية ... (( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )) ( الحج : 41) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : إن إخواننا في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيشون حياة أخرى ..حياة كلها جهاد واستشهاد ..حياة كلها تضحية و فداء ..فهم يتقلبون في صور الجهاد المتنوعة ..وأشكاله المتعددة ..فعلى شدة الحصار الاقتصادي والضرب العسكري ؛ إلا أنهم صابرون محتسبون ..يقتسمون أموالهم القليلة فيما بينهم ويصدق عليهم قول الله تعالى (( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) ( الحشر : 9 ) . فالمرأة الفلسطينية تجود بأغلى ما تملك ..وهو ذهبها وحليها التي تتزين به أمام زوجها ..تنفقه في سبيل الله تعالى لسد جوعة الجائعين ..وكسوة المساكين ..ورعاية الأرامل واليتامى والمعوزين ..
لقد تكيف الشعب الفلسطيني مع حياة الجهاد ضد يهود ..وعرفوا أنه لن يكون هناك نصر بلا إيمان ..ولن يكون هناك نصر بلا تضحيات وابتلاءات ..ولن يكون هناك نصر بلا صبر على البلاء .. (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ )) ( البقرة : 214) .
ومن هنا نتساءل أيها المسلمون ..ونحن نعيش اليوم حربا بصورة أخرى ..وقتالا مستميتاً من قبل أعداء لا يقلون خطرا من يهود بل هم العدو الحقيقي كما قال الله (( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) ( المنافقون : 4 ) .
فأهل النفاق في بلادنا ..ارتفعت رؤوسهم ..لا رفعها الله ..وتعالت أصواتهم ..قطعها الله ..وكثرت مطالباتهم ..لا كثرها الله ..في تغريب المجتمع ..مستغلين أحداث الأمة الكبار ..وهكذا هم دائماً ..كفنا الله شرهم بما يشاء ..والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه ..لقد جاد إخواننا في فلسطين بكل ما يستطيعون في الدفاع عن دينهم ومقدساتهم وأعراضهم ..فماذا قدمنا نحن في جهاد المنافقين ؟!! هم جادوا بأرواحهم من أجل دينهم ..ونحن لا يتطلب الأمر أرواحاً ..ومع ذلك نرى تقاعس بعضنا عن مقاومتهم ، والحد من شرهم ؛ لقد فعل إخواننا في دفع الأعداء عنهم الغالي والنفيس ..وبذلوا أموالهم ..وسخروا جهودهم وأوقاتهم ..فماذا قدمنا نحن لحماية ديننا من أهل الفساد والإفساد ..هل أقمنا صحيفة تنشر الفضيلة ..وتحارب الرذيلة ..بل هل قاطعنا وسائلهم التي ينفثون سمومهم من خلالها !!..هل أقمنا قنوات فضائية تدعو إلى الله على بصيرة ..لقد قدمنا دراسات لإقامة قناة فضائية ..لبعض تجارنا الكرام..والسؤال الذي دائماً يُطرح أمامنا ..كم إرادات هذا المشروع ؟!! كم الأرباح والمكاسب المالية ؟!! ونسي هؤلاء ما يدفعه أصحاب القنوات الفضائية الفاسدة من الملايين في نشر فسادهم وباطلهم ؟!! ونحن معاشر أهل السنة ..لا نساهم إلا بمقابل مالي و مضمون ..فلا حول ولا قوة إلا بالله !! وحسبنا الله ونعم الوكيل ..عجباً لجلد الفاجر ..وعجز المؤمن .
ويا ترى أيها المسلمون : هل أقمنا مؤسسات لرعاية المطلقات والأرامل وقضاء حوائجهن كي لا تستغل حاجاتهن في مآرب فاسدة ؟!! هل فتحنا مكاتب للمحاماة للدفاع عن المظلومين والمظلومات الذين لا يستطيعون أخذ حقوقهم بسبب ضعفهم وقلة حيلتهم ؟!! هل اجتهدنا في محاربة مظاهر التبرج والسفور في بلادنا ؟!! هل أقمنا المستشفيات النسائية والرجالية التي تحفظ عورات المسلمين ؟!! هل بادر الغيورون في إنشاء الجامعات الأهلية لحفظ أبناء المسلمين وبناتهم من موجات التغريب والتي تحصل الآن من بعض الجامعات الأهلية ؟!!
إنني ومن على منبر محمد صلى الله عليه وسلم ..أناشد كل غيور على دينه..أناشد كل مؤمن ..أن يبذل ما يستطيع في نصرة هذا الدين ..بقلمه ..بفكره ..بجهده ..بماله ..بجاهه ..بمنصبه ..بكل ما يملك ..لتصبح قضية الدين ..هي القضية التي نعيش من أجلها ..ونحيا من أجلها ..وكفى جريا وراء سراب الحياة وملذاتها ..والدنيا ومفاتنها ..فيا رب استعملنا في طاعتك ..واجعلنا من أنصار دينك ..يا رب العالمين .
( منقول )
خطبة للشيخ محمد عبد الله الهبدان
أيها المسلمون : لقد شاهدتم ما فعل يهود بغزة الأبية ..طائرات ودبابات .. صواريخ وراجمات..أجسام تمزقت ..وأشلاء تناثرت ..إن غزة الأبية اليوم ..تنطق لو كان لها لسان ، تستصرخ في نفوس المسلمين النخوة الإسلامية ، وتبعث في نفوس المسلمين عزة المسلمين،وتستثير في قلوب البشر عاطفة البشر ، في غزة الأبية الآن أمهات ثاكلات ، و زوجات مفجوعات ، و يتامى من صبية وبنات !! في غزة الأبية الآن .. قلوب متصدعة ، ودموع منهمرة ، وبيوت مخربة!! ومع ذلك فبشائر النصر لائحة ..وميادين العزة قائمة ..وسوق الجهاد رائجة .
أيها المسلمون : طالما تحدثنا عن بطولة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لا تملها النفوس ولا تمجها الآذان ، ولكن سأحدثكم اليوم عن بطولات المقاومين الشرفاء . والأبطال الفضلاء من أبناء فلسطين الأبية .. فيا ترى بأي موقف نبدأ رحلتنا ..وبأي حادثة نفتح مسيرتنا .. دعونا نفتحها بالصغار كي يتأدب الكبار من أمثالنا ، ودعونا نستفتح بالبنات الصغيرات كي يفيق أمثالنا من سكرتهم ، ويستيقظوا من غفلتهم ، فهذه طفلة فلسطينية في العاشرة من عمرها ، تدعى ريم الرياشي ، جاءت إلى أحد القادة تطلب منه ماذا ؟ هل تطلب منه لعبة تلعب بها ؟ كلا ؛ هل تطلب منه حلوى تملأ بطنها منها ؟ كلا ؛ لقد طلبت منه أن يسمح لها بإقامة عملية استشهادية تقتل فيها أحفاد القردة والخنازير !! فيا الله ..فتاة صغيرة هذا هو همها .. وتلك هي طلبتها ، فردها الرجل ظناً منه أنه حماس الصغار ..يتلاشى مع مرور الأيام ..كما يحصل معنا نحن الكبار .. فإذ بها تأتيه بعد أسبوع ..مكررة نفس الطلب ..ولا تزال عزيمتها ماضية ..وهمتها عالية ..حتى مرت الأيام ..وأصبحت الصغيرة كبيرة ..وتزوجت وصار لها ولدان وهي لا تزال تصر على تنفيذ حاجتها – حتى احتاج المرابطون فتاة استشهادية ..فقال ذلك القائد ..هي عندي !! فسأل عنها حتى عرف منزلها ..وأخبرها بالأمر ففرحت بذلك أيما فرح ، واستبشرت بذلك أيما استبشار ..وكأنها تُزف في ليلة عرس .. فلا إله إلا الله على تلك النفوس الكريمة !!
جاء الأسبوع الذي حدد لإجراء العملية ..فاستأذنت زوجها للتفرغ للعبادة في أيامها الأخيرة ، فأذن لها .. وفي يوم الأربعاء موعد اللقاء اتُصل بها وتجهزت ..وفي أثناء سيرها لتنفيذ العملية ..حصل ظرف طارئ .. فاعتذر منها إلى الأسبوع الذي بعده – وهي لا تزال على موقفها صموداً واستبسالاً .. وفي آخر أربعاء من حياتها ـ رحمها الله ـ جاءت مع زوجها في سيارته إلى مكان الحادث وهي ترضع جنينها الصغير ؛ الرضعة الأخيرة في هذه الحياة ..وما أصعبها من لحظات ..وما أحرجها من ساعات ..فلما وصلت إلى مكان العملية ودعت زوجها وقبلت صبيانها ..وقالت لزوجها بكل قوة وشجاعة ..اللقاء بيننا في الجنة بإذن الله تعالى ، وانصرفت إلى نقطة تفتيش يهودية ، فما أن دخلت مع جهاز الإنذار إلا وقد ارتفعت أصوات التحذير والإنذار !! فاجتمع ستة نفر من الصهاينة للإمساك بها ، فلما رأتهم قد أقدموا إليها .قالت لأخت لها فلسطينية كبيرة ..اهربي من المكان ، فأسرعت هاربة .. وهنا جاءت ساعة الصفر فأطلقتها ضاربة أروع الأمثلة في الشجاعة والبسالة
وإذا كانت النفوس كبارا *** تعبت في مرادها الأجسام
فرحمك الله يا ريم وجعلك مع زوجك وأولادك في الجنة
قارن يا رعاك الله بين هذه الصورة الرائعة ..وصورة بعض نساء المسلمين اليوم، يا ترى ما هي القضايا التي شغلت بالهن ؟!وما الأمور التي أقضت مضاجعهن ؟!! لا أريد التفصيل فالإجمال هنا مطلوب لأن واقعنا مر مذاقه ولا حول ولا قوة إلا بالله .. فأين نحن من هؤلاء ..
لا تعرضن بذكرهم في ذكرنا **** ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وعندما بدأت الانتفاضة الأولى ..شارك فيها الجميع ..الصغار والكبار ..الرجال والنساء ..فهذا رجل فلسطيني تجاوز عمره الستين عاما .. عندما كانت الحجارة سلاحاً لهم ولا تزال ..كان ينقل الماء عبر دراجته ..إلى أبطال الحجارة..الذين لم يجدوا إلا الحجر يقاتلون به يهود ..فليقاتلوا به ..فكان ذاك المسن .. يروح ويغدو ، ذاهباً وراجعاً ، يحضر الماء للأبطال ..يحتسب الأجر والثواب من الله في الإعانة ولو بإحضار الماء للمجاهدين الشرفاء ..فأين نحن من هؤلاء ؟!!
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
أيها المسلمون : لقد كنا نسمع عن قصة حنظلة بن عامر غسيل الملائكة ونقرؤها في كتب السير ونحن الآن نسمعها نابعة من أرض فلسطين الأبية .. فهذا شاب في الثامنة عشرة من عمره يدعى بلال بن الشيخ نزار ريان يدخل على زوجته في ليلة عرسه ويبيت معها .. يقول والده فسمعت الصارخ قبل بزوغ الفجر من تلك الليلة ..ينادي.. حيّ على الجهاد ..معلناً اقتحام اليهود على شمال غزة ..فلبست ملابسي وأخذت سلاحي ..وترددت في طرق الباب على ولدي ليخرج للقتال وهو في أول ليلة من زواجه ..ولكني عزمت على ذلك وطرقته ..فردت عليّ زوجته قائلة.. لقد انطلق لعزه وكرامته !! فلا إله إلا الله ..في ليلة عرسه يترك زوجته الحسناء ..يتركها في ليلة تُعد في عرف الناس ..من أجمل ليالي العمر ، ومع ذلك ..يخرج مسرعاً ..دون غسل ..تاركاً خلف ظهره زهرة تفوح عطرا ..لأنه أدرك أن ما عند الله هو خير وأبقى ..وأدرك أن هناك جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .
تهون الحياة وُكلٌّ يهوون ولكنَّ إسلامنـا لا يهون !
إذا ما أرادوا لنا أن نميل عن النهج قلنا لهم مستحيل
هو الدين عصمتنا في الحياة وليس لنا من سبيل سواه
فإسلامنا نبضنا والعيون على رَغم ما يمكر الماكرون
إلى الدين فالموت أولى بنا ولسنا نفرط في ديننا
وأقول كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الحمد لله الذي جعل في زماننا مثل حنظلة بن عامر رضي الله عنه !! فأين نحن من هؤلاء ؟!!
أيها المسلمون : هل تعلمون بماذا أوصت نعيمة عابد .. ولدها..وفلذة كبدها ..وريحانة فؤادها ..هل أوصته بأن يغادر فلسطين الأبية ..كي يُساكن الكفار ..للسياحة والدراسة ..كلا ..بل بعثته لليهود ..لا ليكون عميلا لهم ..يبث أفكارهم في صفوف المسلمين ..بل بعثته ليؤدب يهود ..وتقول له ..عندما تقابلهم ..( لا ترتعد أمام العدو ، و لا تهدر الرصاص ..ثم قالت : ( و رسالتي للأمهات الصهيونيات لا ترسلن أبناءكن للموت في معركة خاسرة ) ..لقد ذكرتني نعيمة بالخنساء ..وهي ترسل أبناءها للمعركة وتقول لهم : ( يا بنيّ: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا الله إلا هو، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم أبناء امرأة واحدة ما هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، اعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، وجللت نارا على أوراقها ، فتيمموا وطيسها ، وجالدوا رسيسها، وتظفروا بالغنم والكرامة، في دار الخلد والمقامة ..وفي الصباح الباكر كانوا في مقدمة الصفوف ينفذون وصية الأم الحكيمة، ولما بلغها خبرهم قالت كلماتها المأثورة التي كتبها التاريخ الإسلامي بحروف من نور، وعاشت على جبين الزمان على مدار الأيام والأعوام ) الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم جميعا في سبيل الله ونصرة دينه وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة ) .
فأين نحن من هؤلاء ..إن إخواننا هناك يضربون أروع الأمثلة في الصبر والمصابرة .. في مجالدة الأعداء ..وقتال الألداء ..يحتسبون الأجر والثواب من الله تعالى ، فأين نحن من هؤلاء ؟!! اشتكت زوجة أحد القادة إلى زوجة أخينا الكريم ..من سوء حال بيتها وأنه لا يوجد فيه من أساسيات المنزل فضلا عن محاسن الدنيا شيء ..وتقول لعل زوجك يؤثر عليه فيكلمه في الاهتمام ببيته وترميمه ..يقول صاحبنا فكلمته استجابة لهذه المرأة..فقال لي يا فلان ..لا أريد أن أحسن بيتي..حتى يكون السجن عندي كأنه قصر بالنسبة لبيتي الذي أسكنه .. فيا لله .. على تلك الأرواح الطاهرة !!
يا أمة الإسلام بشرى *** لن يطول بك الهوان
قد لاح فجرك باسما *** فلترقبي ذاك الزمان
نعم النصر قادم بإذن الله تعالى..ما دام عندنا أناس يعيشون بتلك النفوس العالية .. والهمم السامية ... (( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )) ( الحج : 41) .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم
الخطبة الثانية
أيها المسلمون : إن إخواننا في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيشون حياة أخرى ..حياة كلها جهاد واستشهاد ..حياة كلها تضحية و فداء ..فهم يتقلبون في صور الجهاد المتنوعة ..وأشكاله المتعددة ..فعلى شدة الحصار الاقتصادي والضرب العسكري ؛ إلا أنهم صابرون محتسبون ..يقتسمون أموالهم القليلة فيما بينهم ويصدق عليهم قول الله تعالى (( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) ( الحشر : 9 ) . فالمرأة الفلسطينية تجود بأغلى ما تملك ..وهو ذهبها وحليها التي تتزين به أمام زوجها ..تنفقه في سبيل الله تعالى لسد جوعة الجائعين ..وكسوة المساكين ..ورعاية الأرامل واليتامى والمعوزين ..
لقد تكيف الشعب الفلسطيني مع حياة الجهاد ضد يهود ..وعرفوا أنه لن يكون هناك نصر بلا إيمان ..ولن يكون هناك نصر بلا تضحيات وابتلاءات ..ولن يكون هناك نصر بلا صبر على البلاء .. (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ )) ( البقرة : 214) .
ومن هنا نتساءل أيها المسلمون ..ونحن نعيش اليوم حربا بصورة أخرى ..وقتالا مستميتاً من قبل أعداء لا يقلون خطرا من يهود بل هم العدو الحقيقي كما قال الله (( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) ( المنافقون : 4 ) .
فأهل النفاق في بلادنا ..ارتفعت رؤوسهم ..لا رفعها الله ..وتعالت أصواتهم ..قطعها الله ..وكثرت مطالباتهم ..لا كثرها الله ..في تغريب المجتمع ..مستغلين أحداث الأمة الكبار ..وهكذا هم دائماً ..كفنا الله شرهم بما يشاء ..والسؤال الذي يطرح نفسه بنفسه ..لقد جاد إخواننا في فلسطين بكل ما يستطيعون في الدفاع عن دينهم ومقدساتهم وأعراضهم ..فماذا قدمنا نحن في جهاد المنافقين ؟!! هم جادوا بأرواحهم من أجل دينهم ..ونحن لا يتطلب الأمر أرواحاً ..ومع ذلك نرى تقاعس بعضنا عن مقاومتهم ، والحد من شرهم ؛ لقد فعل إخواننا في دفع الأعداء عنهم الغالي والنفيس ..وبذلوا أموالهم ..وسخروا جهودهم وأوقاتهم ..فماذا قدمنا نحن لحماية ديننا من أهل الفساد والإفساد ..هل أقمنا صحيفة تنشر الفضيلة ..وتحارب الرذيلة ..بل هل قاطعنا وسائلهم التي ينفثون سمومهم من خلالها !!..هل أقمنا قنوات فضائية تدعو إلى الله على بصيرة ..لقد قدمنا دراسات لإقامة قناة فضائية ..لبعض تجارنا الكرام..والسؤال الذي دائماً يُطرح أمامنا ..كم إرادات هذا المشروع ؟!! كم الأرباح والمكاسب المالية ؟!! ونسي هؤلاء ما يدفعه أصحاب القنوات الفضائية الفاسدة من الملايين في نشر فسادهم وباطلهم ؟!! ونحن معاشر أهل السنة ..لا نساهم إلا بمقابل مالي و مضمون ..فلا حول ولا قوة إلا بالله !! وحسبنا الله ونعم الوكيل ..عجباً لجلد الفاجر ..وعجز المؤمن .
ويا ترى أيها المسلمون : هل أقمنا مؤسسات لرعاية المطلقات والأرامل وقضاء حوائجهن كي لا تستغل حاجاتهن في مآرب فاسدة ؟!! هل فتحنا مكاتب للمحاماة للدفاع عن المظلومين والمظلومات الذين لا يستطيعون أخذ حقوقهم بسبب ضعفهم وقلة حيلتهم ؟!! هل اجتهدنا في محاربة مظاهر التبرج والسفور في بلادنا ؟!! هل أقمنا المستشفيات النسائية والرجالية التي تحفظ عورات المسلمين ؟!! هل بادر الغيورون في إنشاء الجامعات الأهلية لحفظ أبناء المسلمين وبناتهم من موجات التغريب والتي تحصل الآن من بعض الجامعات الأهلية ؟!!
إنني ومن على منبر محمد صلى الله عليه وسلم ..أناشد كل غيور على دينه..أناشد كل مؤمن ..أن يبذل ما يستطيع في نصرة هذا الدين ..بقلمه ..بفكره ..بجهده ..بماله ..بجاهه ..بمنصبه ..بكل ما يملك ..لتصبح قضية الدين ..هي القضية التي نعيش من أجلها ..ونحيا من أجلها ..وكفى جريا وراء سراب الحياة وملذاتها ..والدنيا ومفاتنها ..فيا رب استعملنا في طاعتك ..واجعلنا من أنصار دينك ..يا رب العالمين .
( منقول )