PDA

View Full Version : الْمَكَارِمُ مَنَوطَـةٌ بالْمَكَارِهِ


ام باسل
23-08-2007, 11:32 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الْمَكَارِمُ مَنَوطَـةٌ بالْمَكَارِهِ


.

يظن بعض الناس أن السعادة أن يعيش الإنسان حياة صافية من كلّ كَدَر .

أوْ لا يُصادِفه مُنغِّصَات
أوْ لا تُصيبه مُصيبة
أوْ لا يتعرّض لِفتنَة

وهذه لا بُـدّ منها فهي كالملْح في الطّعام !
ثم إن طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها طُبِعت على كَدَرٍ

جُبِلَتْ على كَدَرٍ وأنت تَرُومُها = صفواً من الأقذار والأكدارِ
ومكلِّف الأيام ضِـدّ طِباعِهـا = مَتَطَلِّبٌ في الماء جذوة نـارِ
وإذا رَجَوتَ المستحيل فإنـما = تَبْنِي الـرّجاء على شفيرٍ هارِ

فهي لا تصفو لأحد ، ولا تدوم لِمخلوق .
سمع الْحَسَن البصري رجلاً يقول لآخر : لا أراك الله مكروهاً أبداً . فقال له : دَعَوتَ الله له بالموت ! فإن الدنيا لا تخلو عن المكروه !

وقد وصف الله حياة ابن آدم فقال : (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) فهو في مَشَقّـةٍ ومُكابَدةٍ في دنياه ، كما قال بعض المفسِّرين .

إذاً .. ما هي الحياة الطيبة ؟
وكيف تُوجد السَّعـادة ؟

اختلفت عبارات السَّلَف حول معنى الحياة الطيبة .
قال ابن عباس : هي الرزق الحلال .
وقال الحسن : هي القناعة .
وقال مُقاتل بن حيان : يعني العيش في الطاعة .
وقال أبو بكر الوراق : هي حلاوة الطاعة .
وقال القاضي البيضاوي : (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) في الدنيا يعيش عيشا طيباً ، فإنه إن كان مُوسِراً فظاهر ، وإن كان مُعْسِراً يَطيب عيشه بالقناعة والرضا بالقسمة وتوقّع الأجر العظيم . اهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : مَنِ أراد السعادة الأبدية فليلزم عَتَبَة العبودية .

وعلى كلٍّ هي :

حياةُ قلبٍ مؤمن بالله ، راضٍ بقضائه ، مُسْتَسْلِم لِحُكْمِه ، واثق بِوَعْدِه .

والحياة الطيبة ربما يعيشها المؤمن وهو لا يشعر بها ، وربما لا يَجِد لذّتها .
كيف ؟

ربما عاش المؤمن راحة البال ، ووجَد الأمن النّفسي ، لا يُزعجه المستقبل ، ولا يُقلقه ما في غـدٍ .
الأمن النفسي من أعظم ما يَمنّ الله به على عبده المؤمن .
ولذا قال سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)
ليس فقط الأمن الاجتماعي في الأوطان ، بل حتى الأمن النفسي في نفوس المؤمنين .
وهذا يُفسِّر لنا سِـرّ سعادة الكافر إذا أسلم ، إذ وَجَـد ما كان يفتقده ، وعاش لـذّة الطاعة ، وخالطت قلبه بشاشة الإيمان .

ويُظهر لنا بِجلاء كيف عاش بعض السّلف هذه السعادة في لحظة مقْتلِه !
قال حرام بن مِلحان رضي الله عنه لما طَعَنَه الكافر الغادر : فُـزْتُ وربِّ الكعبة فكان الكافر الغادر يتساءل : أي فوز فازه وأنا قتلته ؟!

فالسعادة ليست في كأس وغانية !
وليست في مالٍ وجارية !
ولا في المراكب الفارِهة !
ولا في القصور العامِرة !

وإنما هي بطاعة الله جل جلاله .

ويُبين لنا هذا أن من العلماء من وُضِع في السّجن والقيد ، فما يزيد على أن يبتسم !
لقد كان يتذوّق طعم السعادة !
ويعتبر السجن خلوة !
والقيد وسام فخـر !

يَرى الدنيا بعين مؤمن راضٍ بقضاء الله
يجِد حلاوة الإيمان في قلبه .. ولا سبيل للوصل إلى قلبه !

يُدفع بإمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل إلى السّجن ، فما يَردّه ذلك عن مبادئه
ولا يُزحزحه عن مواقفـه
يُضرب بالسِّياط فما يشكو ولا يئِنّ
يَغتسل السّوط في جُرحه فيصدع بما يَكرهون .
لقد مَزَج مرارة الألم بحلاوة الإيمان فطَغَتْ حلاوة الإيمان ..

إن بعض الناس يشكو أنه لا يعيش الحياة الطيبة في حين أنه يعمل الأعمال الصالحة ، وهو أهنأ ما يكون في عيش وصحّة ، وأمن ورخاء .
وهذا ربما تُوجَد عنده صُورة العَمَل ، ولا تُوجد حقيقة العمل .

والفَرْق بينهما كما بين الثرى والثريّا

إن الرجلين ربما صَلَّيَا إلى جوار بعض ، وبينهما في صلاتهما كما بين المشرق والمغرب !
فَرَجُل قلبه يحوم حول العَرش يُسبِّح بِحَمْدِ ربِّـه
وآخر يحوم حول القاذورات !

قال بعض السلف : إن هذه القلوب جَوّالة ؛ فمنها ما يَجُول حول العَرْش ، ومنها ما يَجُول حَول الْحُشّ " بيت الخلاء " .

فيا بُعد ما بينهما !

والله لا يستويان لا في الصلاة والأجر ، ولا في أثَرِهَا .

فَمَن صلّى بقلبه نَهَتْه صلاته ، ورَفَعتْ درجاته ، وكفّرت سيئاته .
ومن صلّى بِبَدَنِه أجزأته !

فَمن تعلّق قلبه بالله ، ملأه الله غنىً ورضاً وطُمأنينة .
ومن تعلّق بغيره وُكِل إليه " تَعِسَ عَبْدُ الدينار و عَبْدُ الدرهم و عَبْدُ الخميصة " .

قال ابن القيم رحمه الله :

نَزِّه سماعك إن أردت سماع ذيّـ = ـاك الغنا عن هذه الألحانِ
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ = ـرم ذا وذا يا ذلة الحرمان
إن اختيارك للسماع النازل الـ = أدنى على الأعلى من النقصان
والله إن سماعهم في القلب والـ = إيمان مثل السمّ في الأبدان
والله ما انفكّ الذي هو دأبه = أبداً من الإشـراك بالرحمن
فالقلب بيت الرب جل جلاله = حُبا وإخلاصا مع الإحسان
فإذا تعلّق بالسَّماع أصاره = عبداً لكل فُـلانة وفـلان
حُبّ الكتاب وحب ألحان الغنا = في قلب عبد ليس يجتمعان
ثَقُل الكتاب عليهم لما رأوا = تقييده بشرائع الايمان
واللهو خفّ عليهم لما رأوا = ما فيه من طرب ومن ألحان
قوت النفوس وإنما القرآن قو = ت القلب أنى يستوي القوتان ؟
وألَذّهُم فيه أقلّهم من الـ = ـعقل الصحيح فَسَلْ أخَا العرفان
يا لذّة الفساق لستِ كَلَذَّةِ الـ = أبرار في عَقْلٍ ولا قرآنِ

فإن أردت المكارم فتحمّل المكارِه .
وإن أردت السعادة الأبدية فالزم عَتَبة العبودية .


والله يتولاك .


منقول عن الكاتب عبد الرحمن السحيم

بن زمزم
24-08-2007, 06:55 AM
أم باسل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قال تعالى :

( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً )
طه 124

ولاننسى متاع الدنيا وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام

عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة * ( صحيح )


السعادة وكما ذكرت بموضوع سابق بأنها من صنع أفكارك ان كانت صالحة عادت بالنفع وان انحرفت اصحبت المعيشة ضنكا ..

وعن تجارب حقيقية في الحياة :

السعادةهي
التسليم الكامل لله عز وجل .
انظروا لهذه الآيات واعتبروا وتفكروا:
قال تعالى :

بسم الله الرحمن الرحيم

مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22) ِلكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23) الحديد
ــــــــــــ

َإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس : 107]

صدق الله العظيم


بارك الله بك وجزاك كل خير

بشاير
24-08-2007, 09:27 PM
لفت نظري في موضوعك أخيتي أم باسل ... لا آراك الله مكروه ... يمعني إنه يتمنى له الموت

من وجهة نظري أخيتي ام باسل إن المؤمن ليس في حياته شئ مكروه ... فهو على علم بأنه حى إذا أصابته المصيبة فهو في أجر من الله ... وإن كل بلاء يبتليه يقربه إلى الله أكثر ... وإن الله إذا ابتلاه احبه ... فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه

جزاك الله خير أخيتي أم باسل على النقل وبارك الله فيك ونفعك بما تكتبين وتنقلين

كما أشكر أخي الفاضل بن زمزم على الإضافة التي بلا شك أثرت الموضوع فجزاه الله كل خير

ام باسل
29-08-2007, 03:07 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

شكرااا للاخ بن زمزم على مروره وعلى التعقيب النافع الذي اغنى صفحتي المتواضع

ودمت بحفظ الله ورعايته

ام باسل
29-08-2007, 03:10 PM
حياك الله اختي الغالية بشايررر

نورتي المتصفح بمرورك الطيب وتعقيبك النافع

جزاك الله الجنة

أبومروان
30-08-2007, 07:58 PM
الأخت / أم باسل ................ جزاك الله خير على هذه التكذرة الطيبة

ومع أن الموضوع كله رائع ............لكن وقفت عند هذه الفقرة :

( وهذه لا بُـدّ منها فهي كالملْح في الطّعام !
ثم إن طبيعة هذه الحياة الدنيا أنها طُبِعت على كَدَرٍ )

أظن لو تيقن الإنسان بهذه الحقيقة ............... سيرتاح من تعب الهم المقلق كثيرا ........والله أعلم

بو عبدالرحمن
31-08-2007, 10:14 AM
الأخت الفاضلة / أم باسل .....رحم الله والديك الكريمين ورفع الله قدرك

رائع هذا النقل المتميز ،

ومثل هذه المعاني الراقية نحتاج إليها باستمرار ، فهي أقوى غذاء للقلب

ولا يزال هذا القلب يتعطش لمثل هذه المعاني ، كما يتعطش الجائع لطعام يتقوى به .

فجزاك الله خير الجزاء ، وبارك الله فيك حيثما كنت

نسأل الله أن يذيق قلوبنا حلاوة الإيمان وبرد اليقين ... اللهم آمين