PDA

View Full Version : الاحتساب على الرأي المخالف ؟


11-02-2000, 05:07 AM

reg
11-02-2000, 05:07 AM

سيف التوحيد
11-02-2000, 05:07 AM
من طبيعة البشر ..
أن يختلفوا .. وهذا الاختلاف مرده إلى اختلاف مداركهم وعقولهم ..
واختلاف هممهم .. وإراداتهم ..
وهو أمر قد قدره الله عليهم .. لحكم جليلة .. ومقاصد عظيمة ..
وهذا الاختلاف .. قد يكون سلبياً .. حين يجنح إلى العناد .. والإصرار على الباطل ...
ورد الحق ودفعه بالراحتين .. ودون أدنى تردد ..
ولذا شرع الله الاحتساب .... لدفع هذا الباطل .. أو بيان الخطأ ..
ورد ذلك بالأسلوب الأمثل .. الذي يتكفل بإزالته .. وإرجاع صاحبه إلى دائرة الحق ..
وسبيل المؤمنين ..
فإن لم تكن هذه .. فلتقام عليه حجة الله .. ومحجته الواضحة البينة ..
فما هو الاحتساب وما منزلته .. وما واجباته وحقوقه ..
هذا ما أحببت أن أشارك به في هذه الكلمات التي أعدها جهد المقل .. على ضعف بضاعتي .. وحسبي أن رمت الحق .. واجتهدت في
جعل الله تعالى ذلك الاحتساب من أخص صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى : (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ) ..
وهو أيضاً من أخص صفات المصطفين من اتباعه وحملة شرعه ، قال تعالى : ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله ) .
وقال سبحانه : ( التائبون العابدون الحامدون السائحون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ) .
وقال عز وجل : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) .
قال شيخ الإسلام : فوصف الأمة بما وصف به رسولها .. وذلك لأن صلاح المعاش والمعاد إنما يكون بطاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وبه صارت الأمة خير أمة أخرجت للنا س . أهـ .
وقال في شأن المنافقين : ( المنافقون والمنافقات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ) .
فمن اتصف بضد ذلك .. وافق المنافقين في طريقتهم وسمتهم .. ومن لم يتصف بذلك أصلاً أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله : ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه ) .
ولذا كان هذا الأصل من أجل أعمال المؤمن في الدنيا ، قال تعالى : ( ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ) .
قال الحسن البصري : هو المؤمن أجاب الله دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته ، وعمل صالحاً في إجابته ، فهذا حبيب الله ، هذا ولي الله .
ولذا فقد استنبط رحمه الله من قوله : ( الذين يقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ) فائدة نفيسة وهي أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر تلي منزلته عند الله منزلة الأنبياء ، فلهذا ذكرهم عقيبهم .
وهذا الاحتساب من أقوى دعائم حفظ الضروريات الخمس : الدين والنفس والعقل والنسل والمال ..
والتي قال عنها الإمام الغزَّالي : " مقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم .. فكل ما يتضمن حفظ هذه فهو مصلحة .
ومن تأمل كثيراً من أحكام الشرع إن لم يكن جميعها .. وجد أنها ترجع إلى مراعاة هذه الأصول العظام ..
إضافة إلى أن من قام بالنصح والبيان فقد برئ كما قال تعالى : " لم تعظون قوماً الله مهلكهم أو معذبهم عذاباً شديداً قالوا معذرة إلى ربكم " .. وقال سبحانه : " فلولا كان من القرون أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكان مجرمين وما كان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون "
وهو حين يفعل ذلك يقيم الحجة على الخلق .. ويكونوا شهوداً على من لا يستجيب يوم يقوم الناس لرب العالمين ..
قال الإمام مالك : " ينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله .. فإن عصو كان شهوداً على من عصاه ...
وهذا الاحتساب ليس بدعاً في هذا الدين العظيم .. بل مما كان مفروضاً على من كان قبلنا كما قال سبحانه : " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكان يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " .. وقال تعالى : " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون " .. ولا أدل على ذلك من قول لقمان لابنه حين أوصاه : " وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور " ..
والأمر بالمعروف .. أو الاحتساب على الرأي المخالف واجب بالأصل .. لكنه تعرض له أحكام تنقله من هذا الأصل ...
فقد يكون مستحباً ومكروها .. بل ومحرماً ..
وقد نص أهل العلم على أن الإنكار بالقلب لا يسقط بحال .. لكن الإنكار باليد واللسان قد يسقط وجوبه في أحوال منها :
إذا عمت الفتن .. وكثر المنكر .. ويكون هذا في آخر الزمان .. ولذا فإن المحققين من أهل العلم حملوا عليه ما جاءت به النصوص من العزلة كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواضع القطر يفر بدينه من الفتن . رواه البخاري ... وهكذا حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذكرت الفتنة فقال : إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم وخفت أمانتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال عبدالله : فقمت إليه فقلت : كيف أفعل ؟!! - جعلني الله فداك – قال : الزم بيتك .. واملك عليك لسانك .. وخذ ما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك .. ودع عنك أمر العامة . رواه أحمد .
ولذا فإن جماعة من المفسرين حملوا قوله سبحانه : " عليكم أنفسكم " على هذا المعنى .
ومن هذه الأحوال .. إذا عجز الإنسان .. أو خاف من لحاق المكروه به ولم يكن قادراً على الصبر كما في حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ، قالوا : وكيف يذل نفسه ؟؟ قال : يتعرض من البلاء لما لا يطيقه . رواه ابن ماجه بسند صحيح .
ولكن لا ينبغي أن يكون مجرد هيبة الناس .. أو خوف زوال الجاه أو السمعة دافعاً لترك الانكار والاحتساب .. ويدل على ذلك ما ثبت من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام خطيباً فقال : ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أ ن يقول بحق إذا علمه .. فبكى أبو سعيد حين روى الحديث وقال : قد والله رأينا فهبنا . رواه أحمد
ومن الأسباب التي تنقل حكم الوجوب الى الاستحباب إذا خشي المرء على نفسه .. فهنا لا يكون واجباً عليه ... فإن كان يرجو النفع من جراء أمره فيستحب له أن يقدم .. ويدل على هذا ما حكاه الله في كتابه من قصص الأنبياء وأتباعهم المؤمنين وما لاقوه من صنوف العذاب والهوان على أيدي الظالمين كما في قصة اصحاب الاخدود وحين شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما يجد وأصحابه من المشركين وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة قال : كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه .. فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط من حديد ما دون لحمه من عظم وما يصده ذلك عن دينه .
وقد قال الإمام أحمد يوم الفتنة : لو عرضت على السيف ما أجبت .. وقال : إذا أجاب العالم تقية والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق ؟!!!!
وقال شيخ الإسلام أبو إسماعيل الهروى : عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي : ارجع عن مذهبك .. لكن : اسكت عمن خالفك فأقول : لا أسكت .
ومما ينبغي أن يعلم .. وهذا ما يجهله الكثير من المتحمسين للاحتساب دون فقه .. أن من الأحوال ما يحرم فيها هذا الاحتساب .. ويعود على فاعله بالإثم بدل الأجر .. وذلك :
إذا ترتب على الأمر والنهي والاحتساب زوال مصلحة أعظم من المأمور به من المعروف أو ترتب مفسدة أشد من المنهي عنه ..
قال أبو الحسنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن العترة المباركة وجميع الصحب تلك الكلمة العظيمة : حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله . رواه البخاري .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ما أنت بمحدث قوم حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " رواه مسلم .
وقد استنبط العلماء هذا من قوله تعالى : " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " ..
ونحن نعلم أن سب آلهة المشركين وعيبها مما يتقرب به إلى الله .. كما قال الخليل عليه الصلاة والسلام : " أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون " !
ومع ذلك حين كان ذلك ذريعة إلى سب الله تعالى وتقدس .. جاء النهي عنه .
وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت ، وأن ألصق بابه بالأرض " رواه البخاري .. وفي رواية : " مخافة أن تنفر قلوبهم " !
ولا أدل على ذلك من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه في سيرته العملية أنه كسر شيئا من الأصنام بمكة قبل الهجرة .. مع أنها أم المنكرات .. وأعظم العظائم .. وقد كان يمر بها وهي منصوبة في فناء الكعبة !
ومع ذلك لم يتعرض لها بل كان يدعوا للتوحيد ونبذ الشرك قدر طاقته صلى الله عليه وسلم .
قال أبو الفضل الحافظ بن حجر في كتابه الفذ فتح الباري : وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ، ومالك في أحاديث الصفات ، وأبو يوسف في الغرائب ، ومن قبلهم أبو هريرة في الجرابين ، ونحوه عن حذيفة ، وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي .
بقي أن يقال أن أهل العلم قد ذكروا شروطاً لا بد من توفرها في المحتسب حتى يكون فعله هذا موافقاً للشرع ومن ذلك :
أن يكون مكلفاً وهذا الشرط عام في جميع العبادات وهو معرو