PDA

View Full Version : ،، نشرة التوحيد ،،


reg
09-03-2000, 05:49 AM

كلاسيك
09-03-2000, 05:49 AM
الحمد لله غافر الذنب ، وقابل التوب . . شديد العقاب ذي الطوَّل . . لا إله إلا الله إلا هو إليه المصير . والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير ، نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدَّين . أما بعد ، أخي القارئ . . . ليس الغرض من سياق هذه القصة هو مجرد التسلية والاستمتاع بما فيها من مغامرات و " بطولات " وأخبار ، كلا ، إنما الغرض هو أخذ العبرة والعظة منها ، والانتفاع بما ورد فيها من دروس وفوائد ، ومن ثم ترجمة ذلك إلى واقع عملي ، تظهر آثاره على السلوك والأخلاق ، كما قال تعالى بعد سياقه لقصة يوسف عليه السلام : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } ، أي عظة وموعظة لأصحاب العقول السليمة المفكرة ، أما أصحاب العقول المريضة والمعطلة فهم لا ينتفعون بمثل هذه المواعظ والعبر ، والسعيد من وُعظ بنفسه . اللهم اجعلنا من التوابين الأوابين المتطهرين ، ولا تجعلنا من الغافلين ، المعرضين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
توبة رجل من أدعياء تحرير المرأة
ذهب فلان إلى أوربا وما ننكر من أمره شيئاً ، فلبث بضع سنين ثم عاد وما بقي مما كنا نعرفه عنه شيء . ذهب بوجه كوجه العذراء ليلة عرسها ، وعاد بوجه كوجه الصخرة الملساء تحت الليلة الماطرة . . وذهب بقلب نقي طاهر ، يأنس بالعفو ويستريح إلى العذر ، وعاد بقلب مظلم مدخول ، لا يفارقه السخط على الأرض وساكنها ، والنقمة على السماء وخالقها . وذهب بنفس غضة خاشعة ترى كل نفس [ مسلمة ] فوقها ، وعاد بنفس ذهابة نزاعة لا ترى شيئاً فوقها ، ولا تلقي نظرة واحدة على ما تحتها . ذهب وما على الأرض أحب إليه من دينه وأهله ، وعاد وما على وجهها أصغر في عينيه منهما .
كنت أرى أن هذه الصورة الغربية التي يتراءى فيها هؤلاء الضعفاء من الفتيان العائدين من تلك الديار إلى أوطانهم إنما هي أصباغ مفرغة على أجسامهم إفراغاً تطلع عليه شمس المشرق فتمحوها كأن لم يكن ، وأن مكان المدينة الغربية من نفوسهم مكان الوجه من المرآة ؛ إذا انحرف عنها زال خياله منها ، فلم أشأ أن أفارقه وفاء لعهده السابق ، ورجاء لغده المنتظر ، محتملاً في سبيل ذلك من حمقه ووسواسه وفساد تصوراته وغرابة أطواره ما لا طاقة لمثلي باحتمال مثله ، حتى جاءني ذات ليلة بداهية من الدواهي ومصيبة المصائب ، فكانت آخر عهدي به .
دخلت عليه فرأيته واجماً مكتئباً ، فحييته ، فأومأ إليَّ بالتحية إيماءً . فسألته ما باله ؟ فقال : ما زلت منذ الليلة من هذه المرأة في عناء ، لا أعرف السبيل إلى الخلاص منه ، ولا أدري مصير أمري فيه . . قلت : وأي امرأة تريد ؟ قال : تلك التي يسميها الناس زوجتي ، وأسميها الصخرة العاتية ؛ القائمة في طريق مطالبي وآمالي . . قلت : إنك كثير الآمال ؛ فعن أي آمالك تتحدث ؟ قال : ليس لي في الحياة إلا أمل واحد ، وهو أن أغمض عيني ثم أفتحها فلا أرى غطاءً على وجه امرأة في هذه الأمة . . (!!) قلت : ذلك ما لا تملكه ولا أرى لك فيه ، قال : إن كثيراً من الناس يرون في الحجاب رأيي ، ويتمنون في أمره ما أتمنى ولا يحول بينهم وبين تمزيقه عن وجه نسائهم وإبرازهن إلى الرجال إلا العجز والضعف والهيبة التي لا تزال تلم بنفس الشرقي كلما حاول الإقدام على أمر جديد (!!) ، فرأيت أن أكون أول هادم لهذا البناء العادي القديم الذي وقف سداً دون سعادة الأمة وارتقائها دهراً طويلاً (!!) وأن يتم على يدي من ذلك ما لم يتم على يد أحد غيري من دعاة الحرية وأشياعها . . فعرضت الأمر على زوجتي فأكبرته وعظمته ، وخيل إليها أنني جئتها بنكبة من نكبات الدهر أو زرية من زراياه ، وزعمت أنها إن برزت للرجال فإنها لا تستطيع أن تبرز للنساء من بعد ذلك حياءً وخجلاً . . ولا خجل هناك ولا حياء ولكنه الموت والجمود (!!) فلا بد لي أن أبلغ أمنيتي وأن أعالج هذا الرأس القاسي المتحجر علاجاً ينتهي بإحدى الحسنيين (!!) إما بشفائه أو بكسره .
فورد عليّ من حديثه ما ملأ نفسي هماً وحزناً وقلت له : أعالم أنت أيها الصديق بما تقول ؟! قال نعم ؛ أقول الحقيقة التي أعتقدها وأدين نفسي بها ، واقعة من نفسك ونفوس الناس جميعاً حيث وقعت .
قلت : هل تأذن لي أن أقول لك : إنك عشت برهة من الزمان في ديار قوم لا حجاب بين رجالهم ونسائهم ، فهل تذكر أن نفسك حدثتك يوماً من الأيام وأنت فيهم بالطمع في شيء مما لا تملك يمينك فنلت ما تطمع فيه من حيث لا يشعر مالكه ؟ قال : ربما وقع لي شيء من ذلك ، فماذا تريد ؟
قلت : أريد أن أقول لك أني أخاف على عرضك أن يلم به من الرجال ما ألم بأعراض الرجال منك .
قال : إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال من شرفها في حصن حصين لا تمتد إليه الأعناق (!!!) .
فتداخلني ما لم أملك نفسي معه ، وقلت له : تلك هي الخدعة التي يخدعكم بها الشيطان أيها الضعفاء ، والثلمة التي يعثر بها في رؤوسكم ؛ فينحدر منها إلى عقولكم ومدارككم فيفسدها عليكم . . فالشرف كلمة لا وجود لها إلا في قواميس اللغة ومعاجمها ، فإن أردنا أن نفتش عنها في قلوب الناس وأفئدتهم فإنا لا نجداها . .
قال : أتنكر وجود العفة بين الناس ؟!
قلت : لا أنكرها لأني أعلم أنها موجودة عند كثير من الناس ولكني أنكر وجودها عند الرجل القادر المختلب والمرأة الحاذقة المترفقة إذا سقط من بينهما الحجاب وخلا وجه كل منهما لصاحبه .
إنكم تكلفون المرأة ما تعلمون أنكم تعجزون عنه ، وتطلبون عندها ما لا تجدونه عند أنفسكم ، فأنتم تخاطرون بها في معركة الحياة مخاطرة لا تعلمون أتربحونها من بعد ذلك أم تخسرونها ، وما أحسبكم – إن فعلتم – رابحين . .
ما شكت المرأة إليكم ظلماً ، ولا تقدمت طالبة أن تحلوا قيدها وتطلقوها ، إنها لا تشكو إلا فضولكم وإسفافكم ، ولصوقكم بها ، ووقوفكم في وجهها حيثما سارت ، وأينما حلت ، حتى ضاق بها وجه الفضاء فلم تجد لها من سبيل إلا أن تسجن نفسها بنفسها في بيتها ، تبرماً بكم ، وفراراً من فضولكم ، وفواعجباً لكم تسجنونها بأيديكم ثم تقفون على باب سجنها تبكونها وتندبون شقاءها .
إنكم لا ترثون لها ، بل لا ترثون لأنفسكم ، ولا تبكون عليها ، بل على أيام قضيتموها في ديار يسيل جوُّها تبرجاً وسفوراً ، ويتدفق حرية واستهتاراً ، تودون لو ظفرتم هنا بهذا العيش الذي خلفتموه هناك .
عاشت المرأة حقبة من دهرها مطمئنة في بيتها راضية عن نفسها وعن عيشتها ، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها ، أو وقفة بين يدي ربها ، أو عطفة تعطفها على ولدها ، أو جلسة تجلسها إلى جارتها فتبثها ذات نفسها ، وتستبثها سريرة قلبها ، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها ونزولها عند رضاهما ، وكانت تفهم معنى الحب وتجهل معنى الغرام ، فتحب زوجها لأنه زوجها ، كما تحب ولدها لأنه ولدها ، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج رأت هي أن الزواج أساس الحب ، فقلتم لها أن هؤلاء الذين يستبدون بأمرك من أهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأياً ولا أقدر على النظر لك من نظرك لنفسك ، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك ، فازدرت أباها وتمردت على زوجها ، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرساً من الأعراس الضاحكة مناحة قائمة لا تهدأ نارها ولا يخبو أوارها .
قلتم لها : لا بد لك أن تختاري زوجك بنفسك حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك ، فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها ، فلم يزد عمر سعادتها على يوم وليلة ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم .
وقلتم لها إن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها ، وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق ، فأصبحت تطلب في كل يوم زوجاً جديداً يحيي من لوعة الحب ما أمات القديم ، فلا قديماً استبقت ولا جديداً أفادت .
وقلتم لها لابد لك أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك والقيام على شؤون بيتك ، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها .
وقلتم لها إنا لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا ، فكان لابد لها أن تعرف مواقع أهوائكم ، ومسارح أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون ، فراجعت فهرس أعمالكم في حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات والمستهترات والضاحكات اللاعبات ، والإعجاب بهن والثناء على ذكائهن وفطنتهن ، فتخلعت واستهترت لتبلغ رضاكم ، وتنزل عند محبتكم ، ثم تقدمت إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف تعرض نفسها عليكم عرضاً كما يعرض النخاس أمته في سوق الرقيق ، فأعرضتم عنها ، ونبوتم بها ، وقلتم لها إنا لا نتزوج النساء العاهرات كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات إذا سلمت لكم نساؤكم ، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة ، وقد أباها الخليع ، وترفع عنها المحتشم ، فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت .
وهكذا انتشرت الريبة في نفوس الأمة جميعها ، وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها . فتحاجز الفريقان ، وأظلم الفضاء بينهما ، وأصبحت البيوت كالأديرة لا يرى فيها الرائي إلا رجالاً مترهبين ونساء عانسات .
ذلك بكاؤكم على المرأة أيها الراحمون .
فما زاد الفتى على أن ابتسم في وجهي ابتسامة الهزء والسخرية ، وقال :تلك حماقات ما جئنا إلا لمعالجتها ، فلنصبر عليها حتى يقضي الله بيننا وبينها . فقلت له : لك أمرك في نفسك وأهلك فاصنع بهما ما تشاء وائذن لي أن أقول لك إني لا أستطيع أن أختلف إليك بعد اليوم إبقاء عليك وعلى نفسي ، لأني أعلم أن الساعة التي ينفرج لي جانب ستر من أستار بيتك عن وجه امرأة من أهلك في حضرتك تقتلني حياء وخجلاً ، ثم انصرفت ، وكان هذا آخر ما بيني وبينه .
وما هي إلا أيام قلائل حتى سمعت الناس يتحدثون أن فلاناً هتك الستر في منزله بين نسائه وأصدقائه ، وأنه قد أصبح مغشياً لا تزال النعال خافقة ببابه ، فذرفت عيني دمعة لا أعلم هل هي دمعة الغيرة على العرض المدال أو الحزن على الصديق المفقود .
مرت على تلك الحادثة ثلاثة أعوام لا أزوره فيها ولا يزورني ، ولا ألقاه في