PDA

View Full Version : الصبر وما أدراك مالصبر


الغالي محمد
22-11-2000, 01:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وسلم .
أما بعد
يرى كثير من الشباب الفتن التي تعصف بالأمة الإسلامية من كل حدب وصوب ، حتى أضحى كثير من الشباب ضعيفاً أمام هذه الفتن ، وذلك أن كثير منهم أغفل سجية عظيمة من أعظم سجايا المسلم وهي ( الصبر ) .
ذلك الصبر الذي أوصى الله به عباده ودلهم على سبل تحصيله ، وكان الأنبياء عليهم السلام من أعظم الناس صبراً ، وعلى رأسهم محمد  إمام الصابرين ثم أتباعهم من الأصحاب الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وكنت قرأة في الصبر كتاب ابن القيم رحمه الله ( عدة الصابرين ) فألفيته من خير من كتب في هذا الموضوع ، ورغبة في الاختصار اجتثثت منه الأسباب المعينة على الصبر بتصرف مني وتعليقات بسيطة مناسبة ، لعل من يطلع عليها أن يشتاق إلى قراءة الأصل لينتفع بما سطره هذا الإمام الجليل رحمنا الله وإياه .
في الأسباب التي تعين على الصبر

لما كان الصبر مأمور ا به جعل الله سبحانه له أسبابا تعين عليه وتوصل اليه وكذلك ماأمر الله سبحانه بالأمر إلا أعان عليه ونصب له أسبابا تمده وتعين عليه كما أنه ما قدر داءا الا وقدر له دواء او ضمن الشفاء باستعماله .
فالصبر وان كان شاقا كريها على النفوس فتحصيله ممكن وهو يتركب من مفردين العلم والعمل فمنهما تركب جميع الادوية التى تداوى بها القلوب والأبدان .
فإذا عزم على التداوى ومقاومة هذا الداء فليضعفه أولاً بأمور :
أحدها : أن ينظر إلى مادة قوة الشهوة فيحدها من الاغذية المحركة للشهوة .
الثانى : أن يجتذب محرك الطلب وهو النظر فليقصر لجام طرفه ما أمكنه .
الثالث : تسلية النفس بالمباح المعوض عن الحرام .
الرابع : التفكر في المفاسد الدنيوية المتوقعة من قضاء هذا الوطر .
الخامس : الفكرة في مقابح الصورة التى تدعوه نفسه اليها إن كانت معروفة بالإجابة له ولغيره .
تقوية الدين في القلب
وأما تقوية باعث الدين فإنه يكون بأمور :
أحدها : إجلال الله تبارك وتعالى أن يعصى وهو يرى ويسمع .
الثاني : مشهد محبته سبحانه فيترك معصيته محبة له فإن المحب لمن يحب مطيع .
الثالث : مشهد النعمة والإحسان فإن الكريم لا يقابل بالاساءة من أحسن اليه وانما يفعل هذا لئام الناس .
الرابع : مشهد الغضب والانتقام فإن الرب تعالى إذا تمادى العبد في معصيته غضب واذا غضب لم يقم لغضبه شيء فضلا عن هذا العبد الضعيف .
الخامس : مشهد الفوات وهو ما يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة وما يحدث له بها من كل اسم مذموم عقلا وشرعا وعرفا ويزول عنه من الأسماء الممدوحة شرعا وعقلا وعرفا .
السادس : مشهد القهر والظفر فان قهر الشهوة والظفر بالشيطان له حلاوة ومسرة وفرحة .
السابع : مشهد العوض وهو ما وعد الله سبحانه من تعويض من ترك المحارم لأجله .
الثامن : مشهد المعية وهو نوعان معية عامة ومعية خاصة فالعامة اطلاع الرب عليه وكونه بعينه لا تخفي عليه حاله ؛ والمقصود هنا المعية الخاصة كقوله : { إن الله مع الصابرين } .
التاسع : مشهد المغافصة والمعاجلة وهو أن يخاف أن يغافصه الأجل فيأخذه الله على غرة فيحال بينه وبين ما يشتهى من لذات الآخرة فيا لها من حسرة ما أمرها وما أصعبها .
العاشر : مشهد البلاء والعافية فان البلاء في الحقيقة ليس الا الذنوب وعواقبها والعافية المطلقة هي الطاعات وعواقبها .
إلحادي عشر : أن يعود باعث الدين ودواعيه مصارعة داعى الهوى ومقاومته على التدريج قليلا قليلا حتى يدرك لذة الظفر فتقوى حينئذ همته .
الثاني عشر : كف الباطل عن حديث النفس واذا مرت به الخواطر نفاها ولا يؤويها و يساكنها .
الثالث عشر : قطع العلائق والأسباب التى تدعوه إلى موافقة الهوى .
الرابع عشر : صرف الفكر إلى عجائب آيات الله التى ندب عباده إلى التفكر فيها وهى آياته المتلوة وآياته المجلوة .
الخامس عشر : التفكر في الدنيا وسرعة زوالها وقرب انقضائها ؛ فلا يرضى لنفسه ان يتزود منها إلى دار بقائه وخلوده أخس ما فيها وأقله نفعا إلا ساقط الهمة دنيء المروءة ميت القلب.
السادس عشر : تعرضه إلى من القلوب بين أصبعيه وأزمة الأمور بيديه وانتهاء كل شيء اليه على الدوام ؛ لعله في كثرة تعرضه أن يصادف ساعة من الساعات التى لا يسأل الله فيها شيئا الا أعطاه .
السابع عشر : أن يعلم العبد بأن فيه جاذبين متضادين ومحنته بين الجاذبين جاذب يجذبه إلى الرفيق الأعلى من أهل عليين وجاذب يجذبه إلى أسفل سافلين ، فالنفوس العلوية تنجذب بذاتها وهمها وأعمالها إلى أعلى والنفوس السافلة إلى اسفل .
الثامن عشر : أن يعلم العبد أن تفريغ المحل شرط لنزول غيث الرحمة وتنقيته من الدغل شرط لكمال الزرع .
التاسع عشر : أن يعلم العبد أن الله سبحانه خلقه لبقاء لافناء له ولعز لا ذل معه وأمن لا خوف فيه وغناء لا فقر معه ولذة لا ألم معها وكمال لا نقص فيه وأمتحنه في هذه الدار بالبقاء الذى يسرع اليه الفناء والعز الذى يقارنه الذل ويعقبه الذل والأمن الذى معه الخوف وبعده الخوف وكذلك الفناء واللذة والفرح والسرور والنعيم الذى هنا مشوب بضده لأنه يتعقبه ضده وهو سريع .
العشرون : أن لا يغتر العبد باعتقاده أن مجرد العلم بما ذكرنا كاف في حصول المقصود بل لا بد أن يضيف اليه بذل الجهد في استعماله واستفراغ الوسع والطاقة فيه وملاك ذلك الخروج عن العوائد فإنها أعداء الكمال والفلاح .
مع تحيات الغالي محمد.