عبودي 1
01-06-2001, 05:25 PM
هذه قصة واقعية وقع ضحيتها فتاة في مقتبل العمر .
يقول أحدهم : كان لي صديق أحبه لفضله وأدبه ، وكان يروقني منظره، ويؤنسني محضره ، قضيت في صحبته عهداً طويلاً ، ما أنكر من أمره ولا ينكر من أمري شيئاً حتى سافرت ، وتراسلنا حيناً حتى انقطعت بيننا العلاقات ورجعت وجعلت أكبر همي أن أراه لما بيني وبينه من صله ، طلبته في جميع المواطن التي كنت ألقاه فيها فلم أجد له أثراً ، وذهبت إلى منزله فحدثني جيرانه أنه انتقل منذ عهد بعيد ، ووقفت بين اليأس والرجاء لغالب ظني أني لن أراه بعد ذلك اليوم ، وأنني قد فقدت ذلكم الرجل .
وبينما أنا عائد إلى منزلي في ليلة من الليالي دفعني جهلي بالطريق في الظلام إلى سلوك طريق موحش مهجور يخيل للناظر فيه أنه مسكن للجان إذ لا وجود للأنس فيه ، فشعرت كأني أخوض في بحر وكأن أمواجه تقبل بي وتدبر ، فما توسطت الشارع حتى سمعت في منزل من تلك المنازل أنه تتردد في جوف الليل ثم تلتها أختها فأثر نفسي هذا الأنين وقلت يا للعجب كم يكتم هذا الليل من أسرار ، وكنت قد عاهدت الله أن لا أرى حزيناً إلا وساعدته ، فتلمست الطريق إلى ذلك الطريق إلى ذلك المنزل ، فطرقت الباب طرقاً خفيفاً ، ثم طرقت الباب طرقاً أكثر قوة وإذا الباب يفتح من قبل فتاة صغيرة وبيدها مصباح وعليها ثياباً ممزقة ، وقلت لها هل عندكم مريض ؟ فزفرت زفرةً كادت أن تقطع نياط قلبها الصغير وقالت ... نعم .. أسرع فإن أبي يحتضر ، ثم مشت أمامي وتبعتها حتى وصلت إلى غرفة ذات باب قصير ودخلتها فخيل لدي أنني أدخل إلى قبرٍ وليس إلى غرفة ، وإلى ميت وليس إلى مريض ، ودنوت منه حتى صرت بجانبه فإذا قفص من العظام يتردد فيه نفس من الهواء ، ووضعت يدي على جبينه ففتح عينيه وأطال النظر في وجهي ثم فتح شفتيه وقال بصوت خافت : أحمد الله لقد وجدتك يا صديقي ... فشعرت كأني قلبي يتمزق وعرفت أني قد وجدت ضالتي التي كنت أنشدها وإذا به رفيقي الذي كنت أعرفه لكني لم أعرفه من شدة مرضه وهزاله وقلت له : قص على قصتك ، أخبرني ما خبرك ؟ فقال لي : أسمع مني ..... قال منذ سنين كنت أسكن أنا ووالدتي بيتاً ويسكن بجوارنا رجلاً من أهل الثراء ، وكان قصره يضم بين جنباته فتاة جميلة ... ألم بنفسي من الوجد والشوق مالم أستطع معه صبراً ، وما زلت أتابعها وأعالج أمرها حتى أوقعتها في شباكي ، وأتى في قلبها ما أتى في قلبي ، وعثرت عليها في لحظة من الغفلة عن الله بعد أن وعدتها بالزواج استجابت لي وأسلست قيادتها ، وسلبتها أعظم ما تملك .... سلبتها عفتها وشرفها ، وما هي إلا أيام حتى عرفت أن في بطنها جنيناً يضطرب ، فأسقط في يدي وطفقت أبتعد عنها ، وأقطع حبال ودها ، ولم يعد يهمني من أمرها شيء ، ومرت على الحادثة أعوام ... وفي ذات يوم حمل إلى البريد رسالة مددتها وقرأت ما بداخلها وإذ تلكم الفتاة تكتب إلى وتقول (( لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهداً دارساً أو حباً قديماً ما كتبت والله سطراً ولا خططت حرفاً ، لأني أعرف أن رجلاً غادراً ووداً مثلك وداً كاذب يستحق ألا أحفل به وآسف على أن أطلب تجديده ، إنك عرفت كيف تتركني وبين جنبي ناراً تضطرب وجنيناً يضطرب تلك للأسف على الماضي وذاك للخوف من المستقبل ، فلا تبالي بي ، وفررت مني حتى لا تحمل نفسك مؤنة النظر إلى شقاء وعذاب أنت سببه ، ولا تكلف يدك مسح دموع أنت الذي أرسلتها ، فهل أستطيع أن أتصور أنك رجلاً شريف ؟ لا والله ... بل لا أستطيع أن أتصور أنك مجرد إنسان .. إنك ذئب بشري لأنك ما تركت خلة من الخلال في نفوس العجماوات و أوابد الوحوش إلا جمعتها في نفسك ، خنتني إذ عاهدتني على الزواج فأخلفت وعدك .. ونظرت في قلبك وقلت : كيف أتزوج من امرأة مجرمة ؟ وما هذه الجريمة إلا صنعة يدك وجريرة نفسك ، ولولاك ما كنت مجرمة ولا ساقطة ، فقد دافعتك جهدي حتى عييت بأمرك وسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير بين يدي الجبار الكبير ، سرقت عفتي فأصبحت ذليلة النفس حزينة القلب أستثقل الحياة و أستبطأ الأجل ، وأي لذة لعيش إمرأة لا تستطيع أن تكون في مستقبل أيامها زوجةً لرجل ؟ ولا أماً لولد ؟ بل لا أستطيع أن أعيش في مجتمع من هذه المجتمعات إلا وأنا خافضة الرأس ، مسبلة الجفن ، واضعت الكف على الخد ، ترتعد أوصالي ، وتذوب أحشائي خوفاً من عبث العابثين وتهكم المتهكمين ، سلبتني راحتي ، قضيت على حياتي ، قتلتني وقتلت شرفي وعرضي ، بل قتلت أمي وأبي ، فقد مات أبي وأمي وما أظن موتهما إلا حزناً علي لفقدي ، لقد قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك بلغ من جسمي ونفسي ، فأصبحت على فراش الموت كالذبابة تحترق ، تتلاشى نفساً بعد نفس ، هربت من بيت والدي الذي لم يعد لي قدرة على مواجهة بيتي وأمي وأبي ، ذهبت إلى منزل مهجور وعشت فيه عيش الهوان وتبت إلى الله ، وإني لأرجو أن يكون الله قد قبل توبتي واستجاب دعائي وينقلني من دار الموت والشقاء إلى دار الحياة والهناء ، وها أنا ذا أموت وأنت كاذب مخادع ولص قاتل ، ولا أظن أن الله تاركك دون أن يأخذ حقي منك ، ما كتبت والله لأجدد لك عهداً أو أخطب لك وداً فأنت والله أهون على من ذلك ، إنني قد أصبحت على باب القبر وفي موقف أودع في فيه الحياة وسعادتها وشقائها ، فلا أمل لي في ودها ولا متسع لي في عهدها ، إنما كتبت لك لأن عندي وديعة لك هي أبنتك ، فإن كان الذي ذهب بالرحمة من قلبك ألقى لك منها رحمة الأبوة فأقبلها وخذها إليك حتى لا يدركها من الشقاء مثل ما أدرك أمها من قبل ))
يقول هذا الرجل ما أتممت قراءة هذا الكتاب حتى نظرت وأنا أقرأ كتابه ورأيت مدامعه تنحدر من عينيه ثم قال : إنني والله ما قرأت هذا الكتاب حتى أحسست برعشة تتمشى في جميع أوصالي وخيل إلى أن قلبي يحاول أن ينشق عن صدري ، فأسرعت إلى منزلها الذي تراني فيه الآن ورأيتها في هذه الغرفة وهي تنام على هذا السرير جثة هامدة لا حراك فيها ، ورأيت هذه الطفلة التي تراها وهي في العاشرة من عمرها تبكي حزناً على أمها وتمثلت لي جرائمي في غشيتي كأنما هي وحوش ضارية هذا ينشب أظفاره وذاك يحدد أنيابه ، فما أفقت حتى عاهدت الله ألا أبرح هذه الغرفة التي سميتها غرفة الأحزان حتى أعيش عيشة تلك الفتاة وأموت كما ماتت ، وها أنا ذا أموت راضياً اليوم مسروراً ، وقد تبت إلى الله وثقتي في ربي أن الله عز وجل لا يخلفني ما وعدني ولعل ما قاسيت من العناء والعذاب وكابدت من الألم والشقاء كفارة لخطيئتي .
نقلاً عن شريط ( عندما ينتحر العفاف ) للشيخ سعيد بن مسفر القحطاني
يقول أحدهم : كان لي صديق أحبه لفضله وأدبه ، وكان يروقني منظره، ويؤنسني محضره ، قضيت في صحبته عهداً طويلاً ، ما أنكر من أمره ولا ينكر من أمري شيئاً حتى سافرت ، وتراسلنا حيناً حتى انقطعت بيننا العلاقات ورجعت وجعلت أكبر همي أن أراه لما بيني وبينه من صله ، طلبته في جميع المواطن التي كنت ألقاه فيها فلم أجد له أثراً ، وذهبت إلى منزله فحدثني جيرانه أنه انتقل منذ عهد بعيد ، ووقفت بين اليأس والرجاء لغالب ظني أني لن أراه بعد ذلك اليوم ، وأنني قد فقدت ذلكم الرجل .
وبينما أنا عائد إلى منزلي في ليلة من الليالي دفعني جهلي بالطريق في الظلام إلى سلوك طريق موحش مهجور يخيل للناظر فيه أنه مسكن للجان إذ لا وجود للأنس فيه ، فشعرت كأني أخوض في بحر وكأن أمواجه تقبل بي وتدبر ، فما توسطت الشارع حتى سمعت في منزل من تلك المنازل أنه تتردد في جوف الليل ثم تلتها أختها فأثر نفسي هذا الأنين وقلت يا للعجب كم يكتم هذا الليل من أسرار ، وكنت قد عاهدت الله أن لا أرى حزيناً إلا وساعدته ، فتلمست الطريق إلى ذلك الطريق إلى ذلك المنزل ، فطرقت الباب طرقاً خفيفاً ، ثم طرقت الباب طرقاً أكثر قوة وإذا الباب يفتح من قبل فتاة صغيرة وبيدها مصباح وعليها ثياباً ممزقة ، وقلت لها هل عندكم مريض ؟ فزفرت زفرةً كادت أن تقطع نياط قلبها الصغير وقالت ... نعم .. أسرع فإن أبي يحتضر ، ثم مشت أمامي وتبعتها حتى وصلت إلى غرفة ذات باب قصير ودخلتها فخيل لدي أنني أدخل إلى قبرٍ وليس إلى غرفة ، وإلى ميت وليس إلى مريض ، ودنوت منه حتى صرت بجانبه فإذا قفص من العظام يتردد فيه نفس من الهواء ، ووضعت يدي على جبينه ففتح عينيه وأطال النظر في وجهي ثم فتح شفتيه وقال بصوت خافت : أحمد الله لقد وجدتك يا صديقي ... فشعرت كأني قلبي يتمزق وعرفت أني قد وجدت ضالتي التي كنت أنشدها وإذا به رفيقي الذي كنت أعرفه لكني لم أعرفه من شدة مرضه وهزاله وقلت له : قص على قصتك ، أخبرني ما خبرك ؟ فقال لي : أسمع مني ..... قال منذ سنين كنت أسكن أنا ووالدتي بيتاً ويسكن بجوارنا رجلاً من أهل الثراء ، وكان قصره يضم بين جنباته فتاة جميلة ... ألم بنفسي من الوجد والشوق مالم أستطع معه صبراً ، وما زلت أتابعها وأعالج أمرها حتى أوقعتها في شباكي ، وأتى في قلبها ما أتى في قلبي ، وعثرت عليها في لحظة من الغفلة عن الله بعد أن وعدتها بالزواج استجابت لي وأسلست قيادتها ، وسلبتها أعظم ما تملك .... سلبتها عفتها وشرفها ، وما هي إلا أيام حتى عرفت أن في بطنها جنيناً يضطرب ، فأسقط في يدي وطفقت أبتعد عنها ، وأقطع حبال ودها ، ولم يعد يهمني من أمرها شيء ، ومرت على الحادثة أعوام ... وفي ذات يوم حمل إلى البريد رسالة مددتها وقرأت ما بداخلها وإذ تلكم الفتاة تكتب إلى وتقول (( لو كان بي أن أكتب إليك لأجدد عهداً دارساً أو حباً قديماً ما كتبت والله سطراً ولا خططت حرفاً ، لأني أعرف أن رجلاً غادراً ووداً مثلك وداً كاذب يستحق ألا أحفل به وآسف على أن أطلب تجديده ، إنك عرفت كيف تتركني وبين جنبي ناراً تضطرب وجنيناً يضطرب تلك للأسف على الماضي وذاك للخوف من المستقبل ، فلا تبالي بي ، وفررت مني حتى لا تحمل نفسك مؤنة النظر إلى شقاء وعذاب أنت سببه ، ولا تكلف يدك مسح دموع أنت الذي أرسلتها ، فهل أستطيع أن أتصور أنك رجلاً شريف ؟ لا والله ... بل لا أستطيع أن أتصور أنك مجرد إنسان .. إنك ذئب بشري لأنك ما تركت خلة من الخلال في نفوس العجماوات و أوابد الوحوش إلا جمعتها في نفسك ، خنتني إذ عاهدتني على الزواج فأخلفت وعدك .. ونظرت في قلبك وقلت : كيف أتزوج من امرأة مجرمة ؟ وما هذه الجريمة إلا صنعة يدك وجريرة نفسك ، ولولاك ما كنت مجرمة ولا ساقطة ، فقد دافعتك جهدي حتى عييت بأمرك وسقطت بين يديك سقوط الطفل الصغير بين يدي الجبار الكبير ، سرقت عفتي فأصبحت ذليلة النفس حزينة القلب أستثقل الحياة و أستبطأ الأجل ، وأي لذة لعيش إمرأة لا تستطيع أن تكون في مستقبل أيامها زوجةً لرجل ؟ ولا أماً لولد ؟ بل لا أستطيع أن أعيش في مجتمع من هذه المجتمعات إلا وأنا خافضة الرأس ، مسبلة الجفن ، واضعت الكف على الخد ، ترتعد أوصالي ، وتذوب أحشائي خوفاً من عبث العابثين وتهكم المتهكمين ، سلبتني راحتي ، قضيت على حياتي ، قتلتني وقتلت شرفي وعرضي ، بل قتلت أمي وأبي ، فقد مات أبي وأمي وما أظن موتهما إلا حزناً علي لفقدي ، لقد قتلتني لأن ذلك العيش المر الذي شربته من كأسك بلغ من جسمي ونفسي ، فأصبحت على فراش الموت كالذبابة تحترق ، تتلاشى نفساً بعد نفس ، هربت من بيت والدي الذي لم يعد لي قدرة على مواجهة بيتي وأمي وأبي ، ذهبت إلى منزل مهجور وعشت فيه عيش الهوان وتبت إلى الله ، وإني لأرجو أن يكون الله قد قبل توبتي واستجاب دعائي وينقلني من دار الموت والشقاء إلى دار الحياة والهناء ، وها أنا ذا أموت وأنت كاذب مخادع ولص قاتل ، ولا أظن أن الله تاركك دون أن يأخذ حقي منك ، ما كتبت والله لأجدد لك عهداً أو أخطب لك وداً فأنت والله أهون على من ذلك ، إنني قد أصبحت على باب القبر وفي موقف أودع في فيه الحياة وسعادتها وشقائها ، فلا أمل لي في ودها ولا متسع لي في عهدها ، إنما كتبت لك لأن عندي وديعة لك هي أبنتك ، فإن كان الذي ذهب بالرحمة من قلبك ألقى لك منها رحمة الأبوة فأقبلها وخذها إليك حتى لا يدركها من الشقاء مثل ما أدرك أمها من قبل ))
يقول هذا الرجل ما أتممت قراءة هذا الكتاب حتى نظرت وأنا أقرأ كتابه ورأيت مدامعه تنحدر من عينيه ثم قال : إنني والله ما قرأت هذا الكتاب حتى أحسست برعشة تتمشى في جميع أوصالي وخيل إلى أن قلبي يحاول أن ينشق عن صدري ، فأسرعت إلى منزلها الذي تراني فيه الآن ورأيتها في هذه الغرفة وهي تنام على هذا السرير جثة هامدة لا حراك فيها ، ورأيت هذه الطفلة التي تراها وهي في العاشرة من عمرها تبكي حزناً على أمها وتمثلت لي جرائمي في غشيتي كأنما هي وحوش ضارية هذا ينشب أظفاره وذاك يحدد أنيابه ، فما أفقت حتى عاهدت الله ألا أبرح هذه الغرفة التي سميتها غرفة الأحزان حتى أعيش عيشة تلك الفتاة وأموت كما ماتت ، وها أنا ذا أموت راضياً اليوم مسروراً ، وقد تبت إلى الله وثقتي في ربي أن الله عز وجل لا يخلفني ما وعدني ولعل ما قاسيت من العناء والعذاب وكابدت من الألم والشقاء كفارة لخطيئتي .
نقلاً عن شريط ( عندما ينتحر العفاف ) للشيخ سعيد بن مسفر القحطاني