PDA

View Full Version : النصــــــــيحة فن .. فمن يتقنه ؟


زمردة
24-06-2001, 05:55 PM
**************** أثر النصيحة في بناء الجماعة ***************

لا غرابة إن يعبر النبي صلى الله عليه وسلم بالنصيحة عن الدين كله ، هو الذي أوتي جوامع الكلم فقال فيما رواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان [الدين النصيحة .. ثلاث ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم] ..

ذلك أن للنصيحة شأنا عظيما في قيام الأمة بواجباتها النابعة من قيام الأفراد بذلك وأنها السياج الواقي من الإشاعة الغيبة والنميمة والتحريش والتنازع ، التحريش الذي رضيه الشيطان كما جاء في حديث مسلم الآخر :

[إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم] ،وقد رضي بالتحريش لأنه بداية طبيعية للعداء والتفريق والتنازع المؤدي إلى الاقتتال وذهاب الريح ..

قال الخطابي في معالم السنن5/233 :

[النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة وهي : "إرادة الخير للمنصوح له" ولا يمكن أن يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة تحصرها وتجمع معناها غيرها] ..

والحديث يدل على أن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وأن الدين يقع على القول والعمل ، ولهذا اعتبر العلماء هذا الحديث – الدين النصيحة – يعدل ربع الدين ، بل هو الدين كله ..

قال ابن حجر في الفتح1/138:

[هذا الحديث من الأحاديث التي قيل إنها أحد أرباع الدين] ..

وقال النووي في شرحه على مسلم1/396 :

[وأما ما قاله جماعات من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام ، أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه ، بل المدار على هذا وحده] ..

ولأن مدار الأمر وقيام الدين بالنصيحة فقد كانت هي منهج أنبياء الله ورسله في الأمم ، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام مخاطبا قومه :

{أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون}62الأعراف ..

وعلى لسان صالح عليه السلام :

{فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين}79الأعراف ...

وعلى لسان نبي الله شعيب عليه السلام :

{فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين}93الأعراف ..

وكذلك على لسان هود عليه السلام :

{أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين}68الأعراف ..

قال أبو السعود في تفسيره3/238 :

[{ناصح أمين} أي معروف بالنصح والأمانة مشهور بين الناس بذلك ، وإنما جيء بالجملة الاسمية دلالة على الثبات والاستمرار ، وإيذانا بأن من هذا حاله لا تحوم حوله شائبة السفاهة والكذب] ..

والنصيحة كذلك منهج وخلق لكل مصلح وصادق من أتباع الرسل كما كان موقف مؤمن آل فرعون وهو مستضعف يكتم إيمانه إذ قال لموسى عليه السلام :

{إن الملأ يأتمرون عليك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين}28القصص ...

ومما يؤكد مكانة النصيحة ويبين أنها ميزان النصرة وحب المؤمنين وعلو دين الله في الأرض أن الله جعلها شرطا لمن عجز عن الجهاد بنفسه لعذر شرعي ، لأنها دليل صدق التوجه إلى الله فقال تعالى :

{ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم}91التوبة ..

قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص74 :

[يعني من تخلف عن الجهاد لعذر فلا حرج عليه بشرط أن يكون ناصحا لله ورسوله في تخلفه ، فإن المنافقين كانوا يظهرون الأعذار كاذبين ويتخلفون عن الجهاد من غير نصح لله ورسوله] ..

واعلم أخي أرشدنا الله وإياك للحق أن للنصيحة ضوابط ثلاثة :

الأول : الإخلاص لله تعالى :

فالإخلاص هو لب الأعمال ولأن النصيحة من حق المؤمن على المؤمن على أخيه وجب فيها التجرد عن الأغراض الشخصية والتحاسد ، والهوى الذي يحبط العمل ويورث الشحناء وفساد ذات البين ..

قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن4/234 :

[النصح إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة بخلاف الغش }

الثاني : الرفق في النصح :

فهو ركن النصيحة الثاني ، والرفق لين الجانب من طرف الناصح وهو لب النصح وأسلوبه ، وإذا خلت النصيحة من الرفق صارت تعنيفا وتوبيخا لا يقبل ..

وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من يحرم الرفق يحرم الخير كله )) .

الثالث : الحلم بعد النصح :

والحلم خلق الأنبياء وهو نقيض السفه ، ومن مقتضيات الحلم : الستر والحياء وعدم البذاءة وترك الفحش ، فيحلم الناصح على المنصوح إن سفه عليه أو عابه وشتمه ، وإن شر الناس كما قال صلى الله عليه وسلم (( من تركه الناس اتقاء شره )) .

إن من الحكمة والبصيرة في النصيحة معرفة أقدار الناس ، وإنزالهم منازلهم ، والترفق مع أهل الفضل والسابقة وكذلك تخير وقت النصح حيث ترفع الكلفة وتسود روح الأخوة .. وتخير أسلوب النصح المتزن البعيد عن الانفعالات ، وانتقاء الكلم الطيب ن والوجه البشوش والصدر الرحب ، فهو أوقع في النفس وأدعى للقبول وأعظم للأجر عند الله ..

قال الإمام ابن القيم في كتابه الروح ص511 :

[وإذا وقعت – النصيحة – على وجه ذم أخيك وتمزيق عرضه والتفكه بلحمه والغض منه لتضع منزلته من قلوب الناس فهي الداء العضال ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب] ..

وقال أبو صالح المري رحمه الله :

[المؤمن من يعاشرك بالمعروف ويدلك على صلاح دينك ودنياك ، والمنافق من يعاشرك بالمماذعة – يعني التملق بالكذب – ويدلك على ما تشتهيه ، والمعصوم من فرق بين الحالين] ..

كما أن للنصيحة آدابا وسننا وشروطا كالعلم بحكم الشرع فيما ينصح به ، وعدم التكرار إلا لداعي التذكير ، والدعاء للمنصوح في ظهر الغيب إلى غير ذلك مما مظانه كتب أهل العلم والفقه ..

وإن من النصيحة أن يعلن الفرد داخل إطار الجماعة رأيه بكل صراحة ووضوح فهذا حق شرعي له ، ولكن يجب أن تنقطع علاقته برأيه وما ذهب إليه من اجتهاد بمجرد الاطمئنان إلى وصول الرأي لقيادة الجماعة حتى ينطبق على رأيه وآراء غيره من إخوانه قواعد الجماعة في سير هذه الآراء وتمحيصها للوصول إلى الصواب والحق ..

ومن بوادر التنازع والتفرق تمسك الفرد برأيه – الاجتهادي – وتبنيه له بعد حكم الجماعة فيه بالبطلان ، لأن هذا مؤداه إلى الانشقاق الفكري المنهجي ، أو الانشقاق التنظيمي والخروج عن الجماعة إذا تبنى مواقف مبنية على رأيه المحكوم عليه بالبطلان ، جعل من نفسه ميزانا للحق يشنع عن من خالفه فردا كان أو جماعة

ولهذا كان إبداء الرأي مدعوما بأدلته العقلية والنقلية والواقعية وأسلوبه الناصح المشفق هو النصيحة الواجبة التي تقوم بها الجماعة خططها وأساليبها في إدارة الصراع مع الأعداء ، وكان خلاف ذلك هو الغش والوهن والإرجاف وحب الذات وعلامة جلية من علامات النفاق ..

كما قال على رضي الله عنه :
[المؤمنون نصحة والمنافقون غششة] ..

وكما قال الفضيل بن عياض :
[المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير] ..

فكان لزاما أخذ النصيحة خلقا بين المسلمين عامة ، وأبناء الدعوة خاصة فهي القاطعة لفساد ذات البين والتحريش والموصلة لمعاني الأخوة والمحبة في الله والولاء الذي جعله الله علامة الإيمان والصدق وعاملا على تماسك الجماعة والأمة وقبل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى :

{وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا}53الإسراء ..

والحمد لله رب العالمين ..

مقال قرأته .. فنقلته لكم .. أنصح نفسي به أولاً ثم أنصحكم .. أسأل الله أن يتقبله مني .. وأن تتقبله قلوبكم وعقولكم .. وأن يجزيكم خير الجزاء ..

زهر الليالي
24-06-2001, 06:08 PM
فعلا موضوع مفيد وجميل أستمتعت بقراءته,,,,,,

جزيت خيرا أختي الكريمة

زمردة
25-06-2001, 02:50 AM
زهر الليل .. :)

تشرفت أخيتي بك وبزهورك الطيبة :)