PDA

View Full Version : تأنيب الضمير (قصة واقعية)


سردال
26-07-2001, 02:34 AM
تحذير حكومي خطير: القصة طويلة جداً :)
-----------------------------------------------------------
ارتفع صوت الفوضى في الفصل، وبدأ الطلاب يتحدثون ويلعبون ويصرخون كعادتهم بين كل حصة وأخرى، وفجأة عم الهدوء أرجاء الفصل وجلس كل طالب على كرسيه الخاص وتطلع الجميع نحو الباب، الذي دخل منه الأستاذ عماد مدرس اللغة العربية، دخل بملامحه التي توحي لك بالصرامة والحزم، ووضع شنطته الصغيرة على الطاولة وأخرج منها طبشورة صغيرة وذهب إلى السبورة بصمت وكتب بخط جميل واضح "تأنيب الضمير".

ثم عاد مرة أخرى لطاولته وأمسك بظهر كرسيه وأجال نظره بين الطلاب، وحدث نفسه قائلاً: لن أتعب نفسي مع هؤلاء الطلبة مرة أخرى، إن الطالب الحريص على دراسته وعلمه، لا بد من أن يحرص على جلوسه في مقدمة الفصل. ثم بدأ بالحديث بصوته الجهوري وبلاغته الواضحة حول العنوان الذي كتبه على السبورة "تأنيب الضمير".

قال: يا أبنائي الطلبة، إن كل البشر يخطؤون، وكل الناس يرتكبون الحماقات والجرائم، وكلهم أيضاً يحس بتأنيب الضمير بعد أن يدركوا مدى فداحة أخطائهم، إن حديث النفس هذا أمر لازم حدوثه مع كل شخص، ومهما أنكره أمام الناس فإنه لا يستطيع أبداً أن ينكره بينه وبين نفسه، إن النفس تؤنب الإنسان على أخطائه بل وتحاول أن تزجره، وكلنا بلا شك مر بهذه الأحاسيس، فمن منكم يا طلاب مر بإحساس "تأنيب الضمير"؟

لم يكمل الأستاذ عماد سؤاله حتى تقافز الطلاب بسرعة من على طاولاتهم مسرعين نحو الأستاذ رافعين أصابعهم الصغيرة، مكررين عليه كلمة "أستاذ" بسرعة وبصوت عال، حتى أنه أبدى إنزعاجه وأشار لهم بيديه أن أرجعوا إلى أماكنكم.

رجع الطلاب لمقاعدهم إلا الطالب سليمان، الذي يجلس في مقدمة الفصل، الذي لم يزل يكرر كلمة "أستاذ" بسرعة، ويصر على أن يتيح له المدرس فرصة الإجابة على السؤال المطروح، صرخ في وجهه المدرس قائلاً: إجلس! ثم أكمل قائلاً: دعنا ننظر في من يجلس في الخلف، وبدأ ينتظر أحد الطلاب الجالسين في مؤخرة الفصل أن يجيب أو حتى يبدي تفاعلاً إيجابياً مع الحصة، لكن لم يبدي أحدهم حتى رغبة في الانتباه إلى المدرس.

قال المدرس: باسل! ما هو السؤال؟! قالها في سخرية وتهكم.

أنتبه باسل إلى المدرس، وقال: أه.... نعم.... السؤال.... في الحقيقة..... هل أحسست مرة بتأنيب الضمير؟

أحس ا لمدرس بالإحارج قليلاً، وانتظر إجابة باسل الذي قال: بصراحة يا أستاذ....... لم أجرب هذا الإحساس من قبل! فأشار له المدرس بيده أن أجلس، وبدى على المدرس علامات السخرية من هذا الطالب، إلا أن باسل لم يعر ذلك انتباهاً ورجع إلى دفتره الذي ملأه بالرسومات.

أعاد المدرس نفس السؤال، فتكررت القصة، الطلاب يزعجون المدرس بأصواته العالية وحركتهم الفوضوية، وكان أكثرهم إزعاجاً الطالب سليمان، الذي يكاد يدخل إصبعه الصغير في عين أو فم الأستاذ، وحتى يتخلص الأستاذ من الإزعاج قال: أجب يا سليمان!

وقف سليمان وهو مضطرب، وحاول أن يتحدث ويجمع الكلمات ليقول قصته مع "تأنيب الضمير" وبدأ في التلعثم والتخبط في كلمات لا رابط بينها، حتى ضجر الطلاب منه، فهم يعرفون أنه يحاول إبراز نفسه بشتى الطرق، بدأ سليمان في تجميع الكلمات وقال: ذات مرة، جاء رجل عجوز لبيت أناس، ودق عليهم الباب، فظهرت له بنت صغيرة، فسألها: أين أمك يا فتاة؟ فقالت الفتاة: أنتظر قليلاً، وذهب الفتاة لتخبر أمها بأمر الرجل العجوز، فنظرت الأم من طرف النافذة إلى الرجل العجوز فعرفته، وأخبرت البنت أن تقول له أنها ذهبت إلى السوق، فأخبرت البنت الصغيرة العجوز فرد عليها قائلاً: قولي لأمك أن لا تنسى رأسها عند النافذة إذا خرجت إلى السوق!

تعالت ضحكات الطلاب، وأكمل سليمان قائلاً: فأخبرت البنت أمها بما قاله العجوز، فأحست الأم بتأنيب الضمير من كذبها.

قال المدرس: لكنك لم تقل لي موقفاً أحسست فيه أنت بتأنيب الضمير، لقد مضى الوقت بنا، لذلك دعوني أخبركم أنا بموقف أحسست فيه بتأنيب الضمير، قال: كنا في المدرسة الثانوية، وقد كنت في الصف الثاني ثانوي الذي يحوي فقط ثلاث فصول متكدسة بالطلاب، وقد تم نقل العديد من الطلبة من مدارس أخرى إلى مدرستنا، فقرر ناظر المدرسة أن يفتح فصولاً أخرى ويضع فيها الطلاب الجدد مع بعض طلاب المدرسة، فتم نقلي إلى فصل آخر، وجاء مجموعة من الطلبة الجدد في هذا الفصل، لم يكن فيهم شيء مميز أبداً، إلا طالب واحد كان يضع يده اليسرى دائماً في جيبه ولا يخرجها، ولم يكن يخالط أحداً أو يتحدث مع أحد، وإذا ما حدثناه أو سأله المدرس تكون إجاباته وكلماته مختصرة بقدر الإمكان.

وفي ذات يوم غاب المدرسون عنا في حصة من الحصص، لأنهم كانوا في اجتماع خاص بهم، فخرج الطلاب إلى الساحة يلعبون ويمرحون ويعبثون كعادتهم، وخرج فصلنا بأكمله يلعب في الساحة وقد لاحظت أن الطلاب الذي يضع يده اليسرى في جيبه دائماً قد ابتعد عنا ووقف تحت ظل شجرة كبيرة يراقب الطلاب وهم يلعبون، وفجأة رأينا مدير المدرسة الغاضب الثائر دوماً، فتفرق الطلاب بسرعة ولكن المدير أدرك الكثير من الطلبة وأمرهم بالوقوف ففعلوا، وقد كنت أنا وصاحب اليد اليسرى بينهم، ووقف طلبة المدرسة ينظرون إلينا متوقعين تقريعاً أو عقاباً لنا على ما لم نقترفه من ذنب.

أنتبه المدير إلى صاحب اليدى اليسرى وأمره أن يخرج يده! فلم يفعل الطالب، فصرخ المدير عليه: أخرج يدك! يجب أن تحترمني!! فلم يفعل وبدت معالم الخوف والخجل في وجه الطالب، فصرخ المدير للمرة الثالثة عليه وبصوت عال، فلم يزد الطالب على أن أدخل يده اليسرى أكثر في جيبه وانحنى مبتعداً عن المدير من شدة الخوف، فما كان من المدير إلا أن رفع يده الغليظة ليطبع صفعة على خد هذا الطالب المسكين، فسقط الطالب على الأرض وتدحرج شيء مبتعداً عنه بضعة أمتار قليلة، وإذا هي يده اليسرى! التي عرفنا أنها يد صناعية.

لم يتكلم أحد وعم الصمت أرجاء الساحة المدرسية، وحاول المدير أن يتدارك الموقف فأسرع إلى الطالب وبدأ يكيل له سيلاً من ألفاظ الاعتذار والأسف والطالب يبكي بلا صوت وصدره يهتز من شدة بكائه، أخذ المدير اليد الصناعية وحملها معه وسار مع الطالب إلى الإدارة يطيب خاطره ويعتذر له ويقول له: لو أخبرتني لما فعلت لك ذلك، والطالب لا يتكلم أبداً، اتصل المدير بوالد الطالب، فحضر إلى المدرسة وعرف القصة ولم يعلق إلا بجملة واحدة: هذا الحادث يتكرر للمرة الثانية لإبني، ثم أخذ إبنه وخرج من المدرسة.

وعاد الأب إلى المدرسة في اليوم الثاني، ليخبر المدير أن إبنه بات يرفض الذهاب إلى المدرسة مرة أخرى بسببه، بل إنه كره أن يذهب إلى أي مدرسة أخرى وفضل أن يجلس في البيت على أن يهينه أو يضايقه أحد بسبب يده الصناعية، فأحس المدير هنا بتأنيب الضمير الشديد.

هنا رفع الطالب باسل رأسه عن دفتره المليء بالرسومات قائلاً: لكن المدير هو الذي أحس بتأنيب الضمير وليس أنت!

فقال المدرس متلعثماً: انتهت الحصة، وأخذ شنطته الصغيرة وأسرع بالخروج.
------------------------------------------------------

القصة هذه حقيقة، وقد وقعت في إحدى المدارس التركية، وأخبرني بها من أثق فيه، وقد غيرت فيه وزدت عليها لأخرج لكم بهذه القصة :)

فما رأيكم في القصة؟
وما رأيكم في أسلوب الكتابة؟
وأخيراً ما الفائدة من القصة؟ أرجوا أن أجد ملاحظاتكم على القصة.

صقر أبوظبي
26-07-2001, 03:14 AM
كيف حالك اخي سردال .....................................

وياك اخوك الصغير ، انا اعجبت بالأسلوب والقصة نفسها ولكن ملحوظتي

هي ان النفس دائما أمارة بالسوء ولاتحث الانسان الإبشر ولاتريد

الأنسان بأن يندم ويتوب وهذا كل مافي الملحوظ يالنوخذة

سردال
26-07-2001, 02:51 PM
صقر أبوظبي: أشكرك أخي على كلماتك الطيبة، وبالنسبة للملحوظة، أرى أن الأمر نسبي، فهناك وازع الخير وهناك وازع الشر، لا يمكن أن ننكر وجود الخير والفطرة الحسنة في النفس، وكذلك لا يمكن إغفال النفس الأمارة بالسوء في النفس :)

سعودية
26-07-2001, 04:45 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

فما رأيكم في القصة؟
لقد أعجبتني القصة .. رغم طولها :)
ولكني تحفزت للقراءة بعد التحذير الحكومي ..
فنحن قوم نسير مع الممنوع :)

وما رأيكم في أسلوب الكتابة؟
طريقة السرد رائعة ومشوقة ..
ولكن هناك تطويل في التفاصيل الصغيرة ..

وأخيراً ما الفائدة من القصة؟

هنا أقف يا سيدي الكريم ..
فلا أعتقد أني سأفيدك بهذه النقطة ..
لأنه في بعض الأحيان تصل إلينا الفائدة بطريقة غير مباشرة ولا نستطيع التعبير عما يجول بخواطرنا ..
لكن هناك كلمات تستثير في النفس بعض الشجون ..


ملاحظة :
لماذا دائما نعلق بعض أخطائنا على الغير ونحملهم السؤولية ؟!

فمثلا في قصتك ..
نحمل المدير ما وقع مع ذاك الطالب ..
فبإعتقادي أن والده كان يجب أن يخطر المدرسة ومسؤوليها ..
عما يجري مع هذا الفتى مع العلم أنه حصل له نفس الموقف من قبل ..

فلا يجب تحميل المدير وإن كان قد أخطأ كل المسؤولية وليس عليه أن يتحمل ضميره كل هذا التأنيب ..

وهناك نقطة أخرى ..
فأتمنى أن يتواجد في مدارسنا ..
أخصائيون يهتمون بمثل هذه الأمور .. من معالجة لتلك الحالات ..
ستقول يوجد لدينا ..

نعم توجد الوظيفة ولكنها مسميات ...
فقط ومن يتقلدها .. هم ايداريون متخصصون في الإدارة ولا علاقة لهم من قريب او بعيد بالتعامل مع النفس البشرية ..

وأتمنى أن يجد من تخرج من هذا الجيل الحالي ..
من التخصصات التي تفيد هذا المجال ..
أن تتاح لهم الفرصة لتطبيق ما تم دراسته لسنوات ..

مع كل التقدير ..

تحياتي لك :)

سردال
27-07-2001, 09:09 AM
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته :)
وحياك الله أختي سعودية :)

كل ممنوع مرغوب، لذلك وضع التحذير، وأيضاً اشتكى بعض الأصحاب من طول مواضيعي ولهؤلاء وضعته.

أما التفاصيل فهي أمر مقصود، فحتى أرسم صورة معينة في ذهن القارئ لا بد من ذكر بعض التفاصيل الصغيرة، على أي حال سأختصر في المرات القادمة :)

أما الفائدة فهي إما ظاهرة أو مخفية، وأنا أقصد بعض الفوائد الغير واضحة، لذلك أترك لكل قارئ الحكم :)

أما ملاحظاتك، فأحترمها فعلاً، لأن الأب عليه مسؤولية وعلى الأخصائي أن يتولى مهمته في هذا الشأن، أما الإداريون فلا خبرة لهم في هذه الأمور، وهذا ما يجب أن يكون في واقعنا المدرسي، إلا أن الواقع بعيد تماماً عن كل هذا... :)

تحياتي