الخير
19-08-2001, 01:33 AM
سأسرد لكم اليوم قصة عجيبة لرجل جوهري من تجار المشرق ...
==============
قصد التاجر ذات يوم من عدن إلى المنصور بجوهر كثير وأحجار نفيسة ، فأخذ المنصور
من ذلك ما استحسنه ودفع الى التاجر الجوهري صرته ، وكانت قطعة يمانية ، فأخذ
التاجر في انصرافه طريق الرملة على شط النهر ، فلما توسطها _ واليوم قائظ وعرقه
منصب _ دعته نفسه الى التبرد في النهر ، فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط ، فمرت
حدأة فاختطفت الصرة تحسبها لحماً ، وصعدت في الأفق ذاهبة فقطعت الأفق الذي تنظر
إليه عين التاجر ، فقامت قيامته وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بحيله ، فأسر الحزن في
نفسه ، ولحقه لأجل ذلك علة اضطرب فيها ، وحضر الدفع إلى التجار ، فحضر الرجل
لذلك بنفسه ، فاستبان للمنصور ما بالرجل من المهانة والكآبة وفقد ما كان عنده من
النشاط وشدة العارضة ، فسأل المنصور عن شأنه ، فأعلمه بقصته ،
فقال له : هلا أتيت إلينا بحدثان وقوع الأمر فكنا نستظهر على الحيلة ، فهل هديت إلى
الناحية التي أخذ الطائر إليها ؟ قال : مر مشرفاً على سمت هذا الجبل الذي يلي قصرك _
يعني الرملة _ فدعا المنصور شرطيه الخاص به ، فقال له : جئني بمشيخة أهل الرملة الساعة
، فمضى وجاء بهم سريعاً فأمرهم بالبحث في قبائلهم عن من تغير عنه حال الإقلال إلى
حال الغنى فجأة دون سبب ظاهر ، فقالوا : يا مولانا ، ما نعلم إلا رجلاً من ضعفائنا
كان يعمل هو وأولاده بأيديهم ويتناولون السبق بأقدامهم عجزاً عن شراء دابة ، فابتاع
اليوم دابة ، واكتسى هو وولده كسوة متوسطة ، فأمر بإحضاره من الغد ، وأمر التاجر
بالغدو إلى الباب ، فحضر الرجل بعينه بين يدي المنصور ، فاستدناه والتاجر حاضر ،
وقال له : سببٌ ضاع منا وسقط إليك ما فعلت به ؟
قال : هو ذا يا مولاي ، وضرب بيده إلى حجزة سراويله فأخرج الصرة بعينها ، فصاح
التاجر طرباً وكاد يطير فرحاً
فقال له المنصور : صف لي حديثها ،
فقال : بينما أنا أعمل في جناني تحت نخلة إذا سقطت أمامي فأخذتها وراقني منظرها فقلت
، إن الطائر اختلسها من قصرك لقرب الجوار ، فاحترزت بها ودعتني فاقتي إلى أخذ عشرة
مثاقيل كانت معها مصرورة وقلت : أقل ما يكون في كرم مولاي أني يسمح لي بها ،
فأعجب المنصور ما كان منه ، وقال للتاجر : خذ صرتك وانظرها واصدقني عن عددها ،
ففعل ، وقال : ما ضاع منها شئ سوى الدنانير التي ذكرها وقد وهبتها له ،
فقال له المنصور : نحن أولى بذلك منك ، ولا ننغص عليك فرحك ، ولولا جمعه بين
الإصرار والإقرار لكان ثوابه موفوراً عليه ، ثم أمر للتاجر بعشرة دنانير عوضاً عن دنانيره ،
وللجنان بعشرة دنانير ثواباً لتأنيه عن فساد ما وقع بيده ،
وقال : لو بدأنا بالإعتراف قبل البحث لأوسعناه جزاء .
==================================
من كتاب"الدرر البهية في الألغاز الفقهية"
للدكتور: محمد العريفي.
=========================
==============
قصد التاجر ذات يوم من عدن إلى المنصور بجوهر كثير وأحجار نفيسة ، فأخذ المنصور
من ذلك ما استحسنه ودفع الى التاجر الجوهري صرته ، وكانت قطعة يمانية ، فأخذ
التاجر في انصرافه طريق الرملة على شط النهر ، فلما توسطها _ واليوم قائظ وعرقه
منصب _ دعته نفسه الى التبرد في النهر ، فوضع ثيابه وتلك الصرة على الشط ، فمرت
حدأة فاختطفت الصرة تحسبها لحماً ، وصعدت في الأفق ذاهبة فقطعت الأفق الذي تنظر
إليه عين التاجر ، فقامت قيامته وعلم أنه لا يقدر أن يستدفع ذلك بحيله ، فأسر الحزن في
نفسه ، ولحقه لأجل ذلك علة اضطرب فيها ، وحضر الدفع إلى التجار ، فحضر الرجل
لذلك بنفسه ، فاستبان للمنصور ما بالرجل من المهانة والكآبة وفقد ما كان عنده من
النشاط وشدة العارضة ، فسأل المنصور عن شأنه ، فأعلمه بقصته ،
فقال له : هلا أتيت إلينا بحدثان وقوع الأمر فكنا نستظهر على الحيلة ، فهل هديت إلى
الناحية التي أخذ الطائر إليها ؟ قال : مر مشرفاً على سمت هذا الجبل الذي يلي قصرك _
يعني الرملة _ فدعا المنصور شرطيه الخاص به ، فقال له : جئني بمشيخة أهل الرملة الساعة
، فمضى وجاء بهم سريعاً فأمرهم بالبحث في قبائلهم عن من تغير عنه حال الإقلال إلى
حال الغنى فجأة دون سبب ظاهر ، فقالوا : يا مولانا ، ما نعلم إلا رجلاً من ضعفائنا
كان يعمل هو وأولاده بأيديهم ويتناولون السبق بأقدامهم عجزاً عن شراء دابة ، فابتاع
اليوم دابة ، واكتسى هو وولده كسوة متوسطة ، فأمر بإحضاره من الغد ، وأمر التاجر
بالغدو إلى الباب ، فحضر الرجل بعينه بين يدي المنصور ، فاستدناه والتاجر حاضر ،
وقال له : سببٌ ضاع منا وسقط إليك ما فعلت به ؟
قال : هو ذا يا مولاي ، وضرب بيده إلى حجزة سراويله فأخرج الصرة بعينها ، فصاح
التاجر طرباً وكاد يطير فرحاً
فقال له المنصور : صف لي حديثها ،
فقال : بينما أنا أعمل في جناني تحت نخلة إذا سقطت أمامي فأخذتها وراقني منظرها فقلت
، إن الطائر اختلسها من قصرك لقرب الجوار ، فاحترزت بها ودعتني فاقتي إلى أخذ عشرة
مثاقيل كانت معها مصرورة وقلت : أقل ما يكون في كرم مولاي أني يسمح لي بها ،
فأعجب المنصور ما كان منه ، وقال للتاجر : خذ صرتك وانظرها واصدقني عن عددها ،
ففعل ، وقال : ما ضاع منها شئ سوى الدنانير التي ذكرها وقد وهبتها له ،
فقال له المنصور : نحن أولى بذلك منك ، ولا ننغص عليك فرحك ، ولولا جمعه بين
الإصرار والإقرار لكان ثوابه موفوراً عليه ، ثم أمر للتاجر بعشرة دنانير عوضاً عن دنانيره ،
وللجنان بعشرة دنانير ثواباً لتأنيه عن فساد ما وقع بيده ،
وقال : لو بدأنا بالإعتراف قبل البحث لأوسعناه جزاء .
==================================
من كتاب"الدرر البهية في الألغاز الفقهية"
للدكتور: محمد العريفي.
=========================