بياع القلوب
25-09-2001, 05:40 PM
بلا مقدمات، أمريكا تحتشد لضرب أو غزو أفغانستان.. ولن نجادل: أفعلها بن لادن أم لم يفعلها؟ فسواء هذا أو ذاك فإن أمريكا عاقدة العزم على توجيه ضربة ساحقة لأفغانستان.. بل إنها بالتحالف مع الهند وإسرائيل ستضرب المنشآت النووية الباكستانية إن لم تبادر الأخيرة بالمساعدة في غزو أفغانستان.
إن باكستان في موقف لا تحسد عليه، بل إنها في موقف أكثر حرجًا من موقف أفغانستان؛ لأن أفغانستان ليس لديها ما تخسره.. ليس هناك شيء يمكن ضربه في أفغانستان، ليس لديهم مصانع، وليس لديهم بنية أساسية ولا منشآت حيوية، اللهم إلا سدّ على أحد روافد نهر السند، ولو ضُرِب فستغرق باكستان ولن يضرَّ أفغانستان شيئًا.. ربما هذه أول مرة في التاريخ يتحول شدَّة الفقر، والتخلف العمراني إلى ميزة إستراتيجية حربية.
السيناريوهات المتوقعة
هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة نذكرها إجمالاً، ثم نفصلها بعد ذلك، أولاً: ضربة نووية على كابل وعلى عدة مدن كبيرة. ثانيًا: غارات جوية وقصف صاروخي متواصل حتى يحوِّلوا البلاد إلى كومة من الرماد. ثالثًا: غزو برِّي بعد التمهيد الجوي والصاروخي.
أولاً: الضربة النووية لن تبيد الشعب الأفغاني، فهي تدمِّر مساحة كيلو متر مربع أو اثنين، وهي ستوجَّه بطبيعة الحال إلى المدن. والمدن في أفغانستان مدمَّرة بالفعل، ويهجرها السكان حاليًا، إن التأثير الوحيد للضرب النووي هو الرعب الذي تبثُّه، وهو ما يحمل البلاد على الركوع والتسليم، وهي بالطبع لن تطول بن لادن ولا أحدًا ممن معه.
إن الضرب النووي لن يُرْهب ولن يُركع الأفغان، ليس هذا من المبالغات البلاغية، بل شهادة ممن عايش هذا الشعب الصلب العنيد الذي لا يرهبه الموت، ولن تحصد أمريكا من وراء هذه الحماقة إلا مزيدًا من الإرهاب.
ثانيًا: القصف الصاروخي والغارات الجوية على غرار ما يفعلونه في العراق لن يجدي شيئًا.. أقولها لمن لم يعايش المعارك.. إن الروس كانوا يقصفون المجاهدين المحاصرين لجلال آباد بصاروخ "أسكود" كل 10 دقائق، وكانت محصِّلة هذا القصف لا شيء؛ لأن المجاهدين كانوا منتشرين على مساحة واسعة، ولا يجتمع في المكان الواحد أكثر من عشرة رجال، المدن في أفغانستان مخرَّبة بالفعل، والأهالي يهاجرون منها.. وإذا كانت أمريكا تعول على أن تحالف الشمال سوف يزحف للاستيلاء على السلطة تحت غطاء من القصف الأمريكي فهم واهمون بلا شك؛ لأن مسعود قد مات، وللقائد أهمية قصوى في هذه البلاد، بمعنى أن أي خليفة لمسعود لن يكون "مسعود" هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى إذا جرؤ أي أفغاني على مساعدة الأمريكان أو استغلال الغزو الأمريكي فهي نهايته السياسية والعسكرية بلا شك، بل إن التدخل الأمريكي على هذا النحو سوف يوحِّد الأفغان ضد الأمريكان، وما إن ينتهوا من أمريكا حتى يعودوا لتصفية حساباتهم.
ثالثًا: بعد القصف الساحق تتقدم فرق الكوماندوز للاستيلاء على معسكرات بن لادن وأسره هو شخصيًّا.. وهذه والله هي الحماقة بعينها، فالشعب الأفغاني شعب مسلح مقاتل، بل مقاتل ضارٍ لا يلين ولا يستكين. هذا الشعب هزم الإنجليز مرتين في أوج قوة بريطانيا العظمى، ودحر الروس كما هو معلوم في حرب أدَّت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، والعرب الذين مع بن لادن أشدُّ ضراوة من الأفغان.. قد يسهل على الأمريكان دخول أفغانستان لكن من المستحيل أن يخرجوا بكرامتهم. وإذا حسبوا أن الكوماندوز يجديهم فتيلاً فليعتبروا بما حدث لفرق الكوماندوز الروسي في جبال جاجى على يدِ ثُلَّة من العرب.
القتال حياة الأفغاني
إن حصار أفغانستان لن يجدي شيئًا؛ لأنهم محاصرون بالفعل، والأفغان يمكنهم التقوُّت بأقل القليل، وبلادهم تزخر بالمياه، والأنهار، والعيون، والينابيع، ليس لديهم بترول، ولا مصانع، ولا بنية أساسية، ولا سياحة، ولا أي شيء يمكن أن يضرَّه الحصار، ويستطيعون الاكتفاء الذاتي بالقليل دون ملل؛ لأن هذه هي طبيعة حياتهم.
هذا الشعب يعشق القتال، ولا يستطيع الحياة دون قتال، فإن لم يجدوا كافرًا يحاربونه.. حارب بعضه بعضًا، فلا يحسبنَّ أحد أنهم قد ملُّوا الحروب، بل إني رأيتهم وقد بدأ الروس في الانسحاب في هم وحزن عميق، ولمَّا استفسرت عن ذلك قالوا إذا انسحب الروس فمن نحارب إذن؟ إن الحرب جزء من حياة الأفغاني، فهم يلخِّصون متع الحياة في ثلاثة أمور {دودي وخري.. تشاي وتشري.. تكان تكان}، أي أكل الخبز، وشرب الشاي، وإطلاق النار.
الدول المجاورة
أما الدول المحيطة بأفغانستان فهي رغم تعاطفها مع الكارثة الأمريكية ورغم عدائها لطالبان {عدا باكستان}، فترفض أو سرعان ما ترفض الغزو الأمريكي أو التواجد الأمريكي في هذا المكان الإستراتيجي الخطير:
الصين من الآن ترفض أن يتواجد الأمريكان في فنائهم الخلفي.. لقد أفزعهم تواجد السوفييت في أفغانستان من قبل، فقدَّموا للمجاهدين مساعدات هائلة، رغم أن الروس آنذاك شيوعيون مثلهم فما بالك بأمريكا.
روسيا تفزع من طالبان وتخاف منها على دول الكومنولث التي تعدها مناطق نفوذ حيوية؛ لذلك تشجِّع أمريكا على ضرب أفغانستان، وتعرض خدماتها، وربما كان المخطط أن تحتل روسيا الشمال وأمريكا الجنوب، لكن على المدى البعيد ليس من مصلحة روسيا وجود أمريكا في قلب آسيا، ويبدو أن الروس يكرِّرون أخطاءهم، فقد ساعدوا أمريكا في عاصفة الصحراء، ثم هاهم يجاهدون لوقف العدوان على العراق، ويأسفون ولا شك على تواجد أمريكا في الخليج، بل ليس من مصلحة أمريكا الاحتكاك بالروس عن قرب.
إيران رغم عداوتها لطالبان فإن وجود أمريكا أمامها في الخليج وخلفها في أفغانستان يُعَدّ كارثة حقيقية، وقد تتحالف مع الشيطان لإخراج أمريكا من أفغانستان.
هذه الحسابات مهمة جدًّا؛ لأن الأفغان لا يحتاجون سوى مصدر للذخائر، وهم عندئذ قادرون بإذن الله تعالى على دحر مائة دولة مثل أمريكا، على الأقل هناك دولتان حدوديتان مستعدتان في هذه اللحظة لتقديم الذخائر للأفغان، وهما الصين وإيران، وإن كان ما لدى الأفغان من سلاح وذخائر يكفيهم لسنين عديدة.
أما باكستان فلها موقف غاية في الإحراج، فمن الناحية الداخلية يتعاطف الشعب الباكستاني مع أفغانستان ويبغض الأمريكان بغضًا لم أَرَ له مثيلاً، رغم العلاقة الرسمية الحميمة بين الحكومة الباكستانية والولايات المتحدة، لكني كنت أرى كل أسبوع مظاهرة صاخبة تلعن أمريكا وتتوعدها، رغم أن أمريكا لم تكن بهذه البشاعة الحالية.
ثم إن باكستان حكومة فيدرالية تتكون من أربعة أقاليم، كل إقليم له حكومة كاملة واستقلال يكاد يكون تامًّا، فيما عدا الدفاع، والخارجية، والداخلية. أحد هذه الأقاليم هو بشتونستان ويقع على الحدود الأفغانية، ويسكنه البشتون الذين هم أغلب سكان أفغانستان، ويتكلمون البشتو التي هي لغة الأفغان.. إنهم أفغان قلبًا وقالبًا، هذا فضلاً عن ثلاثة ملايين مهاجر أفغاني يعيشون داخل باكستان، وبقية الشعب الباكستاني يتعاطف بشدَّة مع الأفغان لاتحادهم في المذهب، وأي حكومة تجرؤ على مساعدة الأمريكان في هذا العدوان إنما تجازف برقبتها، بل ليس من مصلحة أي حكومة باكستانية أي تدخل أجنبي في أفغانستان التي تُعَدُّ العمق الإستراتيجي، والمجال الحيوي لباكستان، والظهير الذي تستند إليه في صراعها المرير مع الهند.
لكن من ناحية أخرى إن أحجمت باكستان عن مساعدة أمريكا، فقد تتعرَّض لحرب نووية من تحالف يضم الهند، وأمريكا، وإسرائيل التي تتوق لتدمير المنشآت النووية الباكستانية؛ إذ تُعِدُّها مصدر تهديد إستراتيجي لها.. وأرجِّح أن تقدم باكستان مساعدة لأمريكا، ولكنها ستكون مساعدة غير فعَّالة.
تسليم بن لادن مستبعد
أما عن تسليم بن لادن فهذا أمر مستبعد تمامًا، خاصة في هذه الظروف الضاغطة، وحتى لو كانوا يرغبون بالفعل في التخلص من بن لادن، فلن يفعلوا ذلك تحت ضغط التهديد، مهما تكلَّفوا، فهناك شيء في النفسية الأفغانية يصعب على العقلية الغربية فهمه.
ففي الموروث الثقافي الديني احترام هائل للغريب والمستجير، وهناك في أعماق النفس الأفغانية كبرياء واستعلاء بالإسلام يصعب إدراك مداه، فيستحيل أن يخضعوا للتهديد، ويستحيل أن يظهروا بمظهر المتخاذل عن خوض معركة مهما بدت بلا أمل. في أعماق النفس الأفغانية يقين أنهم لا يقاتلون قومًا من الكافرين، إلا هزموهم بفضل الله سبحانه؛ لأنهم مسلمون، والله لا بد ناصر المسلمين، هذا الأمر بديهي في وعيهم وفي لا وعيهم الباطني.. حتى لو اجتمع عليهم كفار الأرض، فلا بد أنهم منصورون في النهاية، مهما تكبَّدوا من خسائر، هذه قضية مفروغ منها لديهم.. والإنسان كما نعلم هو فكرته عن نفسه.
د. أيمن محمد صبري حمَّاد
إن باكستان في موقف لا تحسد عليه، بل إنها في موقف أكثر حرجًا من موقف أفغانستان؛ لأن أفغانستان ليس لديها ما تخسره.. ليس هناك شيء يمكن ضربه في أفغانستان، ليس لديهم مصانع، وليس لديهم بنية أساسية ولا منشآت حيوية، اللهم إلا سدّ على أحد روافد نهر السند، ولو ضُرِب فستغرق باكستان ولن يضرَّ أفغانستان شيئًا.. ربما هذه أول مرة في التاريخ يتحول شدَّة الفقر، والتخلف العمراني إلى ميزة إستراتيجية حربية.
السيناريوهات المتوقعة
هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة نذكرها إجمالاً، ثم نفصلها بعد ذلك، أولاً: ضربة نووية على كابل وعلى عدة مدن كبيرة. ثانيًا: غارات جوية وقصف صاروخي متواصل حتى يحوِّلوا البلاد إلى كومة من الرماد. ثالثًا: غزو برِّي بعد التمهيد الجوي والصاروخي.
أولاً: الضربة النووية لن تبيد الشعب الأفغاني، فهي تدمِّر مساحة كيلو متر مربع أو اثنين، وهي ستوجَّه بطبيعة الحال إلى المدن. والمدن في أفغانستان مدمَّرة بالفعل، ويهجرها السكان حاليًا، إن التأثير الوحيد للضرب النووي هو الرعب الذي تبثُّه، وهو ما يحمل البلاد على الركوع والتسليم، وهي بالطبع لن تطول بن لادن ولا أحدًا ممن معه.
إن الضرب النووي لن يُرْهب ولن يُركع الأفغان، ليس هذا من المبالغات البلاغية، بل شهادة ممن عايش هذا الشعب الصلب العنيد الذي لا يرهبه الموت، ولن تحصد أمريكا من وراء هذه الحماقة إلا مزيدًا من الإرهاب.
ثانيًا: القصف الصاروخي والغارات الجوية على غرار ما يفعلونه في العراق لن يجدي شيئًا.. أقولها لمن لم يعايش المعارك.. إن الروس كانوا يقصفون المجاهدين المحاصرين لجلال آباد بصاروخ "أسكود" كل 10 دقائق، وكانت محصِّلة هذا القصف لا شيء؛ لأن المجاهدين كانوا منتشرين على مساحة واسعة، ولا يجتمع في المكان الواحد أكثر من عشرة رجال، المدن في أفغانستان مخرَّبة بالفعل، والأهالي يهاجرون منها.. وإذا كانت أمريكا تعول على أن تحالف الشمال سوف يزحف للاستيلاء على السلطة تحت غطاء من القصف الأمريكي فهم واهمون بلا شك؛ لأن مسعود قد مات، وللقائد أهمية قصوى في هذه البلاد، بمعنى أن أي خليفة لمسعود لن يكون "مسعود" هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى إذا جرؤ أي أفغاني على مساعدة الأمريكان أو استغلال الغزو الأمريكي فهي نهايته السياسية والعسكرية بلا شك، بل إن التدخل الأمريكي على هذا النحو سوف يوحِّد الأفغان ضد الأمريكان، وما إن ينتهوا من أمريكا حتى يعودوا لتصفية حساباتهم.
ثالثًا: بعد القصف الساحق تتقدم فرق الكوماندوز للاستيلاء على معسكرات بن لادن وأسره هو شخصيًّا.. وهذه والله هي الحماقة بعينها، فالشعب الأفغاني شعب مسلح مقاتل، بل مقاتل ضارٍ لا يلين ولا يستكين. هذا الشعب هزم الإنجليز مرتين في أوج قوة بريطانيا العظمى، ودحر الروس كما هو معلوم في حرب أدَّت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي، والعرب الذين مع بن لادن أشدُّ ضراوة من الأفغان.. قد يسهل على الأمريكان دخول أفغانستان لكن من المستحيل أن يخرجوا بكرامتهم. وإذا حسبوا أن الكوماندوز يجديهم فتيلاً فليعتبروا بما حدث لفرق الكوماندوز الروسي في جبال جاجى على يدِ ثُلَّة من العرب.
القتال حياة الأفغاني
إن حصار أفغانستان لن يجدي شيئًا؛ لأنهم محاصرون بالفعل، والأفغان يمكنهم التقوُّت بأقل القليل، وبلادهم تزخر بالمياه، والأنهار، والعيون، والينابيع، ليس لديهم بترول، ولا مصانع، ولا بنية أساسية، ولا سياحة، ولا أي شيء يمكن أن يضرَّه الحصار، ويستطيعون الاكتفاء الذاتي بالقليل دون ملل؛ لأن هذه هي طبيعة حياتهم.
هذا الشعب يعشق القتال، ولا يستطيع الحياة دون قتال، فإن لم يجدوا كافرًا يحاربونه.. حارب بعضه بعضًا، فلا يحسبنَّ أحد أنهم قد ملُّوا الحروب، بل إني رأيتهم وقد بدأ الروس في الانسحاب في هم وحزن عميق، ولمَّا استفسرت عن ذلك قالوا إذا انسحب الروس فمن نحارب إذن؟ إن الحرب جزء من حياة الأفغاني، فهم يلخِّصون متع الحياة في ثلاثة أمور {دودي وخري.. تشاي وتشري.. تكان تكان}، أي أكل الخبز، وشرب الشاي، وإطلاق النار.
الدول المجاورة
أما الدول المحيطة بأفغانستان فهي رغم تعاطفها مع الكارثة الأمريكية ورغم عدائها لطالبان {عدا باكستان}، فترفض أو سرعان ما ترفض الغزو الأمريكي أو التواجد الأمريكي في هذا المكان الإستراتيجي الخطير:
الصين من الآن ترفض أن يتواجد الأمريكان في فنائهم الخلفي.. لقد أفزعهم تواجد السوفييت في أفغانستان من قبل، فقدَّموا للمجاهدين مساعدات هائلة، رغم أن الروس آنذاك شيوعيون مثلهم فما بالك بأمريكا.
روسيا تفزع من طالبان وتخاف منها على دول الكومنولث التي تعدها مناطق نفوذ حيوية؛ لذلك تشجِّع أمريكا على ضرب أفغانستان، وتعرض خدماتها، وربما كان المخطط أن تحتل روسيا الشمال وأمريكا الجنوب، لكن على المدى البعيد ليس من مصلحة روسيا وجود أمريكا في قلب آسيا، ويبدو أن الروس يكرِّرون أخطاءهم، فقد ساعدوا أمريكا في عاصفة الصحراء، ثم هاهم يجاهدون لوقف العدوان على العراق، ويأسفون ولا شك على تواجد أمريكا في الخليج، بل ليس من مصلحة أمريكا الاحتكاك بالروس عن قرب.
إيران رغم عداوتها لطالبان فإن وجود أمريكا أمامها في الخليج وخلفها في أفغانستان يُعَدّ كارثة حقيقية، وقد تتحالف مع الشيطان لإخراج أمريكا من أفغانستان.
هذه الحسابات مهمة جدًّا؛ لأن الأفغان لا يحتاجون سوى مصدر للذخائر، وهم عندئذ قادرون بإذن الله تعالى على دحر مائة دولة مثل أمريكا، على الأقل هناك دولتان حدوديتان مستعدتان في هذه اللحظة لتقديم الذخائر للأفغان، وهما الصين وإيران، وإن كان ما لدى الأفغان من سلاح وذخائر يكفيهم لسنين عديدة.
أما باكستان فلها موقف غاية في الإحراج، فمن الناحية الداخلية يتعاطف الشعب الباكستاني مع أفغانستان ويبغض الأمريكان بغضًا لم أَرَ له مثيلاً، رغم العلاقة الرسمية الحميمة بين الحكومة الباكستانية والولايات المتحدة، لكني كنت أرى كل أسبوع مظاهرة صاخبة تلعن أمريكا وتتوعدها، رغم أن أمريكا لم تكن بهذه البشاعة الحالية.
ثم إن باكستان حكومة فيدرالية تتكون من أربعة أقاليم، كل إقليم له حكومة كاملة واستقلال يكاد يكون تامًّا، فيما عدا الدفاع، والخارجية، والداخلية. أحد هذه الأقاليم هو بشتونستان ويقع على الحدود الأفغانية، ويسكنه البشتون الذين هم أغلب سكان أفغانستان، ويتكلمون البشتو التي هي لغة الأفغان.. إنهم أفغان قلبًا وقالبًا، هذا فضلاً عن ثلاثة ملايين مهاجر أفغاني يعيشون داخل باكستان، وبقية الشعب الباكستاني يتعاطف بشدَّة مع الأفغان لاتحادهم في المذهب، وأي حكومة تجرؤ على مساعدة الأمريكان في هذا العدوان إنما تجازف برقبتها، بل ليس من مصلحة أي حكومة باكستانية أي تدخل أجنبي في أفغانستان التي تُعَدُّ العمق الإستراتيجي، والمجال الحيوي لباكستان، والظهير الذي تستند إليه في صراعها المرير مع الهند.
لكن من ناحية أخرى إن أحجمت باكستان عن مساعدة أمريكا، فقد تتعرَّض لحرب نووية من تحالف يضم الهند، وأمريكا، وإسرائيل التي تتوق لتدمير المنشآت النووية الباكستانية؛ إذ تُعِدُّها مصدر تهديد إستراتيجي لها.. وأرجِّح أن تقدم باكستان مساعدة لأمريكا، ولكنها ستكون مساعدة غير فعَّالة.
تسليم بن لادن مستبعد
أما عن تسليم بن لادن فهذا أمر مستبعد تمامًا، خاصة في هذه الظروف الضاغطة، وحتى لو كانوا يرغبون بالفعل في التخلص من بن لادن، فلن يفعلوا ذلك تحت ضغط التهديد، مهما تكلَّفوا، فهناك شيء في النفسية الأفغانية يصعب على العقلية الغربية فهمه.
ففي الموروث الثقافي الديني احترام هائل للغريب والمستجير، وهناك في أعماق النفس الأفغانية كبرياء واستعلاء بالإسلام يصعب إدراك مداه، فيستحيل أن يخضعوا للتهديد، ويستحيل أن يظهروا بمظهر المتخاذل عن خوض معركة مهما بدت بلا أمل. في أعماق النفس الأفغانية يقين أنهم لا يقاتلون قومًا من الكافرين، إلا هزموهم بفضل الله سبحانه؛ لأنهم مسلمون، والله لا بد ناصر المسلمين، هذا الأمر بديهي في وعيهم وفي لا وعيهم الباطني.. حتى لو اجتمع عليهم كفار الأرض، فلا بد أنهم منصورون في النهاية، مهما تكبَّدوا من خسائر، هذه قضية مفروغ منها لديهم.. والإنسان كما نعلم هو فكرته عن نفسه.
د. أيمن محمد صبري حمَّاد