دكتور_احمد
05-10-2001, 10:12 PM
^1
لا يا حبيبتى.. لا تركعى
فى غل.. سحق الصرصار الذى تراقص مختالا فوق رغيفه، وبعدما اختلطت أشلاؤه بالثرى، شعر بالدهشة من هذا الحقد الأسود الذى انقض كالمارد على هذا الكائن الضعيف أمامه، لماذا.. أي إثم اقترفه المسكين يعرضه لهذه الهجمة الغاضبة من هذا المارد الشرس، لأنه لوث رغيفه، أم لأنه يتهادى على أربع بينما هو بواحدة والأخرى خشبية؟
لماذا اكتفت المعمعة بالتهام إحدى ساقيه، ألم يقدم نفسه كلها إليها، ألم يفتدى حبيبته بروحه عن طيب خاطر عندما استغاثت به من الأوغاد، ألم يقدموا على انتهاكها ومحاولة هتك عرضها، يومها اندفع وسلك نفسه بين صفوف شركائه فى حبها، ورهن روحه بتخليصها من الأوغاد الذين أرادوا المساس بها، الإنجليز واليهود والفرنسيين.
وسقط الكثير من شركائه فى حبها، سقط الكثير من الفدائيين فى طريقهم الشائك لتخليص الحبيبة.. بور سعيد، التهمتهم المعمعة واختصهم الموت لنفسه.. ربما ثأرا منهم لسخريتهم منه، كل مرة سخروا منه وهم يواجهونه على أيدى الإنجليز والفرنسيين فى أحشاء حبيبتهم وطرقاتها، وعيل صبره عليهم، فبدأ فى التقاطهم واحدا تلو الآخر، ولم يلتقطه الموت، بل اكتفى بساقه.. وتركه عاجزا متكئا.
هل يسخر منه.. فيحيل؟ على عكاز خشبى رخيص، هل يثأر منه بطريقة أخرى الفدائى الجسور الذى لا يتورع عن إلقاء نفسه فى النيران من أجل حبه وحبيبته، إلى عاجز فقد ساقه ولم يفقد حيويته وقوته؟
توالت الأحداث بعد بتر الساق، أسقط الأهالى وثن المدينة، تمثال ديليسبس، وانسحب أحفاده وجيرانهم الإنجليز مخزيين بعدما اصطلوا بلهيب الفدائيين ليال طويلة، وكرمه أهالى حبيبته كثيرا وأسموه البطل، وتقدم بساقه الوحيدة وعكازه يتقلد الوسام.
واشتعلت الدنيا مرة أخرى.. انهم اليهود وحدهم هذه المرة، عادوا ولا يريدون أن يتركوها، اجتاحوا حبيبته بطائراتهم وقذائفها، واستحالت الحبيبة طلل خربة.
ورفض هجرها مع المهاجرين، الدماء حارة فى عروقه، وهى تناديه ثانية، وفى استطاعته الصمود لهم، فقد صمد لمن هم اقدم منهم واشد منهم بأسا، ولكن ساقه تبا للموت تبا.. ماذا تركه يصارع العجز؟ هل يثأر منه.. هل يلقنه درسا فى مهابته؟
حمله البقية الباقية من معارفه من أهل حبيبته، واجبروه على الرحيل معهم، خرج السمك من الماء ليتخبط فوق شطآن قاحلة بعيدا عن حبيبته، حبيبته التى ينصب فيها وثن جديد.. وثن اليهود.
ست سنوات يطل عليه الوثن.. فى يقظته قبل أحلامه، وما من سبيل إلى تحطيمه، ما من سبيل سوى مجالس من بقى من قدامى الفدائيين، لم يعد لديهم سوى الذكرى يستجدوها، ذكرى حرب العصابات فى طرقات الحبيبة التى استحالت سبل إلى الجحيم يرسلون عبرها الأوغاد إلى هناك، ذكرى ليالى استحالت نهارا من وهج نيران عرباتهم وناقلاتهم بعدما أصابتها عبواتهم الناسفة، ويبتر الحديث لدى ورود ذكرى بتر الساق.
وحينما صكت أذنه أنباء فدائيين الاستنزاف، استعرت النيران فى جسده، وانتفضت ساقه الوحيدة، شهوة تحطيم وثن اليهود تتأجج نيرانها، وتستعر كشهوة الجسد المحروم، هو بالفعل مشتاق للتى هجرها رغما عنه، كيف السبيل إلى وصالها، لا سبيل سوى اللحاق بهؤلاء الشياطين الذين يعبرون القناة بين الحين والحين، ويؤرقون مضاجع اليهود، ولكن كيف..؟ كيف يسلك روحه ونفسه اللتين تتفجران قوى وحيوية فى صفوف هؤلاء المردة الذين نسفوا رصيف إيلات.. كيف؟
واهتز المذياع بنبأ العبور، وسحق وثن اليهود.. خط بارليف.. وتوالت الأنباء، واقتربت حبيبته من نيل حريتها والعودة إليه.. والعودة إليها، أخيرا سيروى روحه من مقلتيها السعيدتين بالرفعة والكبرياء وتحطم الوثن، أخيرا سيلثم شفتاها المنفرجتان بابتسامة فرحة النصر، أخيرا سيضمها فى صدره، ويريح على كتفها رأسه المترعة بعذاب تشفى الموت، ويطفئ بجسدها نيران جسده المتأججة منذ سنوات ست.
وعاد إلى حبيبته مع العائدين، وفى موجة التعمير بدأ رحلة البحث عن عمل لا يشترط ساقين، ووجد أحقر الأعمال تفتح له ذراعيها، ووجد أهالى حبيبته تزدريه فى دوامة لهثهم خلف الحياة الجديدة، فقد وقعوا السلام، وهبطوا وتدنوا من علياء مجدهم وتاريخهم العظيم، إلى حيث الانفتاح الساحر الذى قذف بالعطايا والنعم، خطف الساحر أبصارهم، وتاهوا عنه، وضاق..
ضاق بهم وبتنكر حبيبته له ولقوته وحيويته اللتان تنبضان فى قلبه وجسده، أين يذهب بهما، لم تعد هناك أوثان يفجرهما فيها، فقد خيم الهدوء بعصا الساحر التى فتحت كوة من النعم، وحبيبته لم تعد هى التى وهبها من قبل حبه وروحه ونفسه وساقه، لم تعد هى التى سهر من أجلها حتى يحطم أوثانها، صارت أخرى لا يعرفها ولا تعرفه، أخرى ترفض حبه متوهمة أن فحولته قد مضت مع ساقه، ماذا فعلوا بها حينما أسروها ست سنوات؟ كيف عبثوا بها وبدلوها؟ هل سحروها؟ هى أيضا وبعدما باع الوسام بقروش قليلة ابتاع بها شطائر الفول والفلافل، جلس فى الميناء على شاطئ القناة، يرقب عمائر حبيبته التى تقترب من السماء، وأهلها الذين قصرت أبصارهم عنه، فطالت جلسته ورثت ثيابه، فرأوه أهل حبيبته متسولا شحاذا، وتيقنوا من ذلك بساقه الوحيدة، وفاضوا عليه بإحسانهم، واستنكر فى شدة ورفض، ولكنهم ضحكوا عليه مشفقين، ومستنكرين تعففه، ورغم ذلك لم تمتد يده، اليد التى حطمت وثنهم قديما، لن تتذلل إليهم اليوم، اليد التى فتكت بمن أراد بهم السوء، لن تمتد لتأخذ إحسانهم اليوم.
وفى جلسته فى الميناء، ميز أساطيل الأعداء القدامى الذين صاروا اليوم أصدقاء تمخر عباب القناة، وترسو فى ميناء حبيبته، استطاع أحفاد ديليسبس العودة..
هم وجيرانهم، عادوا إلى المياه التى تقاتلوا عليها، ميزهم من أعلامهم التى حرقها قديما فى طرقات حبيبته.
ها هى أنواع جديدة من الأوثان تطل عليه مرة أخرى، وحبيبته تفتح لها ذراعيها وتركع لها محيية، وأهلها يركعون خلفها ويرتزقون عليها، أقاموا معهم العلاقات التجارية، وكافة العلاقات الأخرى، فهل نسوا.. هل نسوا سبعين عاما من الاحتلال بل هل نسوا ما هو اقدم من ذلك.. تأمر ديليسبس على المساكين الذين حفروا؟
هذه القناة التى يختالون فيها بسفنهم.. وتأمره على عرابى وخداعه له..؟
هل نسوا ما هو اقرب من ذلك.. هل نسوا أنهم حطموا وثنه من قبل.. هل نسوا ساقه؟
وفى غدو هذه الأوثان ورواحها بحرية وسطوه وجاه، لم يفعل سوى ما يفعله منذ بترت ساقه.. الاستسلام، ليس بيده ما يفعله أكثر منه، ليس بيده سوى رغيف قذر لوثه صرصار، وبينما يتأهب لاقتطاع لقمه منه إذ بحركة غير طبيعية فى الميناء، حرس خاص، وجنود شرطة، وأحد الضباط يقترب منه يريد إلقائه خارج الميناء، ولكن أحد العاملين بها يطمئنه تجاهه، وتساءل فى دهشة ماذا ينتوون أن يفعلون؟ فأجابه منقذه أنهم صنعوا تمثالا لديليسبس، وينوون نصبه فى مدخل الميناء.
فغر فاه، بينما الونش مقبلا يحمل الوثن.. التمثال.. ومن خلفه المحافظ وخلفه جمهرة من علية القوم، وصرخة تهدر داخله مع هدير دمه فى عروقه، لن تركع حبيبتى ثانية.. مهما اقترفت يداها فى حقى من نكران.. مهما نبذتنى ورفضت حبى، كفاها ركوع كفاها، لن يحيط الوثن بخصرها.. لن يعتليها.. لن يقتحمها.. لن تركع حبيبتى..
لن تركع.
وهب صارخا: لا.. كفانا ركوع كفانا..
وعلى صرخته انتبه الجميع إلى ذلك العاجز الشحاذ الذى تخطى عقده السادس، يندفع فى قوة وحيوية نحو الونش الذى يحمل تمثال ديليسبس الجديد، ماذا يريد من الونش؟ وماذا تعنى صرخته؟ ولم يطل تساؤلهم، فقد وجدوه يثب بساق واحدة وثبة أوصلته إلى قائد الونش، واندفعوا نحوه هلعين عندما وجدوه يتعارك معه، والتمثال يهتز ويترنح بين كلابتى الونش، وصرخ البعض، وتجمهروا حوله بعدما انتزعوه بعيدا عن التمثال، ليودعوه تلك المصحة العقلية، وصرخته لا تتوقف.. لا يا حبيبتى..
لا تركعى.
تحياتي لكم
د.احمد
لا يا حبيبتى.. لا تركعى
فى غل.. سحق الصرصار الذى تراقص مختالا فوق رغيفه، وبعدما اختلطت أشلاؤه بالثرى، شعر بالدهشة من هذا الحقد الأسود الذى انقض كالمارد على هذا الكائن الضعيف أمامه، لماذا.. أي إثم اقترفه المسكين يعرضه لهذه الهجمة الغاضبة من هذا المارد الشرس، لأنه لوث رغيفه، أم لأنه يتهادى على أربع بينما هو بواحدة والأخرى خشبية؟
لماذا اكتفت المعمعة بالتهام إحدى ساقيه، ألم يقدم نفسه كلها إليها، ألم يفتدى حبيبته بروحه عن طيب خاطر عندما استغاثت به من الأوغاد، ألم يقدموا على انتهاكها ومحاولة هتك عرضها، يومها اندفع وسلك نفسه بين صفوف شركائه فى حبها، ورهن روحه بتخليصها من الأوغاد الذين أرادوا المساس بها، الإنجليز واليهود والفرنسيين.
وسقط الكثير من شركائه فى حبها، سقط الكثير من الفدائيين فى طريقهم الشائك لتخليص الحبيبة.. بور سعيد، التهمتهم المعمعة واختصهم الموت لنفسه.. ربما ثأرا منهم لسخريتهم منه، كل مرة سخروا منه وهم يواجهونه على أيدى الإنجليز والفرنسيين فى أحشاء حبيبتهم وطرقاتها، وعيل صبره عليهم، فبدأ فى التقاطهم واحدا تلو الآخر، ولم يلتقطه الموت، بل اكتفى بساقه.. وتركه عاجزا متكئا.
هل يسخر منه.. فيحيل؟ على عكاز خشبى رخيص، هل يثأر منه بطريقة أخرى الفدائى الجسور الذى لا يتورع عن إلقاء نفسه فى النيران من أجل حبه وحبيبته، إلى عاجز فقد ساقه ولم يفقد حيويته وقوته؟
توالت الأحداث بعد بتر الساق، أسقط الأهالى وثن المدينة، تمثال ديليسبس، وانسحب أحفاده وجيرانهم الإنجليز مخزيين بعدما اصطلوا بلهيب الفدائيين ليال طويلة، وكرمه أهالى حبيبته كثيرا وأسموه البطل، وتقدم بساقه الوحيدة وعكازه يتقلد الوسام.
واشتعلت الدنيا مرة أخرى.. انهم اليهود وحدهم هذه المرة، عادوا ولا يريدون أن يتركوها، اجتاحوا حبيبته بطائراتهم وقذائفها، واستحالت الحبيبة طلل خربة.
ورفض هجرها مع المهاجرين، الدماء حارة فى عروقه، وهى تناديه ثانية، وفى استطاعته الصمود لهم، فقد صمد لمن هم اقدم منهم واشد منهم بأسا، ولكن ساقه تبا للموت تبا.. ماذا تركه يصارع العجز؟ هل يثأر منه.. هل يلقنه درسا فى مهابته؟
حمله البقية الباقية من معارفه من أهل حبيبته، واجبروه على الرحيل معهم، خرج السمك من الماء ليتخبط فوق شطآن قاحلة بعيدا عن حبيبته، حبيبته التى ينصب فيها وثن جديد.. وثن اليهود.
ست سنوات يطل عليه الوثن.. فى يقظته قبل أحلامه، وما من سبيل إلى تحطيمه، ما من سبيل سوى مجالس من بقى من قدامى الفدائيين، لم يعد لديهم سوى الذكرى يستجدوها، ذكرى حرب العصابات فى طرقات الحبيبة التى استحالت سبل إلى الجحيم يرسلون عبرها الأوغاد إلى هناك، ذكرى ليالى استحالت نهارا من وهج نيران عرباتهم وناقلاتهم بعدما أصابتها عبواتهم الناسفة، ويبتر الحديث لدى ورود ذكرى بتر الساق.
وحينما صكت أذنه أنباء فدائيين الاستنزاف، استعرت النيران فى جسده، وانتفضت ساقه الوحيدة، شهوة تحطيم وثن اليهود تتأجج نيرانها، وتستعر كشهوة الجسد المحروم، هو بالفعل مشتاق للتى هجرها رغما عنه، كيف السبيل إلى وصالها، لا سبيل سوى اللحاق بهؤلاء الشياطين الذين يعبرون القناة بين الحين والحين، ويؤرقون مضاجع اليهود، ولكن كيف..؟ كيف يسلك روحه ونفسه اللتين تتفجران قوى وحيوية فى صفوف هؤلاء المردة الذين نسفوا رصيف إيلات.. كيف؟
واهتز المذياع بنبأ العبور، وسحق وثن اليهود.. خط بارليف.. وتوالت الأنباء، واقتربت حبيبته من نيل حريتها والعودة إليه.. والعودة إليها، أخيرا سيروى روحه من مقلتيها السعيدتين بالرفعة والكبرياء وتحطم الوثن، أخيرا سيلثم شفتاها المنفرجتان بابتسامة فرحة النصر، أخيرا سيضمها فى صدره، ويريح على كتفها رأسه المترعة بعذاب تشفى الموت، ويطفئ بجسدها نيران جسده المتأججة منذ سنوات ست.
وعاد إلى حبيبته مع العائدين، وفى موجة التعمير بدأ رحلة البحث عن عمل لا يشترط ساقين، ووجد أحقر الأعمال تفتح له ذراعيها، ووجد أهالى حبيبته تزدريه فى دوامة لهثهم خلف الحياة الجديدة، فقد وقعوا السلام، وهبطوا وتدنوا من علياء مجدهم وتاريخهم العظيم، إلى حيث الانفتاح الساحر الذى قذف بالعطايا والنعم، خطف الساحر أبصارهم، وتاهوا عنه، وضاق..
ضاق بهم وبتنكر حبيبته له ولقوته وحيويته اللتان تنبضان فى قلبه وجسده، أين يذهب بهما، لم تعد هناك أوثان يفجرهما فيها، فقد خيم الهدوء بعصا الساحر التى فتحت كوة من النعم، وحبيبته لم تعد هى التى وهبها من قبل حبه وروحه ونفسه وساقه، لم تعد هى التى سهر من أجلها حتى يحطم أوثانها، صارت أخرى لا يعرفها ولا تعرفه، أخرى ترفض حبه متوهمة أن فحولته قد مضت مع ساقه، ماذا فعلوا بها حينما أسروها ست سنوات؟ كيف عبثوا بها وبدلوها؟ هل سحروها؟ هى أيضا وبعدما باع الوسام بقروش قليلة ابتاع بها شطائر الفول والفلافل، جلس فى الميناء على شاطئ القناة، يرقب عمائر حبيبته التى تقترب من السماء، وأهلها الذين قصرت أبصارهم عنه، فطالت جلسته ورثت ثيابه، فرأوه أهل حبيبته متسولا شحاذا، وتيقنوا من ذلك بساقه الوحيدة، وفاضوا عليه بإحسانهم، واستنكر فى شدة ورفض، ولكنهم ضحكوا عليه مشفقين، ومستنكرين تعففه، ورغم ذلك لم تمتد يده، اليد التى حطمت وثنهم قديما، لن تتذلل إليهم اليوم، اليد التى فتكت بمن أراد بهم السوء، لن تمتد لتأخذ إحسانهم اليوم.
وفى جلسته فى الميناء، ميز أساطيل الأعداء القدامى الذين صاروا اليوم أصدقاء تمخر عباب القناة، وترسو فى ميناء حبيبته، استطاع أحفاد ديليسبس العودة..
هم وجيرانهم، عادوا إلى المياه التى تقاتلوا عليها، ميزهم من أعلامهم التى حرقها قديما فى طرقات حبيبته.
ها هى أنواع جديدة من الأوثان تطل عليه مرة أخرى، وحبيبته تفتح لها ذراعيها وتركع لها محيية، وأهلها يركعون خلفها ويرتزقون عليها، أقاموا معهم العلاقات التجارية، وكافة العلاقات الأخرى، فهل نسوا.. هل نسوا سبعين عاما من الاحتلال بل هل نسوا ما هو اقدم من ذلك.. تأمر ديليسبس على المساكين الذين حفروا؟
هذه القناة التى يختالون فيها بسفنهم.. وتأمره على عرابى وخداعه له..؟
هل نسوا ما هو اقرب من ذلك.. هل نسوا أنهم حطموا وثنه من قبل.. هل نسوا ساقه؟
وفى غدو هذه الأوثان ورواحها بحرية وسطوه وجاه، لم يفعل سوى ما يفعله منذ بترت ساقه.. الاستسلام، ليس بيده ما يفعله أكثر منه، ليس بيده سوى رغيف قذر لوثه صرصار، وبينما يتأهب لاقتطاع لقمه منه إذ بحركة غير طبيعية فى الميناء، حرس خاص، وجنود شرطة، وأحد الضباط يقترب منه يريد إلقائه خارج الميناء، ولكن أحد العاملين بها يطمئنه تجاهه، وتساءل فى دهشة ماذا ينتوون أن يفعلون؟ فأجابه منقذه أنهم صنعوا تمثالا لديليسبس، وينوون نصبه فى مدخل الميناء.
فغر فاه، بينما الونش مقبلا يحمل الوثن.. التمثال.. ومن خلفه المحافظ وخلفه جمهرة من علية القوم، وصرخة تهدر داخله مع هدير دمه فى عروقه، لن تركع حبيبتى ثانية.. مهما اقترفت يداها فى حقى من نكران.. مهما نبذتنى ورفضت حبى، كفاها ركوع كفاها، لن يحيط الوثن بخصرها.. لن يعتليها.. لن يقتحمها.. لن تركع حبيبتى..
لن تركع.
وهب صارخا: لا.. كفانا ركوع كفانا..
وعلى صرخته انتبه الجميع إلى ذلك العاجز الشحاذ الذى تخطى عقده السادس، يندفع فى قوة وحيوية نحو الونش الذى يحمل تمثال ديليسبس الجديد، ماذا يريد من الونش؟ وماذا تعنى صرخته؟ ولم يطل تساؤلهم، فقد وجدوه يثب بساق واحدة وثبة أوصلته إلى قائد الونش، واندفعوا نحوه هلعين عندما وجدوه يتعارك معه، والتمثال يهتز ويترنح بين كلابتى الونش، وصرخ البعض، وتجمهروا حوله بعدما انتزعوه بعيدا عن التمثال، ليودعوه تلك المصحة العقلية، وصرخته لا تتوقف.. لا يا حبيبتى..
لا تركعى.
تحياتي لكم
د.احمد